آداب من سورة الحجرات

عبدالله بن حسن القعود

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ سورة الحجرات سورة الآداب 2/ وجوب التثبت في نقل الأخبار 3/ خطورة النميمة والتجسس وآثارهما المدمرة 4/ أقسام الظن وحكمه

اقتباس

سورة الحجرات المسماة بسورة الآداب، والتي رغم قصرها النسبي نودي المؤمنون فيها بخمسة نداءات، نودوا فيها بأسمى وأطيب الأوصاف وأحبها إلى مسامعهم وأقواها لمساً لمشاعرهم، واستجاشة لقلوبهم، نداءات تستحق أن تصاخ لها الآذان، وأن تتقبلها القلوب، وأن تتحرك بمقتضاها الجوارح، حسبة لله سبحانه، وسيراً على منهاج رسوله صلى الله عليه وسلم

 

 

 

 

الحمد لله العليم بما نخفي وما نعلن، وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء، أحمده سبحانه وأستغفره، وأعوذ به من شر الوسواس الخناس، الذي يوسوس في صدور الناس، من الجنة والناس.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وإذا مروا باللغو مروا كراماً، وعلى أتباعه الذين حفظوا ألسنتهم من أن تجر إلى المسلمين سوءاً، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: فلقد أنزل الله القرآن الكريم هداية ورحمة وبياناً وحجة وذكراً وموعظة، أنزله ليعرف الناس به ربهم، وليعبدوه به تعالى العبادة الحقة التي خلقوا لها، والتي أرسل بها رسله، وأنزل بها كتبه.

أنزله ليؤخذ كلاً لا بعضاً، ليؤخذ معتقداً وسلوكاً وعبادة ومعاملة وحكماً وتحاكماً، بل وخلقاً وآداباً، ولقد أنزل الله تعالى في هذا القرآن سورة عظيمة المعنى، كبيرة القدر، تضمنت حقائق كبيرة من حقائق العقيدة والشريعة المترابطة المتشادة فيما بينها (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) [الأعراف:54]

تلكم سورة الحجرات المسماة بسورة الآداب، والتي رغم قصرها النسبي نودي المؤمنون فيها بخمسة نداءات، نودوا فيها بأسمى وأطيب الأوصاف وأحبها إلى مسامعهم وأقواها لمساً لمشاعرهم، واستجاشة لقلوبهم، نداءات تستحق أن تصاخ لها الآذان، وأن تتقبلها القلوب، وأن تتحرك بمقتضاها الجوارح، حسبة لله سبحانه، وسيراً على منهاج رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول الله -سبحانه وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) [الحجرات:1] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ) [الحجرات:2] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا) [الحجرات:6] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ) [الحجرات:11] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا) [الحجرات:12]

ولنأخذ في هذه العجالة التذكير بثلاثة موضوعات أو ثلاثة آداب، آداب عظمى تلزم للمسلمين جميعاً جماعات أو فراداً، مسئولين أو غير مسئولين، ولا سيما في مثل هذا العصر الذي اختلط حابله بنابله، ثلاثة مما تلي هذه النداءات الخمسة من أوامر أو نواهٍ، فما من نداء مثل هذه ويتلوه أمر بخير أو نهي عن شر، كما قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-.

أول هذه الأمور ما تضمنه قوله سبحانه: (إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا) [الحجرات:6] أي تثبتوا في خبره، محصوه تمحيصاً بحق وعدل؛ لئلا يكون كاذباً أو مخطئاً فيجركم ذلك إلى أن تصيبوا قوماً بجهالة، قوماً هنا نكرة تعم الذكر والأنثى والصالح والطالح، عدلاً بين الناس وإحساناً إليهم، واحتراماً لدمائهم وأموالهم وأعراضهم، فتصبحوا على ما فعلتم من اعتماد على قبول خبر الفاسق فيهم نادمين معرضين للوعيد في قول الله سبحانه: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) [الأحزاب:58]

فليتق الله المسلم، ولا سيما المسئول، وليأخذ بهذه الآداب -فتبينوا-، ليتق الله من مطيته في النيل من الأبرار روايات وأخبار الفجار، وليتذكر أن الإنسان كما يدين يدان -أي يجازى بمثل عمله-.

ثاني هذه الأمور وثالثها ما تضمنه قوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا) [الحجرات:12] والظن الذي أمرنا هنا باجتنابه هو بمعنى التهمة التي لا يعرف لها أمارات صحيحة، ولا أسباب ظاهرة، ولا سيما إن كان المظنون به من أهل الأمانة ظاهراً، والستر والصلاح، وهو -أي الظن- بهذا الاعتبار حرام لقوله سبحانه: (اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) وقول رسوله -صلى الله عليه وسلم-: "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث" متفق عليه.

ويشتد تحريمه ويعظم إثمه إذا جر الظان للتجسس على المظنون به، التجسس الذي نهينا عنه بقول الله سبحانه: (وَلا تَجَسَّسُوا)، وقول رسول -صلى الله عليه وسلم-: "لا تجسسوا ولا تحسسوا" متفق عليه. أي لا يبحث أحدكم عن عيوب وعورات لأخيه.

ويروى عن أبي برزة الأسلمي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإن من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته" رواه أحمد وأبو داود.

وفي كتاب أبي داود عن معاوية -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم".

وكفى هذه الفعلة قبحاً أن صاحبها كالذباب لا يكاد يقع إلا على المستقذرات والمنتنات والمستقبحات ذوقاً وعرفاً، بل وشرعاً.

وكما يشتد تحريم الظن السيء ويعظم إثمه إذا جر الظان للتجسس على المظنون به، فإنه يشتد ويعظم ويقبح أكثر فأكثر إذا أدى إلى نقل الظان عن المظنون للغير قولاً أو فعلاً أو أي أمر يشينه، ولا سيما عند من بيده حول أو صول من الناس لارتكابه جريمة عظمى وداهية كبرى جريمة.

وداهية النميمة المعرفة من العلماء: أنها نقل كلام شخص لآخر على وجه التحريش والإفساد، وأنها محرمة بإجماع أهل العلم؛ لما جاء فيها من نصوص، ولما فيها من إفساد وفساد.

ولا جرم، فلكم جرت من ويلات، وأفسدت من صلات، وكشفت وتكشف من عورات، كم بذرت وتبذر من بذور للشحناء، وأرست وترسى من قواعد للعداوة والبغضاء، كم خربت من بيوت عامرة، وفرقت من أسر مجتمعة، وأزهقت من أرواح بريئة، ودرءاً لإفسادها عن الأمة وحماية للأسرة المسلمة من آثارها جاءت نصوص بريئة، ودرءاً لإفسادها عن الأمة وحماية للأسرة المسلمة من آثارها جاءت نصوص الكتاب والسنة بتهديد ووعيد مرتكبيها ومستقبليها يقول سبحانه: (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) [القلم:10-11]

ويقول رسوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يدخل الجنة نمام" متفق عليه. وعن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: مر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقبرين، فقال: "إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، بلى إنه كبير: أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله" متفق عليه.

فاتّقوا الله إخوة الإسلام: واحذروا داء النميمة والوشاية الداء العضال المفرق بين الأحبه، الباغي للبرءاء العيب.

احذروه فإن إثمه مركب من عدة آثام، إثم الظن السيء أولاً، ثم إثم التجسس ثانياً، ثم إثم النقل ثالثاً، وإن تلاها الرابع وهو أخذ الأجر على ذلك، كانت طامته لأخذه الأجر على فساد ذات البين التي أمر الله أن تصلح بقوله سبحانه: (وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ) [الأنفال:1] والذي لا يقل حرمة عن حلوان الكاهن، ومهر البغي، وثمن الكلب، رحماك اللهم يا رب، ولا حول ولا قوة إلا بك، نستغفرك اللهم ونتوب إليك.

 

  

 

الخطبة الثانية:

 

أيها الأخوة: عوداً على ما مر في الخطبة الأولى، أذكر بأن الظن قسمان: مذموم، وهو ما سمعتم القول فيه مما لم تظهر عليه علامات ولا أسباب ظاهرة، ولا سيما إن كان حول من ظاهره الستر والصلاح.

وقد أثر عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: "لا تظن بكلمة خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملاً".

وقسم غير مذموم: وهو ما كان حول ذي الشر والفساد، ولا سيما إن كان المظنون به مما يتعدى شره ويعم أثره؛ كالمخدرات وبؤر الفساد، ونحو ذلكم مما فيه خطر على أمن المسلمين، أو على أي واحدة من الضروريات الخمس للإنسان التي أمر الشرع باحترامها، وهي: النفس والمال والدم والعرض والعقل؛ فلحماية هذه الأمور حسبة لله وعدلاً بين عباده، ويؤخذ بالظن فيها، وفي أمثالها ابتداءً؛ ينطلق به في تتبع قضايا المفسدين، ولا يكون ذلك مذموماً، بل قد يكون مندوباً أو واجباً.

 

 

  

المرفقات

من سورة الحجرات

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات
عضو نشط
زائر
06-02-2021

شكرا جزيلا 💖👍

عضو نشط
زائر
22-02-2024

استمر وفقك الله