عناصر الخطبة
1/شريعة كاملة صالحة لكل زمان ومكان 2/اعتناء شريعة الإسلام ببيان الآداب المحمودة 3/أبرز آداب المجالس 4/التأدب بآداب الإسلام فيه خير عظيم.اقتباس
ومن آداب المجالس: صيانتها عن الكلام الفاحش، وعن الأمور المحرمة كالوقوع في أعراض الناس والاستهزاء بدين الله أو اختلاط الرجال بالنساء أو الموسيقى والمعازف، فلا يجوز الجلوس في هذه المجالس...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: جاء رجل من المشركين إلى سلمان الفارسي -رضي الله عنه- يستهزئُ به يقول: عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَة -أي: حتى آداب قضاء الحاجة-، قَالَ: فَقَالَ: أَجَلْ "لَقَدْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ، أَوْ بَوْلٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ بِعَظْمٍ".
فشريعة الإسلام شريعةٌ كاملةٌ صالحةٌ لكل زمان ومكان، فيها بيان كُلِّ ما فيه سعادتنا، ومن ذلك ما يتعلق بالآداب؛ سواءٌ آداب قضاء الحاجة، أو آداب السفر، أو آداب الضيافة أو آداب قراءة القرآن أو آداب المساجد، وغير ذلك من الآداب.
ومن الآداب التي نحتاج لمعرفتها والتذكير بها ما يتعلق بآداب المجالس؛ فإن المجالس لها آداب إذا وُجدت فإنه يحصل بهذه المجالس خيرٌ كبير.
فمن آداب المجالس: إذا دخلت المجلس فإنك تسلم على الحاضرين "السلام عليكم"، والأكمل "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"، وكذلك إذا أراد أن يخرج من المجلس يُسلِّم فقد جاء في سنن أبي داود من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا انْتَهَى أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَجْلِسِ، فَلْيُسَلِّمْ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ، فَلْيُسَلِّمْ؛ فَلَيْسَتِ الْأُولَى بِأَحَقَّ مِنَ الْآخِرَةِ".
وبعضهم يدخل يقول: مساء الخير، أو صباح الخير، ولا يُسلِّم، وهذا خطأ؛ سَلِّم أولاً، ثم قل إن شئت مساء الخير أو صباح الخير، ونحو هذه العبارات.
والسُّنَّة المُصافَحة لأهل المجلس، وفيها أجر عظيم؛ فقد جاء في سنن أبي داود من حديث الْبَرَاءِ وهو حديث صحيح، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ، فَيَتَصَافَحَانِ إِلَّا غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا"، ولكن لو كان المجلس كبيراً كقصور الأفراح، وشق على الداخل المصافحة فإنه ينبغي أن يُعذَر في ذلك، ولا يُشدَّد عليه.
وأما المعانقة فهي لمن كان قادماً من السفر؛ فقد كان أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا قدموا من السفر تعانقوا.
ومن آداب المجالس: أن لا يقيم الرجل الآخر من مكانه ولو كان صغيراً، ولكن يُوسّع الناس بعضهم لبعض، ويتوسعون حتى يجد الداخل له مكاناً؛ ففي صحيح مسلم عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِنْ مَقْعَدِهِ، ثُمَّ يَجْلِسُ فِيهِ وَلَكِنْ تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا".
ولكن لو قام الجالس عن مكانه لشخص آخر إكراماً له كقيامه لمن هو أكبر منه أو من أهل الفضل أو ضيف؛ فلا بأس، والناس يعدون هذا من إكرام الداخل للمجلس.
ومن آداب المجالس: أن مَن قام مِن مكانه ثم رجع إليه فهو أحق به من غيره؛ كما جاء في الحديث الصحيح.
ومن آداب المجالس: إذا كان هناك مكانٌ مُخصص للضيوف ككراسي أو لصاحب المجلس؛ فلا يجوز الجلوس فيه إلا بإذن من صاحب المجلس؛ فقد جاء في صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ"، والتَّكْرِمة هي ما يُكرَم به صاحب البيت أو الضيف من فراش أو كرسي أو مكان مُخصص.
ومن آداب المجالس: حفظ أسرار المجلس فقد يكون المجلس خاصاً، ويتحدث الجالسون بأمور لا يحبُّون أن تخرج بينهم، فلا يجوز نشرها بين الناس، أو ربما تكلموا في غيرهم فلا يجوز نقل هذا الكلام؛ لأن هذا من النميمة، وهي من كبائر الذنوب؛ يقول -عليه الصلاة والسلام-: "لا يدخل الجنة نمام".
وبعضهم يقوم بتصوير الحاضرين عن طريق جوّاله، ونشر ذلك، مما يترتب عليه شرٌ عظيم.
ومن آداب المجالس: صيانتها عن الكلام الفاحش وعن الأمور المحرمة كالوقوع في أعراض الناس والاستهزاء بدين الله أو اختلاط الرجال بالنساء أو الموسيقى والمعازف، فلا يجوز الجلوس في هذه المجالس؛ يقول -تعالى-: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُم)[النساء: 140].
ومن آداب المجالس: أن لا يستمع لحديث مَن لا يريدون أحداً أن يسمعهم؛ فأحياناً يدل شخص المجلس، ويذهب ويجلس بقرب أناسٍ يتحدثون بينهم في ناحية من المجلس، ويحاول أن يسمع ماذا يقولون، وهذا من كبائر الذنوب، ومثلها أن يحاول يقرأ رسائل الذي يجلس بجانبه بدون إذنه؛ فقد جاء في صحيح البخاري من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "وَمَنِ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ، وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ، أَوْ يَفِرُّونَ مِنْهُ، صُبَّ فِي أُذُنِهِ الآنُكُ -أي الرصاص المذاب- يَوْمَ القِيَامَةِ"؛ فالله -عبادَ الله- في التأدب بآداب الإسلام ففيها خيرٌ عظيم.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله؛ والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أما بعد: من آداب المجالس -عباد الله- التغافل عما يحصل فيها؛ فربما شخص يسقط كأس العصير أو القهوة من يده أو يريد الحديث، ويخطئ في الكلام، أو تكون عند شخص في مجلسه في بيته فُيفتح الباب فتنكشف بعض عورات البيت؛ فمن الأدب أن تتغافل، وكأنك ما رأيت شيء ولا سمعت شيء حتى لا تحرج الناس.
ومن آداب المجالس: إذا وُضِعَ الطعام فلا تسبق الناس إليه، وكأنك إنما حضرت من أجل أن تملأ بطنك، وهذا –للأسف- يُلاحَظ في كثير من مجالسنا؛ إذا وُضِعَ الطعام تسابق الشباب إليه، وتقدموا على حتى على الضيوف وعلى كبار السن وعلى أهل الفضل، وهذا يدل على عدم احترام وتقدير الضيوف وكبار السن.
ومن آداب المجالس: حُسن الإنصات في المجلس لمن يتحدث فبعض الناس تجلس معهم تتحدث وكل شخصٍ قد أخرجه جواله ينظر فيه، ويتأكد هذا الأدب إذا كان المتحدث يلقي موعظة أو كلمة لتذكير الناس، وللأسف إن بعض الناس حتى لو جلس في مجلس والديه أخرج الجوال وانشغل عنهما!
ومن آداب المجالس: الابتعاد عن الأشياء التي تؤذي الآخرين كالروائح الكريهة فبعض الناس بدل ما يُطيب الحاضرين بالطيب يشعل السيجارة ويدخن في المجلس! وبعضهم يحضر للمجالس بروائح كريهة كرائحة العرق أو غير ذلك، وبعضهم إذا جلس في المجلس رفع صوته بدون داعٍ؛ فالمجلس صغير والصوت يسمعه الجميع، ولكنه يحاول رفع صوته ويرى أن هذا من صفات الرجولة، وهذا من الجهل؛ فرفع الصوت بدون حاجة ليس من الأدب والله -سبحانه وتعالى- يقول: (وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ)[لقمان: 19].
ومن آداب المجالس: أن يكون في المجلس شيء من ذِكْر الله، ولو يسيراً، كآيات تُقْرَأ أو حديث، أو يذكر الإنسان ربه؛ حتى لا يكون المجلس حسرة على الإنسان؛ فقد جاء في سنن أبي داود من حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه، وهو حديث صحيح-؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ قَوْمٍ يَقُومُونَ مِنْ مَجْلِسٍ لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِيهِ، إِلَّا قَامُوا عَنْ مِثْلِ جِيفَةِ حِمَارٍ وَكَانَ لَهُمْ حَسْرَةً".
أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يرزقنا حُسْن الأدب، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهديها إليها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم