عناصر الخطبة
1/ مدارسة قصة يوم عاشوراء 2/ سرد لأبرز أحداث قصة نبي الله موسى عليه السلام 3/ درسٌ في الثباتِ على الدين 4/ الحث على صيام يوم عاشوراء.اقتباس
يُولَدُ موسى -عليهِ السلامُ- في هذهِ الظروفِ، والخطَرُ محيطٌ بِه، وتحتارُ أمُّه، وتَرتَجِفُ خَشيَةَ أنْ تتناولُ عُنُقَهُ سِكِّينُ فرعون.. وهُنا يكونُ امتحانُ الإيمان، وفِعلاً تُطيعُ ما أوحِيَ إليها وتَأخُذُ وَليدَها، وتجعلُه في التابوت، وتُلقيهِ في اليَّمِّ، ويَمضي البحرُ بهذا الغُلامِ الصغير؛ الذي لا يَملكُ لنفسهِ ضَرَّاً ولا نَفعاً، وكأنَّ اللهَ يقولُ لِفِرعون: يا فرعونُ لا تُتعِبْ نَفسَكَ بالبَحْثِ عن الغُلامِ الذي سَيَزولُ مُلكُكَ على يَدِهِ؛ فإنَّه سَيَتَربَّى في بَيتِكَ ويأكُلُ من طَعامِكَ ويلبسُ من كِسائِكَ...
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ ذي الفضلِ والنِّعَم، الحمدُ للهِ ذي الجودِ والكَرَم، الحمدُ للهِ الذي علَّمَ بالقَلَم، عَلَّمَ الإنسانَ ما لمْ يَعلَم، أحْمَدُهُ -سبحانه وتعالى- وأشكُرُه، هَدى، ويَسَّر، ووَفَّق، وألهَم، وأطلَعَ على الأسرارِ والحِكَم.
وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَه لا شريكَ لَه، شهادَةً مُبَرَّأة ًمن الشَّكِّ والرَّيْبِ والتُّهَم. وأشهدُ أنَّ سيِّدَنا ونبيَّنا محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه، النبيُّ الأعظَم، والهادِي الأكرَم، المبعوثُ للعربِ والعَجَم، صلى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليهِ، وعلى آلهِ وصحبهِ الذين هم مِنَّا بدينِ اللهِ أعلَم، وبمنهاجِ اللهِ -تعالى- وعلى السيرِ عليهِ أسلَم وأحكَم، والتابعينَ، ومن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وسلَّمَ تَسليماً كبيراً.
أما بعد: أيها الإخوةُ الكرام: في مثل هذه الأيام قبل آلاف السنين، في يوم عاشوراء أنجى الله -تعالى- موسى وقومه المؤمنين من فرعون وقومه.
فما قِصَّةُ يومِ عاشوراء؟ ولماذا صامَهُ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-؟ وما هي العِبَرُ والعِظاتُ التي يَقِفُ عليها المسلمُ من هذا اليومِ العظيم؟
أيها الإخوةُ المؤمنون: دخلَ يعقوبُ -عليهِ السلامُ- أرضَ مِصْرَ مع بنيهِ، قادِماً من فلسطين بدعوةٍ من ابنهِ يوسفَ -عليهِ السلام-، الذي كان وزيراً على خَزَائِنِ الأرض؛ لأنهُ حفيظٌ عليم، وما إنْ استقَرَّ يعقوبُ مع بنيهِ في مِصر؛ حتى تَبَوَّؤا أعلى المناصِبِ، فحَسَدَهم أهلُ مِصْرَ الأصليينَ، فبدَؤوا يُعادونَهم ويَعزِلونَهم عن المناصِبِ والوِلايات.
وتَتابَعَ نَسْلُ يعقوبَ وبنيهِ حتى مَلَكَ فِرعَونُ مِصْرَ فَرأى في مَنامِهِ أنَّ مُلكَه يَزولُ على يَدِ غُلامٍ يُولَدُ من بني إسرائيل، فاستَشاطَ غَضَباً، وأمرَ بذبحِ كُلِّ مَولودٍ ذَكَرٍ من بني إسرائيل، وجعلَ يَستَخْدِمُ الرجالَ والنساءَ في الأعمالِ الشاقَّةِ، وفي ذلك يقولُ ربُّنا: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) [القصص: 4].
ويُريدُ اللهُ -تعالى- غيرَ مُرادِ فرعون، ويُقَدِّرُ غيرَ تَقديرِه، وكثيرٌ من الطُّغاةِ تَخدَعُهم قُوتُهم، فيظنونَ أنَّ القدرَ يقعُ كما يُريدون، ولا يعلمونَ أنَّ اللهَ -تعالى- يأتيهم من حَيثُ لا يحتسبون.
لكنَّ اللهَ -تعالى- يَتحدَّى فرعونَ قال الله: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) [القصص: 5- 6].
يُولَدُ موسى -عليهِ السلامُ- في هذهِ الظروفِ، والخطَرُ محيطٌ بِه، وتحتارُ أمُّه، وتَرتَجِفُ خَشيَةَ أنْ تتناولُ عُنُقَهُ سِكِّينُ فرعون، ويُوحي اللهُ -تعالى- إليها: (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ) [طه: 39].
وهُنا يكونُ امتحانُ الإيمان، وفِعلاً تُطيعُ ما أوحِيَ إليها وتَأخُذُ وَليدَها، وتجعلُه في التابوت، وتُلقيهِ في اليَّمِّ، ويَمضي البحرُ بهذا الغُلامِ الصغير؛ الذي لا يَملكُ لنفسهِ ضَرَّاً ولا نَفعاً، وكأنَّ اللهَ يقولُ لِفِرعون: يا فرعونُ لا تُتعِبْ نَفسَكَ بالبَحْثِ عن الغُلامِ الذي سَيَزولُ مُلكُكَ على يَدِهِ؛ فإنَّه سَيَتَربَّى في بَيتِكَ ويأكُلُ من طَعامِكَ ويلبسُ من كِسائِكَ.
ويُربِّي فرعونُ الغُلامَ ويَبحثُ لهُ عن مُرضِعاتٍ، قال الله –تعالى-: (فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [القصص: 13] وتنتهي فترَةُ الرِّضاع، ويَغدو موسى عليه السلام شاباً يافِعاً، وخرجَ يَتَجوَّلُ يَوماً وقتَ الظهيرةِ (فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ) أي من بني إسرائيل، من أبناءِ عُمومَتِه (هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ) [القصص: 15].
وانتشرَ الخبَرُ بعدَها أنَّ موسى قَتلَ رجُلاً من المصريين، فأجمَعوا أمرَهم ليَقتُلوه، فخرجَ من مصرَ خائِفاً يَتَرَقَّب، (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) [القصص: 23- 24].
وتعودُ الفتاتانِ إلى أبيهما، فيسألهما ما سِرُّ تَبكيرِكما اليوم؟ فتُخبرانِه، أنَّ رجُلاً شديداً، أميناً، قَوياً، قد سقى لهما، فأمرَهما أنْ يأتيا بهِ إليه. قال الله: (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ) قال ابن عباس:" ليستْ خَرّاجةً وَلَّاجةً ولا تَلتفتُ يميناً ويَساراً؛ إنما تَمشي على استحياءٍ".
(قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ) بدَأتْ بأبيها ليعلمَ أنَّ الداعي لهُ رجلٌ ليسَ امرأةً (إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ) لماذا؟ (لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ * قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ) [القصص: 25- 28].
وتمضي السنون، ويَرعى موسى -عليهِ السلامُ- الغَنَمَ، كما رَعاها الأنبياء، يَرعى الغنمَ لينسى الترَفَ الذي عاشَهُ في بيتِ فرعون، ليأكلَ الطعامَ الناشِف، ويشبعَ يوماً ويجوعَ يوما، ويَعطَشَ يوماً ويَروى يوما، ليلبسَ أخشَنَ الكِساءِ ويَذوقَ التعبَ الذي يعيشُه عامَّةُ الناس.
مَكَثَ موسى -عليهِ السلامُ- عشرَ سنينَ عندَ الرجلِ الصالحِ ثم استأذنَ صِهرَهُ في الرجوعِ إلى مصرَ، عَجَباً!! يَرجِعُ إلى مِصرَ وقد قَتَلَ فيها رجُلاً، يرجعُ إلى مصر وهو الذي خرجَ منها خائفاً يترقَّب!
يرجعُ إلى مصر، هل نَسِيَ أنَّ لهم عندَهُ ثَأرٌ! إنَّها إرادةُ اللهِ تعالى، إنَّهُ القَدَرُ الذي ذكرَهُ اللهُ -تعالى- لما قال: (فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى) [طه: 40].
وفي طريقهِ إلى مصر، اشتدَّ عليهِ البَردُ وفقدَ النارَ، وضَلَّ الطريقَ في شِدَّةِ الصحراءِ والظُّلْمَةِ ومعَه أهلُه، وجعلَ يتَلَفَّتُ يميناً ويساراً فرأى ناراً (فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ) لَعَلِّي أن آتيكم بشيءٍ من النارِ نتَدفَّأ به (لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى) أو أجدُ على النارِ من يَدُلُّني الطريقَ إلى مصر.
وصلَ موسى -عليهِ السلامُ- إلى النارِ فإذا هي نورٌ عظيم، وخيرٌ عَميم (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى * إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) [طه: 9- 14]، نعم اعبُدني وأقِمْ الصلاةَ لذِكري فلا توحيدَ إلّا بالصلاةِ، ولا صلاةَ إلّا بالتوحيد. نُبِّئَ موسى عليه السلام وأُرسلَ بقولهِ تعالى: (اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى). فرعونُ!! نعم إنهُ فرعونُ.
موسى عليه السلام يعرفُ من هو فرعون، فسألَ اللهَ العَونَ فقال: (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي) [طه: 25- 28] طلبَ من اللهِ -تعالى- أنْ يُحَسِّنَ قُدُراتِه الجَسَديةِ ويُطوِّرَ ذاتهِ؛ ليُؤثِّرَ في الناسِ المَدعُوِّين، فقال: (احْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي) لأنَّ الإنسانَ إذا انطلقَ لسانُهُ بالكلامِ والفَصاحَةِ والحوارِ والإقناع، اقتَنَعَ الناسُ به.
فلم يَتَّكِلْ موسى على كَونِهِ نَبِيَّاً، كلا، بل احتاجَ لقُدرات (احْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي) لماذا؟ (يَفْقَهُوا قَوْلِي) ثم طلبَ مُعاوِناً، فقد يَحتاجُ الداعِيَةُ، أو المصلِحُ إلى أخٍ ناصِحٍ شَفيقٍ مُستشارٍ يَشُدُّ من أزْرِه، قال: (وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي) لماذا يا موسى؟ (اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) لماذا؟ (كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا * قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى) وقد قالَ موسى -عليهِ السلامُ- لما دعا اللهَ قال: (كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا) لم يَقُلْ: لنكونَ مُتصدِّقين أو فُصَحاء؛ لأن الذِّكرَ من أعظمِ وأحبِّ العباداتِ إلى اللهِ تعالى، ومن أحَبَّ شيئاً أكثرَ من ذِكْرِه، فاستجابَ اللهُ -تعالى- له وقال: (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآَيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي) كُنْ دَائِمَ الذِّكْرِ لي يا موسى لتكونَ دَعْوَتُكَ مُوَفَّقَة.
فيا مَنْ يَأمُرُ بالمعروفِ، ويَنهى عن المُنكر، يا من يُريدُ أن يجعلَ اللهُ لهُ في قلوبِ الناسِ وُدَّاً، يا من يريدُ التأثيرَ والقَبولَ في الأرض، طَبِّقْ مثلَ ذلك (وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي)، ثم قال ربُّنا: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى) طغى! فكيفَ نتعاملُ معَه؟ مَلِكٌ طاغِيَةٌ، يَقْتُلُ ويَفْجُرُ ويَسْتَحْيِي النساء، ويَستعبِدُ الرجالَ كيفَ نتعاملُ معَهُ يا رَبّ؟ قالَ اللهُ: (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا * لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)، نعم، لا تَيأسْ من إصلاحِ أيِّ إنسان.
إنَّها مدرسةٌ لنا جميعاً في بَذْلِ الدعوةِ للجميع (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا * لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى).
أيها المسلمون: إنَّ القولَ اللَّيِّنَ لا يثيرُ الضَّغائِنَ في النفوس، لا يَزرعُ الأحقاد، لا يحركُ الكِبرَ عندَ الطغاة.
القولُ الليِّنُ يوقظُ القلبَ فيتذكرُ الآخرةَ ويخشى عاقبةَ الطغيان.
القولُ الليِّنُ نحتاجُهُ جميعاً عندما نُوَجِّهُ الناسَ، المدرسُ والإمامُ والزوجُ والأبُ، بل والولدُ معَ أبيهِ، لو استعملَ الناسُ قَولاً ليِّناً أفلَحوا.
والنبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ" (رواه مسلم).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ، يُحْرَمِ الْخَيْرَ" (رواه مسلم).
دخلَ واعظٌ على أحدِ الخُلَفاءِ، فقال: يا أيها الخليفةُ إني واعِظُكَ فمُشَدِّدٌ عليكَ في الموعظةِ فاقبَلْ مني. فقال الخليفةُ: والله لا أقبلُ منكَ، إنَّ اللهَ بَعَثَ من هوَ خيرٌ منكَ، إلى من هو شرٌّ مني، فقالَ له: (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا * لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى).
أيها الإخوة الكرام: يقولُ للهُ عن نبيِّنا وحبيبِنا محمدٍ -عليه الصلاة والسلام-: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)، نعم يَنفَضُّونَ من حَولِك وإنْ كنتَ نبياً عابِداً،، ألستَ ترى بعضَ الناسِ ربما يكونُ صالحاً، مُصَلِّياً، صائماً، ومع ذلك لا يَقبلُ منهُ الناسُ لفظاظَتِه، كما قال الله تعالى: (لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) [آل عمران: 159].
يأخذُ موسى وهارونُ أخوه -عليهما السلام- هذا التوجيهَ من رَبِّ العالمين، ويَتَوجَّهانِ إلى فرعونَ، وينتظرُ موسى عند بابِ فرعونَ أيَّاماً عديدةً قبلَ أنْ يُؤذَنَ لهُ بالدُّخول، فلما دخلَ، وقفَ بينَ يَدَيه، كانت أوَّلُ كَلِمَهٍ قالها: (إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِين).
ليعلمَ فرعونُ أنَّهُ لا يدعو إلى نفسهِ إنما يدعو لعبادةِ ربٍّ عظيم (إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِين * أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيل).
جعلَ فرعونُ ينظرُ إلى موسى فإذا آخرُ عهدِهِ بهِ رَبيباً في بيتهِ، التقَطوه من التابوت، ويَذكرُه لما كادَ أنْ يقتُلَه، فقالتْ امرأتُه: (قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا) فتَرَكَهُ لأجلِ امرأتِه.
ينظرُ إلى موسى فإذا هو الذي قتلَ القِبطي ثم هرَبَ، فما أبعدَ المسافَةَ بينَ موسى الذي كان، وموسى الموجودِ الآن.
ثم بدأَ يُذَكِّرُهُ بماضيهِ ويقول: (وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِين) أيْ كافرٌ بنعمتِنا عليك وتريدُ أن تُغيِّرَ ديني وتَنْزِعَ مُلكي؟
فإذا بموسى -عليهِ السلام-، يقولُ له: يا فرعونُ، موسى الذي كان، يختلفُ عن موسى الآن، موسى كانَ تلكَ الأيامِ ليسَ نبياً ولا مَعصوماً، موسى اليوم يختلف، نحنُ أبناءُ اليوم يا فرعون، قال موسى: (قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّين * فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ) يعني لأنَّكَ ملكٌ ظالمٌ لن تُعامِلَني بالعَدْلِ فأنا ما قَصَدْتُ قَتْلَ الرجلِ إنما دَفَعْتُهُ عن صاحبهِ فماتَ (فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ)، ثم ماذا حصلَ لما فررتُ منكم! تَغَيَّرْتُ؛ (فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا) صارَ عندي حُكمٌ وعِلْمٌ (وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِين).
ثم نظرَ إلى فرعونَ وقال: (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيل) [الشعراء: 19- 22]؛ يعني تمُنُّ عَلَيَّ أنْ رَبَّيتَني في بيتِك وأنتَ تُعذِّبُ بني إسرائيلَ سنين، فلما أحسنتَ لواحدٍ منهم تكبَّرتَ وامتَنَنتَ عليه؟!
لما رأى فرعونُ أنَّ موسى يَرُدُّ عليهِ بِثِقَةٍ (قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِين * قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِين * قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلاَ تَسْتَمِعُون * قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِين * قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُون * قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُون * قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِين) [الشعراء: 23- 29].
لما عَجَزَ فرعونُ عن قُوَّةِ الحُجَّةِ لجَأ إلى حُجَّةِ القُوَّة، قال موسى: (أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِين) يعني مُعْجِزَةً تَدُلُّ على صِدْقي (قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِين * فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِين * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِين) [الشعراء: 29- 33].
والمعنى: موسى كانَ فيهِ سُمْرَهٌ فأخرَجَ يَدَهُ فإذا هيَ ناصِعَةُ البَياضِ وهذا ليسَ تَصَرُّفٌ منه، بلْ الخالقُ يَقْلِبُ لَونَهُ كما يشاء، كما قَلَبَ العصا حَيَّةً.
أحَسَّ فرعونُ بِضَخامَةِ المُعجِزَةِ، ولا يستطيعُ مُقاوَمَتَها ولا دَفْعَها: (قَالَ لِلْمَلإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيم) اتِّهامات (يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُون * قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِين * يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيم) [الشعراء: 30- 33].
ويجتمعُ السَّحَرَةُ، فيَغْلِبُهم موسى عليه السلام، فيُلقَوْنَ ساجدين (قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِين * رَبِّ مُوسَى وَهَارُون) جعلَ فرعونُ يَتَهدَّدُ، ويقول: (آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُون * لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِين) [الأعراف: 122- 124].
فقال السحرةُ: (لاَ ضَيْرَ) يعني اقتُلْنا عَلِّقْنا على جُذوعِ النَّخْلِ، لا ضَيرَ، هذا لا يَهُّمنا، (إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُون * إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِين)؛ يقول ابن عباس: كانوا في أولِ النهارِ سَحَرةً فَجَرةً فصاروا في آخرِ النهارِ شُهَداءُ بَرَرَة.
وهذه -أيها المسلمون- درسٌ في الثباتِ على الدين. كانوا في عِزٍّ وشَرَفٍ فهم جُلَساءُ فرعونَ ورُؤوسُ السحرةِ، خالطَتْ بَشاشَةُ الإيمانِ قُلوبَهم فثَبتوا كالجبال؛ (إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) وفعلاً يفعلُ فرعونُ القتل والنكال بهؤلاءِ السَّحرةِ الصالحين.
فماذا وَقَعَ لموسى بعدَ ذلك؟ هذا نَسمعُهُ في الخُطبة الثانية.
أقولُ ما تَسمعونَ وأستغفرُ اللهَ الجليلَ العظيمَ لي ولكم، من كُلِّ ذَنْبٍ، فاستغفِروهُ وتوبوا إليهِ إنَّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشُّكرُ لهُ على تَوفيقهِ وامتنانِه، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، تَعظيماً لِشأنِه، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ الداعي إلى رِضوانِه، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آلهِ وإخوانِهِ وخِلَّانِه، ومَن سارَ على نَهجِهِ واقتَفى أثَرَهُ واستَنَّ بسُنَّتِهِ إلى يومِ الدين.
أما بعد: أيها الإخوةُ المؤمنون: يخرُجُ موسى -عليهِ السلامُ- من قَصرِ فرعونَ، بعدَما بَلَّغَهُ رِسالَةَ التوحيد، ويَبقى في مِصر، يدعو الناسَ إلى اللهِ وحدَهُ لا شريكَ لَه، عندَها يَتَدَخَّلُ الملأُ من قَومِ فرعونَ ويقولونَ له (أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُون * قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين) [الأعراف: 127- 128].
وتَتابَعُ المُعجزاتُ والعُقوباتُ على فرعونَ وقَومِه كما قال تعالى: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِين) آياتٌ تتابَعُ عليهم ومعَ ذلكَ أعرضوا.
عندَها هَمَّ فرعونُ أنْ يَتتبعَ موسى وقومَهُ ويَقتُلَهم؛ فأوحى اللهُ -تعالى- إلى موسى: (فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إِنَّكُم مُّتَّبَعُون * وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُون)؛ وفعلاً يَسيرُ موسى عليه السلام بقومِهِ المؤمنين يومَ عاشوراء العاشِرْ من مُحرَّم حتى وقَفوا على البحرِ أمامَهم وفرعونُ وجنودُهُ خَلفَهم (قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُون * قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِين) فأوحى اللهُ -تعالى- إلى موسى، فضربَ البحرَ بعصاهُ؛ فإذا البحرُ يَنشَقُّ إلى اثنَي عشرَ طريقاً ويرسلُ اللهُ الريحَ فتجعلُ الطينَ يَبَساً (فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لاَّ تَخَافُ دَرَكًا وَلاَ تَخْشَى) [طه: 77].
ويَسيرُ موسى وقومَه في اثنَي عشَرَ فريقاً، والجُدرانُ التي تَفصِلُ هذهِ الطُرقَ ماءٌ، وهذا الماءُ فيهِ نوافِذٌ يرى بعضُهم بعضاً من خِلالِها ويُنَجِّي اللهُ موسى وقومَه، فيأتي فرعونُ فإذا طريقٌ في البحرِ أمامَه فيَقتَحِمُ فيهِ وتتلاطمُ عليهم الأمواجُ، وفرعونُ يُنادي: (لاَ إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِين) فقيل له: (آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِين * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُون) [يونس: 90- 91]؛ الحَدَثُ العظيمُ وَقَعَ في هذا اليومِ العظيمِ في يومِ عاشُوراء.
أيها الأحبةُ الكرام: إنَّ نورَ اللهِ -تعالى- مَهما حاولَ طَمسَهُ المفسدون فلن يُفلحوا، فرعونُ قال عن موسى، مجنونٌ ساحرٌ مجرمٌ، ومع ذلك أظهرَ اللهُ الحقَّ وأهلَهُ وأهلَكَ فرعون.
بل يهدي اللهُ ألصَقَ الناسِ بفرعون.. زوجَتَه (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [التحريم: 11]، وفعلاً يجعلُ اللهُ -تعالى- الصلاحَ في بيتِ فرعون.
فلا تَيأسَنَّ من إصلاحِ أحَدٍ، ابْذُلْ السبَبَ واللهُ -تعالى- يَهدي مَن يَشاء. ولا شَكَّ أنَّ ارتباطَ المسلم بدُعاءِ اللهِ -تعالى- والإكثارِ من ذِكرِهِ جَلَّ وعَلا، يَفتَحُ اللهُ له بهِ المَغاليق..
وخِتاماً أيها المسلمون: قَدِمَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- المدينةَ فوجدَ اليهودَ يصومونَ يومَ عاشوراءَ فَسُئِلوا عن ذلكَ فقالوا هذا اليومُ الذي أظهرَ اللهُ فيهِ موسى وبني إسرائيلَ على فرعونَ فنحنُ نَصومُهُ تَعظيماً لَه، فقالَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- نحنُ أولَى بموسى منكم فأمَرَ بصَومِه" (متفق عليه).
وكانَ -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إنِّي لَأحْتَسِبُ على اللهِ أنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الماضِيَةَ" (رواه مسلم)، ونحنُ بصيامِنا لِعاشوراءَ نكونُ مُتَّبِعينَ لِنَبِيِّنا -صلى الله عليه وسلم- مُرتَبطين بالنُّصرَةِ لمن كانَ قَبلَهُ من الأنبياء.
ويُسَنُّ أنْ يَصومَ المسلمُ يَوماً قَبلَهُ أو يوماً بَعدَهُ مَعَه.
أسألُ اللهَ -تعالى- أن يَتَقَبَّلَ منا ومنكم، وأن يُوفِّقَنا ربُّنا لفِعلِ الخيراتِ وتَركِ المنكرات.
اللهمَّ إنا نسألُكَ عَيْشَ السُّعَداء ومَوتَ الشُّهَداء، والحشرَ مع الأتْقِياء، ومُرافَقَةَ الأنبياء، ونعوذُ بكَ ربَّنا من جَهْدِ البلاء، ودَرَكِ الشقاء، وسوءِ القضاء، وشَماتَةِ الأعداء.
اللهمَّ إنا نسألُكَ من الخيرِ كُلِّهِ عاجِلِهِ وآجلِهِ ما عَلِمنا منهُ وما لم نعلَم، ونعوذُ بك من الشرِّ كلِّه عاجلِه وآجلِه، ما علِمنا منه وما لم نعلم.
اللهمَّ صلِّ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ كما صليتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ، وبارِكْ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ كما باركتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ، إنكَ حميدٌ مَجيد.
سُبحانَ ربِّكَ ربِّ العِزَّةِ عمّا يَصِفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمدُ للهِ رَبِّ العالمين.
التعليقات