وصية الحفاظ على الحُرُمات والممتلكات

عكرمة بن سعيد صبري

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/حرمة اغتصاب الأرض ولو شيئا قليلا 2/قصة دعوة سعيد بن زيد المستجابة 3/جريمة اغتصاب اليهود لأرض فلسطين 4/خيانة سماسرة الأراضي والعقارات المتعاملين مع المحتلين 5/تحية إعزاز وإكبار للمتمسكين بأرضهم من أبناء فلسطين 6/رسائل للفتاة المسلمة وبشأن الأقصى واللغة العربية

اقتباس

ونؤكد على فتوى علماء فلسطين، التي صدرت عام (1935م) بأن بائع الأرض، أو السمسار هو خارج عن جماعة المسلمين، وهو تارك للملة، لا يُغسَّل ولا يُكفَّن، ولا يُصلى عليه، ولا يُدفَن في مقابر المسلمين، ويجب مقاطعتُه في حياته، فلا تَعامُلَ معه، ولا مُصاهَرَة له...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله، الحمد لله رب العالمين.

الحمد لله إذ لم يأتني أجلي *** حتى اكتسيتُ من الإسلام سربالَا

 

الحمد لله القائل في سورة الإخلاص: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ)[الْإِخْلَاصِ: 1-4]، بفضل سورة الإخلاص، اللهم لا تَكِلْنا إلى أحد، ولا تحوجنا إلى أحد، وأغننا يا ربنا عن كل أحد، يا من إليه المستنَد، وعليه المعتمَد، عاليًا على العلا، فوق العلا فردٌ صمدٌ، منزَّهٌ في مُلكِه، ليس له شريكٌ ولا ولدٌ، فأنتَ الواحدُ الأحدُ.

 

ونشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، القائل في سورة الأحزاب: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا)[الْأَحْزَابِ: 39].

 

اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام، واحفظنا بعزك الذي لا يضام، واكلأنا بعنايتك في الليل والنهار، في الصحارى والآجام، ونشهد أن سيدنا وحبيبنا وقائدنا وقدوتنا، وشفيعنا محمدًا، عبدُ اللهِ ونبيُّه ورسولُه، القائل: "اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة"، صدقتَ يا حبيبي يا رسول الله، وأُصلِّي وأُسلِّم عليكَ، وعلى آلكَ الطيبين الطاهرين المبجَّلين، وصحابتك الغر الميامين المحجَّلين، ومَنْ تبعكم وجاهَد جهادَكم إلى يوم الدين.

 

أما بعدُ: فيقول رسولُنا الكريمُ الأكرمُ، محمد -صلى الله عليه وسلم-: "مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا، طَوَّقَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِيَّاهُ مِنْ سَبْعِ أَرَاضِينَ".

 

أيها المسلمون، أيها المرابطون، أيتها المرابطات، وكلنا مرابطون: يشير هذا الحديث النبوي الشريف إلى أنه يحرم اغتصاب الأرض مهما كانت مساحتها، وأن الله -عز وجل- يُحاسِب المغتصِبَ للأرض حسابًا عسيرًا يومَ القيامة، وقد فسَّر علماء الحديث الشريف هذا الحساب بأن المغتصِب يُخسَف به يوم القيامة، إلى سبع أراضين، فتكون كل طبقة مطوِّقة لعنقه، وأنه يُكلَّف بنقل ما اغتَصَب من الأرض إلى عمق سبع طبقات.

 

أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج: إن راوي هذا الحديث الشريف، هو الصحابي الجليل سعيد بن زيد -رضي الله عنه-، وهو من المبشَّرين بالجنة، ودعوته مستجابة، فقد سبَق أن اتُّهِمَ سعيد بن زيد مِنْ قِبَل امرأة تُدعى "أروى بنت أوس" بأن سعيدًا قد أخَذ جزءًا من أرضها، واشتكته إلى الخليفة الأموي مروان بن الحكم، فقال سعيد: "أأنا آخُذُ من أرضها شيئًا بعد الذي سمعتُه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال له مروان: ماذا سمعتَ من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال سعيدٌ: سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "مَنْ أخَذ شبرًا من الأرض ظلمًا، طوَّقَه اللهُ يومَ القيامة إيَّاه إلى سبع أراضين"، فقال له مروان: لا أسألكَ بينةً بعدَ هذا"، وردَّ الادعاءَ الكاذبَ، وأنهى الموضوعَ، فقال سعيد متألمًا، ماذا قال؟ قال: "اللهم إن كانت هذه المرأةُ كاذبةً، فأعمِ بصرَها، واقتلها في أرضها"، فبعد هذا الدعاء ماذا حصل؟ لقد أذهَب اللهُ -عز وجل- بصرَها، فأصبحَتْ عمياءَ، وبينَما هي تمشي في أرضها، وقعت في حفرة فماتت.

 

أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج: إن الصحابي سعيد بن زيد -رضي الله عنه- يمثل القدوة العملية في التمسُّك بالأرض، والدفاع عنها، وهناك عدة أحاديث نبوية شريفة تؤيد هذا الحديث، فيقول -عليه الصلاة والسلام-: "مَنْ أخَذ من الأرض شيئًا بغير حقِّه خُسِفَ به يومَ القيامة إلى سبع أراضين".

 

أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان: إن الأحاديث النبوية الشريفة التي تتعلق بهذا الموضوع، تُركِّز حول العقوبة الأخروية يوم القيامة، كما أن المغتصِب له عقوبة دنيوية أيضا، سواء كانت بدنية أو مالية، أو كليهما، مع إعادة الحق إلى صاحبه، كما يتضح من هذه الأحاديث النبوية أن صاحب الأرض يملك باطنها؛ فلا يحق لأي شخص أن يحفر تحت أرض غيره، ويقاس على ذلك، أن صاحب الأرض يملك هواءها إلى عَنان السماء؛ وعليه: فإن الحفريات التي تقوم بها سلطات الاحتلال هو اعتداء سافر، وتصرُّف باطل، وغير شرعي، وغير قانوني.

 

أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان: إن أخذ أرض الآخَرين بدون حق، هو أكل لأموال الناس بالباطل، والله -سبحانه وتعالى- يقول في سورة البقرة: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ)[الْبَقَرَةِ: 188]، ويقول في سورة النساء: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ)[النِّسَاءِ: 29]، وعليه فإن صاحب الأرض يبقى حقه قائمًا، سواء كان المغتصِب مسلمًا أو غير مسلم، فما يقوم به الاحتلال في هذه الأيام من مصادرة الأراضي يعد معتديا، وأن تصرفه باطل مهما طال الزمان، وأن هذا العام الميلادي الذي نودعه اليوم كان عام الاستيطان السرطاني، الذي التَهَم آلاف الدونمات من الأراضي الفلسطينية، ومزَّق البلاد وشرَّد العباد، ونؤكد أنَّ الاستيطان هو غير شرعي، وأنه باطل، وما بني على باطل فهو باطل، ويُعدّ اعتداء سافرًا على حقوق المواطنين التي لم تسقط، ولن تسقط مهما طال الزمان.

 

أيها المسلمون، أيها المرابطون، أيتها المرابطات، وكلنا مرابطون: هذا ومن المعلوم بداهةً، أن صفقات البيع المشبوهة هي خيانة للأمانة، وخروج عن جماعة المسلمين، فيقول الله -عز وجل- في سورة الأنفال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[الْأَنْفَالِ: 27]، ونؤكد على فتوى علماء فلسطين، التي صدرت عام (1935م) بأن بائع الأرض، أو السمسار هو خارج عن جماعة المسلمين، وهو تارك للملة، لا يُغسَّل ولا يُكفَّن، ولا يُصلى عليه، ولا يُدفَن في مقابر المسلمين، ويجب مقاطعتُه في حياته، فلا تَعامُلَ معه، ولا مُصاهَرَة له، والحاضر منكم يُبلِغ الغائب.

 

أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان: إننا ومن على منبر المسجد الأقصى المبارك، نحيي أهل فلسطين، من البحر إلى النهر، الذين يتمسَّكون بأرضهم، ويدافعون عنها، ويضحُّون من أجلها، ويتصدَّون لاعتداء المستوطنينَ وعربدتهم، ونخصُّ بالذكر أهالي الشيخ جراح، وأهالي سلوان، وأهالي العيسوية بالقدس، كما نُحيِّي بلدات برقة، وبيتا، وبيت دجن، وكفر قدوم، ومسافر يطا، ومخيم جنين، وأم الفحم، وسكنين، وعرابة البطوف، وغيرها من المدن والبلدات والمخيَّمات الفلسطينية الذين يدافعون عن أراضيهم وهم في الميدان لوحدهم، فإن أرض فلسطين هي أرض مباركة ومقدَّسة، وهي أمانة في أعناقنا، فهي أمانة الأجيال تلو الأجيال، فلا تنازُلَ عنها، ولا تفريطَ فيها، ولا تفاوُضَ حولَها، فالثباتَ الثباتَ يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، جاء في الحديث النبوي الشريف: "عينانِ لا تمسُّهُما النارُ: عينٌ بَكَتْ من خشية الله، وعينٌ باتَتْ تحرسُ في سبيل الله" صدَق رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا محمد النبي الأمي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعينَ، اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليتَ على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما باركتَ على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.

 

أيها المصلون، أيها الأقصاويون: أتناول في هذه الخطبة ثلاث رسائل وبإيجاز: الرسالة الأولى: موجهة إلى الفتاة المسلمة المحتشمة، لنقول لكِ أيتها الفتاةُ: الثباتَ الثباتَ على موقفكِ الإيماني، وعلى مَسلَكَكِ القويمِ، واحذري من المشكِّكات والمستهزئات بشرعية غطاء الرأس والجلباب، ونقول للمشكِّكات، وللمُموَّلات من الجهات المشبوهة: "إن ديننا الإسلامي العظيم ينظر إلى المرأة نظرة إكرام واحترام، وأنها عرضٌ يجب أن يصان، ولا نلتفت إلى الجهلة الذين يظلمون المرأةَ، ونؤكِّد لهنَّ، ولغيرهنَّ، أن الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة صريحة في موضوع غطاء الرأس والجلباب، فلا مجالَ للتشكيك، هذا والملاحَظ أن حملات التشكيك تزداد كلما ازداد عدد الفتيات الملتزِمات، فلن نيأس برعاية الله وتوفيقه، فإن نور الإسلام سيبقى مُشِعًّا في مجتمعنا، وإنه يزداد إشعاعًا يومًا بعد يوم، (إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا)[الْإِسْرَاءِ: 81].

 

أيها المصلون، أيها الأقصاويون: الرسالة الثانية بشأن الاهتمام باللغة العربية، نعم اللغة العربية، التي هي لغة القرآن الكريم، فهل تستطيعون -أيها المسلمون- فهمَ القرآن بدون إتقانكم للُّغة العربية؟! لقد كرَّم الله -عز وجل- اللغة العربية فاختارها لغة القرآن الكريم الذي تولَّى الله -سبحانه وتعالى- حفظَه: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[الْحِجْرِ: 9]، وعلى المسلمين أن يحذروا المؤامرة على اللغة العربية؛ وذلك بنشر اللهجات العامية، بهدف ضرب الإسلام؛ لذا يتوجب على المسلمين وبخاصة المعلمون والمعلمات، والمحاضِرون والمحاضِرات، بمختلف تخصصاتهم أن يعطوا عنايتهم للُّغة العربية؛ فإن دراسة اللغة العربية هي عبادة، هذا ولا مانعَ شرعًا أن يدرس المسلم لغة أخرى، ولكن ليس على حساب اللغة الأم؛ التي هي اللغة العربية.

 

أيها المصلون، أيها الأقصاويون: الرسالة الثالثة والأخيرة بشأن المسجد الأقصى المبارك، كما عوَّدْنَاكم، والذي لا تزال الأخطارُ محدِقةً به، إن المقتحمين المعتدين على الأقصى مستمرون في تماديهم، وتجاوزاتهم وتحديهم، ونُحمِّل السلطات المحتلة التي تحميهم وتدافع عنهم المسؤولية الكاملة عن نتائج هذه الأوضاع الشاذة، ونؤكد للمرة تلو الأخرى أن المسجد الأقصى المبارك هو ما دار عليه السور، وهو للمسلمين وحدهم بقرار إلهي رباني من سبع سماوات، وهو غير خاضع للتنازل ولا للمساوَمة ولا للتفاوض، وأن إجراءات السلطة المحتلة القمعية، لن تُكسِب اليهودَ أيَّ حق في الأقصى، في الوقت نفسه لن تُثنِي المسلمينَ في الدفاع عن أقصاهم، (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)[يُوسُفَ: 21]، ولا يسعنا في هذا المقام إلا أن نقول: حماك الله يا أقصى، قولوا: آمين.

 

أيها المصلون، أيها الأقصاويون: الساعةُ ساعةُ استجابةٍ، فأمِّنوا من بعدي، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وفرِّج الكربَ عنا، وعليكَ بمَنْ آذانا، اللهم احمِ المسجدَ الأقصى من كل سوء، ومن كيد الطامعين، اللهم ارحم شهداءنا، وشافِ جرحانا، وأطلِقْ سراحَ أسرانا، يا أرحمَ الراحمينَ ارحمنا واعفُ عنا، يا ناصرَ المظلومينَ انصرنا ومكِّنَّا، اللهم إنا نسألكَ توبةً نصوحًا، توبةً قبل الممات، وراحةً عند الممات، ورحمةً ومغفرةً بعد الممات، اللهم انصر الإسلامَ والمسلمينَ، وأعلِ بفضلكَ كلمتَي الحقِّ والدينِ، اللهم اغفِرْ للمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، وأقمِ الصلاةَ؛ (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].

المرفقات
526TuVZN5AVeydFUxGWoamwBbGdEcMvLngM7lnLT.pdf
aARKxyxeqP3NA5zzWKlMXeFictXpQD9L5hJLPFgG.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life