عناصر الخطبة
1/ مفهوم الوسطية 2/ سمات الأمة الوسط 3/ التحذير من الإفراط والتفريط 4/ العلم خير علاج للغلو وآثاره 5/ أسباب ظهور الفرق 6/ التحذير من الخوارج وصفاتهم 7/ كل فضيلة وسط بين رذيلتين
اهداف الخطبة

اقتباس

لَقَد عِشنَا حَتى أَدرَكنَا تَعَدُّدَ المِلَلِ، وَرَأَينَا اختِلافًا كَثِيرًا، وَسَمِعنَا بِمُحدَثَاتٍ مَا أَنزَلَ اللهُ بها مِن سُلطَانٍ، وَعَايَشنَا أَقوَامًا ابتُلُوا بِالزِّيَادَةِ عَلَى المَشرُوعِ؛ فَغَلَوا وَأَفرَطُوا، وَجَعَلُوا مِن دِينِهِم إِخرَاجَ النَّاسِ مِنَ الدِّينِ بِلا تَحَقُّقٍ وَلا تَثَبُّتٍ، وَمُخَالَفَةَ وُلاةِ الأَمرِ وَالخُرُوجَ عَلَيهِم، وَاختِطَافَ المَسؤُولِينَ وَالمُزَايَدَةَ بِدِمَائِهِم وَأَروَاحِهِم، وَتَنظِيمَ المُظَاهَرَاتِ وَالاعتِصَامَاتِ، وَرَأَينَا في المُقَابِلِ آخَرِينَ وَهُمُ الأَكثَرُ وَالأَغلَبُ، تَرَكُوا المَشرُوعَ فَجَفَوا وَفَرَّطُوا، وَجَعَلُوا مِن أَنفُسِهِم أَتبَاعًا ..

 

 

 

 

أَمَّا بَعدُ، فَأُوصِيكُم - أَيُّهَا النَّاسُ - وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - (قُلْ لا يَستَوِي الخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَو أَعجَبَكَ كَثرَةُ الخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللهَ يَا أُولي الأَلبَابِ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ) [المائدة: 100].

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: أُمَّتُكُم هَذِهِ أُمَّةٌ وَسَطٌ، وَصَفَهَا رَبُّهَا - تَبَارَكَ وَتَعَالى - بِقَولِهِ: (وَكَذَلِكَ جَعَلنَاكُم أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيكُم شَهِيدًا) [البقرة: 143].

وَالوَسَطِيَّةُ - كَمَا فَسَّرَهَا كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ - تَعني العَدَالَةَ، وَأَمَّا الوَسَطُ في كَلامِ العَرَبِ فَهُمُ الخِيَارُ، يُقَالُ: فُلانٌ وَسَطُ الحَسَبِ في قَومِهِ، أَيْ: رَفِيعٌ في حَسَبِهِ، وَحَتى وَإِنْ فُهِمَ مِنَ الوَسَطِيَّةِ أَنَّهَا الجُزءُ الَّذِي بَينَ طَرَفَينِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لا يَعني كَونَهَا وَسَطًا بَينَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ، لا وَاللهِ، وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ أَنَّهَا حَقٌّ بَينَ بَاطِلَينِ، بَينَ غُلُوٍّ وَجَفَاءٍ وَإِفرَاطٍ وَتَفرِيطٍ.

وَمِن ثَمَّ فَقَد وُصِفَتِ الأُمَّةُ بِأَنَّهَا وَسَطٌ لِتَوَسُّطِهِم في الدِّينِ، فَلا هُم أَهلُ غُلُوٍّ كَغُلُوِّ النَّصَارَى وَرَهبَنَتِهِم وَقَولِهِم في عِيسَى مَا قَالُوا، وَلا هُم أَهلُ تَقصِيرٍ كَتَقصِيرِ اليَهُودِ الَّذِينَ حَرَّفُوا الكُتُبَ وَبَدَّلُوا الأَحكَامَ وَتَحَايَلُوا عَلَيهَا، وَقَتَلُوا أَنبِيَاءَهُم وَكَذَبُوا عَلَى رَبِّهِم وَكَفَرُوا بِهِ.

وَبِاختِصَارٍ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - فَإِنَّ الوَسَطِيَّةَ هِيَ طَرِيقَةُ إِمَامِ أَهلِ الوَسَطِيَّةِ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - وَسُنَّتُهُ، وَسُنَّةُ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ وَهَديُ صَحَابَتِهِ المَهدِيِّينَ، عَنِ العِربَاضِ بنِ سَارِيَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ: وَعَظَنَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - مَوعِظَةً وَجِلَت مِنهَا القُلُوبُ وَذَرَفَت مِنهَا العُيُونُ. فَقُلنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَأَنَّهَا مَوعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأَوصِنَا. قَالَ: «أُوصِيكُم بِتَقوَى اللهِ وَالسَّمعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِن تَأَمَّرَ عَلَيكُم عَبدٌ، وَإِنَّهُ مَن يَعِشْ مِنكُم فَسَيَرَى اختِلافًا كَثِيرًا، فَعَلَيكُم بِسُنَّتي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُم وَمُحدَثَاتِ الأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ بِدعَةٍ ضَلالَةٌ» رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَابنُ مَاجَه وَغَيرُهُم وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.

لَقَد عَاشَتِ الأُمَّةُ قُرُونًا وَهِيَ مُستَمسِكَةٌ بِوَصِيَّةِ نَبِيِّهَا، سَائِرَةٌ عَلَى سُنَّتِهِ وَسُنَّةِ خُلَفَائِهِ وَأَصحَابِهِ في عَامَّةِ أَمرِهَا، حَتى جَاءَت هَذِهِ العُصُورُ المُتَأَخِّرَةُ، الَّتي انطَبَقَ عَلَيهَا قَولُهُ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: «لَيَأتِيَنَّ عَلَى أُمَّتي مَا أَتَى عَلَى بَني إِسرَائِيلَ حَذوَ النَّعلِ بِالنَّعلِ، حَتى إِنْ كَانَ مِنهُم مَن أَتَى أُمَّهُ عَلانِيَةً لَكَانَ في أُمَّتي مَن يَصنَعُ ذَلِكَ. وَإِنَّ بَني إِسرَائِيلَ تَفَرَّقَت عَلَى ثِنتَينِ وَسَبعِينَ مِلَّةً، وَتَفتَرِقُ أُمَّتي عَلَى ثَلاثٍ وَسَبعِينَ مِلَّةً، كُلُّهُم في النَّارِ إِلاَّ مِلَّةً وَاحِدَةً، مَا أَنَا عَلَيهِ وَأَصحَابي» رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ.

وَلَقَد عِشنَا حَتى أَدرَكنَا تَعَدُّدَ المِلَلِ وَرَأَينَا اختِلافًا كَثِيرًا، وَسَمِعنَا بِمُحدَثَاتٍ مَا أَنزَلَ اللهُ بها مِن سُلطَانٍ، وَعَايَشنَا أَقوَامًا ابتُلُوا بِالزِّيَادَةِ عَلَى المَشرُوعِ فَغَلَوا وَأَفرَطُوا، وَجَعَلُوا مِن دِينِهِم إِخرَاجَ النَّاسِ مِنَ الدِّينِ بِلا تَحَقُّقٍ وَلا تَثَبُّتٍ، وَمُخَالَفَةَ وُلاةِ الأَمرِ وَالخُرُوجَ عَلَيهِم، وَاختِطَافَ المَسؤُولِينَ وَالمُزَايَدَةَ بِدِمَائِهِم وَأَروَاحِهِم، وَتَنظِيمَ المُظَاهَرَاتِ وَالاعتِصَامَاتِ...

وَرَأَينَا في المُقَابِلِ آخَرِينَ وَهُمُ الأَكثَرُ وَالأَغلَبُ، تَرَكُوا المَشرُوعَ فَجَفَوا وَفَرَّطُوا، وَجَعَلُوا مِن أَنفُسِهِم أَتبَاعًا لِكُلِّ عَاوٍ في الشَّرقِ أَو نَاعِقٍ في الغَربِ، يُخرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيدِيهِم، وَيَخرُجُونَ عَن طَرِيقَةِ أَهلِ الإِسلامِ المُتَمَسِّكِينَ، إِلى طُرُقٍ مُنفَتِحَةٍ يَزعُمُونَ أَنَّهَا أَكثَرُ تَقَدُّمًا وَأَنفَعُ لِبُلدَانِهِم، وَالحَقُّ أَنَّ كِلا هَذَينِ المَسلَكَينِ خَطَرٌ عَلَى الأُمَّةِ، وَأَنَّ الوَسَطِيَّةَ الحَقِيقِيَّةَ بَينَ هَذَينِ، إِذْ هِيَ اعتِدَالٌ في المَنهَجِ، وَتَوَسُّطٌ في الطَّرِيقَةِ، وَتَثَبُّتٌ في السَّيرِ إِلى اللهِ، تَحكُمُهَا آيَاتُ الكِتَابِ الحَكِيمِ، وَيَضبِطُهَا التِزَامُ السُّنَّةِ في الأَقوَالِ وَالأَفعَالِ، وَيَزِنُهَا مَا كَانَ عَلَيهِ السَّلَفُ الصَّالحُ مِنَ العِلمِ وَالعَمَلِ.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: لَقَدِ ادَّعَى الوَسَطِيَّةَ في زَمَانِنَا كُلُّ أَحَدٍ حَتى جَهَلَةُ الكُتَّابِ وَالصَّحَفِيِّينَ، فَضلاً عَنِ المُمَيِّعِينَ لِلدِّينِ مِن مُرجِئَةِ العَصرِ أَوِ مُحتَرِقِي المُنَافِقِينَ، أَوِ الغُلاةِ وَالخَوَارِجِ المُفرِطِينَ، وَهَكَذَا فَإِنَّ طَرَفيِ القَصدِ وَجَانِبيِ الوَسطِ، لا يَنشَآنِ إِلاَّ في مُستَنقَعَاتِ الجَهلِ أَوِ الهَوَى.

وَعِلاجُ ذَلِكَ العِلمُ، سَوَاءً العِلمُ بِالأَحكَامِ الشَّرعِيَّةِ، المُنجِي مِنَ الجَهلِ وَالتَّخَبُّطِ، أَوِ العِلمُ بِهِ - تَعَالى - وَبِمَا لَهُ مِنَ العَظَمَةِ وَالكِبرِيَاءِ وَالجَلالِ وَالبَهَاءِ، وَالَّذِي يَستَلزِمُ الاستِسلامَ لأَمرِهِ وَالإِذعَانَ لِحُكمِهِ، وَالرَّغبَةَ في طَاعَتِهِ وَالرَّهبَةَ مِن مُخَالَفَتِهِ، وَمَن فَقَدَ العِلمَ بِاللهِ وَالعِلمَ بِشَرِيعَتِهِ المُنزَلَةِ عَلَى رَسُولِهِ فَقَد ضَلَّ وَظَلَمَ.

 

وَالخَيرُ كُلُّ الخَيرِ في العِلمِ وَالفِقهِ في الدِّينِ، قَالَ - تَعَالى -: (فَإِنْ لم يَستَجِيبُوا لَكَ فَاعلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهوَاءَهُم وَمَن أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيرِ هُدًى مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يَهدِي القَومَ الظَّالمِينَ) [القصص: 50] وَقَالَ - تَعَالى -: (أَفَرَأَيتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلمٍ) [الجاثية: 23]، وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: «وَمَن يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

وَإِنَّ كُلَّ الفِتَنِ الَّتي ظَهَرَت في الإِسلامِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، إِنَّمَا كَانَ مَنشَؤُهَا الجَهلَ وَمُخَالَفَةَ السُّنَّةِ، وَالبُعدَ عَنِ الوَسَطِيَّةِ وَاتِّبَاعَ الهَوَى، فَالخَوَارِجُ غَلَوا في الوَعِيدِ، فَقَابَلَهُمُ المُرجِئَةُ الَّذِينَ غَلَوا في الوَعدِ، وَالجَهمِيَّةُ غَلَوا في التَّنزِيهِ، فَقَابَلَهُمُ المُشَبِّهَةُ الَّذِينَ غَلَوا في التَّشبِيهِ، وَسَلَبَ الجَهمِيَّةُ الجَبرِيَّةُ عَنِ العَبدِ قُدرَتَهُ وَإِرَادَتَهُ، فَقَابَلَهُمُ القَدَرِيَّةُ المُعتَزِلَةُ فَقَالُوا إِنَّ لِلعَبدِ قُدرَةً وَإِرَادَةً مُطلَقَتَينِ مُستَقِلَّتَينِ عَنِ اللهِ، وَهَكَذَا مَا ظَهَرَت فِرقَةٌ تَغلُو في جَانِبٍ، إِلاَّ قَابَلَتهَا أُخرَى تَغلُو في الجَانِبِ الآخَرِ، وَإِنَّمَا الإِسلامُ وَسَطٌ بَينَ طَرَفَينِ، وَحَقٌّ بَينَ بَاطِلَينِ، وَهُدًى بَينَ ضَلالَتَينِ.

وَالوَسَطِيَّةُ لا تَكُونُ بِابتِدَاعِ مَنهَجٍ مُقَابِلَ آخَرَ، أَو تَبَنِّي رَأيٍ مُحدَثٍ تِجَاهَ آخَرَ قَدِيمٍ، أَو بِرَدَّةِ فِعلٍ طَاغِيَةٍ عَميَاءَ، أو بِإِصلاحِ دُنيَا المُلُوكِ وَالرُّؤَسَاءِ بِإِفسَادِ دِينِ النَّاسِ وَتَجرِيدِهِم مِن عَقَائِدِهِم وَقِيَمِهِم وَأَخلاقِهِم، وَإِنَّمَا الوَسَطِيَّةِ مَا جَاءَت بِهِ الشَّرِيعَةُ وَدَلَّ عَلَيهِ الدَّلِيلُ، قَالَ - تَعَالى -: (قُلْ أَرَأَيتُم مَا تَدعُونَ مِن دُونِ اللهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرضِ أَم لَهُم شِركٌ في السَّمَاوَاتِ اِئتُوني بِكِتَابٍ مِن قَبلِ هَذَا أَو أَثَارَةٍ مِن عِلمٍ إِنْ كُنتُم صَادِقِينَ) [الأحقاف: 4].

وَلِذَا فَإِنَّنَا حِينَ نُحَذِّرُ ممَّا نَسمَعُهُ بَينَ حِينٍ وَآخَرَ مِن خُرُوجِ قَومٍ عَلَى وَليِّ الأَمرِ وَاعتِدَائِهِم عَلَى رِجَالِ الأَمنِ أَوِ المَسؤُولِينَ، أَوِ استِهدَافِهِم مُقَدَّرَاتِ البِلادِ وَقَصدِهِم لِتَخرِيبِهَا، وَسُلُوكِهِم مَسَالِكَ ضَالَّةً في تَكفِيرِ النَّاسِ وَاستِحلالِ دِمَائِهِم وَأَموَالِهِم، فَإِنَّنَا لا بُدَّ أَن نُحَذِّرَ في الجَانِبِ الآخَرِ ممَّن أَجلَبُوا عَلَينَا بِخَيلِهِم وَرَجِلِهِم، ابتِغَاءَ سَلخِ مُجتَمَعِنَا مِن قِيَمِهِ وَنَزعِ ثَوَابِتِهِ وَطَعنِهِ في أَعرَاضِهِ، وَفَرضِ أَخلاقِ الغَربِ أَوِ الشَّرقِ عَلَيهِ، مُتَذَرِّعِينَ بِأَنَّهُم يُرِيدُونَ التَّيسِيرَ وَالسَّمَاحَةَ وَالرِّفقَ بِالنَّاسِ، وَإِصلاحَ مَا أَفسَدَهُ أُولَئِكَ الغُلاةُ المُتَشَدِّدُونَ، وَهُم إِنَّمَا يَسِيرُونَ بِالمُجتَمَعِ إِلى الهَاوِيَةِ وِفقَ أَهوَائِهِم، نَابِذِين بَعضَ مُسَلَّمَاتِ الدِّينِ وَرَاءَ ظُهُورِهِم.

وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ الوَصِيَّةَ لِلأُمَّةِ عَامَّةً وَلِمُجتَمَعِنَا خَاصَّةً، أَن يَسلُكُوا مَسلَكَ الوَسَطِيَّةِ بِمَعنَاهَا الصَّحِيحِ، آخِذِينَ بِوَصِيَّةِ إِمَامِهِم حِينَ بَعَثَ مُعَاذًا وَأَبَا مُوسَى - رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا - إِلى اليَمَنِ فَقَالَ: «يَسِّرَا وَلا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلا تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا وَلا تَختَلِفَا » مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. فَاتَّقُوا اللهَ - أُمَّةَ الإِسلامِ - وَالزَمُوا صِرَاطَهُ المُستَقِيمَ، قَالَ - تَعَالى - ‏:‏ (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُستَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُم عَن سَبِيلِهِ ذَلِكَ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ) [الأنعام: 153] وَقَالَ - تَعَالى ‏:‏ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُسلِمُونَ ‏*‏ وَاعتَصِمُوا بِحَبلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذكُرُوا نِعمَةَ اللهِ عَلَيكُم إِذْ كُنتُم أَعدَاءً فَأَلَّفَ بَينَ قُلُوبِكُم فَأَصبَحتُم بِنِعمَتِهِ إِخوَانًا وَكُنتُم عَلَى شَفَا حُفرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِنهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُم آيَاتِهِ لَعَلَّكُم تَهتَدُونَ) [آل عمران: 102- 103].

 

 

الخطبة الثانية:

أَمَّا بَعدُ، فَاتِّقُوا اللهَ - تَعَالى - وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ، وَاشكُرُوا لَهُ وَلا تَكفُرُوهُ، وَاعلَمُوا أَنَّهُ وَإِنَ كَانَ الخَوَارِجُ في عَصرِنَا أَو فِيمَا قَبلَهُ، قَد خَرَجُوا عَلَى الأُمَّةِ بِالسَّيفِ وَافتَاتُوا عَلَى الأَئِمَّةِ وَشَقُّوا عَصَا الطَّاعَةِ، وَاستَحَلُّوا دِمَاءَ المَعصُومِينَ وَأَموَالَهُم بِشُبُهَاتٍ تَشَرَّبَتهَا قُلُوبُهُم عَن جَهلٍ وَقِلَّةِ فِقهٍ، فَإِنَّ ثَمَّةَ آخَرِينَ بَينَنَا وَفي مُجتَمَعِنَا، مِنهُمُ المَسؤُولُ وَالوَزِيرُ وَالمُدِيرُ، وَالأَدِيبُ وَالمُثَقَّفُ وَالصَّحَفِيُّ، وَالكَاتِبُ وَالقَاصُّ وَالنَّاقِدُ، قَد خَرَجُوا أَيضًا عَنِ الشَّرِيعَةِ اتِّبَاعًا لأَهوَائِهِم، وَخَالَفُوا السُّنَّةَ تَمَشِّيًا مَعَ رَغَبَاتِهِم، وَأَفسَحُوا المَجَالَ لِعُقُولِهِم لِتَأخُذَ عَن كُلِّ مَن هَبَّ وَدَبَّ، وَلِتَلَغَ في إِنَاءِ كُلِّ ضَالٍّ وَمَغضُوبٍ عَلَيهِ مِنَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالرَّافِضَةِ وَالمُلحِدِينَ...

ثم هُم سَاعُونَ لِتَميِيعِ الدِّينِ، مَاضُونَ في نَشرِ ضَلالاتِهِم في مُجتَمَعِنَا وَإِفسَادِهِ، بِاسمِ الحُرِّيَّةِ الفِكرِيَّةِ وَتَعَدُّدِ الرَّأيِ، وَالتَّخَلُّصِ مِنَ الوِصَايَةِ عَلَى العُقُولِ، وَالحَربِ عَلَى الرَّجعِيَّةِ وَالتَّطَرُّفِ وَالغُلُوِّ، وَنَحوِ ذَلِكَ ممَّا ظَاهِرُهُ الرَّحمَةُ وَإِرَادَةُ الخَيرِ وَالصَّلاحِ، وَهُوَ في حَقِيقَتِهِ عَذَابٌ وَشَقَاءٌ وَفَسَادٌ.

فَلْنَتَّقِ اللهَ - أُمَّةَ الإِسلامِ - فَإِنَّ الحَقَّ حَسَنَةٌ بَينَ سَيِّئَتَينِ، وَفَضِيلَةٌ بَينَ رَذِيلَتَينِ، وخَيرَ الأُمُورِ أَوسَطُهَا، وَشَرُّ السَّيرِ الحَقحَقَةُ.

 

 

 

 

المرفقات
وشر السير الحقحقة.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life