وسائل الإعلام الحديثة (1) السينما: نشأتها وحكمها وأثرها

الشيخ د إبراهيم بن محمد الحقيل

2009-04-27 - 1430/05/02
عناصر الخطبة
1/حكمة الله في إيجاد نعمة السمع والبصر والعقل 2/ وجوب حفظ السمع والبصر عن المحرمات 3/ الحكمة في الأمر بغض البصر 4/ أثر السينما في إدمان النظر المحرّم 5/ دور اليهود في انتشار السينما لدى المسلمين 6/ اعتراف عقلاء الغربيين بدور السينما في نشر الفساد والقتل 7/ ردّ على شبهات المغترين بزيف السينما
اهداف الخطبة
التذكير بنعمة السمع والبصر / التحذير من سموم السينما / توضيح آثار السينما على الأخلاق والقيم /

اقتباس

وما مضت ثلاثة عقود على نشأة السينما في مصر, إلا وكان بها أكثر من مئة شركة إنتاج سينمائي تصوغ العقول، وتفرض الأفكار، وتسطو على القيم والأخلاق.. تدار بأيدي أجانب ووكلائهم، ويمولها اليهود والنصارى، ويرسمون سياستها؛ ولذا فإنها كُرِّست لإفساد الشباب والشابات، ودارت أفلامها في فلك الحب الغرام، ونشر ثقافة التمرد والتحرر واللذات المحرمة، ..
ولن يكون حالنا- إن أُقرت السينما عندنا- إلا كحال من سبقونا.. فلنأخذ العبرة منهم، ولنستمع لأقاويل عقلائهم حين كشفوا اللثام عنها، ورحم الله من اتعظ بغيره، والمخذول من لا يتعظ بالمواعظ، ...

 

 

 

الحمد لله الخلاق العليم, خلق الإنسان ففضله على كثير ممن خلق تفضيلا، وجعله عاقلا سميعا بصيرا: (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ) [المؤمنون:78], نحمده على إحسانه ونعمه، ونشكره على آلائه ومننه، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له, فرض فرائض فلا تضيعوها، ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها، وحدّ حدوداً فلا تعتدوها، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، لا خير إلا دلّنا عليه، ولا شرّ إلا حذرنا منه، صلّى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه, آمنوا بالله ورسوله: (وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ) [الأعراف:157], والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فاتقوا الله تعالى وأطيعوه: (وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ) [البقرة:123].

أيها الناس, لما خلق الله تعالى البشر، وابتلاهم بالإيمان والكفر، وبالطاعة والمعصية؛ فإنه سبحانه دلهم على ما يرضيه، وحذرهم مما يسخطه، ورزقهم أدوات العلم والإدراك، ومعرفة الخير من الشر، وتمييز النفع من الضر ، وهي الأسماع والأبصار والعقول: (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل:78].

ومن حكمته تعالى أنه جعل الشيطان وجنده فتنة لهم، يصدونهم عن الهداية، ويزينون لهم الغواية: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ المُخْلَصِينَ)[ص:82-83]، والغواية تكون بالقول ومحل ذلك اللّسان والسمع، وتكون بالفعل ومحلّ ذلك البصر والجوارح، والقلب يَفْسُد بغواية البصر والسمع؛ ولذا أُمر المؤمن بحفظ سمعه وبصره عما حرم الله تعالى؛ ليسلم له قلبه: (إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) [الإسراء:36]، ويوم القيامة تشهد الأسماع والأبصار على أهل المعاصي بما كانوا يسمعون ويبصرون: (حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [فصِّلت:20].

وأمر الله تعالى بغض الأبصار؛ لأنها طريق إلى الفروج وتحريكها للرجال وللنساء، فجمع بينهما: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) [النور:30]، وفي الآية الأخرى: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) [النور:31]، وفي حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " كُتِبَ على بن آدَمَ نَصِيبُهُ من الزِّنَا مُدْرِكٌ ذلك لَا مَحَالَةَ، فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلَامُ، وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ، وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا، وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى، وَيُصَدِّقُ ذلك الْفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ"رواه الشيخان واللفظ لمسلم.

وخطورة السمع والبصر على العباد كبيرة، وعلاقتهما بالزنا وثيقة؛ لأن الزنا له مقدمات يقوم بها السمع والبصر واللسان, ويهيئ الناس له؛ ولأجل ذلك كان من الدعاء المأثور، التعوذ بالله تعالى من شر هذه الجوارح، جاء رجل إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: " عَلِّمْنِي تَعَوُّذًا أَتَعَوَّذُ بِهِ. قال: فَأَخَذَ بِكَتِفِي، فقال: قُلْ اللهم إني أَعُوذُ بِكَ من شَرِّ سَمْعِي وَمِنْ شَرِّ بَصَرِي وَمِنْ شَرِّ لِسَانِي وَمِنْ شَرِّ قَلْبِي وَمِنْ شَرِّ مَنِيِّي، يَعْنِي: فَرْجَهُ" رواه أبو داود والترمذي وقال حسن غريب.

وقيل للإمام أحمد رحمه الله تعالى: رجل تاب, وقال: لو ضرب ظهري بالسياط ما دخلت في معصية، غير أنه لا يدع النظر قال: أي توبة هذه؟!".

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: فالنظر داعية إلى فساد القلب، قال بعض السلف: النظر سَهْمٌ سُمٌ إلى القلب.

كل هذه النصوص والآثار تدل على عظيم فتنة النظر والاستماع، وأن العباد قد يقعون في الكبائر بسببهما، وكان الرجل يرى المرأة أو يستمع إليها في طريق أو سوق أو بستان أو نحوه، وقد يمر عليه أيام لا يرى امرأة أبدا، هذا كان قديما، لكن مع اختراع وسائل تحريك الصور ونقلها وحفظها، ازدادت نسبة النظر إلى النساء فيما عرف بدور السينما، ثم مع اختراع شبكات التلفزة، ازداد النظر إليهن أكثر من ذي قبل؛ لأنهن اقتحمن على الناس بيوتهم، ثم لما حدثت ثورة الاتصالات في البث الفضائي والشبكة العنكبوتية، صار النظر إلى النساء- وهن بأبهى حلة- أمرا مألوفا عند أكثر الناس.
 

إن القدرة على تخزين الصور المتحركة وبثها -المعروف بالسينما- كان أكبر حدث في التاريخ البشري، أثَّر في حفظ الأسماع والأبصار عن الحرام، وسبى القلوب والعقول، وفَتَن الناسَ فتنة عظيمة..

كانت بداية ذلك قبل ما يزيد على مئة سنة من الآن، في فرنسا وأمريكا، وما هي إلا أشهر عدة حتى انتشرت هذه الصناعة الجديدة في بلاد الغرب، ونقلها اليهود والنصارى إلى مصر في نفس العام الذي بثت فيه فرنسا أول فيلم لها، وأُقحمت النساء فيها أول بدئها في مصر، وكان أكثر المخرجين والمنتجين والممثلين من أبناء اليهود والنصارى وبناتهم الذين تربعوا فيما بعد على عرش هذا الفن، وقُدِّموا للأمة روادا لها، وجُعلوا قدوة للشباب والفتيات يقتدون بها.
ومن هؤلاء السينمائيين من اضطروا لتغيير أسمائهم اليهودية والنصرانية؛ لئلا تُعرف دياناتُهم فلا يَقْبَلُهم الجمهور، ولا يُقْبِلون على إنتاجهم وإفسادهم للناس.

وما مضت ثلاثة عقود على نشأة السينما في مصر, إلا وكان بها أكثر من مئة شركة إنتاج سينمائي تصوغ العقول، وتفرض الأفكار، وتسطو على القيم والأخلاق.. تدار بأيدي أجانب ووكلائهم، ويمولها اليهود والنصارى، ويرسمون سياستها؛ ولذا فإنها كُرِّست لإفساد الشباب والشابات، ودارت أفلامها في فلك الحب الغرام، ونشر ثقافة التمرد والتحرر واللذات المحرمة، وغزت عقول مشاهديها بالأفكار الغربية المادية المتحللة من الدين والأخلاق.
حتى إن مجلة صباح اليسارية المصرية تذمرت من السيطرة الأجنبية على السينما المصرية، وغرسها لأفكار وأخلاق معينة، فكتبت في افتتاحيتها: لقد كنا إلى آخر لحظة نحسن الظن, أو نحاول أن نحسن الظن بجماعة الأجانب, الذين يحترفون السينما في مصر...وطالما أغمضنا أعيننا عن كثير من الجرائم التي يرتكبونها, ويعتدون فيها على كرامة المصري ....أهملوا اللغة العربية، وهي لغة السواد الأعظم من أبناء البلاد...الخ

وفي حقبة الأربعينات الميلادية، شن أحد النقاد اليساريين حملة قوية على وضع السينما ومضامينها، وكتب المقالات المنتقدة لها، وسماها:[سينما المخدرات]؛ لما فيها من مضامين الفساد.. وهاجم نظرية [الفن للفن] التي يرددها الآن بعض بني قومنا المتحمسين للإفساد في بلادنا، باسم الانفتاح والإصلاح.

وكل ما نقلته، وما سأنقله على مسامعكم من أقوال حول السينما، فإنها ليست لعلماء ولا لدعاة، ولا لأحد ينتسب للتيارات الإسلامية، وإنما هي لأناس تحمسوا للسينما في أوطانهم، لكنهم لما رأوا أفكارها ورسالتها التي تؤديها، علموا أنها ليست أداة محايدة للترفيه، وإنما هي مزرعة لاستنبات الأفكار الغربية المنحرفة في البيئة الشرقية المسلمة، فأبت عليهم وطنيتُهم إلا أن يبينوا ذلك للناس، ويحذروهم منه.

لقد درس ناقد فرنسي إنتاج السينما العربية، وحلل واقعها خلال خمسة عشر عاما؛ ليثبت بعد ذلك السطو الإمبريالي الرأسمالي عليها، ويؤكد في دراسته استئثار شركات الإنتاج والتوزيع الأمريكية بها.

ويلخص هذا المعنى أحد أشهر النقاد السينمائيين العرب، فيقول: كانت الأفلام الواردة من خارج الوطن العربي والعالم الإسلامي، والأفلام المصنوعة داخل الوطن العربي والعالم الإسلامي، تتقاسم قتل المشاهد فكريا وأخلاقيا، بصورة تبعث على الدهشة، وكأنما كان هناك نوع من التلذذ بعملية هذا القتل البطيء والمستمر دونما هوادة.. ثم يذكر أن أي دراسة سيسيولوجية لتأثير ما أنتجته السينما، تُظْهِر بجلاء أنها لعبت دورا كبيرا في تخريب الكثير من القيم الإنسانية، وفي تشويه العقل العربي الخام، ودفعه في اتجاه البحث عن قيم غربية بعيدة عن تقاليده وقيمه.
 

ولن يكون حالنا- إن أُقرت السينما عندنا- إلا كحال من سبقونا.. فلنأخذ العبرة منهم، ولنستمع لأقاويل عقلائهم حين كشفوا اللثام عنها، وأثبتوا أن كبار المفسدين من اليهود والرأسماليين هم من يديرونها؛ لتحقيق مآربهم في الفساد والإفساد، وأن منافستهم عليها، أو مزاحمتهم فيها، ضرب من الخيال، والسلامة لا يعدلها شيء، ورحم الله من اتعظ بغيره، والمخذول من لا يتعظ بالمواعظ، ولا يعتبر بمن كانوا قبله.
 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) [النساء:27]
بارك الله لي ولكم في القرآن...

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
 

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة:281]
 

أيها المسلمون، فتك السينما بالأخلاق عظيم، وصياغتها للعقول والأفكار لا ينكره إلا مكابر، وقد كان الزعيم الشيوعي لينين يخاف من تأثير السينما الليبرالية على الشعوب الشيوعية، ويخشى أن تتحول عن الاشتراكية بسببها، وكان يقول: تسيطر على الفن السينمائي- حتى هذه الساعة- أيدي تجارية قذرة، وتقدم للمشاهدين أفلاما سيئة أكثر مما هي مفيدة، ففي الكثير من الأحيان يُفْسِد الفن السينمائي المشاهدين بأفلام سيئة المضمون.

وهذا ما دعا كاتبا روسيا مرموقا أن يؤلف كتابه: الفن السينمائي وصراع الأفكار.
أيخاف الشيوعيون على فكرهم الإلحادي البائد من الغزو الليبرالي الفاسد، فينتقدون السينما، ويحذرون منها، ولا يخاف أهل الإسلام على عقول أبنائهم وبناتهم، وهم يرون ما فعلت السينما بأكثر بلاد المسلمين؟! إن هذا لشيء عجاب!!
 

إن تأثير السينما على المعتقدات والأخلاق، وصياغتها للعقول والسلوك والأفكار لا ينفيه صانعوها، والمروجون لها، والمالكون لأكبر إنتاجها، بل يثبتون ذلك، وكذب من زعم من بني قومنا أنها لمجرد الترفيه والتسلية، وأن من يحاربونها يَتهمون غيرهم على غير هدى؛ فهذا المخترِع المشهور توماس أديسون- وهو ممن طوروا آليات السينما- يقول: من يسيطر على السينما يسيطر على أقوى وسيلة للتأثير في الشعب..
ويقول أحد المؤرخين للفنون الأمريكية: إن السينما سواء أحببنا أم لم نحب هي القوة التي تصوغ أكثر من أي قوة أخرى، الآراء والأذواق واللغة والزي والسلوك، بل حتى المظهر البدني .. حتى قيل: السينما أفيون الشعوب.
ويقول مفكر أمريكي آخر: ليست وظيفة السينما أن تزودنا بمعرفةٍ للعالم فحسب، وإنما تخلق أيضا القيم التي نعيش بها.
 

إن زعم بعض الناس أن السينما قد ولجت البيوت عن طريق البث الفضائي، ولا فرق بينها وبين صالات السينما، ينمّ عن ضعف في تصور السينما وصناعتها، ويدل على جهل بخطط من يروجون لها، ولو كانا سويا لقضي بالفضائيات على صالات السينما، ولما بقيت بعد اختراع شبكات التلفزة، ومن يدعون أنهما سواء لماذا إذن يطالبون بها؟ ويستميتون في فرضها؟ ولماذا لا يكتفون بالفضائيات عنها؟
 

إن من طبيعة المفسدين التي ألِفْنَاها منهم، أنهم يعرضون فسادهم خطوة خطوة، ولن يتوقفوا عند حدِّ إنشاء صالات العرض السينمائي، وعرض الأفلام فيها، وإنما سيطالبون بتوطين السينما كما حصل في مصر في بدايات القرن الماضي، وتوطينُها يستلزم تخريج جيش من أبناء البلد وبناته؛ ليكونوا ممثلين ومُخرجين ومنتجين ومصورين وغير ذلك، وهذا الجيش العرمرم لا يمكن تخريجه إلا بإنشاء أكاديميات ومعاهد متخصصة في السينما، وبعثات طلابية للجنسين, تدرس السينما في الخارج، ثم ستكون الحاجة ملحّة لإنشاء مدن سينمائية، واستوديوهات للتصوير, وغير ذلك مما يكلف أموالا طائلة في سبيل الشيطان، والسلسلة لن تنتهي.
 

وأما دعوة البعض بإنشاء سينما نظيفة, فهي أحلام مخادعة لا رصيد لها من الواقع؛ لأن عماد السينما على الإثارة، والإثارة لا تتأتى إلا بتحطيم القيود الدينية والأخلاقية؛ يقول أحد كبار المخرجين الألمان: يحرك الجمهور دافعان: الجنس والعنف، أصبحنا جميعا بهذا المعنى كمتعاطي المخدرات, نتحرك عندما يحركوننا، عندما يجذبوننا أو يبعدوننا، ولا يوجد لدينا انسجام مع ذواتنا.

وأما ادعاء البعض بوضع شروط وضوابط لها, فهي أضحوكة يلهي بها المفسدون أهلَ الغفلة من الناس، فمن خرقوا دساتير الدول وأنظمتها الإعلامية, هل يتقيدون بشروط وضوابط لن تكون إلا حبرا على ورق؟!

وقبل ستين سنة من الآن، صدر في مصر قانونٌ للسينما، ينصُّ على مراعاة احترام الأديان, وعدم التعرض للعقائد... ولا يسمح بمناظر الحركات المخلة بالآداب بما فيها الرقص الخليع المغري.
وحال الأفلام المصرية التي صدرت بعد هذا القانون خلال ستين سنة, ليس يخفى على من شاهدوها في قذارتها وانحرافها وسخريتها بالدين وأهله.
 

إن السينما إنْ كان المقصود بها, نشر الفساد والانحلال في هذه البلاد المباركة, التي عُوفيت منها فيما مضى، فهي خطوة من خطوات المفسدين, كيف يرضاها العقلاء والمصلحون؟! والله تعالى قد حذرنا منهم بقوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ) [النور:21].

وإن كان المقصود بها مجرد التسلية والترفيه -كما يزعم الزاعمون- فهلَّا أنفقوا أموالها الطائلة على مشروعات التنمية, التي توفر ما يحتاجه الناس من ضرورات وحاجات, بدل إغراقهم في الترفيه المحرم، الذي يكون سببا في رفع النعم، وجلب النقم: (فَلَوْلَا كَانَ مِنَ القُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ) [هود:116] .

وصلوا وسلموا على نبيكم...
 

 

 

 

 

 

 

المرفقات
وسائل الإعلام الحديثة (1) السينما نشأتها وحكمها وأثرها.doc
وسائل الإعلام الحديثة (1) السينما نشأتها وحكمها وأثرها - مشكولة.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life