عناصر الخطبة
1/ معنى قول الله تعالى: (وذكرهم بأيام الله) 2/ تأملات في الحملة الصليبية على أفغانستان ومآلاتها 3/ ما ينبغي معرفته وانتهاجه إزاء هذه الأحداث 4/ الدعاةُ عاملون أبداً حتى ظهور وغلبة الحقاهداف الخطبة
اقتباس
ومعنى أيام الله هنا: وقائع الله في الأمم السالفة، والأيامُ التي انتقم فيها من الأمم الخالية الماضية، وهي أيضاً حاضرة ومستقبلة، فكما جرت لأقوام مضوا، فهي تجري لنا حاضراً، وستجري لمن يأتي بعدنا مستقبلاً، وهذه أعظم فائدة من تدبر سنن الله في الناس، فلئن كان العصاة يمكنهم أن يخالفوا حكم الله وشرعه، فإن أحداً من الخلق لا يستطيع ..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: أيها الناس، فإن حاجة المسلمين إلى بيان سنن الله -تعالى- تتأكد أكثر في أزمنة الشدائد، ليقيسوا عليها أمرهم، ويعتبروا بها في التغيير.
وما يحدث الآن في أفغانستان ليس هو أول حدث كبير في التاريخ، ولن يكون الأخير؛ إذ التاريخ حافل بأقدار من الخير والشر، دارت بشأنها سنن، وجرت بسببها ابتلاءات، وحصلت بعدها تغيرات في أحوال الأفراد والمجتمعات والأمم.
والأيام لا تزال تتوالى بجديد بين خير وشر، ونفع وضر، ومحن ومنح، يُختبر بها العالمون (لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ) [المائدة:94]؛ لأن مخافة الله بالغيب تعني الالتزام بطاعته؛ طمعاً في ثوابه، وخوفاً من عقابه، وهذا لا يكون إلا بالإذعان لأحكام الشرع، والتسليم لها، والإيمان بالقدر.
أيها المسلمون: إن أحكام الله القدرية تجري بحسب مواقف الناس من الشرع، وذلكم ما يسمى بالسنن الإلهية، وهي لا تقبل التخلف ولا التبدل: (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) [الأحزاب:62]، (سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) [الفتح:23].
وهي المسماة في القرآن -أيضاً- أيام الله التي أمر -سبحانه- المصلحين أن يذكرِّوا الناس بها: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ ? إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) [إبراهيم:5].
ومعنى أيام الله هنا: وقائع الله في الأمم السالفة، والأيامُ التي انتقم فيها من الأمم الخالية الماضية، وهي أيضاً حاضرة ومستقبلة، فكما جرت لأقوام مضوا، فهي تجري لنا حاضراً، وستجري لمن يأتي بعدنا مستقبلاً، وهذه أعظم فائدة مِن تدبُّر سنن الله في الناس، فلئن كان العصاة يمكنهم أن يخالفوا حكم الله وشرعه، فإن أحداً من الخلق لا يستطيع الخروج قيدَ أَنْمُلَةٍ عن حكمه القدَري.
عباد الله: إن الأحداث الكبرى قد تطيش بها العقول، وتذهل فيها الأفئدة، وتزل بها أقدام أناس، ويضل بها آخرون، ولا يثبت إلا من ثبته الله: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) [إبراهيم:27].
والأحداث لا تزال تتجدد؛ لأن الحملة الصليبية الموجهة الآن على أفغانستان بداية، والله أعلم أين تنتهي! يصرح أهلها دائماً بأنها:
أولاً: ستستغرق سنوات طويلة وأنها لا زالت في بداية مراحلها، ولن تتوقف في رمضان.
ثانياً: لن تقتصر على أفغانستان فقط.
ثالثاً: لا تزال الحشود العسكرية تتزايد لها: مئات الطائرات الحديثة الفتاكة، وعشرات الآلاف من خيرة الجنود المدربين غاية التدريب. فهل يُظن أن حملة بهذا الحجم مهمتها فقط ضربُ أفغانستان بذريعة إيوائها للإرهاب، أم أن لها مآرب أخرى، خاصةً إذا أكد أهلها ذلك؟!.
معاشر المسلمين: إن الزمان كلما تقارب كان فعل الفتن في الناس عجباً؛ لأنها تتوارد وتتكاثر حتى يرقق بعضها بعضاً، وتتابع بالهلاك على أناس ما كان يُظن أنهم يفتنون، حتى تجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف وتجيء أخرى، فيقول هذه، هذه.
ولا يزال الأمر في تصاعد وتزايد حتى يجيء زمن يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا؛ لشدة الأهوال. أعاذنا الله من الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
ولكن -معاشر المسلمين-: علينا أن نؤمن ونوقن بأن العزة لله جميعاً، وبقدر استقامة الشخص أو الطائفة أو الدولة على أمر الله تكون لهم العزة والحفظ والأمان والأمن: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ) [المنافقون:8].
كما أن على المسلم أن يعلم أن الذين يريدون أن يستمدوا عزتهم من عند غير الله فهم خاسرون، قال الله -تعالى-: (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) [النساء:138-139].
ولنعلم ثالثاً: أن الظلم مؤذن بالخراب والعذاب، ونذيرُ أخذ ومحق وهلاك، والأخذُ والعذاب يقع على الكافرين حين يظلمون غيرهم، ويشمل أيضاً من يظلم من المسلمين، قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) [يونس:13].
وقال -سبحانه-: (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ) [الحج:45].
وقال -جل شأنه-: (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا) [الكهف:59].
وإن من الظلم موالاة الظالم وعونُه وتأييده، ومباركة ظلمه، وأظلم الظلم أن تعينه وتظاهره وتواليه على حساب إخوانك المؤمنين، ومن يفعل ذلك فهو داخل في عداد الظالمين المتوعَّدين بالأخذ والعذاب، قال الحق جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [المائدة:51].
وتولى اليهود والنصارى يكون غالباً حين غلبتهم وظهور دولتهم أو دولهم، والمتولي يحتج بتوليه لهم أنه يخشى الدوائر؛ فيذهب يلتمس لنفسه الأعذار والمبررات، وربما المسوغات التي يراها شرعية، وهذا عين الظلم المتوعَّد صاحبه بالأخذ والخذلان.
عباد الله: والوجه الآخر لذلكم: الماضون على دربهم، الثابتون على دينهم، لا تغير ثوابتهم شدة، ولا يهزُّ دينهم فتن، فعن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يقول: "لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله، قاهرين لعدوهم، لا يضرهم من خالفهم، حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك" رواه مسلم.
قال الإمام النووي رحمه الله: يحتمل أن هذه الطائفة مغرَّقة بين أنواع المؤمنين؛ فمنهم شجعان مقاتلون، ومنهم فقهاء، ومنهم محدِّثون، ومنهم زُهَّاد، وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر، ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين، بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض. اهــ.
فكن -عبد الله- من أولئك، وعُضَّ على دينك بالنواجذ، ولا تزال صابراً جاهداً مجاهداً، ساعياً في تبليغ دين الله -تعالى- ورفعة شأنه؛ لعلك تدخل في تلك الطائفة.
إن دين الله -تعالى- منصور بوعد الله ووعد رسوله، ونصرُه يكون بأناس كما وردت صفاتهم في الحديث السابق، وهي:
أولاً: أنهم على الحق والسنة.
ثانياً: أن تلك الطائفة ظاهرة بذلك الحق، معلنة به، لا تخشى أحداً.
ثالثاً: أنها منصورة بالحق، مُقاتِلة عليه.
رابعاً: أنها محفوفة بمن يخذلونها ويسلمونها إلى العدو.
خامساً: أنها محاطة بالمخالفين.
سادساً: من صفات الطائفة المنصورة أنه لا يضرها ذلك الخذلان ولا تلك المخالفة.
سابعاً: أنها جامعة لشرائع مختلفة من الأمة.
ثامناً: أن الله يبعث منها المجددين للدين.
تاسعاً: أنها لا تنحصر بمكان واحد ولكن تتنقل عبر الزمان في أكثر من مكان.
عاشراً: أنها باقية إلى يوم القيامة. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "لا تزال عصابة من أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس".
فاللهم وفقنا لما اختُلِفَ فيه من الحق، إنك تهدي من تشاء.
بارك الله لنا بما نقول ونسمع، وتقبل منا، إنه هو السميع العليم.
التعليقات