عناصر الخطبة
1/عظم الأمانة 2/أسباب أهمية التحدث عن الأمانة 3/الأنبياء وأداء الأمانة 4/عناية المملكة في خدمة القرآناقتباس
وقراءةُ القرآنِ الكريمِ عبادةٌ كغيرِهَا من العباداتِ، تحتاجُ إلى حضورِ القلبِ، وعلامةُ حضورِ القلبِ: التدَبُّرُ، وهو حظُّ النفسِ من القراءةِ، فعلى قدرِ حضورِ القلبِ...
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ، أتمَّ َعلى الأمَّة النعمةَ وأكملَ لها دِينها، (وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا)[الفتح: 26]، نَحْمَدُهُ أبلغَ الحمد وأوفاه، عَلَى هِدايَةٍ منحهَا، وعافِيةٍ أسْبغهَا، وشرِيعةٍ أكْملَهَا.. (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا)[الأنعام: 160].
وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، شَهادة ًتُنجي قائِلها ويسْتظِلُّ بظلها.. (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا)[محمد:10].
وأشهَدُ أنَّ مُحمدا ًعبدُ اللهُ ورسولهُ، جاءَ إلى جُمُوع الطغيانِ ففَلها، وإلى عُقد الشرْكِ فحَلها، وإلى دَواعِي الخلافِ فسَلها.. وبشرَ الأمَّة َوأنذَرها ودَلها، صَلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليهِ وعلى آله وأصحابهِ، من حازوا المكارمَ والمفاخِرَ كُلَّها، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يَوم ِأن تضَعَ كلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَملها....
أمَّا بعدُ: فاتقوا اللهَ عباد الله حق التقوى.. اتقوه في كلِّ أحايينِكم تربحوا، وتوكلّوا عليه في كلِّ أحوالِكم تفْلِحوا، والجأوا إليه في كلِّ شؤونِكم تنْجَحوا.. الأمورُ ثلاثةٌ: أمرٌ بانَ لكَ نفعهُ فاتَّبعهُ، وأمرٌ بانَ لك عيبُهُ فدعهُ، وأمرٌ اشتبهَ عليك الحقَّ فيهِ فتوقْف حتى تعلمَهُ.. صِلُوا من قطعكم، وأَعطوا من حرمكم، وأعفوا عمن ظلمكم، وأدوا الأمانةَ لمن ائتمنكم، ولا تخونوا من خانكم.. (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا)[النساء:58].
معاشر المؤمنين الكرام: جاء في الأثر أنَّ اللهَ جلَّ وعلا عرضَ الأمانةَ على السموات العلا، وعرضها على الأرضينَ السبع، وعرضها على الجبال الصمِّ الصِّلاب، فَقال لَهَم: هَلْ تَحْمِلِونَ الْأَمَانَةَ وَمَا فِيهَا، قَالوا: وَمَا فِيهَا، قال: إِنْ أَحْسَنْتم جُزِيتم، وَإِنْ أَسَأْتم عُوقِبْتم.. فاشفقوا وأبوا أن يحملوها، وحملها الانسان.. قال الحق جل وعلا: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)[الأحزاب: 72]. قَبِلَهَا الْإِنْسَانُ عَلَى ضَعْفِهِ لأنه ظلومٌ جهول.. ظَلُومٌ لِنَفْسهِ وللْأَمَانَةِ التي حُمِّلها.. جَهُولٌ عَنْ حَقِّهَا وعاقِبَةِ تقصيرة فيها.. إلَّا من وَفَّقَهُ اللهُ تعالى من أهلِ الإيمانِ الذينَ قالَ فيهم: (وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)[الْمُؤْمِنُونَ: 8].
عبادَ اللهِ: عندما يتأمَّلُ المسلمُ واقعه، ويتبصرُ في أحوال مجتمعه، فسيرى أمراً من أهم أُمورِ الدينِ قد فُقِد، أو كاد أن يفقد.. ثم يربطه بقولَ الحبيب صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن أَوَّلُ مَا تَفْقِدُونَ مِنْ دِينِكُمْ الْأَمَانَةُ".. فيتبين له بجلاء من أين يؤُتى بُنيانُ المجتمعِ، وكيف ينحدرُ نحو الهاوية.. نسأل الله السلامة والعافية.. نعم -يا عباد الله- سنتكلمُ عن الأمانةِ، لأن الكلامَ عن الأمانةِ أمانة.. قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ)[آلِ عِمْرَانَ: 187].
وحقاً -أيها الكرام- فنحن بحاجةٍ كبيرة لأن نتحدث عن الأمانة: لأن التفريطَ فيها شاع وذاع، ولأنَّ كثيراً من الناس خانوا الأمانة وضيعوها...
نحتاجُ لأنَّ نتحدث عن الأمانة لأنَّ كثيراً من الموظفَين يتساهلَون في أوقات عملِهم، ويفَرَّطَون في أداء وظائفهم، ويعَطَّلَون مصالحَ من يخدمون، وكأنَهم لم يسمعْوا دعاءَ نبيِهم المستجابِ: "اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِى شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِى شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ".. بل ويتجاوزُ بعضهم إلى تعقيدِ الأمورِ وتأخيرها.. لينالَ بذلك شيئاً من سُحت المتاعِ، والمال الحرام، وفي الحديث الصحيح: "لَعنةُ اللهِ على الرَّاشي والمُرتشي"؛ فكيف يسلمُ من ذلك، والذي دعا عليه هو الرسول صلى الله عليه وسلم.
نحتاجُ لأن نتحدث عن الأمانة: لأن كثيراً من الصناعيين والمقاولين وأصحاب الورش يغشون في أعمالهم وصناعاتهم... ونحتاجُ لأن نتحدث عن الأمانة: لأن كثيراً من السائقين وعمالِ وعاملات المنازل يئنون من الظلم، ويصرخون من سوء المعاملة..
نحتاجُ لأن نتحدث عن الأمانة؛ لأننا نرى الرجلَ يأتي مطَأْطِئٌ رأسَه، يتلعثمَ لِسانُه، يأتي ليطلب من أحدهم قَرْضاً من المال، فيُعطِيه ما يفرجُ به همَّهُ، ويقضي حاجتهُ، ولكنه عندما يحينُ موعدُ السداد يتناسى كل ما فاتَ، ويسوِّفُ ويماطلُ مرات ومرات، ثم يتهربُ ولا يُجيبُ على الاتصالاتِ، حتى يُدخِلَ من أقرضهُ في أضيق الإحراجات..
نحتاجُ لأن نتحدثَ عن الأمانة؛ لأن المجتمع يعاني من السِلع المغشوشة، والمساهمات المشبوهة، والمخالفات الصريحة للنظامِ وتعاليمِ الإسلامِ.. نحتاجُ لأن نتحدث عن الأمانة: لأننا نرى الشباب الكفء يتخرجون بنسبٍ عالية، فلا يجدون الوظيفة المناسبة، بينما يحصلُ عليها بالمحسوبيات والواسطة من لا يستحقها.. نحتاجُ لأن نتحدث عن الأمانة: لأننا نقرأ ونسمعُ عن مشاريع طموحة، تكلف مبالغ ضخمة.. فإذا قلبت بصرَك في الواقعِ المريرِ.. انْقَلبَ إِلَيْكَ البصرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ..
نحتاجُ لأن نتحدث عن الأمانة؛ لأننا نرى المطرَ المُتوَسِّط في بلادِنا يتحول إلى كارثةٍ حقيقية.. تغرقُ فيه البيوت وتنجرف الشوارعُ، وتتهدم الجدران، وتسبح فيه السيارات، ويظهرُ فيه عوارُ المشاريعِ السقيمةِ، وما تخلفهُ من مآسيٍ أليمةِ.. وواللهِ ليس بعد التلاعبَ بأرواحِ البشرِ من جريمة..
نحتاجُ لأن نتحدث عن الأمانة؛ لأننا نرى التعليمِ في بلادنا، لا يزال أدنى بكثيرٍ من مستوى تَّطَلُّعاتِنا.. ولأن إعلامنا لا يُمثلُ ديننَا ولا قيمنا ولا تقاليدَنا.. ولأن أغلب مستشفياتنا ومراكزنا الصحية، قد فقدت ثقةَ مُراجعيها بالكلية..
نحتاجُ لأن نتحدث عن الأمانة كثيراً؛ حين نعاينُ الوضعَ المأساوي لنظافة الإحياء والشوارع، وصيانة المرافق العامة.. ونحتاجُ للحديثِ عن الأمانةِ عندما نرى غلاءَ الأسعارِ، وطَمعِ التجارِ، وجَشِعِ أهلِ العقارِ...
نحتاجُ لأن نتحدث عن الأمانة؛ لأنه لا يكاد مرفقٌ من مرافق المجتمع إلا وقد ناله من الإهمال والتفريط ما ناله، وشاع عند القاصي والداني أن القائمين على ذلك المرفق قد ضيعوا الأمانة..
نحتاجُ لأن نتحدث عن الأمانة؛ لأنَّ كَثِيرُونَ نسوا أَو تَنَاسَوا أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ مِن أَمرِ العَامَّةِ يتولاه المَرءُ، فَإِنَّمَا هُوَ تَكلِيفٌ وليس بتَشرِيف، وَمَسؤُولِيَّةٌ كبيرةٌ سيسألُ عنها، وَأَمَانَةٌ ثقيلة يجِبِ عليه أَن يَرعَاها حَقَّ رِعَايَتِهَا، وَأن يَعدِلَ فِيهَا وَيَنصَحَ لها.. قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَا مِن عَبدٍ يَستَرعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً فَلَم يُحِطْهَا بِنصحَه إِلاَّ لم يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّةَ" مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.. وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "مَا مِن عَبدٍ يَستَرعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَومَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلاَّ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الجَنَّةَ" مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.. وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "إِنَّ المُقسِطِينَ عِندَ اللهِ عَلَى مَنَابِرَ مِن نُورٍ عَن يَمِينِ الرَّحمَنِ وَكِلتَا يَدَيهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعدِلُونَ في حُكمِهِم وَأَهلِيهِم وَمَا وَلُوا" رَوَاهُ مُسلِمٌ.. وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ رِجَالاً يَتَخَوَّضُونَ في مَالِ اللهِ بِغَيرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَومَ القِيَامَةِ" رَوَاهُ البُخَارِيُّ.. وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "مَنِ استَعمَلنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقنَاهُ رَزقًا، فَمَا أَخَذَ بَعدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ" صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ..
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[الْأَنْفَالِ: 27].
أقول ما تسمعون...
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وصلاة وسلاماً على عباده الذين اصطفى..
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- وكونوا مع الصادقين، وكونوا ممن يستمعُ القولَ فيتبعُ أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب..
معاشر المؤمنين الكرام: يقولُ اللهُ تعالى في محكم آياته: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)[النِّسَاءِ: 58]، فأداء الأمانات -يا عباد الله- مطلبٌ ربانيٌ واجب، وفرضٌ إلاهيٌ لازم، ففي الحديث الصحيح: قال أَنَسٌ رضي الله عنهُ: قَلَّمَا خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلاَّ قَالَ: "لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ وَلاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ لَهُ".. الأمانةُ خلقٌ أصيل، وصفةٌ نبيلة، وصفَ اللهُ جلَّ وعلا بها صفوةَ ملائكتهِ ورسله، فقد وصفَ اللهُ بها جبريلُ عليه السلام فقال تعالى: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ) [الشعراء: 193] ، وقال عن كليمه موسَى عليهِ الصلاة والسلام: (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأجَرْتَ القَوِيُّ الأَمِينُ)[الْقَصَصِ: 26]، وقال عن نبيه هودٌ عليه السلام: (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ)[الأعراف: 68]، وقال عن نبيه الكريم يوسفَ عليه الصلاة والسلام: (وَقَالَ المَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ اليَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ)[يوسف:54]. واشتُهر بها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم حتى لقبه قومهُ بالصادق الأمين.. وما من نبيٍّ إلا ويقولُ لقومه: (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ)[الشعراء:107-108]. ونصَّ الله تعالى في مطلع سورةِ المؤمنين على أن الأمانةَ من ألزم صفاتِ المؤمنين المفلحينَ، فقال جلَّ وعلا: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ)[الْمُؤْمِنُونَ:1]، ثم قال عنهم: (وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)[الْمُؤْمِنُونَ: 8]، وختم السياقَ بذكر جزاءهم فقال: (أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [الْمُؤْمِنَونَ:10-11].
والأمانة هي أوُّلُ ما يُفقدُ من الدينِ، قال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَوَّلَ مَا تَفقِدُونَ مِن دِينِكُمُ الأَمَانَةَ".. وقال عليه الصلاة والسلام: "إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ"..
وما هي الأمانة -إخوة الإيمان-: الأمانةُ هي أداءُ الحقوقِ الواجبةِ على الوجه المطلوب، وهي تشملُ كلّ ما يجِبُ على الانسان من حقوقٍ وواجباتٍ تجاه ربهِ ومجتمعهِ وأهلهِ ونفسه، فوقتُ المسلم أمانةٌ، وفرائضُ الدين أمانة، وعِرضُه أمانةٌ، وعملهُ أمانه، وعمرهُ أمانه، ومالُهُ ومكسبهُ أمانةٌ، وأهلهُ أمانة، وعِلمهُ أمانة، في الحديث الصحيح: "لا تزولَ قدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يسألَ عن عُمُرِهِ فيمَ أفناهُ، وعن علمِهِ فيمَ فعلَ فيهِ، وعن مالِهِ مِن أينَ اكتسبَهُ وفيمَ أنفقَهُ، وعن جسمِهِ فيمَ أبلاهُ"، والدعوةُ إلى الله أمانه، في الحديث الصحيح: "بلغوا عني ولو آية"، والسمعُ والبصرُ واللسانُ وكل الجوارح أمانةٌ، قال تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)[الإسراء: 36]، وفي صحيح البخاري: "أَلا كُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، فالإِمامُ الذي علَى النَّاسِ راعٍ وهو مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والرَّجُلُ راعٍ علَى أهْلِ بَيْتِهِ، وهو مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والمَرْأَةُ راعِيَةٌ علَى أهْلِ بَيْتِ زَوْجِها، ووَلَدِهِ وهي مَسْئُولَةٌ عنْهمْ، وعَبْدُ الرَّجُلِ راعٍ علَى مالِ سَيِّدِهِ وهو مَسْئُولٌ عنْه، ألا فَكُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ"..
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: المُجتَمَعَ سَفِينَةٌ واحدة، وَالحَيَاةَ لا تستقيم إلا بتعاون الجميع وأمانتِهم، وكُلُّ تَسَاهُلٍ مِن أيِّ مَسؤُولٍ عَلا شَأنُهُ أَو نَزَلَ، فَإِنَّمَا هُوَ ثُلمَةٌ في بِنَاءِ المجتمع وخرقٌ لسفينته.. وَمَالم يَتَعَاوَنْ كُلُّ مَن في السَّفِينَةِ عَلَى حِفظِهَا وصيانتها، فمآلها الغرق، وحينها سيعم الهَلاك الصَالح وَالطَالِح..
فاتقوا الله -عباد الله-، وحافظوا على أماناتكم، فإنَّ خيانةَ الأمانةِ وتضييعها، وصمةُ عارٍ مشينة، ولُطخةُ ذُلٍّ مُهينةٍ، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[الْأَنْفَالِ: 27]، وأي عارٍ ومهانةٍ أشنعُ من أن يُشهَّرَ به يومُ القيامة على رؤوس الخلائق، ففي الحديث المتفق عليه: "لِكُلِّ غادِرٍ لِواءٌ يَومَ القِيامَةِ يُعْرَفُ بهِ".. وأيُّ خيبةٍ وخَسارةٍ أعظمَ من أن يكونَ المسلمُ معدوداً في المنافقين.. ففي صحيح البخاريُّ ومسلمٌ، قال عليه الصلاة والسلام: “آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ”..
اللَّهُمَّ إِنّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُوعِ فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخِيَانَةِ فَإِنَّهَا بِئْسَتِ الْبِطَانَةُ..
ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت..
التعليقات