عناصر الخطبة
1/من أعظم فضائل الله على الإنسان 2/وجوب بر الوالدين والإحسان إليهما 3/خطورة عقوق الوالدين 4/عِظَم حقّ الوالدين 5/وجوب صلة الأرحام وتحريم قطعها.اقتباس
وتتوالى عليك المصائب بسببه، وتتألم إذا تأخر ولا تدري مع مَن كان، ويُصاحب رفقة سيئة، ويقع في الحرام وشربِ الدخان، ويهجر القرآن ويطرب لمزمار الشيطان، ويلْهو في الاستراحات والمقاهي، ويترك الصلاة، وتسوء أخلاقه، ويُصبح عقاقًا فاجرًا كذابًا....
الخطبةُ الأولَى:
الحمد لله الكريم المنان، صاحب الفضل والإنعام، والجود والإحسان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، جعله الله رحمة للعالمين، وحجةً على العباد أجمعين، صلى الله عليه وعلى سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله؛ فإن تقوى الله سببٌ لبلوغِ رحمته، ونَيْلِ جنته في دار كرامته.
عباد الله: إنّ من أعظم فضائل الله على الإنسان، أن يُوفِّقه للإحسان إلى مَن بقي مِن والديه، فيدأبُ في برّهما، ويجتهدُ في إسعادهما.
لَمّا ماتت أُمُّ إياس القاضي المشهور، بكى عليها، فقيل له في ذلك فقال: "كان لي بابان مفتوحان إلى الجنة، فأُغْلِق أحدُهما".
وبرّ الوالدين يعدل الجهاد في سبيل الله، بل هو أفضل من الجهاد في سبيل الله؛ فقد ثبت في الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سُئل: أيّ العمل أحبّ إلى الله؟ قال: "الصلاة على وقتها"، قيل : ثم أيّ؟ قال: "برّ الوالدين؟"، قيل: ثم أيّ؟ قال: "الجهاد في سبيل الله".
والقيامُ عليهما هو من الجهاد، جاء رجل يستأذنُ النبي -صلى الله عليه وسلم- في الجهاد، فقال له : "أحيٌّ والداك؟" قال: نعم، قال: "ففيهما فجاهد".
وأعظم المصائب -بعد مصيبة الدِّين- أنْ تُرْزَق بولدٍ، فتجتهدُ غاية وُسْعك في صلاحه وتربيته، وتبذل المال والوقت ليكون ولدًا صالحًا تقرّ عينك به، وتُؤمِّل فيه آمالاً عظيمةً، وترجو من تربيتك له أن تجني ثمار جهدك وتعَبك، بأن يكون لله مطيعًا، ولك بارًّا، ولقضاءِ حاجاتك ساعيًا، ولأخوتِه عضُدًا.
وبعد سنوات قضيتَها في هذه الآمال، وبذلتَ في سبيل ذلك الوقت والمال؛ ينصرف عنك إلى غيرك، ويكون غُصَّة في حلْقك، وتتوالى عليك المصائب بسببه، وتتألم إذا تأخر ولا تدري مع مَن كان، ويُصاحب رفقة سيئة، ويقع في الحرام وشربِ الدخان، ويهجر القرآن ويطرب لمزمار الشيطان، ويلْهو في الاستراحات والمقاهي، ويترك الصلاة، وتسوء أخلاقه، ويُصبح عقاقًا فاجرًا كذابًا.
فيا أيها الولد: أما لك قلب؟ أما لك عقل؟ أما عندك إحساس؟ أتضيّق صدر والديك وقد ربّوك وعلّموك وأطْعموك وآووك؟ أتكدّر خواطرهما وهما السّبب في وجودك في هذه الحياة؟
أمَا تعلم أنّ جزاء العقوق معجّل في الدنيا قبل الآخرة؟ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كل الذنوب يُؤخّر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة، إلا عقوق الوالدين؛ فإن الله يُعجّله لصاحبه في الحياة قبل الممات".
أمَا تعلم أنّ الجزاء من جنس العمل؟ فمن أحسن إلى والديه وبرَّهما، رزقه الله أولادًا يُحسنون إليه ويبرّونه، ومَن عقّ والديه عُوقب بأولاد يعقّونه، وينكرون فضله، ويسيئون إليه.
عُدْ إلى الله، وبِرّ بوالديك قبل فوات الأوان.
اللهم ارحم آباءً سعوا في صلاح أولادهم، فقدّرتَ -ولك الحكمة البالغة- أن يضلوا.
اللهم اجبر كسر قلوبهم، وضاعف في الدارين أجورهم، وعجلّ صلاح أولادهم، فلا هادي لهم إلا أنت.
الخطبة الثانية:
الحمد لله المحمودِ بكل لسان، المعبودِ في كل مكان، الذي لا يشغله شأن عن شأن، سبحانه جلّ عن الأشباه والأنداد، وتنزَّه عن الصاحبة والأولاد، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمدٌ عليه الصلاة والسلام.
أما بعد: عباد الله: قال الله -تعالى-: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا * رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا * وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا)[الإسراء: 23-26].
(فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا)، قال الحسين بن علي -رضي الله عنهما-: "لو علم الله شيئًا من العقوق أدنى من الأُفّ لحرّمه".
فإذا كان قول أفٍّ لا يجوز، فكيف بمن يرفع صوته عليهما، أو يرد عليهما، كيف بمن يعصي أوامرهما، ولا يلبي طلباتهما في غير معصية الله.
وتأمّل قوله -تعالى-: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ)، فكلمة: (عِنْدَكَ) تدل على معنى التجائهما واحتمائهما وحاجتهما، فلقد أنهيا مهمتهما، وانقضى دورهما، وابتدأ دورك، وها هي مهمتك؛ (فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا).
ومن الحقوق الواجبة على كل مسلم: أن يصل رحمه، وقد قال -تعالى-: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ)؛ وحقّه أنْ يُوصلَ ويُحسنَ إليه.
وقطيعةُ الرحم من كبائر الذنوب، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ".
اللهم أعنّا على برّ والدينا، والقيام بحقهما، على الوجه الذي يُرضيك عنا، وتجاوز عن تقصيرنا يا رب العالمين.
عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على نبي الهدى، وإمام الورى، فقد أمركم بذلك -جل وعلا-؛ فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، وخُصَّ منهم الحاضرين والحاضرات، اللهم فرِّج همومهم، واقض ديونهم، وأنزل عليهم رحمتك ورضوانك يا رب العالمين.
عباد الله: إنَّ اللَّه يأْمُرُ بالْعدْل والْإحْسانِ وإيتاءِ ذي الْقُرْبى ويَنْهى عن الْفحْشاءِ والمنْكرِ والبغْيِ يعِظُكُم لَعلَّكُم تذكَّرُون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
.
التعليقات