عناصر الخطبة
1/ أهمية ابتغاء الوسيلة إلى الله 2/ الوسيلة في كتاب الله تعالى 3/مفهوم الوسيلة 4/ شروط تحققها 5/ مما يُتوسَّلُ به إلى الله 6/ مما لا يُتوسّل به 7/ الوسيلة في الجنة والدعاء بها لنبينا الكريماهداف الخطبة
اقتباس
إنَّ من أعظم ما ينبغي أن يُعنى به ويسعى العبد في تحقيقه وابتغائه ونيْله: الوسيلة، وما أدراك ما الوسيلة؟! ما أعظم شأنها! وما أرفع مكانتها! وما أجلَّ ابتغاءها! فإنها أعظم مبتغى، وأجلُّ مطلب، وخير ما سعى الساعون في نيله وتحصيله.
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمد لله نحمدُه ونستعينُه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مضلَّ له، ومن يضلِل فلا هادي له.
وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له؛ إله الأولين والآخرين، وقيوم السماوات والأرضين، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسوله، وصفيُّه وخليله، الصادق الوعد الأمين؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: أيها المؤمنون، اتقوا الله -تعالى- وراقبوه -جل في علاه-، في جميع أعمالكم، وفي كل أوقاتكم، مراقبة من يعلم أن ربَّه يسمعُه ويراه.
أيها المؤمنون: إنَّ من أعظم ما ينبغي أن يُعنى به ويسعى العبد في تحقيقه وابتغائه ونيْله: الوسيلة، وما أدراك ما الوسيلة؟! ما أعظم شأنها! وما أرفع مكانتها! وما أجلَّ ابتغاءها! فإنها أعظم مبتغى، وأجلُّ مطلب، وخير ما سعى الساعون في نيله وتحصيله.
أيها المؤمنون: لقد ذكر الله -جل وعلا- الوسيلة في موطنين من كتابه -جل في علاه-، في الأول منهما ذكرها على وجه الحث عليها والأمر بها والترغيب فيها، وفي الموطن الثاني ذكرها على وجه الثناء على أهلها وبيان عظيم قدرهم ورفيع مكانتهم وحُسن تقربهم إلى الله -جل في علاه-. قال الله -سبحانه وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الإسراء:35]. وقال الله -تعالى-: ( أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا) [الإسراء:57].
أيها المؤمنون: إنَّ الوسيلة -كما تفيد الآيتان- هي خير مبتغى، خير ما يبتغيه مبتغٍ ويطلبه طالب، خير ما يبتغيه المسلم في حياته الوسيلة، وقد أجمع العلماء من أهل الدراية بكتاب الله -عز وجل- في كتب التفسير أن الوسيلة: القربة إلى الله -جل في علاه-، والتقرب إليه -عز وجل- بطاعته؛ طلبًا لرضاه، مخلصًا العبد دينه لله.
وقد أفادت الآيتان أن الوسيلة لا تُبتغى إلا إلى الله؛ (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ)، أي: مخلصين لا إلى غيره، بحيث يكون العبد في أعماله كلها وطاعاته جميعها لا يبتغي بشيءٍ منها إلا الله -جل في علاه-. وقوله -عز وجل-: (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ)، أي: القربة بطاعته؛ وهذا -أيضًا- لا يكون إلا بالاتباع للرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام-؛ فأفادت الآيتان -معاشر المؤمنين- أن الوسيلة تقوم على ركنين عظيمين وأساسين متينين: الإخلاص للمعبود، والمتابعة للرسول -عليه الصلاة والسلام- في الأعمال كلها، فلا يكون العبد مبتغيًا الوسيلة إلى الله إلا بذلك.
ولهذا -عباد الله- ينبغي أن نعلم أن الوسيلة هي كل طاعة يتقرب بها المؤمنون إلى الله ممَّا أمر الله -عز وجل- به أمر إيجابٍ أو أمر استحباب، لكنَّ ما أمر الله به أمر إيجاب أعظم وأجلّ في مقام الوسيلة، كما قال الله -عز وجل- في الحديث القدسي: "وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ".
ولهذا -أيها المسلم- إذا صلَّيت وصمتَ وحججتَ واعتمرتَ وتصدقت وقمت بأنواع الطاعات فاعلم أن طاعاتك هذه وسيلة إلى الله تدنيك منه وتقربك إليه -عز وجل-، وكلما عظمت هذه الوسائل –أعني: أنواع الطاعات- إلى الله -جل في علاه- عظمت مكانتك عند الله وارتفعت درجتك عنده، فإن الله -جل وعلا- يقول: (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا) [الأحقاف:19].
أيها المؤمنون: وفي باب الدعاء والتوجه إلى الله -عز وجل- بالسؤال لخيري الدنيا والآخرة ينبغي أن يحسن العبد في هذا المقام التوسل إلى الله في أدعيته ومناجاته وسؤالاته، لأن الأدعية إذا كانت كذلك معتنًى فيها بالتوسل إلى الله بما يحب كان ذلك أدعى لإجابتها وإعطاء السائل سؤله.
وإنَّ أعظم ما تتوسل به إلى الله في دعائك أسماء الله الحسنى وصفاته العليا، كما قال الله -جل وعلا-: (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) [الإسراء:110]، وقال الله -جل وعلا-: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) [الأعراف:180] ؛ ولهذا ترى عامة الأدعية في القرآن والسنة تتضمن توسلًا إلى الله بأسمائه وصفاته، وهذه أعظم وسيلة إلى الله في دعائه ومناجاته.
ومما تتوسل به إلى الله في دعائك: أعمالك الصالحة: (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا) [آل عمران:193]، فتوسلوا إلى الله بإيمانهم، ومن ذلكم توسلات الثلاثة النفر الذين أطبقت عليهم صخرةٌ في الغار؛ فتوسل أحدهم إلى الله بعفته عن الفاحشة، والآخر ببره للوالدين، والثالث بأدائه حق المستأجَر كاملًا بدون إنقاص شيء منه.
أيها المؤمنون: وعندما لا يُفهم باب التوسل على وجهه الصحيح يقع المرء في أنواع من المخالفات والانحرافات في دين الله -عز وجل-، ولربما وقع فيها ظنًّا أنها نوع من التوسل؛ ولهذا ينبغي -يا معاشر المؤمنين- أن يُعلم في هذا المقام العظيم أن البدع بأنواعها وكافة صورها لا يمكن أن تكون وسيلةً مقربةً إلى الله، كيف وقد قال -عليه الصلاة والسلام-: "وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ"؟ كيف وقد قال -عليه الصلاة والسلام-: "مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ"؟ أي: مردود على صاحبه وغير مقبول منه؛ ولهذا ينبغي على العبد المؤمن في هذا المقام العظيم، مقام التوسل إلى الله وابتغاء الوسيلة إليه -جل في علاه-، أن يحرص أشد الحرص على إخلاص عمله لله، واتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- في كل ما يأتي ويذر.
[وإن تعجب أيها المؤمن فعجب من حال أقوام يتوجهون في دعائهم وسؤالهم إلى مخلوقين مثلهم من الموتى المقبورين ثم يزعمون أن عملهم هذا توسل! وهيهات أن يكون تسوية غير الله بالله واتخاذ الأنداد والشركاء وسيلة يُطلب بها رضا الله، وقد قال -تعالى-: (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [يونس:18] ].
اللهم يا ربنا يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن تجعلنا أجمعين ممن يحسنون ابتغاء الوسيلة إليك يا رب العالمين.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: أيها المؤمنون، اتقوا الله.
عباد الله: وللوسيلة معنًى آخر جاءت به السنة لا بد من فهمه وإعطائه مقامه وحقه؛ ألا وهو أن السنة جاءت -يا معاشر المؤمنين- بأن الوسيلة في الدار الآخرة منزلةٌ في الجنة لا تنبغي إلا لواحد من عباد الله، هي أرفع منازل الجنة وأعلى درجاتها، وهي أقرب منازل الجنة لعرش الرحمن -جل في علاه-، وهذه المنزلة جاء تسميتها في السنة الصحيحة بالوسيلة، ولا تنبغي إلا لواحد من عباد الله -جل وعلا-.
وتأملوا ما جاء في الصحيح من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ". وجاء في الحديث الآخر حديث جابر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلاَةِ القَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا -صلى الله عليه وسلم- الوَسِيلَةَ وَالفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ؛ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ".
ولهذا -عباد الله- ينبغي أن يحرص المسلم على هذه الدعوة العظيمة، سؤال الله الوسيلة لنبينا الكريم -عليه الصلاة والسلام-، والجزاء من جنس العمل، فإذا دعوت الله وأكثرت من دعائه -جل في علاه-أن يؤتي نبيه الوسيلة -صلى الله عليه وسلم- كوفئت من جنس عملك بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يكون لك شفيعًا يوم القيامة عند الله -جل في علاه-.
وإنا لنسأل الله -عز وجل- بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يوفقنا أجمعين لسديد الأقوال وصالح الأعمال، وأن يهدينا أجمعين لحسن الفقه في دين الله -عز وجل- وحسن العمل بطاعته وما يقرب إليه.
وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56].
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد.
وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكرٍ، وعمرَ، وعثمان، وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم كن لهم ناصرًا ومعينا وحافظًا ومؤيدا.
اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك يا رب العالمين، اللهم وفِّق ولي أمرنا لهداك واجعل عمله في رضاك، وأعِنه على طاعتك يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها. اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى. اللهم اغفر لنا ذنبنا كله، دقَّه وجلَّه، أوَّله وآخره، علانيته وسره، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا، فأرسل السماء علينا مدرارا، اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت يا من وسعت كل شيء رحمة وعلما، نسألك ونتوجه إليك يا ربنا بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن تسقينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من اليائسين، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم سقيا رحمة لا سقيا هدمٍ ولا عذابٍ ولا غرق، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا. اللهم إنا نسألك غيثًا مغيثا، هنيئًا مريئا، سحًّا طبقا، نافعًا غير ضار، عاجلًا غير آجل. اللهم أغث قلوبنا بالإيمان وديارنا بالمطر.
اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وزدنا ولا تنقصنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
التعليقات