عناصر الخطبة
1/حاجتنا إلى تعميق الإيمان بأن الرزق من عند الله 2/الرزق قدر معلوم عند الله فاسع في طلبه 3/من الأرزاق يغفل عنها كثير من الناس 4/من أسباب جلب الرزقاقتباس
كَسْبُ الْمَالِ وَطَلَبُ الْحَلَالِ مَطْلَبٌ وَعِبَادَةٌ، لَكِنَّ الْكَثِيرَ مِنَّا يَنْظُرُ إِلَى الرِّزْقِ نَظْرَةً قَاصِرَةً، فَيَظُنُّ أَنَّ الرِّزْقَ هُوَ الْمَالُ وَحَسْبُ، وَنَسِيَ صُنُوفًا مِنَ الْأَرْزَاقِ يَنْعَمُ بِهَا، وَيُغْبَطُ عَلَيْهَا؛ فَالْإِيمَانُ رِزْقٌ، وَالْعِلْمُ رِزْقٌ، وَالْقُرْآنُ رِزْقٌ، وَالْخُلُقُ الْحَسَنُ رِزْقٌ...
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ الذي تفرَّدَ بالخَلقِ والتَّدبيرِ، وتَصرَّفَ بالحِكمةِ البالغةِ وبديعِ التَّقديرِ، لا يَعزُبُ عنه مثقالَ ذَرةٍ في الأرضِ ولا في السَّماءِ وهو اللطيفُ الخبيرُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له, وأشهدُ أن سيدَنا ونبيَنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه, صلَّى اللهُ وسلَّمَ وبارَكَ عليه وعلى آلهِ وأصحابِه ذَوي الشَّرَفِ الكبيرِ، والتَّابعينَ ومن تبعَهم بإحسان.
إِخْوَةَ الْإِيمَانِ: يَقُولُ الْبَيَانُ الْإِلَهِيُّ مُخَاطِبًا عِبَادَهُ:"يَا عِبَادِي! لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ"؛ مَلِكٌ جَوَادٌ، عَظِيمٌ رَزَّاقٌ، خَزَائِنُهُ مَلْأَىْ، لَا تُغِيضُهَا النَّفَقَةُ، وَعَطَاؤُهُ دَفَّاقٌ لَا تُحْصِيهِ الْكَتَبَةُ.
رِزْقُهُ عَظِيمٌ كَرِيمٌ، شَمِلَ كُلَّ خَلْقِهِ؛ مِنْ إِنْسٍ وَجَانٍّ، وَطَيْرٍ وَحَيَوَانٍ، فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَالسَّهْلِ وَالْوَعْرِ، فِي الضِّيَاءِ وَالظُّلُمَاتِ، كُلُّهُمْ سِيقَتْ لَهُمْ أَرْزَاقُهُمْ سَوْقًا, الطَّيْرُ فِي الْهَوَاءِ، وَالْحُوتُ فِي ظُلُمَاتِ الْمَاءِ، الْحَيَّةُ فِي الْعَرَاءِ، النَّمْلَةُ عَلَى الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ، كُلُّ هَؤُلَاءِ، وَكُلُّ مَا غَابَ فِي الْأَرْضِ أَوْ عَلَا فِي السَّمَاءِ، رِزْقُهُمْ مَحْفُوظٌ, (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ)[فَاطِرٍ: 3].
كَمْ نَحْنُ بِحَاجَةٍ -عِبَادَ اللَّهِ- أَنْ نُجَدِّدَ عَقِيدَتَنَا مَعَ الرِّزْقِ, مَعَ هَذَا الْهَمِّ الَّذِي أَصْبَحَ جَاثِمًا عَلَى قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَأَكَلَ قُلُوبًا، وَأَشْغَلَ عُقُولًا؛ فَعَالَمُ الْيَوْمِ بِمَا يَشْهَدُهُ مِنْ تَغَيُّرَاتٍ اقْتِصَادِيَّةٍ، وَتَقَلُّبَاتٍ مَالِيَّةٍ، وَرُؤًى مُسْتَقْبَلِيَّةٍ غَيَّرَ كَثِيرًا مِنَ النُّفُوسِ وَالْأَخْلَاقِيَّاتِ، وَحَتَّى أَصْبَحَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَعِيشُونَ هَمًّا وَقَلَقًا، مِنَ الرِّزْقِ وَذَهَابِهِ، وَخَوْفًا مِنَ الْمُسْتَقْبَلِ وَغِيَابِهِ.
كَمْ سَمِعْنَا وَرَأَيْنَا صُوَرًا مِنَ الظُّلْمِ وَالنَّهْبِ، وَالْخِيَانَةِ وَبَيْعِ الذِّمَمِ، وَالْغِشِّ وَالِاحْتِيَالِ، وَالتَّنَازُلِ عَنْ بَعْضِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ، وَغَضِّ الطَّرْفِ عَنِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، مِنْ أَجْلِ طَلَبِ الرِّزْقِ. أَلَا مَا أَحْوَجَنَا أَنْ تَمْتَلِئَ جَوَانِحُنَا بِأَنَّ الْخَالِقَ قَدْ تَكَفَّلَ بِأَرْزَاقِ الْعِبَادِ، وَأَنَّ الرِّزْقَ مَكْتُوبٌ وَمَحْفُوظٌ، (اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ)[الْعَنْكَبُوتِ: 62].
الْحَسَبُ، النَّسَبُ، وَالْجِنْسُ وَالْبَلَدُ، الذَّكَاءُ وَالْغَبَاءُ، الْبَلَاهَةُ وَالدَّهَاءُ، لَا عَلَاقَةَ لَهَا بِالرِّزْقِ، وَقَدِيمًا قَالَ أَبُو تَمَّامٍ:
وَلَوْ كَانَتِ الْأَرْزَاقُ تَجْرِي عَلَى الْحِجَا *** هَلَكْنَ إِذًا مِنْ جَهْلِهِنَّ الْبَهَائِمُ
فَاللَّهُ الرَّزَّاقُ لَا أَحَدٌ سِوَاهُ، هُوَ الَّذِي يُعْطِي وَيَمْنَعُ، يَرْزُقُ السَّفِيهَ وَيَمْنَعُ الرَّشِيدَ، يُعْطِي الْوَضِيعَ وَيَمْنَعُ الْحَسِيبَ، يَبْسُطُ لِلْكَافِرِ وَيُضَيِّقُ عَلَى الْمُؤْمِنِ، فَالرِّزْقُ مَقْسُومٌ وَمَضْمُونٌ وَمَوْزُونٌ، (وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ)[الشُّورَى: 27],
كُلٌّ مُيَسَّرٌ لَهُ رِزْقُهُ، وَكُلُّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ؛ فَمِنَ النَّاسِ مَنْ وَضَعَ اللَّهُ رِزْقَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، يَأْمُرُ وَيَنْهَى، وَبِجَرَّةِ قَلَمٍ تَنْهَمِلُ عَلَيْهِ الْأَرْزَاقُ, وَمِنَ النَّاسِ مَنْ وُضِعَ رِزْقُهُ مَعَ الْعَنَاءِ، وَمِنَ الْخَلْقِ مَنْ جُعِلَ رِزْقُهُ فِي بَوَاطِنِ الْمَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْتِيهِ رِزْقُهُ فَوْقَ طَبَقَاتِ الْهَوَاءِ.
وَمَهْمَا حَرَصَ الْإِنْسَانُ عَلَى الرِّزْقِ أَوْ كَرِهَ فَسَيَأْتِيهِ رِزْقُهُ بَقَدَرٍ مَعْلُومٍ، وَقَدْرٍ مَوْزُونٍ، يَقُولُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "إِنَّ الرُّوحَ الْأَمِينَ نَفَثَ فِي رُوعِي، أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَفْسٍ تَمُوتُ، حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا"(خَرَّجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ), وَيَقُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَوْ أَنَّ ابْنَ آدَمَ هَرَبَ مِنْ رِزْقِهِ كَمَا يَهْرُبُ مِنَ الْمَوْتِ لَأَدْرَكَهُ رِزْقُهُ؛ كَمَا يُدْرِكُهُ الْمَوْتُ"(أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ).
فَدَعِ الْقَلَقَ -يَا عَبْدَ اللَّهِ- وَلَا يَشْغَلْكَ هَاجِسُ الرِّزْقِ، أَدِّ حَقَّ اللَّهِ، وَتَجَنَّبْ مَحَارِمَ اللَّهِ، وَسَيَرْزُقُكَ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ؛ تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَرُوحُ بِطَانًا, لَنْ يَزِيدَ رِزْقُكَ مَعَ أَكْلِ الْحَرَامِ، بَلْ هُوَ فِي الدُّنْيَا آثَامٌ، وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ وَآلَامٌ, وَيَقُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:"لَا يَحْمِلَنَّ أَحَدَكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ يَطْلُبَهُ بِمَعْصِيَةٍ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ"(رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).
أَيُّهَا الشَّابُّ: سُوقُ الْعَمَلِ مَفْتُوحٌ أَمَامَكَ؛ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَاكْتَسِبِ الْخِبْرَةَ وَاعْرَقْ, وَلْيَكُنِ الْحَالُ:
نَبْنِي كَمَا كَانَتْ أَوَائِلُنَا *** تَبْنِي وَنَفْعَلُ مِثْلَمَا فَعَلُوا
كَمْ هُوَ مُؤْسِفٌ أَنْ تَرَى حَالَ بَعْضِ الشَّبَابِ قَدْ لَفَّتْهُمْ خُيُوطُ الْإِحْبَاطِ وَالسَّلْبِيَّةِ، تَهَامُسُهُمْ عَدَمُ الْقَبُولِ فِي الْجَامِعَاتِ وَالْكُلِّيَّاتِ، وَالشَّرِكَاتِ وَالْمُؤَسَّسَاتِ، فَيَرَى أَحَدُهُمْ أَنَّ الدُّنْيَا قَدْ أَغْلَقَتْ أَبْوَابَهَا فِي وَجْهِهِ، وَأَنَّ مَصَادِرَ الرِّزْقِ قَدْ تَعَطَّلَتْ، فَلَا تَرَى فِيهِمْ إِلَّا لُغَةَ التَّشَاكِي وَحَالَ التَّبَاكِي، وَهُمْ لَمْ يَأْخُذُوا بِالْأَسْبَابِ، ثُمَّ التَّوَكُّلِ عَلَى رَبِّ الْأَرْبَابِ.
وَرَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْفَارُوقِ حِينَ وَجَّهَ نُصْحَهُ لِبَعْضِ الشَّبَابِ بِنَصِيحَةٍ -كَتَبَهَا التَّارِيخُ وَتَنَاقَلَتْهَا الْأَجْيَالُ، وَأَصْبَحَتْ مِنْ نَفَائِسِ الْأَمْثَالِ- فَقَالَ:"لا يقْعُدَنَّ أحدكم عن طلبِ الرِّزق، وقد علم أنَّ السَّمَاءُ لَا تُمْطِرُ ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً، وَإِنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- إِنَّمَا يَرْزُقُ النَّاسَ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ، ثُمَّ تَلَا قَوْلَ اللَّهِ -جَلَّ وَعَلَا-: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[الْجُمُعَةِ:10].
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ؛ فاستغفروه.
الخطبة الثانية:
أَمَّا بَعْدُ:
فَيَا إِخْوَةَ الْإِيمَانِ: كَسْبُ الْمَالِ وَطَلَبُ الْحَلَالِ مَطْلَبٌ وَعِبَادَةٌ، لَكِنَّ الْكَثِيرَ مِنَّا يَنْظُرُ إِلَى الرِّزْقِ نَظْرَةً قَاصِرَةً، فَيَظُنُّ أَنَّ الرِّزْقَ هُوَ الْمَالُ وَحَسْبُ، وَنَسِيَ صُنُوفًا مِنَ الْأَرْزَاقِ يَنْعَمُ بِهَا، وَيُغْبَطُ عَلَيْهَا؛ فَالْإِيمَانُ رِزْقٌ، وَالْعِلْمُ رِزْقٌ، وَالْقُرْآنُ رِزْقٌ، وَالْخُلُقُ الْحَسَنُ رِزْقٌ، وَالزَّوْجَةُ الصَّالِحَةُ رِزْقٌ، وَالذُّرِّيَّةُ الطَّيِّبَةُ رِزْقٌ، وَالصِّحَّةُ وَالْعَافِيَةُ رِزْقٌ، وَالْأَمْنُ رِزْقٌ، وَالتَّوْفِيقُ لِفِعْلِ الْخَيْرِ رِزْقٌ.
مَا يُغْلِقُ اللَّهُ بَابَ الرِّزْقِ عَنْ أَحَدٍ *** إِلَّا سَيَفْتَحُ دُونَ الْبَابِ أَبْوَابَا
فَاللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- يُقَسِّمُ الْأَرْزَاقَ فَيُعْطِي هَذَا مَالًا، وَيُعْطِي هَذَا صَلَاحًا فِي أَوْلَادِهِ وَزَوْجِهِ، وَهَذَا حُسْنًا فِي خُلُقِهِ، وَهَذَا صِحَّةً فِي بَدَنِهِ، وَهَذَا طُمَأْنِينَةً وَانْشِرَاحًا.
فَانْظُرْ وَاسْتَشْعِرْ هَذَا الرِّزْقَ الْمَوْجُودَ، وَلَا تَتَحَسَّرْ عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ وَمَا هُوَ مَفْقُودٌ, وَتَيَقَّنْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَكْتُبُ لِعَبْدِهِ إِلَّا الْخَيْرَ لَهُ, (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ)[الشُّورَى:27].
وَبَعْدَ التَّوَاصِي بِطَلَبِ الرِّزْقِ وَفِعْلِ الْأَسْبَابِ الْحِسِّيَّةِ فَلَا نَنْسَ أَنْ نَتَذَكَّرَ كَثِيرًا مِنَ الْأَعْمَالِ دَلَّ عَلَيْهَا الشَّرْعُ يَكُونُ مَعَهَا الرِّزْقُ؛ فَمَنْ أَعْظَمِهَا وَأَهَمِّهَا: تَقْوَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-؛ فَمَنِ اتَّقَى اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- سَاقَ لَهُ الْأَرْزَاقَ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ، وَعْدٌ مِنَ اللَّهِ، وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)[الطَّلَاقِ: 2-3].
وكَثْرَةُ الِاسْتِغْفَارِ مِنْ أَسْبَابِ الْبَرَكَةِ، وَنُزُولِ الْخَيْرِ الْمِدْرَارِ، مِصْدَاقُ ذَلِكَ وَصِيَّةُ نُوحٍ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا* يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا)[نُوحٍ: 10-12].
وَفِي الْمُقَابِلِ تَرْكُ الِاسْتِغْفَارِ، مَعَ الْإِعْرَاضِ، وَالْإِصْرَارِ عَلَى الْكَبَائِرِ وَالْمَعَاصِي مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ حِرْمَانِ الرِّزْقِ، يَقُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ"(رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ, وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْأَلْبَانِيُّ).
وَبَعْدَ الِاجْتِهَادِ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ لَابُدَّ أَنْ تَمْتَلِئَ الْقُلُوبُ مِنْ مَعَانِي التَّوَكُّلِ لِلَّهِ، وَأَنْ تُجَدِّدَ هَذِهِ الْعِبَادَةَ الْقَلْبِيَّةَ فِي صُبْحٍ وَمَسَاءٍ، وَفِي الْحَدِيثِ: "لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ؛ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).
صِلَةُ الْأَقَارِبِ وَالْأَرْحَامِ وَخُصُوصًا الْوَالِدَيْنِ مِفْتَاحٌ يَدِرُّ لَكَ الرِّزْقَ دَرًّا، قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَخِتَامًا: لَا تَنْسَ أَنْ تَجْأَرَ إِلَى اللَّهِ؛ فَاللَّهُ هُوَ الرَّزَّاقُ، وَلَا يَرُدُّ الْقَدَرَ أَوْ يَجْلِبُ النَّفْعَ إِلَّا الدُّعَاءُ, شَكَا رَجُلٌ لِعَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- ضِيقَ الرِّزْقِ فَقَالَ: "أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلٍ صِيرٍ دَيْنًا أَدَّاهُ اللَّهُ عَنْكَ؟ قَالَ: قُلْ: "اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ).
اللَّهُمَّ اكْفِنَا بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنَا بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ، وَارْزُقْنَا مِنْ حَيْثُ لَا نَحْتَسِبُ.
اللَّهُمَّ أَبْعِدْ عَنَّا الطَّمَعَ وَالْبُخْلَ وَالْجَشَعَ، قَنِّعْنَا بِمَا رَزَقْتَنَا، وَهَبْ لَنَا غِنًى لَا يُطْغِينَا، وَصِحَّةً لَا تُلْهِينَا.
هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، وَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
التعليقات