عناصر الخطبة
1/ خطورة المنافقين 2/ صفاتهم 3/ موقفهم من المؤمنين الصادقين 4/ وسائلهم في المكر بالإسلام وأهله 5/ فضح القرآن الكريم لهم 6/ تفقد أحوالنا وأخذ الحذر من النفاق وأهلهاهداف الخطبة
اقتباس
حديثنا اليوم عن داء خطير، وخزي كبير، ومرض مستطير، ما فشا في أمة إلا أفسدها وخرّبها، وما حلّ في نفس إلا أذلّها وسلب إيمانها، فهو عار في الدنيا، ونار في الآخرة، إنه داء النفاق، الذي هو أخطر على الإسلام من الكفر الصريح؛ لأن الكافر معلِنٌ كفره فنحذره؛ أما المنافق فإنه يظهر الخير، ويحضر مع المسلمين في صلاتهم، ويشهد تجمعاتهم؛ ولكنه يكيد للإسلام وأهله، ويعرف ..
حديثنا اليوم عن داء خطير، وخزي كبير، ومرض مستطير، ما فشا في أمة إلا أفسدها وخرّبها، وما حلّ في نفس إلا أذلها وسلب إيمانها، فهو عار في الدنيا، ونار في الآخرة، إنه داء النفاق، الذي هو أخطر على الإسلام من الكفر الصريح؛ لأن الكافر معلِنٌ كفره فنحذره؛ أما المنافق فإنه يظهر الخير، ويحضر مع المسلمين صلاتهم، ويشهد تجمعاتهم؛ ولكنه يكيد للإسلام وأهله، ويعرف عورات المسلمين، ومواطن ضعفهم.
فهم في أوساطنا، وفي أعماق صفوفنا، يصلون معنا، ويصومون معنا، ويحجون، وربما ينفقون ويجاهدون؛ ولكنهم يحاربون الإسلام من الداخل، ويسعون إلى تدمير المسلمين في الخفاء؛ فالكذب سبيلهم، واللف والدوران طريقهم، والمكر والاحتيال أداتهم.
يظهرون بوجهين، ويتكلمون بلسانين، ويمشون بين الفريقين، تميل قلوبهم إلى الإسلام تارة، وإلى الكفر تارة أخرى: (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ) [النساء:143]، إذا لقوا الذين آمنوا قالوا: آمنّا، وإذا خلوا إلى شياطين الكفر وقادة الفساد ورؤوس الباطل ودعاة الفتنة: (قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) [البقرة:14-15]، (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [النساء:141].
إن المنافقين هم الذين يعادون المؤمنين ويتولون الكافرين، ويأخذون ما سهل عليهم من الدين، وما كان فيه مشقة وتعب فهم عنه متقاعسون: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا) [النساء:142]، وفي آية أخرى: (وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ) [التوبة:54].
يمكرون ويكيدون، ويقولون ما لا يفعلون، ويتكلمون في وقت الرخاء والسلم بما يشتهون؛ فإذا جاء وقت العمل، وحان موعد الجد والصدق يختفون ويهربون: (وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ) [التوبة:56]، أي: يخافون، (لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً -أي مكاناً يلجؤون فيه- أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا –يدخلون فيه- لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ) [التوبة:57]، أي: يسرعون، (أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) [الأحزاب:19].
قلوبهم قاسية، وعقولهم قاصرة، ونظرتهم في الدين محدودة؛ لا يقبلون شرع الله، ولا يريدون الحكم بما أنزل الله، ويحبون التحاكم إلى أنظمة البشر وقوانينهم الطاغوتية، ثم بعد ذلك يزعمون أنهم يؤمنون بالله ورسوله! (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا) [النساء:61]، (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا) [النساء:60]، (وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [النور:48-50].
يهاجمون منهج الإسلام، وتمتلئ قلوبهم بالغيظ والحقد على دعاته الصادقين، وعلمائه المخلصين، وشبابه الصامدين الثابتين، يلفقون عليهم الأقاويل، ويتهمونهم بالأباطيل، ويشمخون عليهم بأنف طويل؛ أشداء على المسلمين، رحماء بالكافرين، يخدمون الكفار، ويتجسسون لصالحهم ضد المسلمين، ويحرضونهم على قتل المؤمنين، وإعلان الحرب على المجاهدين.
ثم يدخلون في صفوف المسلمين فيُحدِثون في صفوفهم الخلل والاضطراب، ويلقون في أوساطهم الفتن والشبهات والتثبيط، ويستغلون الفرص المناسبة للإيقاع بهم، وصد الناس عنهم، وزعزعة صفهم، وتشويه سمعتهم؛ عن طريق الكذب، وتغيير الحقائق بالكلمات المعسولة، والعبارات الخلابة التي ظاهرها النصيحة والشفقة، وباطنها الشر والنفاق.
يتقنون المراوغة، ويجيدون المداورة، ويحلفون بالله أيمانًا كاذبة ليصدقهم الناس، وليخفوا كفرهم بتلك الأيمان، يقول الله -سبحانه وتعالى-: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [المنافقون:1-2]، (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [المجادلة:14-15]، (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ) [التوبة:47-48].
يثبطون المسلمين، ويخذلون المؤمنين، ويعملون على تفكيك الصف، وتفتيت القوة؛ لأن قلوبهم مليئة باليأس من رحمة الله، وانقطاع الأمل في نصر الله؛ ولذلك يلجؤون إلى الأعداء، ويطلبون النصر منهم، ويرون استحالة النصر عليهم، ويقيسون الأمور بالمقاييس الحسية والمادية فقط، وينسون قوة الله -سبحانه وتعالى-، وقدرته، ونصره: (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [التوبة:67]، (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) [البقرة:10].
ومن صفات المنافقين أنهم يسخرون من المؤمنين الملتزمين بالدين، ويبيعون دينهم بعرض من الدنيا قليل، ويهدرون كرامتهم من أجل أن ينالوا أغراضًا شخصية، وحاجات دنيوية، ومطامع دونية.
يشوهون، ويشوشون، ويسخرون، ويفتَرُون، مرة بالاستهزاء، ومرة بالمقالات الشوهاء والكلمات العرجاء، والتصرفات الخرقاء؛ يريدونها فتنة عمياء، ويبغونها حياة عَوْجَاء؛ ينتقدون الصادقين، وينبهرون بالكافرين، ويعجبون بأفكارهم ورؤاهم وفلسفاتهم السياسية والاقتصادية، ويهدفون إلى إزاحة الإسلام بالكلية، ويدعون الأمة إلى الأخذ بالمناهج الغربية، كالعلمانية والديمقراطية والاشتراكية: (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) [النساء:138-139].
ويقول -جل جلاله-: (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ) [محمد:25-26]، (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا) [آل عمران:120]، ويقول -سبحانه وتعالى-: (إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ) [التوبة:50].
وأما عن سخريتهم بالدين، واستهزائهم بأهله الصادقين، فقد ذكر الله ذلك عنهم في آيات كثيرة: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ) [التوبة:58]، (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) [التوبة:65-66]، (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ) [التوبة:64]، (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) [النساء:140].
الخطبة الثانية:
من أعظم صفات المنافقين أنهم يحبون الفساد، ويعشقون الإفساد، ويحبون أن تشيع الفواحش في المجتمع، وينتشرَ فيه المنكر، فهم لا يتلاءمون إلا مع هذه الأوضاع الفاسدة، ولا يستريحون إلا بالعيش في ظل الأجواء التي ينتشر فيها الفساد الإداري والأخلاقي والسياسي والاقتصادي، فهم أقزام فاسدون، وشراذم قاصرون، وشُذّاذ أفّاكون، يعشقون حياة الفسوق والفجور والانحراف، ويبغضون حياة الطهر والصلاح والعفاف؛ لأنهم يرون في الفساد مرتعًا لهم، ويعلمون أن الوضع الفاسد خير وسيلة لتحقيق مآربهم وأهدافهم.
يحبون الفساد السياسي لأنهم في ظله سيتمكنون من تطبيق المبادئ الغربية، والنظريات الخارجية، والأنظمة الجاهلية، والإملاءات السياسية الشيطانية التي تأتيهم من إخوانهم أهل الكتاب، ويفضلون العيش في ظل الأنظمة السياسية التي لا تطبق شرع الله؛ لأنهم يعلمون أنهم تحت ظلها في مأمن من الأحكام الشرعية والعقوبات الربانية.
ويعشقون الفساد الاقتصادي حتى يفسدوا ويسرقوا وينهبوا ويسطوا على أموال الأمة ومقدرات الشعب؛ لأنهم متيقنون أن أياديهم لن تقطع في ظل النظام الفاسد.
ويحبون الفساد الاجتماعي، ويستريحون بالعيش فيه ليمارسوا الفاحشة متى شاؤوا، ويصاحبون من الأراذل والفساق والخلان والخليلات من يهوون، ويتعاطون المفسدات والمخدرات متى يريدون؛ ولذلك تثور ثورتهم وينفجر بركان غضبهم إذا رأوا في المجتمع من يحارب هذه الرذائل بجدية، ويقضي عليها بصدق وإخلاص، فيصفونهم بأنهم إرهابيون، ومتطرفون، ومتعصبون؛ ويُسخّرون كل طاقاتهم وإمكانياتهم وبرامجهم ووسائلهم المقروءة والمسموعة والمرئية في تشويهمم، وإلصاق التهم بهم، وشن الحملات الرهيبة عليهم، وإطلاق العبارات القبيحة الساخرة ضدهم؛ لأنهم يعلمون أن هؤلاء الصادقين الذين يحاربون الفساد في المجتمع لن يتركوا لهم مجالاً للإفساد، وممارسة الفواحش، والمتاجرة بالرذائل والمخدرات.
ولذلك فإن همهم الأول والأخير هو إبعادهم من أماكنهم، وإزاحتهم من مناصبهم؛ حتى لا يفضحوهم ويُظهروا سرائرهم وفسادهم، أو يداهموا أوكارهم والبيوت التي يمارسون فيها المنكر ويعملون فيها الفواحش.
(الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [التوبة:67]، (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ) [البقرة:11-12]، (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) [البقرة:204-206].
عباد الله: هؤلاء هم المنافقون، وهذا هو النفاق، داء خطير، وشرّ مستطير؛ ولذلك حذّر الله منه في كثير من الآيات في القرآن الكريم، وأنزل في أول سورة البقرة عشرين آية تحدّث فيها عن المؤمنين في ثلاث آيات، وفي آيتين فقط وَصَف الكافرين، وفي ثلاث عشرة آية وصف المنافقين، فبيّن أحوالهم، وكشف أسرارهم، وأوضح طباعهم ونفسياتهم.
وأما في سورة الأنفال وسورة التوبة التي تسمى بسورة الفاضحة، فقد فضحهم الله شر فضيحة، وأظهر أساليبهم، وكشف خططهم، ثم خصص لهم سورة كاملة سماها سورة "المنافقون".
كل هذا لتحذير المؤمنين منهم ومن شرّهم ومكرهم، وقد كان المسلمون وأهل الإيمان والبصائر يعرفونهم بصفاتهم، وفلتات لسانهم، والكلمات المنكرة التي تخرج من أفواههم، والتصرفات الغريبة التي تصدر منهم: (وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ) [محمد:30]، (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) [المنافقون:4].
يقول ابن القيم -رحمه الله- عن المنافقين: "فلله كم من معقل للإسلام قد هدموه، وكم من حصن له قد قلعوا أساسه وخربوه، وكم من عَلم له قد طمسوه، وكم من لواءٍ له مرفوع قد وضعوه... فلا يزال الإسلام وأهله منهم في محنة وبلية، ولا يزال يطرقه من شبههم سرية بعد سرية".
إنه والله مرض خطير يحتاج منا إلى يقظة دائمة، وحذر مستمر، فكم تسلل النفاق إلى قلوبنا! وكم فينا من صفات المنافقين التي أخبر عنها الرسول -صلى الله عليه وسلم-! وكم من تصرفاتنا وأقوالنا وأفعالنا ما لو تمعنا فيه لوجدناه من صفات أهل النفاق. نسأل الله لنا ولكم السلامة والعافية.
التعليقات