نوازل طبية وحكمها في الصيام

الشيخ د صالح بن مقبل العصيمي

2022-10-05 - 1444/03/09
عناصر الخطبة
1/ حكم التداوي أثناء الصيام 2/ صور من العلاجات غير المفطرة للصائم 3/ وجوب تعلم فقه العبادات.
اهداف الخطبة

اقتباس

إِنَّ مِثْلَ هَذِهِ الأَحْكَامِ مِنَ الأُمُورِ الَّتـِي يَكْثُرُ السُّؤَالُ عَنْهَا، وَالَّتِي تَخْتَلِفُ الأَحْوَالُ بِسَبَبِهَا. وَهُنَاكَ مَن يَتَعَاطَاهَا، فَيَظُّنُ نَفْسَهُ مُفْطِرًا؛ فَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَهُوَ فِي حُكْمِ الشَّارِعِ لَيْسَ مُفْطِرًا. وَهُنَاكَ مَنْ قَدْ يَـحْتَاجُ إِلَيْهَا، وَيـَمْتَنِعُ عَنْهَا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ؛ خَشْيَةً مِنْهُ أَنْ تُفْسِدَ عِلَيْهِ صِوْمَهُ؛ وَهِيَ لَيْسَتْ مُفَطِّرَةً؛ فَيُعَرِّضُ نَفْسَهُ لَلأَذَى وَالْتَّعَبِ، وَيُحَمَّلُهَا مَا لَا تُطِيقُ. وَبَعْضُهُم قَدْ يُؤَجِّلُهَا إِلَى الْلَّيْلِ مَعْ ضِيْقِ وَقْتِهِ، وِلَوْ عَلِمَ الحُكْمَ الشَّرْعِيَّ؛ لَاِسْتَخْدَمَهَا فِي نَهَارِ رَمَضَان. وَلِذَا عَلَى المُسْلِمِ أَنْ يَعْرِفَ الأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ؛ فَيَعْرِفَ أَحْكَامَ رَمَضَانَ قَبَلَ دُخُوْلِهِ؛ حَتـَّى يَعْرِفَ مَا لَهُ، وَمَا عَلِيْهِ..

 

 

 

 

   الْخُطْبَةُ الْأُولَى:

 

إنَّ الـحمدُ للهِ، نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.

 

أمَّا بَعْدُ... فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثُاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

 

عِبَادَ اللهِ، وَنَحْنُ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْعَظِيمِ يَكْثُرُ التَّسَاؤُلُ عَنْ بَعْضِ الْأَحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِبَعْضِ الأُمُورِ الْمُعَاصِرَةِ؛ وَمِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ:

 

1- أَحْكَامُ الْقَطَرَاتِ، وَهَلْ اِسْتِخْدَامُهَا مُفْطِّرٌ أَمْ لَا؟ فَأَمَّا قَطَرَاتُ الْعَيْنِ وَالأُذُنِ؛ فَلَا إِشْكَالَ فِيهَا؛ لِعَدَمِ وُصُولِـهَا إِلَى جَوْفِ الإِنسَانِ. أَمَّا الْقَطَرَاتُ الْمُسْتَخْدَمَةُ عَنْ طَرِيقِ الأَنْفِ؛ فَالصَّحِيحُ -إِنَ  شَاءَ اللَّهُ-  أَنَّهَا غَيْرُ مُفْطِّرَةٍ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِطعامٍ، وَلَا بِشَرَابٍ؛ وَلِأَنَّ مَا يَتَبَقَّى فِي الْفَمِ إِذَا وَصَلْتَ إِلَيهِ؛ لَا يَتَعَدَّى- بِحالٍ مِنَ الأَحْوَالِ- مَا يَتَبَقَى بِالْفَمِ ؛ مِنْ جِرَّاءِ الْمَضْمَضَةِ والاِسْتِنْشَاقِ. فَيَجُوزُ لِلْمَرِيضِ اِسْتِخْدامُ هَذِهِ الْقَطَرَاتِ حالَةَ الْحاجَةِ إِلَيهَا، وَلَا يُفْطِرُ بِسَبَبِهَا.

 

 2- اِسْتِخْدامُ الْبِنْجِ: وَالَّذِي يَكُونُ: إِمَّا عَنْ طَرِيقِ الإِبَرِ، وَإِمَّا عَنْ طَرِيقِ اِسْتِنْشاقِ الْغَازِ، وَاِسْتِخْدامُ التَّخْدِيرِ عِنْدَ الْاِحْتِيَاجِ إِلَيهِ؛ لَا يُعَدُّ مُفَطِّرًا؛ لِعَدَمِ نُفُوذِهِ إِلَى جَوْفِ الإِنْسَانِ، فَلَوْ اِحْتَاجَ الإِنْسَانُ لِاِسْتِخْدامِ التَّخْدِيرِ لِعِلاَجِ أَسْنَانِهِ، أَوْ لإِجْرَاءِ عَمَلِيَّةٍ جِرَاحِيَّةٍ؛ فَلَا يُفْطِرُ بِسَبَبِ اِسْتِخْدامِهِ لِلْمُخَدِّرِ.

 

أَمَّا الْمُخَدَّرُ وَهُوَ الإِنْسَانُ الَّذِي اِحْتَاجَ إِلَى التَّخْدِيرِ: فَإِذَا خُدِّرَ كُلِّيًّا بَعْدَ سُحُورِهِ، وَاِسْتَيْقَظَ قَبْلَ إِفْطَارِهِ؛ فَصَوْمُهُ صَحِيحٌ. وَإِذَا خُدِّرَ قَبْلَ بِدْءِ صَوْمِهِ: وَنَوَى الصِّيَامَ؛ فَصَوْمُهُ صَحِيحٌ؛ لِوُجُودِ نِيَّةِ الصِّيَامِ عِنْدَهُ. وَأَمَّا إِذَا خُدِّرَ مِنْ غَيـْرِ عَلْمِهِ؛ كَأَنْ تَعَرَّضَ لِحَادَثٍ، أَوْ غَيـْرِهِ قَبْلَ صَوْمِهِ وَلَـمْ يَسْتَيْقِظْ؛ إِلَّا فِي نـَهَارِ صِيَامِهِ؛ وَكَانَ قَدْ نَوَى الصِّيَامَ؛ فَصَوْمُهُ صَحِيحٌ. وَإِذَا خُدِّرَ فِي نـهَارِ صِيَامِهِ بِعِلْمِهِ، وَلَـمْ يَسْتَيْقِظْ إِلَّا بَعْدَ الإِفْطَارِ؛ فَصَوْمُهُ صَحِيحٌ.

 

3- اِسْتِخْدَامُ الْبَخَّاخَاتِ، وَغَازِ الأُكْسُجِيـنَ؛ لِعِلَاجِ مَرْضَى ضِيقِ التَّنَفُّسِ؛ وَذَلِكَ إِمَّا عَنْ طَرِيقِ الْفَمِ، أَوْ الأَنْفِ؛ فَالصَّحِيحُ- إِنْ شَاءَ اللَّهُ- أَنَّهَا لَا تُعَدُّ مِنَ الْـمُفْطِّرَاتِ؛ لَأَنَّ هَذِهِ الْبخَّاخَاتِ تَتَّجِهُ إِلَى الـجِهَازِ التَّنَفُّسِيِّ، لَا إِلَى الْمَعِدَةِ؛ فَهُوَ كَمَنْ يَتَنَفَّسُ الْـهَوَاءَ الطَّبِيعِيَّ؛ فَلَا هِيَ بِطَعَامٍ، وَلَا بِشَرَابٍ، وَلَا بـِمَعْنَاهـُمَا، وَمَا يَبْقَى مِنْ الرَّزَازِ بِالْفَمِ؛ مِنْ جَرَّاءِ اِسْتِخْدَامِ الْبخَّاخَاتِ؛ لَا يَعْدِلُ –بـِحَالٍ مِنْ الأَحْوَالِ- بَقَايَا الْمَضْمَضَةِ، وَالاِسْتِنْشَاقِ فِي الْفَمِ؛ وَالَّتِي لَا تُعَدُّ مُفَطِّرَةً.

 

4- اِسْتِخْدَامُ الإِبَرِ، أَوْ مَا تُسَمَّى بِالْـحُــقَنِ الطِّبِيَّةِ: فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الِإبَرُ تَـحْتَوِي عَلَى عِلاَجَاتٍ؛ كَمُضَادَّاتٍ حَيَوِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا؛ فَلَا تُعَدُّ مُفَطِّرَةً؛ سَواءَ اِسْتُعْمِلَتْ عَنْ طَرِيقِ الْعَضَلِ، أَوْ الْوَرِيدِ، أَوْ الإِبَرِ الشَّرَجِيَّةِ، أَوْ تَـحْتَ الْـجِلْدِ؛ كَإِبَرِ مَرْضَى السُّكَّرِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِطَعَامٍ، وَلَا بِشَرَابٍ، وَلَا بِـمَعْنَاهُـمَا؛ فَيَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ- مَتَى اِحْتَاجَ إِلَيهَا- اِسْتِخْدَامُهَا؛ وَلَا يُعَدُّ اِسْتِعْمَالُـهَا مُفَطِّرًا.

 

وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الإِبَرُ تَـحْمِلُ مُغَذِّيَاتٍ؛ فَإِنَّهَا مُفَطِّرَةٌ؛ لَأَنَّ الْمُغَذِّي يَـحْتَوِي عَلَى الْمَاءِ وَالْـجُلُوكُوزِ. وَالْـخُلاصَةُ أَنَّ الإِبَرَ؛ إِنَّ كَانَتْ عِلاَجِيَّةً؛ فَلَا تُفَطِّرُ، وَإِنْ كَانَتْ مُغَذِّيَةً؛ فَهِيَ تُفَطِّرُ.

 

6- التَّحَالِيلُ الطِّبِيَّةُ؛ بِأَخْذِ عَيِّنَاتٍ مِنَ الدَّمِ: لَا تُعَدُّ مِنَ الْـمُفَطِّرَاتِ؛ فَيَجُوزُ لِلْمَرِيضِ أَنْ يُـجْرِيَ التَّحَالِيلَ الطِّبِيَّةَ -مَتَى اِحْتَاجَ إِلَى ذَلِكَ- وَلَوْ كَانَتْ كَمِّيَّةُ الدَّمِ الْخَارِجَةُ كَثِيرَةً.

 

 7- التَّحَامِيلُ الطِّبِيَّةُ (اللُّبُوس): حَيْثُ يَـحْتَاجُ إِلَيْهَا بَعْضُ الْمَرْضَى لِـخَفْضِ الْـحَرارَةِ، أَوْ عِلاَجِ بَعْضِ الْاِلْتِهَابَاتِ عَنْ طَرِيقِ فَتْحَةٍ الشَّرَجِ؛ فَهَذِهِ لَا تُعَدُّ مُفَطِّرَةً؛ لِعَدَمِ تَقَوِّي الْـجَسَدِ بِـهَا؛ وَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِطَعَامٍ، وَلَا بِشَرَابٍ، وَلَا بِـمَعْنَاهُـمَا.

 

7- الْمَنَاظِيرُ الطِّبِيَّةُ: وَهَذِهِ الْمَنَاظِيرُ الْمَقْصُودُ مِنْهَا الْوَصُولُ إِلَى جَوْفِ الِإنْسَانِ؛ لَأَخْذِ عَيِّنَاتٍ مِنْهُ؛ لِفَحْصِهَا؛ وَتَـحْلِيلِهَا. فَإِذَا أُدْخِلَ الْمِنْظَارُ إِلَى جَوْفِ الإِنسَانِ عَنْ طَرِيقِ الْفَمِ؛ و كَانَ دُخُولُهُ عَنْ طَرِيقِ لُيُونَتِهِ، دُونَ أَنْ يُضَافَ إِلَيه شَيْءٌ مِنْ دِهَانٍ، أَوْ غَيْرِهِ يُسَهِّلُ دُخُولَهُ؛ فَلَا يُعَدُّ اِسْتِخْدَامُهُ مُفَطِّرًا.

 

وَأَمَّا إِنْ كَانَ إِدْخَالُهُ إِلَى جَوْفِ الإِنْسَانِ عَنْ طَرِيقِ مُسَهِّلَاتٍ لإِدْخَالِهِ بِزَيْتٍ، أَوْ غَيْرِهِ؛ فَإِنَّهُ يُعَدُّ مُفَطِّرًا بِسَبَبِ هَذِهِ الْمُسَهِّلَاتِ لِدُخُولِهِ. وَإِذَا كَانَ إِدْخَالُ الْمِنْظَارِ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْفَمِ؛ فَإِنْ كَانَ لِلْمُعِدَةِ، أَوْ يـُمِرُّ بـِهَا؛ وَكَانَ إِدْخَالُهُ عَنْ طَرِيقِ مُسَهِّلَاتٍ لإِدْخَالِهِ كَزَيْتٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ فَيَكُونُ مُفَطِّرًا، وَإِنْ كَانَ دُخُولُهُ إِلَى جَوْفِ الإِنْسَانِ بِلُيُونَتِهِ؛ فَلَا يُعَدُّ مُفَطِّرًا. وَإِنْ كَانَ اِسْتِخْدَامُ الْمِنْظَارِ لَا يُـمِرُّ بِالْمَعِدَةِ؛ كَالْمِنْظَارِ الشَّرَجِيِّ، أَوْ عَنْ طَرِيقِ  ذَكَرِ الرَّجُلِ  لِعِلاَجِ الْمَثَانَةِ، أَوْ مِنْظَارِ الْبَطْنِ لِاِسْتِئْصَالِ الْمَرَارَةِ؛ فَلَا يُعَدُّ ُ اِسْتِخْدامُهُ مُفَطِّرًا، بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ وَسِيلَةِ إِدْخَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَـمُرُّ بِالْمَعِدَةِ.

 

8- وَمِنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي يَنْبَغِي مَعْرِفَتُهَا: أَحْكَامُ الْغَسُولَاتُ: حَيْثُ يَـحْتَاجُ بَعْضُ الْمَرْضَى إِلَى اِسْتِخْدامِ الْغَسُولَاتِ الطِّبِيَّةِ، وَهَذِهِ الْغَسُولَاتُ أَنْوَاعٌ:

أ‌-‌ غَسْلُ الأُذُنِ: فَإِنْ كَانَتْ الطَّبْلَةُ مَوْجُودَةً؛ فَلَا بَأْسَ مِنِ اِسْتِخْدَامِ الْغَسُولِ؛ سَواءَ كَانَ بِـمَاءٍ، أَوْ مَادَّةٍ طِبِيَّةٍ؛ لِعَدَمِ وُجُودِ النَّافِذِ إِلَى جَوْفِ الِإْنسَانِ. وَإِنْ كَانَتْ طَبْلَةُ الأُذُنِ مَفْقُودَةً، أَوْ مَثْقُوبَةً؛ فَإِنْ كَانَ الْغَسْلُ بِالْمَاءِ؛ فَمِثْلُ هَذَا يُعَدُّ مُفَطِّرًا؛ لِاِحْتِمَالِ نُفُوذِ الْمَاءِ إِلَى الْجَوْفِ، وَإِنْ كَانَ الْغَسْلُ بـِمَوَادٍّ طِــبِّـــيَّــةٍ؛ فَالأَرْجَحُ عَدَمُ إِفْطَارِهِ.

 

ب‌- ‌اِسْتِخْدَامُ غَسُولِ الأَنْفِ: الأَرْجَحُ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمَضْمَضَةِ وَالاِسْتِنْشَاقِ؛ فَلَا يُعَدُّ مُفَطِّرًا. أَمَا إِذَا كَانَ الْغَسْلُ بـِمَوَادٍّ طِــبِّـــيَّــةٍ؛ فَيَنْبَغِي أَلَّا يَكُونَ فِيهِ إِشْكَالٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الـمُفَطِّرَاتِ.

 

 ج- غَسْلُ الْمَثَانَةِ: بِإِدْخَالِ مَادَّةٍ مِنْ خِلَالِ إِحْلِيلِ الإِنْسَانِ؛ تُسَاعِدُ عَلَى وُضُوحِ الأَشِعَّةِ؛ لَا يُعَدُّ مُفَطِّرًا؛ لِعَدَمِ وُجُودِ مُنَفَذٍ بَيْنَ مَسَالِكِ الْبَوْلِ وَالـجَهَازِ الْـهَضْمِيِّ. فَمَتَى اِحْتَاجَ الْمَرِيضُ لِغَسْلِ مَثَانَتِهِ؛ فَلَهُ ذَلِكَ، وَلَا يُفَطِّرُ؛ بِغَضِّ النَّظَرِ عَنِ الْمَادَّةِ الَّتِي غُسِلَتْ بـِهَا مَثَانَتُهُ. وَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ عَنْ غَسْلِ رَحِمِ الـمَرْأَةِ؛ فَهُوَ لَا يُعَدُّ مُفَطِّرًا.

 

د- غَسْلُ الْكُلَى: إِنْ كَانَ عَنْ طَرِيقِ الأَجْهِزَةِ؛ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُفَطِّرٌ؛ لِوُجُودِ مُغَذّيَاتٍ تُصَاحِبُ الْغَسْلَ؛ كَسُكَّرِ الْـجُلُوكُوزِ وَغَيْـرِهِ، وَإِنْ كَانَ الْغَسْلُ بِالْغِشَاءِ البـرُوتِينـِيِّ؛ فَإِنْ كَانَ يُصَاحِبُهُ مُغَذّيَاتٌ- وَهُوَ الْغَالِبُ فِيهِ- فَهُوَ مُفَطِّرٌ.

 

كَذَلِكَ يَـجُوزُ لِلْمُسْلِمِ اِسْتِخْدَامُ الدِّهَانَاتِ عَلَى جِلْدِهِ؛ سَوَاءٌ أَكَانَتْ بِزَيْتٍ، أَوْ غَيـْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْكِرِيـمَاتِ، فَكَمَا يـَجُوزُ لَهُ التَّبَـرُّدُ بِالـمَاءِ، وَالاِسْتِحْمَامُ، وَإِمْرَارُهُ عَلَى جِسْمِهِ؛ فَهَذِهِ مِنْ بَابِ أَوْلَى أَلَّا تُعَدُّ مُفَطِّرَةً.

 

9- كَذَلِكَ يَـجُوزُ لِلْمُسْلِمِ اِسْتِخْدَامُ اللَّصَقَاتِ الطِّبِيَّةِ عَلَى أَجْزَاءِ جَسَدِهِ؛ وَهُوَ صَائِمٌ، وَوَضْعُ مُزِيلِ الْعَرَقِ. كَذَلِكَ يـَجُوزُ لَهُ السِّوَاكُ، وَتَفْرِيشُ الأَسْنَانِ بِالْفُرْشَاةِ وَالـمَعْجُونِ؛ فَإِنَّـهَا لَا تُعَدُّ مِنَ الْـمُفَطِّرَاتِ.

 

10- كَذَلِكَ يَـجُوزُ لِلْمُسْلِمِ اِسْتِخْدَامُ الْـحُبُوبِ الَّتِـي تُوضَعُ تَـحْتَ اللِّسَانِ، وَيَـحْتَاجُ إِلَيْهَا بَعْضُ الْـمَرْضَى لِوقَايَتِهِمْ مِنَ الْأَزَمَاتِ الْقَلْبِيَّةِ حَيْثُ تَذُوبُ وَتَنْتَقِلُ عَنْ طَرِيقِ الدَّمِ؛ لِعِلَاجِ الْأَزْمَةِ الْقَلْبِيَّةِ، أَوْ الْوقَايَةِ مِنْهَا، وَلَا تَـمُـرُّ بِالْـمَعِدَةِ؛ فَهَذِهِ لَا تُعَدُّ مِنَ الْـمُفَطِّرَاتِ.

 

وَمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ أَحْكَامٍ- فِي غَالِبِهَا- هُوَ مَا تَرَجَّحَ لَدَى الْـمَجْمَعِ الْفِقْهِيِّ الإِسْلَامِيِّ، الَّذِي يَعْتَمِدُ عَلَى بُـحُوثٍ، وَمُنَاقَشَاتٍ، وَمُدَاوَلَاتٍ مِنْ عُلَمَاءَ، مِنْ كَافَّةِ أَقْطَارِ الْأَرْضِ، وَعَلَى رَأْسِهِمْ عُلَمَاءُ هَذِهِ الْبِلَادِ الْـمُبَارَكَةِ.

 

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبً فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً.

 

أمَّا بَعْدُ.. فَاِتَّقُوا اللهَ- عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.

 

  عَبَادَ اللهِ، إِنَّ مِثْلَ هَذِهِ الأَحْكَامِ الَّتِي مَرَّتْ بِنَا فِي الخُطْبَةِ الأُولَى مِنَ الأُمُورِ الَّتـِي يَكْثُرُ السُّؤَالُ عَنْهَا، وَالَّتِي تَخْتَلِفُ الأَحْوَالُ بِسَبَبِهَا. وَهُنَاكَ مَن يَتَعَاطَاهَا، فَيَظُّنُ نَفْسَهُ مُفْطِرًا؛ فَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَهُوَ فِي حُكْمِ الشَّارِعِ لَيْسَ مُفْطِرًا.

 

وَهُنَاكَ مَنْ قَدْ يَـحْتَاجُ إِلَيْهَا، وَيـَمْتَنِعُ عَنْهَا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ؛ خَشْيَةً مِنْهُ أَنْ تُفْسِدَ عِلَيْهِ صِوْمَهُ؛ وَهِيَ لَيْسَتْ مُفَطِّرَةً؛ فَيُعَرِّضُ نَفْسَهُ لَلأَذَى وَالْتَّعَبِ، وَيُحَمَّلُهَا مَا لَا تُطِيقُ.

 

وَبَعْضُهُم قَدْ يُؤَجِّلُهَا إِلَى الْلَّيْلِ مَعْ ضِيْقِ وَقْتِهِ، وِلَوْ عَلِمَ الحُكْمَ الشَّرْعِيَّ؛ لَاِسْتَخْدَمَهَا فِي نَهَارِ رَمَضَان. وَلِذَا عَلَى المُسْلِمِ أَنْ يَعْرِفَ الأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ؛ فَيَعْرِفَ أَحْكَامَ رَمَضَانَ قَبَلَ دُخُوْلِهِ؛ حَتـَّى يَعْرِفَ مَا لَهُ، وَمَا عَلِيْهِ. كَذَلِكَ يَعْرِفَ أَحْكَامِ الْحَجِّ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي النُّسُكِ؛ حَتَّى يَعْرِفَ الأَحْكَامَ. فَإِذَا كَانَ عَلَى الْـمُسْلِمِ أَنْ يَعْرِفَ الأَحْكَامَ الشِّرْعِيَّةَ فِي البِيْعِ، والْشِّرِاءِ قَبْلَ دُخُولِهِ السُّوقَ؛ فَمِنْ بِابٍ أَوْلَى مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْعِبَادَاتِ؛ حَيْثُ حَذَّرَ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مِنْ أَنْ يَبِيْعَ فِي الْسُّوقِ مَنْ لَا فِـقْــهَ لَهُ فَقَالَ: "لَا يَبِعْ فِي سُوْقِنَا إِلَّا مَنْ تَفَقَهَ فِي الدِّينِ" (رَوَاهُ التَّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَن).

 

وَإِنَّكَ لَتَعْجَبُ مِـمَّنْ لَا يَحْرِصُونَ عَلَى مَعْرِفَةِ الأَحْكَامِ الْشَّرْعِيَّةِ الْمُتَعَلَّقَةِ بِالْعِبَادَاتِ؛ فَقَدْ يُـحِلُونَ لِأَنْفُسِهِمْ مَاْ حَرَّمَ اللهُ، أَوْ يُـحَرِّمُونَ عَلَيْهَا مَا أَحَلَّ اللهُ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا، يُفَــقِّـــهْـــهُ فِي الدِّينِ" (رَوَاهُ أَحْـمَدُ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيْحٍ).

 

 فَعَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَفْقَهَ مِنْ دِينِهِ مَا تَبْـرَأُ بِهِ ذِمَّتُهُ، أَوْ يَجْعَلَ أَهْلَ الْعِلْمِ الثِّقَاتِ مَرَاجِعَ لَهُ فِيمَا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ.  أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَتَقَبَّلَ صِيَامَنَا وَقِيَامَنَا. وَأَنْ يُفَقِّهَنَا فِي دِينِنَا.

 

الَّلهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ، وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ، حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَاِقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ.

 

اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.

 

 اللهُمَّ أَكْثِرْ أَمْوَالَ مَنْ حَضَرَ، وَأَوْلَادَهُمْ، وَأَطِلْ عَلَى الْخَيْرِ أَعْمَارَهُمْ، وَأَدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

وَقُومُوا إِلَى صَلَاتِكمْ يَرْحَمْكُمُ اللهُ.

 

 

 

المرفقات
نوازل طبية وحكمها في الصيام.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life