عناصر الخطبة
1/ التفكر في نعمة البصر 2/ استغلال نعمة البصر في الطاعات أو المعاصي 3/ وقفة مع الإصابة بالعين
اهداف الخطبة

اقتباس

هل رأيتم ذلك الرجل الذي فقد بصره كيف هي حياته؟ كيف يأكل؟ كيف يتمتع بحياته؟ يا ترى، كيف يرى بسمة والديه وضحكات أطفاله؟ كيف يرى جمال الطبيعة، وضياء الشمس، وجمال القمر؟.

 

 

 

 

 

الخبطة الأولى:

 

الحمد لله ذي النعم الواسعة الغزيرة، الحمد لله القائل: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا) [إبراهيم:34]، والصلاة والسلام على رسول الهدى الذي ما ترك خيراً إلا ودلنا عليه، ولا شراً إلا وحذرنا منه.

 

أما بعد: أحبتي، هل رأيتم ذلك الرجل الذي فقد بصره كيف هي حياته؟ كيف يأكل؟ كيف يتمتع بحياته؟ يا ترى، كيف يرى بسمة والديه وضحكات أطفاله؟ كيف يرى جمال الطبيعة، وضياء الشمس، وجمال القمر؟.

 

نعمة العين عرفها أناس فجعلوها طريقاً إلى رضوان الله وجنته، فبها ينظرون إلى كلام الله، ويقرؤون آياته وعظاته، فتطمئن القلوب، وتأنس الأرواح، (أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد:28].

 

وآخرون جعلوا العين تحرس في سبيل الله، فهم رجال أمن يسهرون في حفظ بلاد المسلمين ومقدساته، فلله درهم! ويا فوزهم بحديث رسول الله: "عينان لا تمسهما النار يوم القيامة: ... وعين باتت تحرس في سبيل الله" صحيح الجامع.

 

وهناك أقوام فازت عيونهم بالبكاء من خشية الرحمن؛ إن لهم مكاناً تحت ظل عرش الرحمن: "ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه" رواه البخاري.  يبكون على ذنوب ماضيات، يبكون على تقصيرهم في الصالحات. البكاء من خشية الله منهج الأنبياء والصالحين، وزاد المتقين.

 

رسولنا -صلى الله عليه وسلم- يقول لابن مسعود: "اقرأ علي القرآن"، فيقول ابن مسعود: أقرأ عليك، وعليك أنزل؟! فيقول -صلى الله عليه وسلم-: "إني أحب أن أسمعه من غيري". فيقرأ آيات من سورة النساء، ثم يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "حسبك!"، قال ابن مسعود: فالتفتّ فإذا عيناه تذرفان بالدموع. رواه البخاري.  

 

وهذا أبو بكر، رجل رقيق، تفيض عيناه حينما يبدأ في الصلاة. وهذا عمر، تحت عينيه خطان أسودان من كثرة البكاء؛ وهكذا كان الصالحون.

 

فيا فوز من كانت عينه تفيض بالدمع من خشية الرحمن! "عينان لا تمسهما النار يوم القيامة: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله".    

 

عباد الله: اعلموا أن من حسنات العين النظرَ في مخلوقات الله، والتفكر فيها، فيا لله! كم في الكون من عجائب المخلوقات، وجمال الآيات!.

 

هذه السماوات بلا عمد، فسبحان من أبدع صنعها! انظر لتلك البحار التي تموج وتضطرب؛ من الذي سواها؟ ثم انظر لمن يسكن داخل تلك المحيطات من ملايين المخلوقات، انظر وتفكر في الجبال؛ من الذي أرساها؟ انظر في تلك الفواكه بين يديك؛ من الذي خلقها ونوع طعمها ولونها؟

                           وفي كل شيء له آيةٌ ***  تدل على أنه واحد

 

(هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) [لقمان:11]؟!  بل انظر لنفسك: (وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) [الذاريات:21]؟! سوف تكتشف أن فيك من عجيب صنع الله ما يبهر العقول؛ ولكن أكثر الناس لا يعقلون، لا يعلمون، لا يشكرون.

 

ومضة: إلى من فقد بصره نقول: تذكّر فضل الصبر على ذلك، حيث قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يقول الله تعالى: من أذهبت حبيبتيه فصبر واحتسب لم أرض له ثواباً دون الجنة" صحيح الجامع. 

 

اللهم اجعل عيوننا طريقاً لنا إلى رضوانك، اللهم واجعلنا ممن يتمتع بالنظر إلى وجهك الكريم في جنات الخلود.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

 

عباد الله: إذا كانت العين لها حسنات، ومن خلالها نرتقي في الجنات، فاعلموا -رحمكم الله- أن العين لها سيئات، وهي بوابة لكثير من المحرمات.

 

ولعل من أعظم سيئات العين: "النظر بها للصور المحرمة"، ونحن في زمن امتلأ بصور النساء في كل مشهد من حياتنا؛ في البيت يشاهد البعض القنوات المحرمة المليئة بصور النساء المتبرجات، في السوق قد نشاهد بعض النساء اللواتي خرجن لقصد الفتنة بالرجال، وفي جهاز جوالك قد يتسلل لك الشيطان لتشاهد صوراً محرمة عبر بعض المواقع والروابط، وفي برامج التواصل قد يرسل البعض صوراً محرمة ليفتن الناس، والعياذ بالله!.

 

معاشر المؤمنين: حينما نقرأ القرآن نجد: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) [النور:30]، ورسولنا -صلى الله عليه وسلم- يوصي ويقول: "لا تتبع النظرة النظرة؛ فإن لك الأولى، وليست لك الآخرة" صحيح الترغيب.

 

ولقد بيَّن -صلى الله عليه وسلم- أن الجوارح تمارس الزنا، فقال: "فالعينان زناهما النظر" رواه مسلم، وهذا دليل على أن العين بوابة للشهوات إذا أهملنا رعايتها.

 

ولما سُئِلَ -صلى الله عليه وسلم- عن نظر الفجأة؛ قال: "اصرف بصرك" رواه مسلم.  

 

فيا عبد الله: اتق الله، واحفظ بصرك، وراقب ربك الذي يراك، الذي (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) [غافر:19].

 

يا من يغلق الباب ليشاهد ما حرم الله، تذكر أن الله معك بعلمه وبصره وسمعه؛ (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ) [الحديد:4].

 

إن النظرات تزرع في القلب الشهوات، حتى يصبح الرجل عبداً لشهواته، يبحث عن المتع واللذات المحرمة.

 

معاشر المؤمنين: إن الأعداء يريدون منا أن نكون متعلقين بالشهوات والملذات، لا هدف لنا إلا ممارسة الآثام، وإشباع الغرائز.

 

تدبر معي هذه الآية: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) [النساء:27]، وحينما تتأمل ما تبثه عشرات القنوات والمجلات والمواقع تجد حقيقة ما أخبر الله عن الأعداء من بث صور النساء بطريقة مثيرة لكي تؤثر في الشباب، وتجعلهم يتعلقون بتلك الصور.

 

أخي الشاب: تأكد أن نظراتك المحرمة سبب لظلام قلبك، وشقاء روحك.

           

           وكنت متى أرسلت طرفك رائداً *** لقلبك يوماً أتعبتك المناظر

             رأيتَ الذي لا كله أنت قادر *** عليه ولا عن بعضه أنت صابر

 

           كل الحوادث مبداها من النظر *** ومعظم النار من مستصغر الشرر

          كم نظرةٍ فتكت في قلب صاحبها  *** فتك السهام بلا قوس ولا وتر

            يسر مقلته ما ضر مهجته *** لا مرحباً بسرور عاد بالضرر

 

أيها الشاب: جاهد نفسك على حفظ البصر؛ لتحفظ دينك، وترضي ربك، وتزكي نفسك؛ وتذكر أن من غض بصره عن الآثام فقد غلب هواه ونفسه الأمارة بالسوء، وهو الفائز غداً بجنة الله؛ قال -تعالى-: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) [النازعات:40-41].

 

عباد الله: اعلموا أن من مصائب العين، النظر لمن كانت لديه نعم عبر منظار الحسد، والعجيب؛ أن هؤلاء يضرون غيرهم بتلك النظرات، فتصيبهم العين الحاسدة بالمرض أو زوال تلك النعمة، أو زوال بركتها.

 

وكم سمعنا من أشخاص نزلت بهم المصائب بسبب العين! وكم من امرأة حضرت مناسبة فرجعت وهي مصابة ببعض الأمراض!.

 

وفي الحديث الصحيح: "العين حق" رواه مسلم، و"أكثر من يموت من أمتي بالعين" صحيح الجامع. والقصص كثيرة في هذا الباب.

 

والوصية لي ولك أن نعمل بوصية رسول الله: "إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدْعُ بالبركة؛ فإن العين حق" صحيح الجامع. نعم، قل: ما شاء الله، اللهم بارك له. نعوذ بالله من عيون الحاسدين، ونفوس الحاقدين.

 

اللهم إنا نسألك رضوانك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهم يسر أمورنا، واشرح صدورنا، اللهم وفق ولي أمرنا لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين، اللهم كن لإخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها.

 

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

 

 

 

المرفقات
نعمة العين.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life