عناصر الخطبة
1/عقوبات المعرضين عن ذكر الله 2/سبب ما يعانيه المسلمون الآن من هموم وغموم 3/نصائح لنيل رضوان الله في الدنيا والآخرة 4/حال المجتمعات المسلمة وضرورة إقامة الحق والعدل 5/حاجة المسلمين لبناء الشخصية المسلمة السوية القوية 6/الفرحة بالإفراج عن المرأة الأسيرةاقتباس
إن لله رجالًا أعز بهم الدين، صدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ -تبارك وتعالى- عليه، رغمَ الآلام والأحزان، والأوجاع والدمار، فأهلنا محاصَرون، يعيشون حياة لا تطاق، وأسرانا يخوضون معارك الأمعاء الخاوية، تحمَّلوا كثيرًا، وصبروا صبرًا جميلًا، وأنتم تعرفون أن طريق الحق لا بد فيه من الصبر، والنصر مع الصبر...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي جعل للصابرين أجرين، وأثابنا بإحدى الحسنيين، ونشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ، كاشفُ الضراءِ، وسابغُ النعماءِ، ودافعُ البلاءِ، وسامعُ الدعاءِ، أنطق المحراب والمنبر بتلاوة الذكر المبين، وأسكت صوت الكفرة والظالمين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، أقام به منابر الإيمان، وأزال به سنان البهتان، بعضُ غِنى نفسه يزيد على مُلك سليمان، اللهم اجمعنا به في جنات النعيم، مع إخوانه وأحبابه؛ (فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ)[الْقَمَرِ: 54-55]، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، والصحابة أجمعين، وآله الطيبين، وارضَ عنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعد، فيا عباد الله: يقول المولى -تبارك وتعالى-: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا)[طه: 124]، فمَن أعرَض عن منهج الله وصراطه المستقيم، فإن له حياة ضيقة، يُسلَب القناعة، ويسعى في كسب الحرام، ومآلُه إلى النار، وطعامُه الضريع والزقوم والغسلين، وفي القبر لهم عذاب أليم، يضيق عليه قبرُه حتى تختلف أضلاعه، اللهم إنا نعوذ بك من عذاب القبر، ونعوذ بك من فتنة المسيخ الدجال يا رب العالمين.
أيها المؤمنون: لماذا أصبحنا نعيش حياة صعبة مليئة بالهموم والغموم والآلام؟
والجواب واضح: لأننا ابتعدنا عن منهج الله، لماذا عاش سلفنا الصالح حياة طيبة؛ أعزاء كرماء؟ أتدرون لماذا؟ لأنهم تمسكوا بالحق وساروا على الحق، فكان مولاهم الحق، هذا هو أبو بكر الصديق، كان أعلم الناس بالله، ولا تأخذه في الله لومة لائم، حارب المرتدين ورفع لواء الدين، لم يحاب أحدا من الناس، ولم يوال أعداء الأمة، لقد نصر الله -عز وجل- الأمة برجُلين؛ بأبي بكر يوم الردة، وبأحمد يوم المحنة، وهذا هو الفاروق عمر، كان يقول: أشقى الولاة مَنْ شقيت به رعيتُه، عدالته لم يشهد التاريخ لها مثيلًا، كان يحاسِب الولاة، وكان يستمع للرأي، ويشاوِر العقلاء والعلماء، رحم الله أمير المؤمنين عمر، إذا سلَك طريقًا سلَك الشيطان طريقًا آخرَ، هكذا كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، مظلومهم منصور، وغنيُّهم موفور، وفقيرهم محمود، ممشاهم بالتواضع، يتسابقون في العمل، ومطعمهم ومشربهم بالحلال، وخضوعهم بالطاعة، ظمئت حناجرُهم، ونحلت أجسامُهم، هكذا كانوا، ولم يجاوزوا حكمَ الله -تعالى-، شَغلوا الألسنَ بالذِّكر، بذلوا دماءهم حين استنصرهم، وأموالهم حين استقرضهم، ولم يكن خوفهم من المخلوقين؛ سبحان مَنْ ألبَس أولياءه ملابس هيبته، فقاموا بعزته مستعزِّين.
فيا أيها المسلم: كن لكتاب الله تاليًا، وللسلام ماشيًا، وبالمعروف آمرًا، وعن المنكر ناهيًا، ولمن قطعَكَ واصلًا، ولمن سألك معطيًا، إياكَ والنميمة؛ فإنها تزرع الشحناء والبغضاء في قلوب الرجال. فأين نحن اليومَ من سيرة السلف الصالح؟ لقد تغيَّرت الأحوال، وساءت الأفعال، لا رحمة، ولا مودة ولا تعاون، حروب طاحنة، في اليمن وسوريا والعراق، الكل يحارب من أجل ماذا؟ من أجل إقامة حكم الله وإسعاد المسلمين؟ والجواب: لا، إنهم يحاربون من أجل كرسي فانٍ، لا يُسمِن ولا يغني من جوع، انظروا هناك في لبنان، لا دواء ولا طعام، يقفون طوابير من أجل الحصول على لقمة العيش، أمة تمتلك الطاقة، البترول والغاز والرعية لا تجد ما يسد رمق العيش، فيا حسرتاه على أمة هانت على الأمم، بعد أن كانت في غاية السمو والكرامة والعزة، والواجب على الأمة إذا أرادت أن تعود إلى طريقها المستقيم، فربنا -تبارك وتعالى- هو القائل: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)[الْمُنَافِقُونَ: 8]، لا نجاح لأمة نبذت أحكام الدين، ولا فلاح لقوم استعبدوا الشياطين.
فيا أيها المسلمون: اتقوا الله حق تقاته، وتذكروا أن المولى -تبارك وتعالى- يقول: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا)[الطَّلَاقِ: 2]، ونحن نريد مَنْ يعمل مِنْ أجل مصلحة البلاد والعباد، المولى -تبارك وتعالى- لم يَصْطَفِ يوسفَ -عليه السلام- لجَماله، وإنما اصطفاه لدينه وأمانته وكماله، مَنْ آثَر الله على نفسه آثَره الله، فأجِمعوا أمركم، وكونوا كما أرادكم. لماذا هذا التدابر والخصام؟ لماذا هذا التناحر والتشاجر؟ ألستُم خيرَ أمة أُخرجت للناس؟ أولستُم أتباع النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل، لقد حذَّرْنا وما زلنا نحذر من الإسراف في الباطل، والاعتداءات المتكررة، على النفوس البريئة، "سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر"، وحرمة ماله كحرمة دمه، عليكم بالجماعة؛ فإن يد الله مع الجماعة، والجماعة أولى بالحق، وإن كنت وحدك، الخصومة تنقص الدين والمروءة.
عباد الله: ونظرة إلى مجتمعنا اليوم، أليس فينا القوي الأمين المواظِب على طهارته واستقامته؟ أليس فينا مَنْ يجمع ولا يفرق، ولو كان على حساب نفسه وأهله، ولكن في المقابل هناك فئة تعشق الفراق والحقد والحسد، وتسعى في الشحناء والبغضاء وسفك الدماء، والدليل على ذلك الحوادث المتكررة، والسرقة، والنَّصْب والسلب والنهب، والاحتيال والمكر والخداع والبهتان، وشهادة الزور، وأكل الربا، وجرائم الزنا والاغتصاب، ولا تنسوا السحرة والمشعوذين، والكهنة، أليس هذا موجودًا في بلادنا؟
فيا أيها المسلم: إياك ثم إياك أن تلعب بدينك؛ فإن الله -تبارك وتعالى- يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، حصول الفتن يا عباد الله، الافتراق وعدم الاجتماع، والاختلاف وعدم الاتفاق، وتضييع الحدود والعمل بالقرآن، وتعطيل الحقائق، وموت القلب، وخساسة الهمة، والشح المطاع، والهوى المتَّبَع، والدنيا الزائلة، واعلموا أنه لا يصلح السيرُ بغير اجتهاد، كما لا يصلح السفر بغير زاد، فقدِّموا مجاهَدةَ القلوب قبل مشاهَدة الحروب، ومغالَبة الأهواء قبل محارَبة الأعداء، وبادِروا بإصلاح السرائر، فإنها من أنفَسِ العُدد والذخائر.
التوبة التوبة يا عباد الله، أصلِحوا أنفسَكم، واصطلحوا مع الله، يقول نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتِي حَتَّى الْقَذَاةَ يُخْرِجُهَا الْإِنْسَانُ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَعُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَكْبَرَ مِنْ آيَةٍ أَوْ سُورَةٍ أُوتِيهَا الرَّجُلُ ثُمَّ نَسِيَهَا".
اللهم طهِّر أرضنا وقلوبنا، ومجتمعنا من الرياء والنفاق، وسوء الأخلاق، اللهم اجعلنا من عبادك الصالحين، واجمع كلمتنا على الهدى، وارفع رايتنا يا رب العالمين، وافتح لنا فتحًا مبينًا.
عباد الله: توجَّهوا إلى الله -تبارك وتعالى-، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فيا فوز المستغفرين استغفِروا الله.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا، ونشكره شكرًا جزيلًا، ونشهد ألَّا إلهَ إلا الله، ابتدَع الأشياء بقدرته، وذرأ الأنام بمشيئته، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صاحب اللواء والكوثر، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، خير مَنْ آوى ونصَر، وعلى التابعين بإحسان إلى يوم الفزع الأكبر.
أما بعد فيا أيها المؤمن: لا أخلَف اللهُ ظنَّكَ، ولا قطع رجاءك، وآنَس وحشتك، وسكَّن روعتك.
عباد الله: ليس من العسير أن نقيم المصانع، ونشيِّد ناطحات السحاب، ونبني البوارج، وننشئ الجواري في البحر كالأعلام، ولكن الصعب أن نبني النفوس على العقيدة الراسخة، والمعنويات العالية، والقدوة الصالحة، نحن بحاجة لبناء شخصية لا تعمل إلا لله، تقيم أحكام الله، على محبة وسلام ونظام، الإسلام ليس بالمظاهر، فهو دين الله القائم على الحفظ والاستقامة، والرعاية والعناية، الإسلام ألا تظلم أحدا من الناس، وأنت أيها المسلم اتق الله في أهلك، مُرْهُمْ بطاعته، وجنِّبْهم معصيتَه، كن لهم الأب الحاني على ولده، يسعى له صغارًا، ويعلمهم كبارًا.
وأنتِ أيتها الأم المؤمنة: كوني الشفيقة الرفيقة بولدها، حملته كرهًا، ووضعته كرهًا، وربَّته طفلًا، تسهر لسهره، وتسكن بسكونه، وتُرضِعه تارة، وتفطمه أخرى، تفرح لعافيته، وتغتم بشكايته؛ فالآباء مصانع التربية، يراقبون أولادهم، ولا يتركونهم هملا بغير مراقبة، بعض الشباب يشربون السجائر الإلكترونية، والبخاخة المضرة بالصحة في المدارس ولا رقيب ولا حسيب، فراقِبوا أولادكم، واتقوا الله -تبارك وتعالى-، وكونوا لهم قدوة حسنة، الأم لها دور كبير في نشأة الأولاد، ورَد عن أبي أمامة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَا اسْتَفَادَ الْمُؤْمِنُ بَعْدَ تَقْوَى اللَّهِ خَيْرًا لَهُ مِنْ زَوْجَةٍ صَالِحَةٍ، إِنْ أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ، وَإِنْ نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ، وَإِنْ أَقْسَمَ عَلَيْهَا أَبَرَّتْهُ، وَإِنْ غَابَ عَنْهَا نَصَحَتْهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ".
عباد الله: إن لله رجالًا أعز بهم الدين، صدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ -تبارك وتعالى- عليه، رغمَ الآلام والأحزان، والأوجاع والدمار، فأهلنا محاصَرون، يعيشون حياة لا تطاق، وأسرانا يخوضون معارك الأمعاء الخاوية، تحمَّلوا كثيرًا، وصبروا صبرًا جميلًا، وأنتم تعرفون أن طريق الحق لا بد فيه من الصبر، والنصر مع الصبر، ومَنْ صَبَرَ ظَفِرَ.
لا تحسَبِ المجدَ تمرًا أنتَ آكِلُه *** لن تبلغ المجدَ حتى تلعقَ الصبرا
ونحن من هنا نقول: الحمد لله الذي أفرج عن المرأة المسلمة الصابرة، والتي تحمَّلت ما لا يستطيع الإنسانُ وصفَه، فهي على وشك الولادة، والحمد لله، فقد تم الإفراج عنها برحمة الله -تبارك وتعالى-.
أيها المؤمنون: توجهوا إلى المولى الكريم، بالرضا والتسليم، أن يرفع الحصار عن المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وأن يرزقهم رزقًا حسنًا، وأن يفك أسر المأسورين أجمعين من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهنا من المسجد الأقصى ونحن نقول: المسجد الأقصى بساحاته وأروقته، ليس هناك ما يسمى مسجدًا دوليًّا، الكل يسمي المسجد أقصى، مائة وأربعة وأربعون دونمًا، كل هذه المساحات يُطلَق عليها اسم المسجد الأقصى، نعاني فيه الأمرَّين، من الإجراءات المسجَّلة، وإبعاد المصلين، وعدم القيام بالرعاية والصيانة، وفي البلدة القديمة نشهد ظروفًا قاسيةً؛ ضرائب ومخالَفات، وهدمًا للبيوت، ومصادرة لها، سواء في سلوان أو في بطن الهوى أو في الشيخ جرَّاح وغيرها.
فيا عباد الله: من رام النجاة والفوز فليلزمِ العبوديةَ، وليُدم الاستغاثةَ بالله، وليبتهِلْ إلى مولاه، بالثبات على الإسلام، وأن يقبضنا على إيمان الصحابة الكرام، والسادة التابعين الأعلام.
اللهم فرجًا قريبًا، وصبرًا جميلًا، اللهم أنزِلْ علينا بركاتك، واشفنا بشفائك، وداوِنا بدوائك، وعافِنا من بلائك، وثبِّتنا برحمتك، وأيِّدنا بقوتكَ، وتمِّم علينا نعمتك يا رب العالمين.
وأنتَ يا مقيمَ الصلاةِ: أقمِ الصلاةَ؛ (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].
التعليقات