نزول الوحي

الشيخ خالد القرعاوي

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: السيرة النبوية
عناصر الخطبة
1/من إرهاصات نبوته صلى الله عليه وسلم 2/اختلاؤه صلى الله عليه وسلم في الغار تهيئة له لتحمل أعباء الدعوة 3/ أحداث نزول الوحي

اقتباس

لَم يَكْن قَلبُ رَسُولِ اللهِ لِيَتَحَمَّلَ النُّزُولَ المُفَاجِئ لِلمَلَكِ الأمِينِ جِبريلَ -عليه السَّلامُ- بِهَيئَتِهِ المَهُولَةِ، إلَّا بَعد تَمْرِينٍ وَإعْدَادٍ مُسْبَقٍ لِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-؛ فَقَدْ كانت هُناكَ عِدَّةُ إرْهَاصَاتٍ قَبْلَ بَدْءِ نُزُولِ الوَحْيِ الكَرِيمِ عَليهِ. منها: ما حدَّثَتْ بِهِ أمُّنا عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِرَسُولُ اللَّهِ...

الخطبة الأولى:

 

الحمدُ اللهِ العَليِّ الأَعْلَى، أوْحَى إلى عَبدِهِ مَا أَوحَى، نَشهد ألَّا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ؛ له الأسمَاءُ الحُسنى، والصِّفَاتُ العُلَى، وَنَشهَدُ أنَّ مُحَمَّدَاً عبدُ اللِه وَرَسُولُهُ؛ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَليهِ وَعلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأتْبَاعِهِ بِإحسانٍ إلى يومِ الدِّينِ.

 

أمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَأطِيعُوهُ، واحْمَدُوهُ على هذا الدِّينِ العَظِيمِ وَالكِتَابِ المُبينِ وَلا تَكْفُرُوهُ.

 

أيُّها المُؤمِنُونَ: حديثُنا اليومَ عَنْ نَبَأٍ عَظيمٍ! وَحَدَثٍ جَسِيمٍ، يَبدَأُ مِن بُزوغِ نُورِ النُّبوَّةِ، وَمُبَلِّغِ الوَحْي المُبينِ؛ فَحينَ تَرَاكَمَتِ الظُّلمَاتُ، وَأَصْبحتِ البَشَريةُ على حالٍ تَسْتوجِبُ مَقْتَ اللهِ  -تَعَالَى-، حَصَلَت المِنَّة من اللهِ في يومٍ مَوْعود، وَحَدَثٍ مَشْهُودٍ! حَدَثٌ هزَّ أَكْرَمَ مَخْلُوقٍ، فِي لحظَةٍ انْتَظَرَتْهَا المَخلُوقَاتُ العُلوِّيَّةُ والسُّفليِّةُ، وغيَّرتْ تَأريخَ البَشَرِيَّةِ؛ فَقَدْ بَدَأَتِ التَّهيئَةُ لِهذا الحَدثِ في تأريخِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ أنْ يَبْلُغَ الأَرْبَعِينَ مِن عُمُرِهِ، وَإذَا أَرَادَ اللُه شَيئَاً هيَّأ لَهُ أَسْبَابَهُ!

 

عِبَادَ اللهِ: لَم يَكْن قَلبُ رَسُولِ اللهِ لِيَتَحَمَّلَ النُّزُولَ المُفَاجِئ لِلمَلَكِ الأمِينِ جِبريلَ -عليه السَّلامُ- بِهَيئَتِهِ المَهُولَةِ إلَّا بَعد تَمْرِينٍ وَإعْدَادٍ مُسْبَقٍ لِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-؛ فَقَدْ كانت هُناكَ عِدَّةُ إرْهَاصَاتٍ قَبْلَ بَدْءِ نُزُولِ الوَحْيِ الكَرِيمِ عَليهِ؛ منها:

ما حدَّثَتْ بِهِ أمُّنا عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ؛ فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، -سُبحَانَ اللهِ- يَرَى فِي المَنَامِ الأحْدَاثَ، فَتَكُونُ فِي اليَقَظَةِ كَامِلَةً تَامَّةً كَمَا رَءَاهَا!

 

وَمِنْ الإرْهَاصَاتِ لنُبُوَّتِهِ: أنَّهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَسيرُ في شِعَابِ مَكَّةَ فَإذَا بِالأَحْجَارِ الصَّمَّاءِ تُسَلِّمُ عليه، يَقُولُ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ".

 

عِبَادَ اللهِ: أمَّا التَّهيِئَةُ الأقْوى فَقَدْ كَانت هُناكَ! في رَأسِ جَبَلٍ على أطرَافِ مَكَّةَ، في غَارٍ مُظْلِمٍ، لا تَتَجَاوَزُ مَساحتُهُ ثَلاثَةُ أَمْتَارٍ طُولاً وَنِصْفُها عَرْضَاً! وهذا ما أكَّدَتْهُ أُمُّنَا عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- حينَ قالت: ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الخَلاَءُ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ أي يَتَّعَبُّدُ اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ العَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ.

 

اللهُ أكبرُ: لقد كان يَخلُو بِنَفْسِهِ بَعيداً عن صَخَبِ مَكَّةَ وَلَغْوِ النَّاسِ وَمَشَاغِلِ الحَيَاةِ! هنَاكَ فِي الغَارِ الضَّيِّقِ؛ حَيثُ التَّذَكُّرُ وَالتَّفَكُّرُ، وإصلاحُ الحالِ وتَصحيحُ المَسَارِ، وَكانَ تَعَبُّدُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على شَرِيعَةِ ابْرَاهِيمَ -عليه السَّلامُ-.

 

أمَّا حِكمَةُ تَعَبُّدِهِ فَهيَ بِمَثَابَةِ الإعْدَادِ لِتَحَمُّلِ أَعْبَاءِ الدَّعوةِ، وتَأَدِيبَاً رَبَّانِيَّاً لِحَامِلِ الدَّعْوَةِ العَظِيمَةِ.

 

أيُّها المُؤمنُونَ: فِي لَيلَةٍ ظَلامُها دَامِسٌ عمَّ الهُدُوءُ جِبَالَهَا؛ إذْ دَنَتْ لَحَظَاتُ الاصْطِفَاءِ، وَحَانَتْ سَاعَةُ النُّبُوَّةِ الأُولى، وَحَصَلَ لِقَاءٌ هُوَ الأَهَمُّ فِي تَأرِيخِ الدُّنْيَا؛ لِتُشْرِقَ الأَرْضُ بِالهُدُى وَالنُّورِ، والفَرْحَةِ وَالسُّرُور، وَصَدقَ المَولى: (طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى)[طه:1-4].

 

اللهُ أكبرُ: لَقَد التَقى الأَمِينَانِ العَظِيمَانِ؛ أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ بِأَمِينِ الأرض؛ فَمَنْ يَسْتَطِيعُ أنْ يَصِفَ مَا حَدَثَ إلَّا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَاسَتَمِعُوا مَا قَالَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَلْبُهُ يَرجُفُ، ونَفْسُهُ مَرُوَّعَةٌ، وَحُقَّ لَهُ ذَلِكَ!؛ فَمَا كَانَ نَبِيُّنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنتَظِرُ رِسَالَةً، وَلا وَحيَاً وَلا كِتَابَاً يُبَشَّرُ بِهِ؛ ألمْ يَقُلِ اللهُ تَعالى: (وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ)[القصص:86].

قَالَ ابنُ كَثِيرٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: "ما كُنْتَ تَظُنُّ يا مُحَمَّدُ قَبْلُ، أنَّ الوحيَ يَنزِلُ عليكَ، وَإنَّمَا نَزَلَ الوحيُ عليكَ مِن رحمَةِ اللهِ بِكَ وبِالعِبَادِ بِسَبَبِكَ".

 

أيُّها المُؤمِنُونَ: لقد نَزَلَ الوَحيُ على رَسُولِنَا حينمَا بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً؛ ففي الصحيحين عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِأَرْبَعِينَ سَنَةً. وَكانَ نُزُولُ الوحيِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ هذا هُوَ الرَّاجِحُ؛ لِظَاهِرِ قَولِهِ تَعَالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ)[البقرة:185].

 

أمَّا عَنْ كَيْفِيَّةِ الِّلقَاءِ الأوَّلِ مَعَ أَعْظَمِ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ وَأَقْوَاهُمْ فَخُذُوهُ مِن فَمِ النَّبِيِّ الأعْظَمِ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-.

 

أقَولُ مَا سمَعتُمْ وأستغفِرُ الله لي وَلَكُمْ وَلِسَائِر المُسلمينَ من كُلِّ ذنبٍّ فاستَغفِرُوهُ إنَّهُ غَفورٌ رَحيمٌ.

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الحَمْدُ للهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، نَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَنَشْكُرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَشْهَدُ أَلَّاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَلا نَكْفُرُهُ، وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ  -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ.

 

أيُّها المُسلِمُونَ: حَدَّثَ النَّبِيُّ الكَريمُ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "لَقَدْ جَاءني المَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ فَقَلت: مَا أَنَا بِقَارِئٍ" قَالَ: "فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي".

نَعَمْ لَقَدْ ضَمَّ مُحَمَّدَاً بَلْ وَضْغَطَ عَليهِ عِدَّةَ مَرَاتٍ، فَوَجَدَ مُحَمَّدٌ مِنْ الضَّمَّاتِ كُلَّ أنْواعِ التَّعَبِ وَالمَشَقَّةِ!؛ لِيَعرِفَ هُوَ وَأتبَاعُهُ قَدْرَ هَذا الوَحْيِ وَعَظَمَتَهُ، وَأَنَّ تَبْلِيغَهُ يَحْتَاجُ لِمَجهُودٍ كَبيرٍ، وَأَنَّ هَذا الدِّينَ لَن يَقُومَ بِهِ إلَّا الأَشِدَّاءُ مِن الرِّجَالِ!

يَقُولُ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "فَقَالَ: اقْرَأْ، قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ" فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ*خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ)"[العلق:1-3].وَقَولُهُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ؛ أَيْ لا أُحسِنُ القِرَاءَةَ.

 

فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَرْجُفُ فُؤَادُهُ إِلَى بَيْتِهِ، فَجَعَلَ لَا يمرُّ عَلَى شَجَرٍ وَلَا حَجَرٍ إِلَّا سلَّم عَلَيْهِ، فَرَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ مُوقِنًا أَنَّهُ قَدْ رَأَى أَمْرَاً، فَدَخَلَ عَلَى زَوجتِهِ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-، فَقَالَ لها: "زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي"، فَزَمَّلتْهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لها: "لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي"، فَقَالَتْ: كَلَّا وَاللَّهِ! مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ.

 

ثُمَّ اسْتَعْلَنَ لَهُ جِبْرِيلُ وَهُوَ بِأَعْلَى مَكَّة،َ فَأَجْلَسَهُ عَلَى مَجْلِسٍ كَرِيمٍ مُعْجِبٍ، يَقُولُ -صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَجْلَسَنِي عَلَى بِسَاطٍ كَهَيْئَةِ الدُّرْنُوكِ"؛ وهو نَوعٌ من الثِّيَابِ أو البُسُطِ فِيهِ الْيَاقُوتُ وَاللُّؤْلُؤُ، فبشَّرَه بِرِسَالَةِ اللِه -عَزَّ وَجَلَّ-!؛ فَمَاذَا بَعْدُ يا تُرى؟

 

قَالَ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَانْطَلَقَتْ بِي خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ، وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَا ابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ خَبَرَ مَا رَأَى. فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى -وَالنَّامُوسُ هُوَ صَاحِبُ السِّرِّ-؛ لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ: "أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ" قَالَ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا.

 

عِبَادَ اللهِ: وَهُنَا وَقْفَةٌ عَقَدِيَّةٌ دِينِيَّةٌ تَتَمَثَّلُ بِغَارِ حِرَاءٍ؛ فَمَعَ الأسَفِ الشَّدِيدِ عَدَدٌ مِن الحُجَّاجِ والمُعتَمِرِينَ يَتَكَلَّفُونَ المَشَاقَّ لِلصُّعُودِ لِفَمِ الغَارِ؛ ظَنَّاً مِنْهُم أنَّ لَهُ مَزِيَّةً خَاصَّةً! والحَقُّ أنَّ اعْتَقَادَ الذَّهَابِ إليهِ بِدْعَةٌ. هذَا إنْ خَلا مِن الأعمَالِ الشِّرْكِيَّةِ، وَصَدَقَ رَسُولُ اللهَ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- حِينَ قَالَ: "وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ".

 

فَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ يَرتَادُهُ بَعْدَ مَبْعَثِهِ وَلا صَحَابَتُهُ الكِرَامُ، وَلا سَلَفُ الأمَّةِ الأعْلامِ، وَلَو كَانَ خيراً لَسَبَقُونَا إليهِ.

 

وَجَزى اللهُ خيراَ أميرَ مَنْطِقَةِ مَكَّةَ حينَ وَجَّهَ قَبْلَ أرْبَعَةِ أيَّامِ بِإزَالَةِ عَدَدٍ مِن المَوَاقِعِ البِدْعِيَّةِ أو الشِّرْكِيَّةِ؛ حِمَايَةً للدِّينِ وَصِيَانَةً لِتَوحِيدِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَقَطْعَاً لِدَابِرِ الكَذَبَةِ والمُرْتَزِقِينَ الذينَ يُضَلِّلُونَ ضُيوفَ الرَّحْمَنِ.

 

إخْوَانِي: لَمْ تَنْتَهيْ قِصَّةُ نُزُولِ الوَحيِ؛ بَلْ فَفيها الدُّرُوسُ والعِبَرُ، والأحْدَاثُ والسِّيَرُ.

 

نَسألُ اللهَ أنْ يَرزُقَنَا جَمِيعَاً العِلمَ النَّافِعَ، والعَمَلَ الصَّالِحَ إنَّهُ جَوَادٌ كَريمٌ.

 

فَالَّلهُمَّ صَلِّ وَسَلِّم وَبَارِكْ عَلى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأصْحَابِهِ أجْمعِينَ.

 

الَّلهُمَّ إنِّا نَشْهَدُ أنَّه بَلَّغَ الرِّسَالةَ وَأَدَّى الأَمَانَةَ ونَصَحَ الأُمَّةَ وَجَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ.

 

الَّلهُمَّ ارْزُقْنَا اتِّبَاعَ سُنَّتِه ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً قَولا وَعَمَلاً وَاعْتِقَادَاً. الَّلهُمَّ إنَّا نسأَلُكَ إيماناً صادقاً ولِسانَاً ذَاكِرَا وعَمَلا صَالِحَاً مُتقَبَّلاً.

 

الَّلهُمَّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، ودَمِّر أعداء الدِّينِ، وانصر إخواننا المجاهدينَ في سبيلكَ في كلِّ مكانٍ، الَّلهُمَّ انصُرْ جُنُودَنا واحفظ حُدُودَنا. ووفَّقْ ولاةَ أُمُورِنا، واغفر لنا ولوالدِينا وللمسلمينَ أجمعينَ.

 

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة:201].

 

(رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ)[آلعمران:8].

 

(اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت:45].

 

المرفقات
نزول-الوحي.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life