عناصر الخطبة
1/ فرحة العيد ونسيان مشقة الطاعة تحفزنا للآخرة 2/ النظرة الإيمانية تثبت المؤمن إزاء الأحداث 3/ فتنةُ مطالبةِ المنافقين بالتخلي عن الدين 4/ منهج المؤمن في التعامل مع الفتن 5/ سُنَّة صراع الحضارات وعدة المؤمنين لها 6/ موعظة للمرأة وتحذيرها من دعاة التغريب 7/ دعوة للفرح بالعيد بعيدا عن منكراته 8/ نصائح بإعانة المسلمين والبر والصلة وصيام ست من شوالاهداف الخطبة
اقتباس
يمرُّ بنا العيد والبشرية على مفترق الطرق، والأمة المسلمة فيها من اللأواء والضنك ما لا يعلمه إلا الله تعالى، والناسُ في ترقُّب، وهاجس الخوف من المستقبل المجهول قد سيطر على كثير منهم؛ مما جعل أحاديثهم في وسائل الإعلام المختلفة عن احتمال المواجهات الحضارية بين أمة الحق وأمم الباطل تكثر هذه الأيام ..
أما بعد: فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله عزَّ وجلَّ؛ فإن ربكم عليمٌ بأحوالكم، مطلعٌ على أعمالكم، يفرح بطاعاتكم، ولا يضره عصيانكم، (وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ) [البقرة:223].
أيها الناس: في هذا اليوم المبارك، يؤدي هذه الشعيرة العظيمة ملايين المسلمين في مصلياتهم ومساجدهم في مشارق الأرض ومغاربها، فيا الله! كم مِن عبد منهم يحضر صلاة العيد وقد غفر الله ذنبه، وقبل عمله، وشكر سعيه، واستجاب دعاءَه، وأعتقه من النار.
وسبحان الله وبحمده! كم من عبد محروم، يحضر هذه الصلاة وهو غير مرحوم، قد قضى رمضان في لهو وغفلة، ليلٌ أحياه في مجالس الباطل، وأمام الشاشات المحرمة، ونهار أمضاه في النوم، وليس له من العمل إلا القليل، مع عصيان كثير، في وقت كان العاملون قد شمروا واجتهدوا وعملوا.
واليوم حيث تقسم الجوائز، وتوزع الهبات، اسألوا مَن داوموا على القرآن، وحافظوا على التراويح والقيام، وأسهروا ليلهم في طاعة الله تعالى، وتحمَّلوا طول القنوت، وكثرة الركوع والسجود، وقهروا نفوسهم فغلبوها وقصروها على الطاعة.
اسألوهم: هل يتذكرون مشقة ما عملوا من الصالحات؟ لقد نسوها، وبقي لهم الأجر موفوراً، كأني بهم يأخذون جوائزهم اليوم، وهي أمثالُ الجبال حسنات، نسأل الله بمنِّه وكرمه أن يجعلنا منهم.
ثم اسألوا مَن استمتعوا باللهو المحرم في رمضان، وتلذذت أعينُهم بالنظر إلى المحرمات، وأسماعُهم بسماعه، ولم يقطعوا لذة النوم من أجل الفرائض، ولم تفتهم لذة من حلال أو حرام إلا وقد ذاقوها واستمتعوا بها، اسألوهم اليوم: هل يتذكرون تلك اللذات؟ وهل يجدون طعمها الآن؟ كلا! لقد نسوها، وذهبت لذتها بانقضائها، وبقي وزرها على ظهورهم، كأني بهم قد خرجوا من رمضان وهم يحملون من الأوزار أمثال الجبال، نسأل الله أن لا يجعلنا منهم.
عباد الله: وهكذا الدنيا، تمر كما يمر رمضان، فينسى الطائع فيها مشقة الطاعة؛ ولكن أجرها محفوظ له، وينسى العاصي لذة المعصية؛ ولكن وزرها مدونٌ في صحيفته.
ومن هنا قال من قال من السلف الصالح: جعل دهرك كلَّه رمضان بالصيام عن العصيان، والاجتهاد في الطاعة، حتى إذا جاءك الموت حان وقت فطرك، وبشَّرتك ملائكة الرحمن بما لذَّ وطاب من النعيم المقيم، الذي لا يحول ولا يزول.
ووالله الذي لا إله إلا هو! إن كل عبد يقهر نفسه على الطاعات، ويتحمل في سبيل الله مشقتها، سوف ينسى مشقتها، وينعمُ بثمرتها؛ وإن كل عبد يتخوض في المحرمات، ويستمتع بها، سوف ينسى لذائذها، ثم يشقى بنتائجها.
وقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "يؤتَى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغة، ثم يقال: يا ابن آدم، هل رأيت خيراً قط؟ هل مرَّ بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب! ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنة، فيصبغ في الجنة صبغة، فيقال له: يا ابن آدم، هل رأيت بؤساً قط؟ هل مرَّ بك شدة قط؟ فيقول: لا والله، ما مرَّ بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط!" رواه مسلم وابن ماجة.
الله أكبر! نسى صاحب المعاصي لذة عصيانه من صبغة واحدة في النار، ونسي صاحب الطاعات مشقتها، والبؤس الذي لحقه في الدنيا، واللأواء التي عاناها من صبغة واحدة في الجنة؛ فاللهم اجعلنا ووالدينا ممن يصبغ في الجنة، ونعوذ بك اللهم من النار.
أيها المسلمون: يمرُّ بنا العيد والبشرية على مفترق الطرق، والأمة المسلمة فيها من اللأواء والضنك ما لا يعلمه إلا الله تعالى، والناسُ في ترقُّب، وهاجس الخوف من المستقبل المجهول قد سيطر على كثير منهم؛ مما جعل أحاديثهم في وسائل الإعلام المختلفة عن احتمال المواجهات الحضارية بين أمة الحق وأمم الباطل تكثر هذه الأيام.
إن الأيام في تسارع، والأحداث في تتابع، والليالي -كما يبدو- حُبْلَى بالمفاجآت والأحداث العظيمة، وإزاء ذلك فإن التخبط في الآراء والأفعال صار سمة من سمات هذه الأيام، وكثرة الأخبار والتحليلات صرفت كثيراً من الناس عما ينفعهم في دنياهم وأخراهم، وشغل الناس بالقيل والقال، وتناقل الأخبار.
ولأجل ذلك فإنه يجب على علماء الأمة ودعاتها ردُّ الناس إلى الجادَّة، وحثهم على المزيد من العبادة، فالمستقبل المجهول ينبغي ألا يَخاف منه إلا الكافر والفاجر، وأما المؤمن التقيُّ فلا يخاف المستقبل مهما كان يحمل في طياته من أحداث مرعبة؛ لأنه كلما ترقى في العبادة صار من أولياء الله تعالى، وأولياءُ الله لهم الأمن في الدنيا والآخرة: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ) [يونس:62-64].
إن المؤمن يعلم بمقتضى إيمانه أن أي شيء يحدث في الكون لا يخرج عن تدبير الله تعالى وقضائه وأمره، وأن الله تبارك وتعالى حكيم عليم، لطيف خبير، له الحكمة البالغة فيما يقضي وفيما يشرع؛ كما قال يوسف -عليه السلام-: (إنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) [يوسف:40]، وقال أبوه يعقوب -عليه السلام- لما أمر بنيه بالدخول من أبواب متفرقة لئلا يصابوا بالعين: (وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الحُكْمُ إِلَّا للهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُتَوَكِّلُونَ) [يوسف:67].
ولما استعجل المشركون العذاب خاطب الله نبيه محمداً -صلى الله عليه وسلم- فقال: (قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الحُكْمُ إِلَّا للهِ يَقُصُّ الحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الفَاصِلِينَ) [الأنعام:57].
وما يقضيه الله تعالى ويقدِّره على البشر من عذاب أو عقوبة أو كوارث أو حروب فإنه يجري على وفق سنن سنَّها، وقوانين بيَّنها؛ ليفقه البشر أسباب العذاب والهلاك فيجتنبوها؛ وليعرفوا دروب النجاة فيسلكوها، وهي سنن لا تتغير بتغير الزمان والمكان، (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَحْوِيلًا) [فاطر:43].
وثمرة هذه النظرة لأحوال الغابرين، وما جرى عليهم من أيام الله وسننه هي الاعتبار والادكار، وأخذ الدروس والعظات، ومن ثم التعلق بأسباب النجاة، والبعد عن أسباب الهلاك: ( قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ ) [الأنعام:11].
وأعظم سبب ينجي من الفتنة والهلاك: التعلق بجناب الله تعالى، واللوذُ بحماه، وصدقُ اللجوء إليه، وإخلاص العمل له وحده، والبعد عن أسباب غضبه ونقمته.
إن من أيقن أن الأمور تسير بأمر الله تعالى، وأن الأحداث كلها من تدبيره وتقديره، فإنه لا يطلب النجاة فيها من غير مدبرها ومقدرها، عزَّ في علاه، وتعاظم في مجده.
فالله تعالى هو الذي يثبت القلوبَ في عظائم الفتن التي تميدُ من هولها الجبال، وتحار العقول والألباب، ونحن -عباد الله- محتاجون إلى التثبيت في فتن الدنيا، وفي فتن القبر، وفي فتن يوم النشر.
والثباتُ نعمة من الله تعالى يهبها من شاء من عباده، وأحظى الناس به هم أهل الإيمان والتقوى، كما قال الله سبحانه: ( يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ) [إبراهيم:27].
إن فتن آخر الزمان تفتك بالقلوب فتكاً عظيماً، فترى رجالاً ذوي عقول وأفهام قد جرَّتهم الفتن إلى أُتونها، وصلتهم بنارها وشرورها؛ حتى يصبح الرجلُ منهم مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل؛ كما صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
إن الحديث لم يذكر أن الرجل يصبح من هؤلاء المفتونين ساجداً لله تعالى، ويمسي ساجداً للصنم، أو يمسي طائفاً بالكعبة، ويصبح طائفاً بالقبر؛ وإنما ذكر أنه يبيعَ دينه، وبيعُ الدين له صور كثيرة، فتغيير الثوابت العقدية، والتشكيك في المسلماتِ الشرعية، وتحريف الكلم عن مواضعه، وتأويل النصوص المحكمة القطعية؛ لتوافق الأهواءَ، أو لتسايرَ مجريات الأحداث هو مِن بيع الدين بعرض من الدنيا قليل.
وإذا كانت المتغيرات الكبرى في تاريخ البشر يرتفعُ فيها أقوام ويسفل آخرون، ويعتز رجالٌ ويُذلُ آخرون، وتتمكنُ فيها أمم وتندثرُ أخرى؛ فإن طلب العزة والرفعة يجب أن يكون من الله تعالى وليس من البشر مهما كثرت أعدادهم، وبلغت قواتهم، وأزهرت حضارتهم، فالله تعالى هو المتفردُ بكمال الكبرياء والعظمة، وكمال العزة والجبروت.
فمن طلب الرفعة من غير الله تعالى وضَعَه الله، ومن ابتغى العزة في غير دينه أذله الله، ومن احتمى بغيره فإنه لا يأمَن، مهما كانت قوة من احتمى به وعظمتُه وجبروته، (مَنْ كَانَ يُرِيدُ العِزَّةَ فَللهِ العِزَّةُ جَمِيعًا) [فاطر:10]، ولما طلب المنافقون في المدينة العزة من مشركي مكة أذلهم الله، وبشرهم بالنار: (بَشِّرِ المُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ المُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ العِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ للهِ جَمِيعًا) [النساء:138-139].
ومن بدل شريعة الله تعالى أو حرَّفها ليوافق بها أهواء الناس فهو محادٌ لله تعالى، وقد كتب اللهُ الذلة على المحادين له تبارك وتعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ) [المجادلة:20].
إن ما يجري في الأرض من حوادث قد خرَّجت لنا كتاباً ومحللين وصحفيين وإذاعيين وإخباريين لا يعرفون الكتاب والسنة، ولا يفهمون سنة الله تعالى في البشر، ولربما كان منهم من لم يسجد لله تعالى سجدة واحدة؛ أخذوا يطالبون الأمة بالتخلي عن دينها، وإعادة صياغة عقيدتها وعلاقاتها مع الآخرين، بل طالب بعضهم -قاتلهم الله- بإعادة النظر في نصوصنا المعصومة من كلام ربنا جلَّ جلاله، وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وحذف ما لا يتوافق مع أهوائهم وأهواءِ الذين كفروا.
وتلك والله فتنة أعظم من أي فتنة، فتنةُ أن يطالب المسلمون بالتخلي عن دينهم، والتنازل عن شريعتهم، واطِّراح نصوصهم المعصومة، وأي ضلالٍ أعظمُ من هذا الضلال لو قبل المسلمون بتلك الأطروحات الكفرية؟!.
إن من سمات الموفقين من عباد الله تعالى بعدُهم عن الفتن، وفرارهم منها؛ فإن ابتلاهم الله تعالى بشيء منها ثبتوا على الحق المبين مهما كان الثمن، ولو كان الثمن أرواحهم.
إن من أوصافهم أنهم يُكثِرون العبادة في حال الفتنة، وينشغلون عن القيل والقال، وما لا ينفع من اللغو والكلام بالاستغفار من ذنوبهم، والبكاء على خطاياهم.
وقد صحَّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "العبادة في الهرْج كهجرة إلي" رواه مسلم، قال النووي رحمه الله تعالى: المراد بالهرْج هنا: الفتنة واختلاطُ أمور الناس، وسببُ فضل كثرة العبادة فيه أن الناس يغفلون عنها، ويشتغلون عنها، ولا يتفرغ لها إلا أفراد.
وصدق النووي رحمه الله تعالى؛ إذ لو نظرنا في واقع الناس تجاه ما يحدث هذه الأيام فإنه لا يعدو ما قال مِن تشاغُلِهم بما لم يؤمروا به، وإهمالهم لما كلفوا به، إلا من رحم الله تعالى، وقليل ما هم.
إن المؤمن الحق هو من يطلب المنحَ في المحن، ويستخرجُ النعمَ من النقم، ويوقنُ بأن في طياتِ العسر يسراً، مهما كان حجمُ العسرِ، وشدةُ الكربِ.
ومن أعظم الابتلاءات التي أصابت بيتَ النبوة حادثةُ الإفك التي اتهمت فيها الطاهرةُ المطهرةُ في عرضها، وهي فتنة زلَّ فيها بعض خيار الصحابة -رضي الله عنهم-، وعَظُم فيها الكرب على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعلى زوجه عائشة وأبيها الصديق -رضي الله عنهما-، وعلى أكثر الصحابة -رضي الله عنهم-، ومع ذلك فإن القرآن لما عرضها قال: (لَا تَحْسَبُوهُ شَرَّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) [النور:11].
ومن مسلَّمات عقيدتنا، ومحتَّمات حسن ظننا بربنا، أن نوقن بأن الله تعالى لا يقدِّرُ شرَّاً مَحْضَاً، فالشر ليس إليه تبارك وتعالى، وما يبدو منه الشر والفتنة لابد أن يكون فيه خيرٌ بوجه من الوجوه، قد نعلمه وقد لا نعلمه.
أمة الإسلام: مع تفاقم الأحداث، وتعظام الأمور، يتحدث الناس عن صراع الحضارات، وهو صراعٌ أزلي سجله القرآن، وهو من سنن الله تعالى التي تبقى ما بقي الخيرُ والشر، والإيمانُ والكفر، وتلك حقيقةٌ بدهية لا تحتاج إلى إثبات أو برهان؛ لدلالة العقل والنقل عليها، ووقائع التاريخ أكثر من تحصر فيها.
ولكننا مع ذلك لا نتمنى لقاء العدو، ونسألُ الله العافية؛ كما أمرنا بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإن أبى العدو إلا إشعالها حرباً حضارية فإننا لا نرهَبه ولا نخافه، ولا نخاف أسلحة الدمار الشامل التي يملكها، ونلخص نتيجة المعركة في جملتين اثنتين: إن الله أقوى، وهو معنا، وما يعلم جنود ربك إلا هو؛ وإن قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار. نسأل الله العافية والسلامة، كما نسأله أن يثبتنا على الحق، وأن نلقاه غير مبدلين ولا مغيرين. إنه سميع مجيب.
أيتها المرأة المسلمة: أيتها الصائمة القائمة: إن لك دوراً كبيراً في مجريات الأحداث، فتربية النشء على الإيمان والثبات على الحق من أهم المهمات التي لا يحسنها إلا الأمهات والزوجات والأخوات؛ ازرعي في قلوب أولادنا محبة الله تعالى، ورجاء ثوابه، وخوف عقابه؛ فإننا إذا أوْجَدْنَا نشئاً يملك تلك القلوب المؤمنة الموقنة فلن نرهب أية قوة، ولن نخاف إلا الله تعالى.
أيتها القائمة القانتة: احذري أن يتخلف نصر الله تعالى بسبب ما تقارفينه من عصيان، وإياك ودعوات المفسدين والمنافقين، أدعياء تحرير المرأة؛ فإنهم يريدونك ألعوبة في أيديهم كما كانت المرأة الغربية ألعوبة في أيدي الرجال، أخرجوها من بيتها لتعمل، فكفَ زوجُها يدَه عنها، وصارت تعملُ لتأكل، ويتحرش بها صاحب العمل، وزميلها في العمل، ولا تمشي إلا وسلاحها في حقيبتها كأنها في جبهة قتال. اقرئي التقارير الموثوقة، والدراسات الأكاديمية، واطَّلعي على الأرقام والإحصاءات عن واقع المرأة في الغرب؛ لتعرفي نعمة الله تعالى عليك بالإسلام والحجاب والقرارِ في البيت.
انظري إلى عجوز مسنة في مجتمعنا، يتحلق اليومَ أبناؤها وأحفادها عند قدميها، يُقبلون رأسها ويديها، ويلتمسون رضاها، ويقومون على خدمتها ورعايتها حتى يوسدوها في لحدها؛ قارني ذلك بحال عجوز غربية قد رماها ذووها في ملجأ للعجزة، وإن كانت تملك مالاً ففي أحسن الأحوال تجدينها منعزلة في منزلها، لا تَزور ولا تُزار، تقضي بقية عمرها مع كلبها أو قطتها! تلك هي النهاية الأليمة للمرأة الغربية، وهي النهاية التي يخفيها المنافقون والأفَّاكون؛ أخرسَ الله ألسنتهم، وكسر أقلامهم، وأشغلهم في أنفسهم عن محارم المسلمين.
أيها الصائمون القائمون: تخرجون بعد قليل من المسجد لتفرحوا بالعيد مع أزواجكم وأولادكم، ويلتف عليكم أقاربكم وأصحابكم، وفي المسلمين يتامى لا يجدون حنان الأبوة، وأيامى لا ينتظرن الأزواج؛ فيهم مشردون قد هدمت عليهم ديارهم، وأخرجوا من بلادهم، جوعى لا يجدون طعاماً، وعراة لا يجدون كساء، وخائفون لا يجدون أمناً.
لربما ونحن مجتمعون لأداء هذه الشعيرة العظيمة ييتم الآن منهم أطفال، وترملُ منهم نساء، وتهدم لهم ديار، فحسبهم الله على مَن ظلمهم وشردهم، ورمَّل نساءهم، ويتم أطفالهم.
احمدوا الله الذي عافاكم، واشكروه على ما أعطاكم، وإن من الشكر أن تبذلوا شيئاً من أموالكم إلى أولئك المشردين في أفغانستان وفي فلسطين وفي الشيشان؛ لعل ما تبذلون يسد شيئاً من جوعهم، ويكونُ عوناً لهم على نوائبهم، وهو شعور تُعبِّرون به عن إحساسكم بمعاناة إخوانكم، وجزء من الشكر تبذلونه لمولاكم على نعمه العظيمة، بارك الله لكم في أموالكم وأولادكم وأعماركم.
أيها الإخوة المؤمنون: افرحوا بعيدكم في حدود ما أحل الله لكم، وإيَّاكم ومنكرات العيد، ولا تقابلوا نِعم الله عليكم بالكفر؛ فإن الله تعالى قد تأذن بالزيادة لمن شكر، ومن كفر نعمة الله تعالى فيوشك الله أن يزيلَ عنه النعمة، وأن تحل به النقمة، نسأل الله العافية والسلامة.
بروا والديكم، وصلوا أرحامكم، وأحسنوا إلى جيرانكم، وأتبعوا رمضان ستاً من شوال؛ فإن من صامها مع رمضان كان كمَن صام الدهر كله، كما صح ذلك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
إن الله وملائكته يصلون على النبي...
التعليقات