مواقف تربوية نبوية (2): (أتأذن لي أن أعطيه الأشياخ؟)

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-07 - 1444/03/11
عناصر الخطبة
1/ أهمية العناية بالنشء وأثره في بناء ذواتهم 2/الدروس التربوية من حديث"أتأذن لي أن أعطيه الأشياخ؟" 3/موقف السلف من الأساليب التربوية النبوية وحظ أبنائنا منها.

اقتباس

وَهَذَا مِنْ مَحَاسِنِ دِينِنَا الْإِسْلَامِيِّ الْحَنِيفِ؛ فَدِينُنَا الْعَظِيمُ الَّذِي عَلَّمَ الصِّغَارَ الِاسْتِئْذَانَ احْتِرَامًا لِخُصُوصِيَّاتِ الْكِبَارِ هُوَ ذَاتُ الدِّينِ الَّذِي عَلَّمَ الْكِبَارَ الِاسْتِئْذَانَ مِنَ الصِّغَارِ، سَوَاءً فِي عُمْرِ السِّتِّ سَنَوَاتٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ احْتِرَامًا لِخُصُوصِيَّاتِهِمْ...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]. أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لَقَدْ حَمَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى كَاهِلِهِ مُهِمَّةَ إِصْلَاحِ الْبَشَرِيَّةِ وَتَعْدِيلِ سُلُوكِهَا؛ لِلْوُصُولِ بِهَا إِلَى مُرَادِ رَبِّهَا فَتَرْشُدُ بَعْدَ غَيِّهَا، وَتَسْتَقِيمُ بَعْدَ اعْوِجَاجِهَا، وَتَعِزُّ بَعْدَ ذُلِّهَا، فَتَنَالُ بِذَلِكَ سَعَادَةَ حَالِهَا فِي الدَّارَيْنِ، وَقَدْ كَانَ مِنْ تِلْكَ الْمُهِمَّاتِ الْجَلِيلَةِ: مُهِمَّةُ تَرْبِيَةِ الْإِنْسَانِ عَلَى أَفْضَلِ الشِّيَمِ، وَأَنْبَلِ الْقِيَمِ، بِأَرْقَى الْأَسَالِيبِ وَأَنْجَعِ الْوَسَائِلِ.

 

وَمَنْ قَرَأَ سِيرَتَهُ الْعَطِرَةَ، وَسُنَّتَهُ الشَّرِيفَةَ وَجَدَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَخْدَمَ أَرْقَى أَسَالِيبِ التَّرْبِيَةِ الْمُؤَثِّرَةِ وَأَنْفَعِهَا، وَالَّتِي شَمِلَتِ الْكِبَارَ وَالصِّغَارَ، وَالنِّسَاءَ وَالرِّجَالَ بِأَسَالِيبَ مُتَنَوِّعَةٍ، وَفِي أَحْوَالٍ مُخْتَلِفَةٍ.

 

وَلَقَدْ كَانَ لِلنَّشْءِ حَظُّهُ مِنْ رِعَايَتِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعِنَايَتِهِ التَّرْبَوِيَّةِ بِهِ؛ وَهَذَا حَاضِرٌ فِي حَيَاتِهِ، وَقَدْ نَقَلَتِ السُّنَّةُ الْمُطَهَّرَةُ شَوَاهِدَ تَرْبَوِيَّةً فَرِيدَةً؛ فَمِنْ ذَلِكَ مَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقَدَحٍ، فَشَرِبَ مِنْهُ، وَعَنْ يَمِينِهِ غُلَامٌ أَصْغَرُ الْقَوْمِ، وَالْأَشْيَاخُ عَنْ يَسَارِهِ، فَقَالَ: "يَا غُلَامُ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَهُ الْأَشْيَاخَ؟"، قَالَ: مَا كُنْتُ لِأُوثِرَ بِفَضْلِي مِنْكَ أَحَدًا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ".

 

فَتَعَالَوْا بِنَا -أَيُّهَا الْإِخْوَةُ- لِنَعِيشَ فِي ظِلَالِ هَذَا الْمَوْقِفِ التَّرْبَوِيِّ النَّبَوِيِّ الْفَرِيدِ، وَنَسْتَخْرِجَ مِنْهُ الدُّرُوسَ التَّرْبَوِيَّةَ النَّافِعَةَ؛ لِلِاسْتِفَادَةِ مِنْهَا فِي حَيَاتِنَا الْأُسَرِيَّةِ وَالِاجْتِمَاعِيَّةِ؛ فَمِنْ دُرُوسِهِ التَّرْبَوِيَّةِ:

مُرَاعَاةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِمَشَاعِرِ الْأَطْفَالِ فِي مَجَالِسِ الْكِبَارِ، وَعَدَمُ ازْدِرَائِهِ لَهُمْ وَتَنْقِيصِهِ مِنْ شَأْنِهِمْ، وَالسَّمَاحُ لَهُمْ بِحُضُورِ مَجَالِسِهِمْ، وَتَقْرِيبُهُمْ مِنْهُمْ، وَهَذَا مُتَمَثِّلٌ فِي حُضُورِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَجْلِسَهُ، وَتَقْرِيبِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُ، وَجَعْلِهِ عَنْ يَمِينِهِ لَا عَنْ شِمَالِهِ؛ وَفَائِدَةُ هَذَا الْأُسْلُوبِ أَنَّهُ يَزْرَعُ فِي نُفُوسِ الْأَطْفَالِ الثِّقَةَ بِالنَّفْسِ، كَمَا يُحَبِّبُ إِلَيْهِمْ مَجَالِسَ الْكِبَارِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْخَيْرِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَشْعُرُونَ فِيهَا بِالْهَضْمِ وَالِاحْتِقَارِ، بَلْ بِالْإِكْرَامِ وَالْإِعْلَاءِ.

 

قَالَ بَعْضُ أَهْلِ التَّرْبِيَةِ: "وَالِاسْتِدْلَالُ بِهَذَا النَّصِّ لَا يَقِفُ عِنْدَ حُدُودِ حُضُورِ هَذَا الْغُلَامِ مَجْلِسَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بَلْ كَانَ عَنْ يَمِينِهِ وَبِجِوَارِهِ، وَلَمْ يَعُدَّ أَحَدٌ مِنَ الْحَاضِرِينَ ذَلِكَ مِنْ سُوءِ الْأَدَبِ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".

 

وَمِنَ الدُّرُوسِ التَّرْبَوِيَّةِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ هَذَا الْمَوْقِفِ النَّبَوِيِّ: تَقْدِيرُهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- الصِّغَارَ، وَاحْتِرَامُهُ ذَوَاتِهِمْ، وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنَ اسْتِئْذَانِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُ فِي أَنْ يَسْقِيَ كِبَارَ الصَّحَابَةِ، وَالَّذِينَ كَانُوا عَنْ يَسَارِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ وَهَذَا يُدَلِّلُ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ كَانَ لِمَنْ كَانَ عَنْ يَمِينِهِ، وَلَوْ كَانُوا صِغَارًا.

 

وَمِنَ الدُّرُوسِ: غَرْسُ الْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ فِي نُفُوسِ النَّشْءِ؛ كَالْإِيثَارِ وَاحْتِرَامِ الْكِبَارِ -سَوَاءً كَانُوا كِبَارًا فِي الْعِلْمِ أَوْ فِي السِّنِّ أَوْ فِي الْمَنْزِلَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ- وَتَقْدِيرُهُمْ وَتَقْدِيمُهُمْ عَلَى النَّفْسِ، وَهَذَا وَاضِحٌ مِنْ قَوْلِهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- لَهُ "أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَهُ الْأَشْيَاخَ".

 

وَهَذَا مِنْ مَحَاسِنِ دِينِنَا الْإِسْلَامِيِّ الْحَنِيفِ؛ فَدِينُنَا الْعَظِيمُ الَّذِي عَلَّمَ الصِّغَارَ الِاسْتِئْذَانَ احْتِرَامًا لِخُصُوصِيَّاتِ الْكِبَارِ هُوَ ذَاتُ الدِّينِ الَّذِي عَلَّمَ الْكِبَارَ الِاسْتِئْذَانَ مِنَ الصِّغَارِ، سَوَاءً فِي عُمْرِ السِّتِّ سَنَوَاتٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ احْتِرَامًا لِخُصُوصِيَّاتِهِمْ.

 

وَمِنَ الدُّرُوسِ التَّرْبَوِيَّةِ: أَنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ أَلَّا يُعْطِيَ حَقَّهُ لِغَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ صَغِيرًا، وَلَوْ كَانَ غَيْرُهُ كَبِيرًا؛ بِدَلِيلِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يُعَنِّفِ الْغُلَامَ، وَلَمْ يَعْتَبِرْ رَفْضَهُ لِتَقْدِيمِ الْأَشْيَاخِ عَلَيْهِ مِنْ سُوءِ الْأَدَبِ، بَلِ اعْتَبَرَ ذَلِكَ الْحَقَّ لَهُ.

 

وَمِنَ الدُّرُوسِ التَّرْبَوِيَّةِ: أَنَّ الرَّسُولَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- لَمْ يَنْظُرْ إِلَى الْجَانِبِ السَّلْبِيِّ لِتَصَرُّفِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يُؤْثِرِ الْأَشْيَاخَ، كَذَلِكَ لَمْ يُوَافِقْ عَلَى طَلَبِ النَّبِيِّ وَإِذْنِهِ مِنْهُ فِي أَنْ يَسْقِيَ الْأَشْيَاخَ، بَلْ نَظَرَ إِلَى جَوَانِبَ إِيجَابِيَّةٍ أُخْرَى فِي ابْنِ عَبَّاسٍ؛ مِنْ أَهَمِّهَا حِرْصُهُ عَلَى أَنْ يَشْرَبَ بَعْدَ النَّبِيِّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- مُبَاشَرَةً.

 

وَمِنَ الدُّرُوسِ التَّرْبَوِيَّةِ فِي الْحَدِيثِ: حِرْصُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى التَّمَسُّكِ بِآدَابِ الْإِسْلَامِ؛ لِيُعَلِّمَ الْأُمَّةَ أَنْ تَتَمَسَّكَ بِهَا وَلَوْ كَانَتْ مُسْتَحَبَّةً؛ فَالِابْتِدَاءُ بِالْإِعْطَاءِ مِنَ الْيَمِينِ هُوَ سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَلَكِنَّ نَبِيَّنَا -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- يُعَلِّمُنَا بِهَذَا أَدَبًا مِنْ آدَابِ الْمَجَالِسِ؛ وَهُوَ أَدَبُ التَّيَامُنِ فِي الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ فَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَطَهُورِهِ، وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

فَلِلَّهِ كَمْ سَيُسَرُّ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- بِهَذَا التَّصَرُّفِ النَّبَوِيِّ الْبَدِيعِ نَحْوَهُ، وَكَيْفَ سَيُحْفَرُ هَذَا الْمَوْقِفُ فِي ذَاكِرَتِهِ وَلَنْ يَنْسَاهُ حَيَاتَهُ كُلَّهَا!.

 

أَيُّهَا الْمُرَبُّونَ: إِنَّ سُلُوكَ هَذَا الْأُسْلُوبِ التَّرْبَوِيِّ الَّذِي سَلَكَهُ نَبِيُّنَا الْقُدْوَةُ وَأَسْلَافُنَا الْكِرَامُ يَغْرِسُ فِي النَّاشِئَةِ الثِّقَةَ بِنُفُوسِهِمْ، وَأَنَّهُمْ رَكِيزَةٌ مُجْتَمَعِيَّةٌ مُهِمَّةٌ وَثَرْوَةٌ بَشَرِيَّةٌ عَظِيمَةٌ، كَمَا يَغْرِسُ فِيهِمُ الْجِدَّ وَالْعَزْمَ وَالطُّمُوحَ لِبُلُوغِ الْمَعَالِي، وَالْوُصُولِ إِلَى مَا وَصَلَ إِلَيْهِ الْكِبَارُ مِنَ الْمَجْدِ وَالرِّفْعَةِ وَالصُّعُودِ الْمُتَتَابِعِ عَلَى مَعَارِجِ الْفَضْلِ، فَهَلَّا اقْتَدَيْنَا بِهِمْ!

 

نَسْأَلُ اللَّهَ -تَعَالَى- أَنْ يُعِينَنَا عَلَى التَّأَدُّبِ بِآدَابِ النَّبِيِّ الْكَرِيمِ، وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِنَ الْمُسَارِعِينَ إِلَى الِاقْتِدَاءِ بِهَدْيِهِ الْعَظِيمِ.

 

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ..

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ الْأَمِينِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: لَقَدْ رَسَمَتْ هَذِهِ الْمُوَافِقُ النَّبَوِيَّةُ الرَّائِعَةُ مَنْهَجًا قَوِيمًا سَارَ عَلَيْهِ السَّلَفُ الصَّالِحُ فِي تَرْبِيَةِ أَبْنَائِهِمْ، وَتَشْجِيعِهِمْ عَلَى حُضُورِ مَجَالِسِ الْعِلْمِ وَالْكِبَارِ، وَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَ فِي ذَلِكَ بَأْسًا، كَيْفَ وَرَسُولُ اللَّهِ هُوَ قُدْوَتُهُمْ فِي ذَلِكَ وَأُسْوَتُهُمْ، وَإِلَيْكُمْ بَعْضًا مِنْ أَقْوَالِهِمْ:

وَاسْمَعُوا مَا قَالَ الزُّهْرِيُّ لِبَعْضِ الْأَطْفَالِ: فَعَنْ يُوسُفَ بْنِ الْمَاجِشُونِ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ شِهَابٍ وَلِأَخٍ لِي وَابْنِ عَمٍّ -وَنَحْنُ فِتْيَانٌ نَسْأَلُهُ عَنِ الْعِلْمِ-: "لَا تُحَقِّرُوا أَنْفُسَكُمْ لِحَدَاثَةِ أَسْنَانِكُمْ؛ فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ إِذَا نَزَلَ بِهِ الْأَمْرُ الْمُعْضِلُ دَعَا الْفِتْيَانَ فَاسْتَشَارَهُمْ يَبْتَغِي حِدَّةَ عُقُولِهِمْ".

 

وَعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ قَالَ: "كُنَّا عِنْدَ الْأَعْمَشِ، وَنَحْنُ حَوْلَهُ نَكْتُبُ الْحَدِيثَ، فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، مَا هَؤُلَاءِ الصِّبْيَانُ حَوْلَكَ؟! قَالَ: "هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَحْفَظُونَ عَلَيْكَ دِينَكَ".

 

وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: "قَدِّمُوا إِلَيْنَا أَحْدَاثَكُمْ؛ فَإِنَّهُمْ أَفْرَغُ قُلُوبًا وَأَحْفَظُ لِمَا سَمِعُوا، فَمَنْ أَرَادَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- أَنْ يُتِمَّ ذَلِكَ لَهُ أَتَمَّهُ".

إِنَّ الْحَدَاثَةَ لَا تَقْصُـ *** ـصُرُ بِالْفَتَى الْمَرْزُوقِ ذِهْنَا

لَكِنْ تُذَكِّي قَلْبَهُ *** فَيَفُوقُ أَكْبَرَ مِنْهُ سِنَّا

 

وَعَلَيْنَا -نَحْنُ مَعْشَرَ الْمُرَبِّينَ وَالْآبَاءِ- أَنْ نَقْتَدِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي تَشْجِيعِ الصِّغَارِ عَلَى حُضُورِ مَجَالِسِنَا؛ وَأَنْ نُرَاعِيَ مَشَاعِرَهُمْ، وَنُشْعِرَهُمْ أَنَّ لَهُمْ مَكَانَةً مَرْمُوقَةً فِيهَا، وَلْنَجْعَلْ مِنْ هَذَا الْمَوْقِفِ مِشْكَاةَ نُورٍ نُضِيءُ بِهَا نُفُوسَ أَبْنَائِنَا لِتَتَرَبَّى عَلَى الِاقْتِرَابِ مِنَ الْقُدْوَاتِ، وَتَأْخُذَ عَنْهُمُ الْأَدَبَ وَالْمَعْرِفَةَ؛ فَإِنَّ الْأُمَّةَ الْيَوْمَ بِحَاجَةٍ مَاسَّةٍ إِلَى جِيلٍ مُشْرِقٍ قَدْ نَهِلَ أَضْوَاءَ التَّرْبِيَةِ الصَّحِيحَةِ، حَتَّى يُبَدِّدَ اللَّهُ بِهِ الظُّلُمَاتِ الْمُتَرَاكِمَةَ فِي طَرِيقِ عِزِّ الْأُمَّةِ وَسِيَادَتِهَا.

 

نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَنْفَعَنَا بِمَا سَمِعْنَا مِنْ آدَابٍ، وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ أَهْلِ الدُّعَاءِ الْمُسْتَجَابِ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهِ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

المرفقات
S1DKVtcJOtP819qYWT2Y86s5YxMZZ11DKFwpNMfU.doc
06PJxOt4kSRhrLuyAGbeJ7cKYYkuzF5Uh02QknAx.pdf
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life