عناصر الخطبة
1/الأحداث التي تمر بها أمة الإسلام 2/وقفة سريعة حول غزو فرنسا لمالي 3/نشاط الباطل وخمول خمول أهل الحق 4/انتشار الإسلام في الغرب 5/على من يتنزل نصر الله؟! 6/نماذج رائعة في البذل والتضحية 7/الرجولة الحقة 8/فضل الجهاد في سبيل الله 9/أمثلة معاصرة في البذل والتضحية 10/التحذير من الغفلة والحث على البذل والتضحية في سبيل اللهاهداف الخطبة
اقتباس
إنها رسالة -عباد الله- لعلها أن توقظ الغافلين النائمين الذين يعيشون على هذه الحياة وهم يعتقدون أنهم أحياء وهم أشباه أحياء؛ لأن الحياة الحقيقة لا تتم إلا بأن يستجيب العبد للوحي المنزل من السماء، هذا الوحي هو الذي تحيى به القلوب، أما غير الوحي من مذاهب الأرض، ومن الأموال، ومتاع الدنيا، فـ....
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الواسع العظيم، الجواد البر العظيم، خلق كل شيء فقدره، وأنزل الشرع فيسره، وهو الحكيم العليم، بدأ الخلق وأنهاه، وسير الفلك وأجراه: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)[يس:38-40].
أحمده سبحانه وتعالى على ما أولى وهدى وأشكره على ما وهب وأعطى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه؛ أبي بكر أفضل الصديقين، وعلى عمر المعروف بالقوة في الدين، وعلى عثمان المقتول ظلما بأيدي المجرمين، وعلى علي أقربهم منه صلى الله عليه وسلم نسباً على اليقين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، ما دار في السماء فلك، وما سبح في الملكوت ملك.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وما قل وكفى خير مما كثر وألهى: (إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ)[الأنعام: 134].
ثم أما بعد:
فيا أيها المسلمون -عباد الله-: مواقف إيمانية في البذل والتضحية في سبيل نصرة دين رب البرية، هذا هو عنوان خطبتنا اليوم -بإذن الله تبارك وتعالى- نبعث بهذه الرسالة إلى الرجال والنساء، إلى الشباب وإلى الشيوخ، حتى إلى الأطفال الصغار الذين ينبغي أن يتربوا على معاني البذل والتضحية في سبيل الله -تبارك وتعالى-، في وقت قل فيه من يبذل في سبيل الله -جل وعلا-، -ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم-.
أحداث تمر بها أمة الإسلام سواء في داخل بلادنا -وهذه الظروف الداخلية التي تمر بها البلاد، وهذه الاضطرابات، وهذه الأحداث المتوالية التي تحتاج من كل مسلم غيور أن يبذل غاية ما في وسعه حتى تخرج البلد من هذا المأزق-.
إن هذا البلد أنظار العالم كله تنصب وتتجه إليه؛ لأنه إذا تحرك نحو شريعة الله -جل وعلا- فسوف يتحرك العالم أجمع -بإذن الله تبارك وتعالى-.
أحداث وظروف سواء على المستوى الداخلي أو المستوى الخارجي، أضيفت إلى القافلة بلاد جديدة، أضيفت إليها العراق التي بدأت تنتفض لتعلن انتماءها لمذهب أهل السنة والجماعة، في مواجهة هذا الغزو الشيعي الرافضي، الذي لا يريد لمنهج أهل السنة والجماعة أن ينتشر في هذه الأرض.
بدأ أهل العراق في انتفاضة معلنين فيها أنهم يريدون تحكيم منهج أهل السنة والجماعة الذي لا طالما حكم هذه البلاد بلاد العراق مدينة السلام، دار السلام، بلد العلماء، بلد القادة، الآن تقع تحت وطأة الغزو الصوفي الشيعي -ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم-، أدرك القوم أنهم بحاجة إلى أن يتواصل أهل العراق في هذه الأيام مع أجدادهم الذين كانوا من العلماء العظام، وكانوا من القادة البارزين، وكانوا من أهل الفضل والصلاح والتقى.
كانت بغداد هي عاصمة الإسلام، كانت بغداد هي عاصمة الخلافة، كانت بغداد هي المدينة التي تخرج منها العلماء تلو العلماء ملئوا الدين علما، ملئوا الدنيا نورا بنور القرآن الكريم وسنة الرسول -عليه الصلاة والسلام-، تحولت بغداد في هذه الأيام إلى أناس يحكمون بأناس يدارون بواسطة العالم الغربي -ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم-، بل يواجه أهل السنة الذين يحبون القرآن ويحبون الرسول - عليه الصلاة والسلام- ويحبون أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- يواجه أهل العراق حربا شرسة من هؤلاء الشيعة الروافض الذين يقتلونهم؛ لأن جريمتهم التي ارتكبوها أنهم منتسبون إلى الصحابة، وأنهم منتسبون لمذهب أهل السنة والجماعة -ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم-.
أضيفت إلى القافلة دولة العراق، وأضيفت إليها دولة أخرى في وسط أفريقيا أعلنت انتماءها للإسلام منذ أزمنة بعيدة، لكن أبى الغرب الكافر الذي لا يريد لبقعة على ظهر الأرض أن تحكم بشريعة الله -تبارك وتعالى-، وأن تعلن انتماءها إلى هذا الدين العظيم، الذي سوف يقود الدنيا ويسودها حتما ولابد، بالرغم مما يكيده الكائدون، وبالرغم مما يدبره المدبرون، وبالرغم مما تنفق في سبيله الأموال من أجل إبعاد المسلمين عن دينهم.
بالرغم من هذا كله، في كل وقت يفاجئون بأناس يعلنون انتماءهم إلى دين الإسلام، يعلنون أنهم لا يرضون بغير شريعة الله -تعالى- ليحكمهم على ظهر هذه الأرض.
من وسط إفريقيا وفي القريب من غرب أفريقيا انتفضت دولة مالي الإسلامية، وبزغ رجال يريدون أن يطبقوا شريعة الله -تبارك وتعالى- التي حرم منها الآباء دهورا كثيرة، والآن حنت نفوسهم، واشتاقت قلوبهم؛ ليطبقوا شريعة الله -تبارك وتعالى- فوق أرضهم، فإذا بفرنسا الصليبية تأتي من هنالك من وراء البحار لتشن عليهم حربا صليبية جديدة، ليس لها اسم إلا هذا الاسم.
إنها حرب صليبية جديدة على المسلمين في مالي -ولا حول ولا قوة إلا بالله لعلي العظيم-، غاراتهم موجهة نحو المساجد، ونحو الكتاتيب التي تعلم القرآن.
أضيف إلى قافلة بلاد المسلمين التي بدأت تتحرك وبدأت الغيرة تدب في أوصالها لتعلن انتماءها لهذا الدين العظيم الذي هو الدين الحق، وما سواه باطل، انتفضت دولة مالي -نسأل الله -جل وعلا- أن يثبت أبناءها، وأن يهزم الفرنسيين الصليبيين، ومن وراءهم من أهل أوروبا.
لكنها وقفة -عباد الله- مع هذه الحملة الشرسة على دولة مالي الإسلامية، وليس لهذه الحملة سبب مبرر لها إلا هذا السبب أن هذه الحرب وهذه الحملة إنما هي للقضاء على هذا الكيان الذي بدأ يبزغ ليطبق شريعة الله -تبارك وتعالى- في هذه الأرض، بالرغم أن الفرنسيين أنفسهم مهلهلون لكن المسلمين أشد هلهلة -ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم-.
عندهم عقيدة باطلة، لكن بالرغم مما عندهم من العقيدة الباطلة إلا أنهم يتحركون ويبذلون من أجل هذا الباطل، يأتي هذا الجندي الفرنسي الأبيض الذي يعيش في أفخر الشوارع، وأفخر المدن هناك في فرنسا، ينفق الأموال، ينفق الجهد، يقطع الفيافي، يقطع البحار، لأجل أن يقتل أهل الإسلام، -ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم-.
عندهم عقيدة وإن كانت باطلة، لكنهم يتحركون من أجلها، لك أن تعجب لما أقول لك أن 5% فقط من المسيحيين هم الذين يحضرون القداس الأسبوعي، أما بقية 95% من نصارى فرنسا فإنهم لا يحضرون إلى الكنيسة 5% هم الذين يتحركون ويشنون مثل هذه الغارات، ليس عندهم انتماء لما هم عليه، وبالرغم من ذلك القلة القليلة يعتقدون هذا الاعتقاد الباطل، وينطلقون في العالم، -ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم-.
أوروبا مهلهلة أقل من 14% من سكان أوروبا النصارى هؤلاء الذين عندهم انتماء حقيقي للمسيحية، أما بقية المسيحية في أوروبا ليس عندهم انتماء حقيقي، الكنائس في أوروبا تباع، في إحدى البلاد عرضت عشرة ألاف كنيسة للبيع لتتحول إلى ملاهي ومطاعم وأندية.
فإنهم في بعض الكنائس بيعت الكنيسة، وتحولت إلى ملهى ليلي، وجاءت مغنية من مغنيات أمريكا لتغني في هذه الكنيسة وحول المدبح الذي هو في داخل الكنيسة إلى مطعم للبيتزا.
أحوالهم مهلهلة منهارون من الداخل في الوقت الذي يتقدم فيه الإسلام بسرعة عظيمة جدا في أوروبا وغيرها من البلاد، بعد عشرين عام -بإذن الله- كما تقدر الإحصاءات، والله -تبارك وتعالى- بيده مقاليد الأمور ربما يكون أقل من ذلك، لكن على حسب ما يظهر لمن يعدون هذه الإحصائيات أن بعد عشرين عاماً من اليوم سوف يكون دين الإسلام هو الأول في بلجيكا -بإذن الله تبارك وتعالى-.
أتعلمون أن اسم محمد في بروكسل عاصمة بلجيكا يحتل المرتبة الأولى في المواليد الجدد.
إنه الإسلام الذي انتفض المشارق والمغارب، إنه الدين الحق الذي سوف يظهر -بإذن الله تبارك وتعالى- ليحكم هذه البشرية من جديد كما حكمها في يوم من الأيام، وكانت دولة الإسلام تشمل المشارق والمغارب حتى وقف هارون الرشيد - رحمه الله تبارك وتعالى- الذي كان يحج عاماً ويغزو عاماً، كان يقوم بأمر المسلمين، متقياً لله -تبارك وتعالى-، هؤلاء هم القادة على الحقيقة الذين يتقون الله -تبارك وتعالى-، والذين يصلحون ما بينهم وبين الله فيصلح الله –عز وجل- بينهم وبين رعاياهم.
كان هارون الرشيد ينظر إلى السحابة في السماء: "أمطري حيث شئت، فإن خراجك"؛ لأن الأرض كانت لأهل الإسلام، في أي مكان تمطر السحابة سوف يأتي الخراج إلى خليفة المسلمين؛ لأن خليفة المسلمين في ذلك الزمان كان ينشر أجناده وجيوشه ليفتحوا البلاد وقلوب العباد ب "لا إله إلا الله".
أما اليوم -ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم- فالبرغم مما وصلنا إليه من علم، وبالرغم مما يسيره -تبارك وتعالى- لنا من سبل التقدم، وغيرها، إلا أن الذين يبذلون ويضحون في سبيل نصرة دين الله قليل -ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم-.
ونحن نؤكد دائما -عباد الله- ونكرر أن نصر الله –عز وجل- لا يتنزل إلا على أناس يبذلون أنفسهم وأوقاتهم وأموالهم في سبيل الله -تبارك وتعالى-، على أيدي أناس يوقفون أنفسهم على نصرة دين الله -جل وعلا-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [المائدة: 54].
يتنزل نصر الله -تبارك وتعالى- وتمكين الله -جل وعلا- على أناس أحوالهم أنهم باعوا أنفسهم لله -جل وعلا-: (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ) [التوبة: 111].
يتنزل نصر الله -تبارك وتعالى- على أناس يؤمنون بالله -جل وعلا- ويتبعون هذا الإيمان بالأعمال الصالحة في كل زمان وفي كل مكان: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) [النور: 55].
يتنزل نصر الله -تبارك وتعالى- على أناس قاموا بدين الله -جل وعلا-: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) [الحج: 41].
هذه حقيقة البذل والتضحية في سبيل الله -جل وعلا-، هذه الحال التي ينبغي أن يكون عليها المسلمون كل المسلمين، حتى يمكن الله -تبارك وتعالى- لهم بإذنه -جل وعلا-.
فخر تاريخ البشرية بنماذج من الصحابة الكرام الذين رفعوا راية الملك العلام، والذين ضربوا أروع الأمثلة في البذل والتضحية في سبيل الله -جل جلاله وتقدست أسمائه-.
حنظلة بن عامر الراهب -رضي الله عنه- واحد من هؤلاء الأفاضل الأماجد الأكارم صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أولئك قوم شيد الله فخرهم، فما بعده فخر وإن عظم الفخر، يضرب مثلاً عالياً في البذل والتضحية.
إن هذه الليلة هي ليلة عرسه، وكانت هذه الليلة صبيحتها هي غزوة أُحد التي خاضها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمسلمون.
في ليلة هذه الغزوة كان موعد حنظلة مع عروسه، في ليلة عرسه يذهب إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقد تزوج حنظلة بن عامر من جميلة بنت عبد الله بن سلول، تأمل يذهب حنظلة بن عامر؛ لأنه يعلم أن غدا موعد الجهاد في سبيل الله مع المشركين، فيذهب لرسول الله -عليه الصلاة والسلام- ليبيت عند عروسه هذه الليلة.
تأمل، فيأذن له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يذهب إليه يستأذنه بالرغم أن البعض قد يقول: هذا عروس فما باله وبال الجهاد، وربما كان له عذر إن لم يخرج للجهاد في سبيل الله -جل وعلا-، لكن هذا هو حال الصحابة علموا أن حياتهم وقف لله -تبارك وتعالى-، علموا أن حياتهم لا قيمة لها ولا كرامة لهم إلا بأن يكونوا رهن إشارة المولى -جل وعلا-، إلا أن يكونوا عاملين في سبيل نصرة دين الله -تبارك وتعالى- في كل شأن من شئون حياتهم.
فيـأذن لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيبيت عند عروسه هذه الليلة، يذهب ليصلي الصبح مع الرسول -عليه الصلاة والسلام- فيميل إلى أهله فيجامعه فيجنب وبينهما هو على هذه الحال فإذا بصيحة الجهاد: "يا خيل الله اركبي" يسمعها حنظلة بن عامر فينتفض -رضي الله تبارك وتعالى عنه وأرضاه-، لم يمهل نفسه لكي يغتسل من الجنابة؛ لأنه سمع النداء، سمع هذه الصيحة التي تنادي عليه وقلبه حي ينتفض إذا ما سمع داعي الجهاد في سبيل الله -تبارك وتعالى- فينطلق -رضي الله عنه- ليقاتل في سبيل الله -جل وعلا- فيقتل في سبيل الله -تعالى-، فيرى النبي -صلى الله عليه وسلم- أمراً عجبا، يرى الملائكة تغسله بين السماء والأرض، بماء المزن، في صحاف من فضة -رضي الله تبارك وتعالى عنه وأرضاه-.
بذل وتضحية -عباد الله-: رجال على الحقيقة، ليس معنى الرجولة ذكورة؛ لأن كثيرا من الذكران ربما ليس عندهم الرجولة الحقة.
الرجولة على الحقيقة هي البذل والعطاء في سبيل الله -جل وعلا-.
الرجولة على الحقيقية هي كثرة الطاعات والأعمال الصالحات في كل وقت وكل حين.
الرجولة على الحقيقة هي أن يتحمل الواحد مسئولية هذا الدين الذي هو أمانة في عنقه، وسوف يسئل عنه يوم يلقي ربه -تبارك وتعالى-: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) [الأحزاب: 72].
أعظم هذه الأمانات التي سوف يسئل عنها العبد يوم لقي ربه -جل وعلا- أمانة هذا الدين.
ماذا قدمت لدين الله -تبارك وتعالى-؟ كم من المال بذلت؟ كم من الوقت بذلت؟ كم من الجهد أنفقت في سبيل نصرة دين الله -جل وعلا-؟
إن ديننا -عباد الله- منتصر بنا أو بغيرنا، ماض -بإذن الله-، لكننا نحن المحتاجون، لنكون رجالاً لهذا الدين في وسط عالم -عباد الله- يحتاج إلى هذا الدين، البشرية جمعاء تحتاج إلى دين الإسلام ليقود سفينة العالم الحائرة.
أكثر من خمسة مليارات ونصف المليارات من سكان العالم متشوقون إلى الإسلام يعيشون حياة التيه والحيرة، بعيدا عن الإسلام، فهم يحتاجون الإسلام لينقذهم مما هم فيه من ظلمات الجهل والشرك، وغيرها، -ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم-.
إننا نريد -عباد الله- أن نضرب أمثلة في البذل والتضحية كما ضرب أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، أمثلة رائعة في البذل والتضحية في سبيل الله -جل جلاله وتقدست أسماءه- حتى فتح الله على أيديهم البلاد وقلوب العباد: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)[آل عمران: 110].
وما زال الناس يأكلون من ثمار أعمال الصحابة، ونحن وإياكم في مشارق الأرض ومغاربها إنما نحن صفحة من صفحات جهاد الصحابة، وثمرة من ثمرات جهاد الصحابة، وأثر من أثار أولئك الأفاضل الأكارم -رضي الله تبارك وتعالى عنهم وأرضاهم أجمعين-.
نسأل الله -تبارك وتعالى- بأسمائه الحسنى وصفاته العلى ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
أيها المسلمون -عباد الله-: فقد أخبرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأحاديث بين فيها صلوات الله وسلامه عليه عظم أجر من جاهد في سبيل الله -جل وعلا-، ومن بذل وقته ونفسه في سبيل الله -جل وعلا-.
اسمع إليه صلوات الله وسلامه عليه، وهو يبين لنا عظم الجهاد في سبيل الله يقول -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفس محمد بيده! لوددتُ أن أغزوَ في سبيل الله فأُقتَل، ثم أغزو فأُقتَل، ثم أغزو فأُقتل" تمنى صلى الله عليه وسلم أن يغزو في سبيل الله فيقتل ثم يعود إلى الحياة ثانية فيغزو في سبيل الله، فيقتل ثم يعود إلى الحياة ثالثة فيغزو في سبيل الله فيقتل لماذا؟ لما يرى عليه الصلاة والسلام من كرامة الذي يموت في سبيل الله -جل وعلا-.
أعد الله –عز وجل- للمجاهدين في سبيله مئة درجة من درجات الجنة ما بين كل درجة، والتي فوقها كما بين السماء والأرض كما أخبر الرسول -صلوات الله وسلامه عليه-، مقام الواحد في سبيل الله -تبارك وتعالى- ساعة خيرا من قيامه الليل في بيته سبعين عاما على لسان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
تأمل: "من قاتل في سبيل الله فواق ناقة" وفواق الناقة هو مقدار ما بين الحلبتين، أي الوقت الذي يكون بين الحلبة والحلبة وقت يسير جدا لا يتعدى دقائق، الرسول - عليه الصلاة والسلام – يقول: "من قاتل في سبيل الله فواق ناقة وجبت له الجنة".
الله أكبر لماذا؟
لأن هذا جاد بأغلى ما يملك بنفسه في سبيل الله -تبارك وتعالى-، والله -جل وعلا- هو الجواد الكريم.
وقال صلى الله عليه وسلم: "من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار".
مجرد أن يصيب قدميك الغبار في سبيل الله يحرم بدنك على النار.
بعدها -عباد الله- نبقى خامدين، بعدها -عباد الله- نبقى غافلين، بعدها -عباد الله- نبقى خاملين لا نبذل في سبيل الله لا تظن أن البذل في سبيل الله والجهاد في سبيل الله متوقف على بذل النفس في ساحات الجهاد وساحات الحرب والنزال والقتال.
لا، إنما من حرم من أن يجاهد في سبيل الله بسيفه ولا بدنه، فلم يحرم أن يجاهد في سبيل الله في الدعوة إلى الله -تبارك وتعالى-، فربما كانت دعوتك إلى الله -جل وعلا- في مكانك طالما كنت عاجزا على أن تجاهد في سبيل الله بسيفك وبدنك، فاعلم أنك من المجاهدين في سبيل الله -تبارك وتعالى-.
ربما كان تبليغ السنة إلى الناس الذين لا يعلمونها أبلغ من تسديد السهام إلى نحور الأعداء، فليس لنا عذر -عباد الله- أن نتحرك بهذا الدين وأن نملئ الدنيا بدين الله -تبارك وتعالى- وأن ندعو الجميع إلى دين الإسلام مسلمين وغير المسلمين لا نترك أحداً يعيش على ظهر هذه الأرض إلا بلغناه دعوة الله -تبارك وتعالى-، وعندنا نماذج ضربت أمثلة عالية في البذل والعطاء وفي سطرت صفحات بيضاء في الدعوة إلى الله -تبارك وتعالى-.
كررنا قبل ذلك وذكرنا حال الدكتور عبدالرحمن السميط -حفظه الله تبارك وتعالى - والذي أسلم على يديه ما يقرب من 11 مليون من الأفارقة يدخلون دين الإسلام على يدي واحد هو ومنظمته الخيرية "منظمة العون المباشر" حفظه الله تبارك وتعالى-.
أحد عشر مليون من الأفارقة دخلوا دين الله -جل وعلا- على يدي هذا الرجل، أكثر من خمسة آلاف مسجد بناه في أفريقيا، أكثر من خمسة ملايين مصحف وزعها في أفريقيا.
تأمل جيوش المنصريين تنتشر في أفريقيا تدعو إلى النصرانية وأهل الإسلام غافلون لاهون إلا القليل منهم -ولا حول ولا قوة إلا بالله-.
إذا كان الواحد من المسلمين يأتي بأحد عشر مليون، فبكم أتيت أنت من المسلمين الذين يدينون لله -جل وعلا- إلى المسجد، إلى طريق القرآن، إلى طريق سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-.
كم من الناس أثرت فيه بأخلاقياتك وسلوكياتك؟
إذا كانت مستقيما على دين الله -جل وعلا-، كم من الناس دعوتهم إلى الله - تعالى- ليتوبوا من طريق المخدرات والخمور، من طريق النساء، من طريق أكل الحرام، من طريق الأذى والتعدي على المسلمين كم من الناس دعوتهم.
موجات من التبرج تنتشر أمامنا في الشوارع والطرقات، وإن كانت النساء يغطين رؤوسهن لكن الملابس ضيقة، لكن الملابس ربما قصيرة، لكن الملابس ربما شفافة، لكن الملابس تبرز مفاتن الجسد -ولا حول ولا قوة إلا بالله-.
ونحن مسلمون ندين بالإسلام، ونعيش في دولة الإسلام، وهذا حالنا.
نحن -عباد الله- نحتاج إلى وقفة مع النفس -والله - وإلا فاعلموا أن الموت على شفا الأنفاس حينما تنظر إلى إخوانك المسلمين في سوريا وهم يقتلون أشنع القتلات التي لا يتحملها إنسان، يضرب أحدهم بالحديد، وبرؤوس الأسلحة وبالرصاص يموت، يجر أحدهم على الأرض عاريا إلا من العورة المغلظة مسافات طويلة، يضرب ضربا عنيفا من هؤلاء.
الشباب الصغار لم يرحموا، يضربون، يتعرضون للإيذاء، ونحن ها هنا نائمون في بيوتنا، قصرنا حتى عن حضور صلاة الفجر في جماعة -ولا حول ولا قوة إلا بالله-، ربما تمر على الواحد فينا أسابيع لم يفتح فيها كتاب الله -جل وعلا-، ثم بعد ذلك ننتظر النصر أن يأتينا؟!
السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة، السماء تحتاج إلى بذل على الأرض؛ حتى يرى الله -تعالى- منا خيرا، فيتنزل علينا نصر الله -جل وعلا-: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ)[الرعد: 11].
الأرض، الخيرات، البركات، الرخاء، السخاء، الأمن والأمان، كل هذا لن يتنزل علينا إلا إذا كنا على الأرض قائمين بواجب العبودية لله –عز وجل- كما ينبغي، نجهد أنفسنا، نبذل أوقاتنا، نبذل أموالنا، نبذل أبداننا، نتخلص من الراحة في سبيل أن نحصل على الراحة الدنيوية والأخروية -بإذن الله تبارك وتعالى-.
إنها رسالة -عباد الله- لعلها أن توقظ الغافلين النائمين الذين يعيشون على هذه الحياة وهم يعتقدون أنهم أحياء وهم أشباه أحياء؛ لأن الحياة الحقيقة لا تتم إلا بأن يستجيب العبد للوحي المنزل من السماء، هذا الوحي هو الذي تحيى به القلوب، أما غير الوحي من مذاهب الأرض، ومن الأموال، ومتاع الدنيا، فإنه لا يزيد القلوب إلا موتاً، ولا يزيد الأرواح إلا كسلاً وخمولاً، -ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم-.
فدونكم -عباد الله- هذا الدين، البذل والعطاء والتضحية، لابد أن تكون عنواننا، وكلنا ذلك الرجل المقصر، واسمع إلى هذا الكلام: ولا يغرك تقصيري ربما تستفيد بهذا الكلام، انظر إلى قولي ولا تنظر إلى فعلي ينفعك قولي ولا يضررك تقصيري.
نسأل الله -تبارك وتعالى- بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن ينصر الإسلام في المشارق والمغارب.
التعليقات