عناصر الخطبة
1/تأييد الأنبياء بالمعجزات 2/أقسام معجزات النبي -صلى الله عليه وسلم- 3/معجزة انشقاق القمر 4/معجزة فهم شكوى الجمل 5/سماع حنين الجذع 6/نبع الماء من بين أصابعه 7/تكثير الطعام 8/معجزة تكليم الجبل وتسليم الحجر 9/معجزة قضاء الدين عن والد جابراهداف الخطبة
اقتباس
لما بُعث نبينا وحبيبنا محمد -صلى الله عليه وسلم- أيده الله بالمعجزات التي ينبهر منها الإنسان، وسيرته صلى الله عليه وسلم مليئة بالمعجزات، فلم تكن معجزة واحدة أو معجزتين. قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "كان يأتيهم بالآيات الدالة على نبوته -صلى الله عليه وسلم-، ومعجزاته تزيد على ألف معجزة" أ. هـ[الجواب الصحيح (1/399)].
الخطبة الأولى:
الحمد لله...
أما بعد:
لما بُعث موسى -عليه السلام- أتى بالمعجزات العظيمة التي أبهرت بني إسرائيل، أخرج يده فإذا هي بيضاء للناظرين، وألقى عصاه فإذا هي حية تسعى، ولما اجتمعت جماهير مصر، ورمى السحرة حبالهم وعصيهم، رمى موسى عصاه: (فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ) [الأعراف: 117] آية عظمى ومعجزة كبرى.
ولما بعث عيسى -عليه السلام- كان يبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله: (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي) [المائدة: 110].
وسأل الله -جل وعلا- نزول مائدة من السماء، فأنزلها الله -جل وعلا-، وكل ذلك من تصديق الله لأنبيائه ومن علامات ودلائل النبوة.
ولما بُعث نبينا وحبيبنا محمد -صلى الله عليه وسلم- أيده الله بالمعجزات التي ينبهر منها الإنسان، وسيرته صلى الله عليه وسلم مليئة بالمعجزات، فلم تكن معجزة واحدة أو معجزتين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "كان يأتيهم بالآيات الدالة على نبوته -صلى الله عليه وسلم-، ومعجزاته تزيد على ألف معجزة" أ. هـ[الجواب الصحيح (1/399)].
ولما كانت معجزات النبي -صلى الله عليه وسلم-، ودلائل نبوته بهذه الكثرة، ألف بعض المسلمين في هذا الباب، وجمعوا دلائل وعلامات النبوة؛ ككتاب دلائل النبوة للبيهقي، وقام بعض العلماء بتقسيم هذه المعجزات والعلامات، وجمعوا تحت كل قسم أدلته؛ كما صنع شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في كتابه: "الجواب الصحيح".
ومن تلك الأقسام التي ذكر:
أولا: أمور أخبر عنها النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها ستقع فوقعت.
ثانيا: الدلائل القاطعة عند أهل مكة على صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
الثالث: الدلائل القاطعة عند أهل الكتاب على صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
الرابع: شخصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- وتعامله من علامات النبوة.
الخامس: آيات النبي -صلى الله عليه وسلم- المتعلقة بالقدرة والتأثير؛ كتكثير الطعام والماء وغير ذلك.
السادس: حفظ الله لنبيه -صلى الله عليه وسلم-.
إلى غير ذلك من الأقسام وما ينطوي تحتها من الأدلة.
ولندلف -أيها الإخوة- إلى شيء من علامات ودلائل النبوة، وليكن الحديث عن معجزات النبي -صلى الله عليه وسلم- المتعلقة بالقدرة والتأثير.
لقد كان القرآن العظيم يدعوا القلوب لتتأمل في الكون كله، وتنظر ما فيه من الآيات.
ومن المعجزات العظيمة التي حصلت للنبي -صلى الله عليه وسلم-: أن المشركين اجتمعوا إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- منهم الوليد بن المغيرة، وأبو جهل بن هشام، والعاص بن وائل، وغيرهم.
فقالوا للنبي -صلى الله عليه وسلم-: إن كنت صادقا فشق لنا القمر فرقتين، فقال لهم الرسول -صلى الله عليه وسلم-: إن فعلت تؤمنوا؟ قالوا: نعم فتوجهت أنظار الناس إلى القمر، فإذا به قد انشق فصار فرقتين، أحدهما على الصفا، والآخر على المروة، فقال المشركون: سحرنا محمد، فقال بعضهم: ولكنه لا يستطيع أن يسحر كل الناس، فسألوا المسافرين هل يرون القمر شقين؟ فسألوهم! فقالوا رأيناه شقين [أصل هذه القصة في صحيح البخاري برقم (4866)].
(اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ * وَلَقَدْ جَاءهُم مِّنَ الْأَنبَاء مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ * حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ) [القمر: 1-5].
ويكفي العقول السليمة أن تتأمل في الشمس والقمر والنجوم، فهي آية عظيمة من آيات الله.
فالقمر بحجمه ووضعه وشكله، وآثاره في الأرض وقيامه هكذا في الفضاء بلا عمد؛ آية عظمى تنبهر منها الأبصار.
ومن المعجزات التي حصلت للنبي -صلى الله عليه وسلم-: أن عبد الله بن جعفر قال: أردفني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم فأسر إلي حديثا، لا أحدث به أحدا من الناس، قال: وكان أحب ما استتر به هدف أو حائش نخل، فدخل حائط رجل من الأنصار فإذا جمل، فلما رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- حن وذرفت عيناه، فأتاه النبي -صلى الله عليه وسلم- فمسح رأسه وذفراه فسكن، قال: "لمن هذا الجمل؟" فجاء فتى من الأنصار، فقال: هو لي يا رسول الله، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها؟ فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه" [رواه أبو داود برقم (2549) وغيره، وانظر: الجواب الصحيح (6/186)].
ومن معجزات النبي -صلى الله عليه وسلم-: آثاره في الأشجار والأخشاب؛ ففي صحيح الإمام البخاري عن جابر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يخطب على جذع من النخل، فلما صنع المنبر قعد النبي -صلى الله عليه وسلم- على المنبر الذي صنع له، فصاحت النخلة التي كان يخطب عليها حتى كادت أن تنشق، فنزل النبي -صلى الله عليه وسلم- فضمها إليه، فجعلت تئن أنين الصبي الذي يسكت حتى استقرت، قال: بكت على ما كانت تسمع من الذكر. [رواه البخاري برقم (2095)].
ومن معجزات النبي -صلى الله عليه وسلم-: ما روى أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحانت صلاة العصر، فالتمس الناس الوضوء فلم يجدوه، فأتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بوضوء، فوضع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ذلك الإناء يده، وأمر الناس أن يتوضؤوا منه، قال: فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه، فتوضأ الناس حتى توضؤوا من عند آخرهم[رواه البخاري برقم (3574) ومسلم برقم (2279)].
وفي رواية عن أنس -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دعا بقدح فيه ماء، فوضع كفه فيه، فجعل ينبع من بين أصابعه فتوضأ جميع أصحابه، قال قلت: كم كانوا يا أبا حمزة؟ قال: كانوا زهاء الثلاثمائة.[رواه مسلم برقم (2279)].
ومن معجزات النبي -صلى الله عليه وسلم-: ما جاء في صحيح البخاري عن جابر -رضي الله عنه- قال: "لما حُفر الخندق رأيت بالنبي -صلى الله عليه وسلم- خَمَصا شديدا -يعني ضامر البطن- فانكفيت -يعني رجعت- إلى امرأتي، فقلت: هل عندك شيء؟ فإني رأيت برسول الله -صلى الله عليه وسلم- خمصا شديدا فأخرجت إلي جرابا -يعني وعاء من جلد- فيه صاع من شعير، ولنا بُهيمة داجن فذبحتها، وطحنَتِ الشعير، ففرغت إلى فراغي وقطعتها في بُرَمتها -يعني قدرها- ثم وليت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقالت: لا تفضحني برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبمن معه، فجئته فساررته، فقلت: يا رسول الله، ذبحنا بُهيمة لنا وطحنا صاعا من شعير كان عندنا، فتعال أنت ونفر معك، فصاح النبي -صلى الله عليه وسلم-: يا أهل الخندق، إن جابرا قد صنع سُورا -يعني طعاما- فحىّ هلا بكم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا تُنْزلُنّ برمتكم، ولا تخبزُن عجينكم حتى أجيء فجئت وجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقدم الناس، حتى جئت امرأتي فقالت: بك وبك، فقلت: قد فعلت الذي قلت، فأخرجت له عجينا فبصق فيه وبارك، ثم عمد إلى برمتنا فبصق وبارك.
ثم قال: ادع خابزة فلتخبز معي، واقدحي من برمتكم ولا تنزلوها، وهم ألف، فأقسم بالله لقد أكلوا حتى تركوه وانحرفوا، وإن برمَتَنا لتغطُّ كما هي -يعني تغلي وتفور- وإن عجيننا ليخبز كما هو.[رواه البخاري برقم (4102)].
بارك الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله...
أما بعد:
ومن معجزات النبي -صلى الله عليه وسلم-: ما جاء في صحيح البخاري عن أنس -رضي الله عنه- قال: "صعد النبي -صلى الله عليه وسلم- أحدا ومعه أبوبكر وعمر وعثمان، فرجف بهم الجبل، فقال: "اسكن" وضربه برجله، فليس عليك إلا نبي وصديق وشهيدان"[رواه البخاري برقم (3675)].
وفي الصحيحين عن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن" [رواه مسلم برقم (2277)].
يقول ابن مسعود -رضي الله عنه-: "لقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل"[رواه البخاري برقم (3579)].
ومن معجزات النبي -صلى الله عليه وسلم-: أن جابرا -رضي الله عنه- أتى إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقت جداد النخل، فقال: يا رسول الله قد علمت أن والدي استشهد يوم أحد وترك عليه دينا كثيرا، وإني أحب أن يراك الغرماء؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "اذهب فبيدر كل تمر في ناحية" -يعني اجعل التمر كل صنف في بيدر- قال جابر: ففعلت، ثم دعوته، فلما نظروا إليه، كأنهم أُغْروا بي تلك الساعة -يعني هيجوا بي- فلما رأى ما يصنعون، طاف حول أعظمها بيدراً ثلاث مرات، ثم جلس عليه، ثم قال لي: "ادع لي أصحابك" فما زال يكيل لهم حتى أدى الله عن والدي أمانته.
وكان جابر -رضي الله عنه- يظن أنه لا يرجع إلى أخواته بتمرة واحدة، يقول جابر: "فسلم والله البيادرُ كلُها حتى أني أنظر إلى البيدر الذي عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كأنه لم ينقص تمرة واحدة"[رواه البخاري برقم (2781)].
التعليقات