عناصر الخطبة
1/سنن الله لا تتبدل ولا تتغير 2/من سنن الله تعالىاقتباس
ومَنْ فَضَحَ مستورًا فُضِح، ومَنْ أُعْجِبَ برأيه ضَلَّ، ومَنْ استغنى بعقلِه زَلَّ، ومَنْ تَكبَّرَ على النّاسَ ذَلَّ، ومَنْ اعتمدَ على مالِه قَلَّ، وأنَّ مَنْ تَوكّلَ على اللهِ كفاه، ومَنْ توكّلَ على الخَلْقِ خُذِل، وأنّ مَنْ نَصَرَ اللهَ نصرَه الله، ومَنْ أكثرَ...
الخطبة الأولى:
إنّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا من يهده اللهُ فلا مضلَّ له ومن يضللْ فلا هاديَ له وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه صلّى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا أمّا بعدُ عبادَ الله
للهِ سُنَنٌ كونيّةٌ في عبادِه لا تَتَبَدَّلُ ولا تَتَغَيَّرْ (وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا)، وكما وَقَعَتْ في السّابقينَ ستقعُ في اللاحقين (وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)، ومن تلك السُّننِ:
أنَّ المؤمنينَ في طمأنينةٍ وسكينةٍ وسعادةٍ تَملأُ قلوبَهم (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)، وأنّ الكافرينَ والعصاةَ في قلقٍ وجزعٍ وشقاء (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا) قالَ الحسنُ البصريُّ -رحمَه الله-: إنّهم وإنْ طَقْطَقَتْ بهم البِغَالُ وهَمْلَجَتْ بهم البَراذين، فإنَّ ذُلَّ المعصيةِ لا يُفارقُ قلوبَهم، أبى اللهُ إلا أنْ يُذِلَّ مَنْ عصاه. ومنها أنّ مَنْ تَمَسَّكَ بالقرآنِ نالَ مِنْ بركاتِه بقدرِ تَمَسُّكِهِ به، قالَ تعالى: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ)، قالَ الإمامُ الرّازيُّ -رحمَه الله-: ثمّ قد جَرَتْ سُنّةُ اللهِ -تعالى- بأنّ الباحثَ عنه أيْ عن القرآنِ والمُتَمَسِّكَ به، يَحْصُلُ له عِزُّ الدّنيا وسعادةُ الآخرة.
ومنها أنّ مَنْ تركَ شيئًا للهِ عوَّضَه اللهُ خيرًا منه، وأنّ مَنْ التَمَسَ رِضا اللهِ بسخَطِ النّاسِ؛ رَضِيَ اللهُ عنه وأرْضى عنه النّاسَ، ومَنْ التَمسَ رضا النّاسِ بسخَطِ اللهِ، سَخِطَ اللهُ عليه وأسخَطَ عليه النّاسَ. ومَنْ تَساهلَ بالشّهواتِ فسقَ، ومَنْ وقعَ في الشّبهاتِ فُتِن، ومَنْ غَشِيَ البدعَ زاغ قلبُه، ومَنْ تتبّعَ الرُّخَصَ رَقَّ دينُه، ومَن اتّبَعَ السُّنَّةَ عَظُمَ شأنُه، ومَن غَضَّ بصرَه أنارَ اللهُ بصيرتَه، ومنها أنّ مَنْ عَقَّ والديه عَقَّه أبناؤُه وعاشَ ذليلًا، ومَنْ بَرَّ والديه بَرَّه أبناؤُه وعاشَ كريمًا، ومَنْ عَيَّرَ أحدًا بعيبٍ فيه ابْتُلِيَ بمثلِه، ومَنْ فَضَحَ مستورًا فُضِح، ومَنْ أُعْجِبَ برأيه ضَلَّ، ومَنْ استغنى بعقلِه زَلَّ، ومَنْ تَكبَّرَ على النّاسَ ذَلَّ، ومَنْ اعتمدَ على مالِه قَلَّ، وأنَّ مَنْ تَوكّلَ على اللهِ كفاه، ومَنْ توكّلَ على الخَلْقِ خُذِل، وأنّ مَنْ نَصَرَ اللهَ نصرَه الله، ومَنْ أكثرَ مِنْ ذكرِ اللهِ ومن الدّعاءِ والتّضرّعِ هداه وأجابَه وحفظَه ووقاه، ومَنْ أَدْمَنَ قَرْعَ البابِ وَلَج، ومَنْ لَزِمَ الحمدَ تتابعت عليه الخيرات، ومَنْ لَزِمَ الاستغفارَ فُتِحَتْ له المغاليق، ومَنْ لَزِمَ الصّلاةَ على الرّسولِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- شَرَحَ اللهُ صدرَه وغفرَ ذنبَه وأزالَ عنه الهمومَ والغموم، وأنّ صانعَ المعروفِ لا يَقَعُ ولو وَقَعَ وَجَدَ مُتّكَأً، وأنّ واصِلَ الرّحمِ لا يموتُ مِيتَةَ السّوء، فالبِرُّ لا يَبْلى والذّنْبُ لا يُنْسَى والدّيانُ لا يموت، افعلْ ما شئتَ فكما تَدينُ تُدان، وهل جزاءُ الإحسانِ إلا الإحسان.
فاتّقوا اللهَ -رحمَكم اللهُ- وتَفكّروا في سُنَنِ اللهِ فإنّها لا تُحابي أحدًا، فمن فَعلَ خيرًا وجدَ خيرًا، ومن فعلَ غيرَ ذلك فلا يَلومَنَّ إلا نفسَه؛ (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ۚ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا).
باركَ اللهُ لي ولكم بالقرآنِ العظيم، وبهديِ سيّدِ المرسلين، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأصلي وأسلمُ على خاتمِ النبيّين، نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، أمّا بعدُ عبادَ الله
ومِنْ سُنَنِ اللهِ الكونيّةِ أنّ الخَبَثَ إذا ظَهَرَ ولم يُنْكَرْ عَمَّ اللهُ الجميعَ بعقاب، قيلَ يا رسولَ اللهِ: أَنَهْلِكُ وفينا الصّالحونَ؟ قالَ: نعمْ إذا كَثُرَ الخَبَث. قالَ تعالى: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً).
ومنها أنّ اللهَ يُمْهِلُ العصاةَ ولا يعاجلُهم بالعقوبةِ ليتوبوا من ذنوبِهم، فإنْ تابوا وإلا كانَ ذلك استدراجًا لهم لأنواعِ العقوبات، والتي من أشدِّها أنْ يُطمسَ على قلوبِهم نسألُ اللهَ العافية.
ومنها أنّ أهلَ الحقِّ في جَنْبِ أهلِ الباطلِ قليل، قالَ تعالى: (وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)، ويَقِلُّونَ أكثرَ في آخرِ الزّمانِ فطُوبى للغُرباء، فلا ينبغي أنْ يَستوحشَ المؤمنون، فإنّ العبرةَ بمن كانَ الحقُّ معه فإنّهم منصورونَ بإحدى الحُسنَيَيْنِ والعاقبةُ للمتّقين.
ومِنْ سُنَنِ اللهِ أنّ الباطلَ مهما ظهرَ وعلا فإنّه سيزولُ ويَضمحِلّ، فجولةُ الباطلِ ساعة، وجولةُ الحقِّ إلى قيامِ السّاعة؛ (كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ۚ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ).
ومن السُّنَنِ أنّ ظهورَ الحقِّ على الباطلِ يكونُ بعدَ الابتلاءِ والتّمحيص، قالَ تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ)، وقالَ سبحانه: (مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ).
ومنها أنّ نِعَمَ اللهِ إذا شُكِرَتْ قَرَّتْ وإذا كُفِرَتْ فَرَّتْ؛ (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ).
فاتّقوا اللهَ رحمَكم اللهُ واعتبروا بالسُّنَنِ، وحاسبوا أنفسَكم فالسّعيدُ مَنْ وُعِظَ بغيرِه، والشّقيُّ مَنْ وُعِظَ به غيرُه واغْتَرَّ بنعمِ اللهِ عليه؛ (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ۖ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا * ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ).
فاللهمّ لا تَستدرجْنا بالنِّعم، ولا تُفاجئْنا بالنِّقم، ولا تجعلْنا عِبرةً للأمم، وارفعْ عنّا وعن المسلمينَ الألمَ والسّقم، وجُدْ علينا بفضلِك فأنت أهلُ الجودِ والكرم. اللهمّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذلَّ الشركَ والمشركين، ودمّرْ أعداءَ الدّين، وانصرْ عبادَك المجاهدينَ وجنودَنا المرابطين، وأنجِ إخوانَنا المستضعفينَ في كلِّ مكانٍ يا ربَّ العالمين، اللهمّ آمِنّا في أوطانِنا ودورِنا، وأصلحْ أئمّتَنا وولاةَ أمورِنا، وهيّءْ لهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ يا ربَّ العالمين، اللهمَّ أبرمْ لأمّةِ الإسلامِ أمرًا رشدًا يُعزُّ فيه أولياؤُك ويُذلُّ فيه أعداؤُك ويُعملُ فيه بطاعتِك ويُنهى فيه عن معصيتِك يا سميعَ الدعاء. اللهمّ ادفعْ عنّا الغَلا والوَبا والرّبا والزّنا والزلازلَ والمحنَ وسوءَ الفتنِ ما ظهرَ منها وما بطن، اللهمّ فرّجْ همَّ المهمومينَ ونفّسْ كرْبَ المكروبينَ واقضِ الدّينَ عن المدينينَ واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهمّ اغفرْ لنا ولوالدِينا وأزواجِنا وذريّاتِنا ولجميعِ المسلمينَ برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين.
عبادَ الله، إنّ اللهَ وملائكتَه يصلّونَ على النبيّ، يا أيّها الذينَ آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليمًا، ويقولُ عليه الصلاةُ والسلام: من صلّى عليّ صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشْرًا. اللهمّ صلِّ وسلمْ وباركْ على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه أبدًا إلى يومِ الدّين. وأقمِ الصلاةَ إنّ الصلاةَ تَنهى عن الفحشاءِ والمنكر، ولذكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
التعليقات