عناصر الخطبة
1/ أسباب الحديث عن الحسين رضي الله عنه 2/ قصة مصيبة الأمة بمحنته 3/ من آثار هذه الكارثة على المسلمين 4/ اعتقاد أهل السنة بأنه قتل مظلوما شهيدا 5/ استنكار الغلو والبدع الناشئة عن استشهادهاهداف الخطبة
اقتباس
فحديثنا -معاشر الإخوة- من بيت النبوة، وعن أحد من أحبهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقرّبه فهو ريحانته من الدنيا، أشبه النبي -صلى الله عليه وسلم- خلقة، إنه سبط النبي -صلى الله عليه وسلم-، فهو ابن بنته، سيدة نساء العالمين، فلا غرابة أن يكون هو وأخوه سيدَي شباب الجنة.
الخطبة الأولى:
أما بعد: فحديثنا -معاشر الإخوة- من بيت النبوة، وعن أحد من أحبهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقرّبه فهو ريحانته من الدنيا، أشبه النبي -صلى الله عليه وسلم- خلقة، إنه سبط النبي -صلى الله عليه وسلم-، فهو ابن بنته، سيدة نساء العالمين، فلا غرابة أن يكون هو وأخوه سيدَي شباب الجنة.
عمن حديثنا إذن؟ إنه عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، وعن أبيه، وأول اعتدال في حديثنا، وتنزيل للناس منازلهم، أننا نترضى عنه، وعن أبيه، بل وعن الصحابة كلهم، ولا نخصه غلوا بقول (عليه السلام)، فتلك شعار الأنبياء، وخير هدي فاتباع ما سلف.
لم الحديث عن الحسين -رضي الله عنه-؟ لعله يضع النقاط على الحروف، ويجيب عن إشكالات أثارتها بعض مواقع التواصل، وتبنتها قنوات قل علم القائمين عليها، ناهيك عن قنوات الغلو والتشيع المذموم، والفرية والتقول.
أيها الإخوة: الحديث عن الصحابي الجليل الحسين بن علي -رضي الله عنه- ليس حديثاً ممنوعاَ، ولا حساسية فيه إذا كان الحق رائداَ، والتحقيق والتحري معلماً وقائداً.
دعونا نتفق على أن الحسين -رضي الله عنه- اختاره الله على علم، وابتلاه ليرفعه، ويعلي ذكره، فُتن به قوم فأرادوه رمزا لتحقيق مآربهم، والنيل ممن خالفهم، فنسجت الروايات، وزيد في الحقائق التاريخية وأُنقص؛ ليظهر قوم يزعمون نصرة الحسين، فيعيشون مظلومية دائمة، وحزنا متكلفاً، وبكاء مصطنعاً، وجرهم هذا إلى طقوس بدعية، واعتقادات خرافية، يستحي العاقل من ذكرها، فضلاً عن أن يعتقدها.
قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "ولما كان الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة، وكانا قد ولدا بعد الهجرة، في عز الإسلام، ولم ينلهما من الأذى والبلاء ما نال سلفهما الطيب فأكرمهما الله بما أكرمهما به من الابتلاء ليرفع درجتهما، وذلك من كرامتهما عليه، لا من هوانهما عنده، كما أكرم حمزة وعلياَ وجعفراً وعمر وعثمان وغيرهم بالشهادة".
معاشر الإخوة: تبدأ قصة المحنة، ومصيبة الأمة في مجريات: توفي أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- وكان قبل موته أخذ البيعة بالخلافة لابنه يزيد بن معاوية، وهي بيعة صحيحة، كما قررها أهل السنة والجماعة، وهل هذا هو الأحسن أو غيره أحسن منه؟ بحث آخر! ولم يبايع الحسين -رضي الله عنه- ليزيد، وكذا عبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما-، وخرجا مستخفيين إلى مكة في أحداث لا نريدها.
ولما علم أهل العراق أن الحسين لم يبايع يزيد بن معاوية فرحوا بذلك، وكاتبوا الحسين يبايعونه بالخلافة، وأكثروا عليه المكاتبة، حتى قيل: بلغت أكثر من خمسمائة كتاب، كلها جاءته من العراق، من أهل الكوفة، تبايعه وتحثه على القدوم إليهم. فما أعظمه من إغراء وفتنة للإنسان الذي خلق ضعيفا!.
أراد الحسين -رضي الله عنه- أن يطمئن أكثر إلى صدق أهل الكوفة، وغاية ما يستطيع أن بعث ابن عمه مسلما بن عقيل بن أبي طالب ليعرف جدية القوم وعددهم وقدرتهم على ما أرادوه منه، فوجد مسلم الأمر كما توقع، تجمع الناس عليه وبايعوه للحسين فأخذ بيعته، وبعث للحسين -رضي الله عنه- مطمئنا وداعيا له أن يأتي، فالأمر قد تهيأ، والناس أجمعت عليك.
استعان باللهِ الحسينُ -رضي الله عنه- وخرج يوم التروية عام واحد وستين للهجرة متوجها للكوفة، ولا تنس أن الكوفة لا تزال محسوبة ضمن الدولة الإسلامية التي هي خاضعة ليزيد بن معاوية في الشام.
وصلت هذه التحركات إلى أمير المؤمنين في الشام، وأن أهل الكوفة قطعوا أمراً دونه، وبايعوا الحسين -رضي الله عنه- وهم بانتظاره يقدم عليهم، فأرسل يزيدُ عبيد الله بن زياد أميراً على الكوفة لينظر الخبر، فوجد الأمر كما قيل، أناس ينتظرون الحسين، وقد أعطوا البيعة لابن عمه مسلم بن عقيل، فقبض على مسلم بعد أن بحث عنه، واستخرج الخبر منه في تفاصيل مذكورة، ثم قتله في يوم عرفه، حينها انفلّ الحديد، وتفرق الجمع.
وكان قبل مقتله أوصى من يبلغ الحسين ألا يأتي؛ لأن أهل الكوفة قد كذبوك وكذبوني، وليس لكاذب رأي، وأمره بالرجوع، وعدم مواصلة السير للكوفة، وهَمّ بذلك -رضي الله عنه-، وليته فعل! ولكن الله غالب على أمره، ولا راد لما قضى.
فواصل مسيره للكوفة بعد إلحاح بعض من معه، وزعمهم أنهم يأخذون الثأر لمسلم بن عقيل ابن عم الحسين الذي كان قد بعثه ليستطلع الأمر، وإذا حضر القدر عمي البصر، فواصل سيره للعراق ومعه أولاده ونساؤه.
ونزل قريباً من الكوفة في مكان يسمى كربلاء، قال عنه الحسين لما سأل عن اسمه وقيل له كربلاء، قال: إنه كرب وبلاء. وصدق -رضي الله عنه-.
وصل إلى هذا المكان وحصلت مراسلات بينه وبين أمير الكوفة، وأدرك الحسين أن الأمر ليس في صالحه، وأن ما معه لا قدرة لهم بقتال جيش، فكيف يقاتل اثنان وسبعون فارسا جيش الكوفة بما لا يقل عن خمسة آلاف؟! الله أكبر! محنة عظيمة.
فجاء الرأي للحسين -رضي الله عنه- أن يحقن دماء المسلمين ويحفظ من معه، ويسجل موقفاً تبرأ به ذمته، وهو غاية ما يستطيعه بعد أن خدعه من وعده بنصرته، فقال لأمير جيش الكوفة: إني أخيرك بين ثلاثة أمور فاختر منها ما شئت. قال: وما هي؟ قال: أن تدعني أرجع، أو أذهب إلى ثغر من ثغور المسلمين، أو أذهب إلى أمير المؤمنين أضع يدي في يده بالشام. خيارات كلها خير، والخير فيما يختاره الله، وإن خفي على الخلق.
نقلت هذه الخيارات إلى أمير الكوفة، وعظم مقام الحسين -رضي الله عنه- واحترم بيت النبوة، وقال: أرضى أن يختار الحسين أي واحدة منها. ولله حكمة خفية، رفضت البطانة السيئة وقالت: لا قبول، ويجب أن يرضخ الحسين لحكمك، وأنت تختار فيه ما تشاء.
فاغتر أمير الكوفة عبيد الله بن زياد بمشورة السوء، وأمر الجيش بإرغام الحسين -رضي الله عنه- على تسليم نفسه، فرفض الحسين، وخوّفهم بالله وقال: كيف تقاتلون ابن بنت نبيكم وليس على وجه الأرض ابن بنت نبي غيري؟ وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لي ولأخي: " هذان سيدا شباب أهل الجنة"؟ ولا يزال الحسين -رضي الله عنه- يعظ فيهم، وصلى بهم يوم الخميس التاسع من محرم الظهر والعصر، وهم لا يزالون مصرين على رأيهم، فاستمهلهم ليلة الجمعة، فبات تلك الليلة يصلي لله ويستغفره ويدعو الله -تبارك وتعالى- هو ومن معه -رضي الله عنهم-. وكان الرأي الذي اختاره الله له ألا يسلم نفسه لجيش الكوفة.
وفي صباح يوم الجمعة العاشر من محرم سنة إحدى وستين شب القتال بين فريقين غير متكافئين ولا متقاربين، فقُتل أصحاب الحسين بين يدي الحسين، وقتل من أبنائه ومن آل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- ثمانية عشر رجلا، وبقي الحسين نهارا طويلا لا يقدم عليه أحد هيبة له، وخوفاً من أن يتورط في دمه، حتى حرضهم أميرهم وصاح بهم: ماذا تنتظرون؟ فانبعث أشقاهم وقتله، وحز رأسه، وحمل رأسه إلى أمير الكوفة، فلما وضع بين يديه جعل يعبث به، ويدخل قضيباً في فم الحسين.
وفي صحيح البخاري أن أنس بن مالك كان حاضرا وقال لعبيد الله بن زياد: "والله لأسوأنك!
لقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبل موضع قضيبك من فيه".
الخطبة الثانية:
وفي المسند وغيره، عن فاطمة بنت الحسين، عن أبيها الحسين، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ما من مسلم يصاب بمصيبة فيذكر مصيبته وإن قدمت فيحدث لها استرجاعا إلا أعطاه الله من الأجر مثل أجره يوم أصيب بها".
فهذا الحديث رواه الحسين وعنه بنته فاطمة التي شهدت مصرعه، وقد علم الله أن مصيبته تذكر على طول الزمان، فالمشروع إذا ذكرت المصيبة وأمثالها أن يقال: "إنا لله وإنا إليه راجعون! اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيرا منها".
قال -تعالى- : (وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) [البقرة:155-156].
وإن هذه الأحداث نبرأ إلى الله منها، ونعتقد أنه قتل مظلوماً شهيداً، وقد قتل من هو أفضل منه من أنبياء الله -عليهم الصلاة والسلام-، وقتل من أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام- عمر وعثمان وأبوه علي -رضي الله عنهم أجمعين- ولم يحدث أحد لهؤلاء مآتم ولا لطما ولا نياحة ولا شقاً للثياب ولا للجلود وإسالة الدماء، وإنما هذه من المنكرات والبدع والضلالات التي ورط بها الذين اتبعوا ورطوا الذين اتبعوا.
ولو كانت حقا وقربة إلى الله، فلماذا لا نرى المعممين منهم وساداتهم يشاركون في هذه المهازل؟ وإيهام السذج أن هذه المآتم تحضرها الملائكة أو الرسل في أمور مخجلة، ومضحكة ومن شأنها أن تصد الناس عن دين الله، وتشوه صور الإسلام من أناس يدعون الإسلام! ألا ساء ما يحكمون ويزرون!.
وكذلك جعل هذه المناسبة يلعنون فيها من شاؤوا من الصحابة أو يلعنون الخليفة يزيد بن معاوية، أو يلعنون الصحابي والده معاوية بن أبي سفيان، قال شيخ الإسلام: "لم يأمر بقتله يزيد بن معاوية بإجماع النقَلة".
أما قبر الحسين فلا يعرف، والمشهور أنه في كربلاء، والله أعلم. والزعم أن نقل إلى مصر أو الشام أو نقل رأسه ودفن هناك كلها أخبار مزورة، وتضليل معلوم بطلانه.
أيها الإخوة: هذه الخطوط العريضة في هذه المحنة العظيمة، فلا تقرؤوا فيها إلا كتابات الموثوقين، ولا تسمعوا فيها إلا نقولات الصادقين، والساحة المسموعة والمرئية مملؤة بالأكاذيب. والله المستعان على ما يصفون!.
التعليقات