مقاصد وحكم وأحكام حج بيت الله الحرام

الحسين أشقرا

2022-10-06 - 1444/03/10
عناصر الخطبة
1/بعض مظاهر عبودية الله في الحج 2/بعض مقاصد الحج وأسراره 3/بعض مواصفات الحج المبرور 4/بعض واجبات المقبلين على الحج 5/عظمة الزمان والمكان في الحج 6/مغفرة الله لذنوب عباده
اهداف الخطبة

اقتباس

يتبادر إلى الأذهان سؤال: هل نعبد الله كما أراد؟ أو نعبده كما نهوى ونريد؟ لا شك أن الكيس الفطن يدرك ويعلم الجواب. إذ لا شك أن كل شعيرة تعبدية من شعائر الإسلام، وأركانه الخمسة، تنطوي على توحيد العبودية لله، وتتجلى في أوضح صورها في...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الملك القدوس السلام، على ما أسداه من النعم والآلاء العظام، أنزل الكتاب بالحق محفوظا على الدوام.

ونشهد أن لا إله إلا الله وحد لا شريك له، شرع لنا الحج إلى البيت الحرام، وجعله فرضا واجبا، وركنا من أركان الإسلام.

ونشهد أن محمدا عبده ورسوله خير من صلى وزكى وحج وصام، ووقف بعرفة، وبات متعبدا بالمشعر الحرام، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه الأئمة الأعلام، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الزحام.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ) [آل عمران: 102].

 

أيها المسلمون والمسلمات -عمار بيوت الله-: إننا حين نقرأ، أو نسمع قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 56].

 

يتبادر إلى الأذهان سؤال: هل نعبد الله كما أراد؟ أو نعبده كما نهوى ونريد؟

 

لا شك أن الكيس الفطن يدرك ويعلم الجواب.

 

إذ لا شك أن كل شعيرة تعبدية من شعائر الإسلام، وأركانه الخمسة، تنطوي على توحيد العبودية لله.

 

وتتجلى في أوضح صورها في الركن الخامس الذي يجمع بين العبادات البدنية والمالية والروحية، وهو الحج إلى بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلا.

 

وتتجلى مظاهر هذه العبودية في: الإذعان لأمر الله -تعالى- في أداء المناسك؛ من تجرد عن الثياب المخيطة والمحيطة، وكشف عن الرؤوس، والطواف بالبيت، واستلام الركن، وتقبيل الحجر الأسود إذا أمكن، والسعي بين الصفا والمروة، وشرب ماء زمزم، والوقوف بعرفة، والمبيت بمزدلفة ومنى، ورمي الجمرات تعجلا أو تأخرا، والنحر يوم العيد.

 

كل ذلك يعتبر مظهرا للعبودية الخالصة لله رب العالمين: (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى) [الأعلى: 2 - 3].

 

لكن الإنسان الميال إلى إتباع الهوى، يغفل عن مقاصد وحكم وأحكام الحج لبيت الله الحرام، فتجد المقبلين على فريضة الحج يسألون عن السكن، وعن الطعام والشراب، وعن أثمنة السلع، وأماكن الأسواق، وعن وسائل الراحة والترفيه والسياحة، وينسون الغاية من وجودهم في ذلك المكان.

 

إن الحج لبيت الله الحرام -أيها المومنون-: يذكرنا في أول أركانه، حينما نلبس الإحرام بالدار الآخرة، ويبعث على كمال الإيمان، مما يستلزم حُسن الأداء، والتحري لأقوم السبل، لنيل رضوان الله الذي هو غاية الغايات، والظفر بكريم جزائه، والعودة من البيت الحرام بمغفرة من الله، يصبح الحاج بعدها كيوم ولدته أمه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" [متفق عليه].

 

والسبيل إلى ذلك أوضحته الآية الكريمة: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ * لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ) [البقرة: 197- 198].

 

ولا بد أن يكون الحج بالمال المكتسب من الطيب الحلال، لقوله عليه الصلاة والسلام: "إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا".

 

إذ كيف يمكن الجمع بين المال الحرام والحج المبرور، وقد أرشدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يُستجاب له؟ [رواه مسلم].

 

وللحاج بعد ذلك في كل خطوة، وكل جزء من رحلته، من يوم خروجه من بيته، إلى أن يقضي ويُنهي مناسكه، ويختم أعمال حجه في كل المراحل، يتعبد خالقه بالدعاء والتضرع، والذكر والمناجاة.

 

وكل ذلك بإخلاص لله -تعالى -، فلا يقصد بحجه رياء، ولا سمعة، ولا فخرا ولا حبا في اللقب، فيفرح قلبه عندما يناديه الناس: بالحاج فلان! وإنما يستحضر هدي خير الورى -صلى الله عليه وسلم- الذي حج على رحل رث، وبقطيفة متواضعة، ثم قال: "اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة".

 

والعمل المطلوب من الحاج، هو العمل الموافق للشرع، والمطابق للسنة، قال تعالى: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَس اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [آل عمران: 31].

 

ولا بد للمقبل على الحج: أن يتعلم ويتدرب، ليدرك الفرق بين الأركان التي يبطل الحج بترك واحد منها، والواجبات والممنوعات والمستحبات.

 

والحمد لله أننا اليوم لدينا وسائل المعرفة متوفرة، وقد وصلت المعرفة والعلم إلى البيوت، وحتى إلى غرف النوم، تجعل العذر بالجهل غير مقبول، فلا مبرر لأي أحد أن يعبد الله بالجهل.

 

وعلى كل مقبل على أداء مناسك الحج: أن يختار الرفقة الصالحة التي تذكره بالله، وتنير له الطريق، وتعينه على الخير، مقتفيا أثر الرسول -صلى الله عليه وسلم- في ذلك كله، عملا بقوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب: 21].

 

فاللهم يسر لإخواننا العازمين على حج بيتك الحرام كل عسير، وسهل عليهم كل صعب لأداء المناسك بما يرضيك، حتى يعودوا بسلام إلى بيوتهم وأهليهم بحج مبرور، وذنب مغفور، وسعي مشكور.

 

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبكلام سيد الأولين والآخرين, ويغفر الله لي ولكم لمن قال: آمين.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله حق حمده، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلقه، وعلى آله وأصحابه والتابعين.

 

عباد الله: لقد جمع الله -تعالى- لفريضة الحج حُرمتين: حرمة المكان، وحرمة الزمان، وذلك ليقوى عند المؤمن الشعور بعظمة هذا الركن، ويستشعر أنه ضيف على الرحمن، فينقلب إلى إنسان مرهف الحس، حاضر الفكر، خاشع القلب، ساكن الجوارح، لا يُشغله شاغل عن أداء مناسكه.

 

ويتصل بهذا كله حرمة الإحرام الذي يختص بآداب وأحكام تحقق للحاج، تأدبا، وتذللا، وتطهرا، وطهارة، وسط جموع الحجاج المُحرمين، فيشعر بالقرب من الخالق، وبالخوف من الله وتعظيمه، ويستحضر معاني التوبة النصوح من ذنوبه، ويسكب العبرات، ويبكي على مافرط منه، وما قدمت يداه، واقترفت جوارحه، فيتحرك قلبه، وينبض بالحياة، ويشعر الحاج بلذة القرب من مولاه، فيكون لذلك أثر عميق في النفس لا يشعر به أو يدركه إلا من يماثله!.

 

وفي معنى الحديث أنه: "بعد طواف وداع الحاج بالبيت، يأتي ملك حتى يضع يديه بين كتفيه، فيقول: اعمل فيما يُستقبل فقد غُفِر لك ما مضى".

 

ويؤكد هذا قوله صلى الله عليه وسلم: "من حج البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه".

 

وليعلم كلُّ حاج: أن الله -تعالى- كريم عظيم رحيم حليم، لا يتعاظمه ذنب أن يغفره، ولا فضل أن يعطيه.

 

فليحسن الحاج ظنه بالله، وليحافظ على أوقاته ومناسكه من الضياع، فالفرصة إذا ضاعت لن تعود.

 

ف:

 

بشراكم يا أهل ذا الموقف الذي *** به يغفر الله الذنوب ويرحم

فكم من عتيق فيه كمَّل عتقه *** وآخر يستسعي وربُّك أكرم

 

اللهم تقبل من حجاجنا أعمالهم ومناسكهم.

 

الدعاء ...

 

 

المرفقات
مقاصد وحكم وأحكام حج بيت الله الحرام.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life