عناصر الخطبة
1/ حاجتنا للتعرف على أسماء الله وصفاته 2/ استعراض بعض أسماء الله –تعالى - ومعانيها 3/ الحث على دعاء الله والثناء عليه بأسمائهاهداف الخطبة
اقتباس
إننا بحاجه إلى أن نتعرف على ربنا -جل وعلا- من خلال أسمائه وصفاته، فنعرف معناها ونستحضرها كُلَ حينٍ، فمن فعل ذلك علم أنه لا غنى له عن ربِنا طرفة عين، وكلما ازداد العبد معرفةً بربه زادت خشيته له، ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم-: "والله إني لأعلمكم بالله وأخشاكم له"، قال ابن القيّم -رحمه الله-: "أطيَبُ ما في الدنيا معرفتُه سبحانه ومحبَّته"، ويقول أهل المعرفة: "من كان لله أعرف كان منه أخوف".
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله...
أما بعد:
فيا أيها الناس: إن لله أسماءً حسنى وصفاتٍ عُلا، وقد نبّه الله تعالى على ذلك بقوله سبحانه: (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)، مَن تعبد الله بها أورثه اللهُ بها نعيمًا في الدنيا قبل الآخرة، وعاش مع آثارها عزيزًا، فإذا كانت أسماؤه حسنى وصفاتُه عُلا فلا شك أن لها مدلولاتٍ عظيمةً، وآثاراً تنعكس على العبد جليلة.
عباد الله: إننا بحاجه إلى أن نتعرف على ربنا -جل وعلا- من خلال أسمائه وصفاته، فنعرف معناها ونستحضرها كُلَ حينٍ، فمن فعل ذلك علم أنه لا غنى له عن ربِنا طرفة عين، وكلما ازداد العبد معرفةً بربه زادت خشيته له، ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم-: "والله إني لأعلمكم بالله وأخشاكم له"، قال ابن القيّم -رحمه الله-: "أطيَبُ ما في الدنيا معرفتُه سبحانه ومحبَّته"، ويقول أهل المعرفة: "من كان لله أعرف كان منه أخوف".
ولعلنا على عُجالةٍ نمُرُّ على بعضِ أسماءِ اللهِ الحُسنى ونتعرفُ على معانيها، فربُّنا تعالى هو الرّحمنُ الرّحيمُ، وسِعتْ رحمتُه كُلَّ شيءٍ، ورحمتُه أوسَعُ صفاتِه، أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة مرفوعًا: "خلق الله مائةَ رحمةٍ، وأنزل منها إلى الأرضِ رحمةً واحِدةً بين الجنّ والإنس والبهائمِ والهوام، فبِها يتعاطَفون، وبها يتراحمون، وبها تعطِفُ الوحشُ على ولَدِها، حتى ترفَعَ الدابةُ حافِرَها عن ولدِها خشيةَ أن تُصيبَه".
وما مِن أحدٍ إلاّ وهو يتقلَّبُ في رحمةِ الله، وكُلُّ نعمةٍ تراها هي مِن رحمته، وكُلُّ نقمةٍ صُرِفَت فهي من آثارِ رحمتِه، قال ابنُ القيّم -رحمه الله-: "وكان هذا الكتابُ "إنَّ رحمتي سبَقتْ غضبي" كالعهدِ من الله سبحانَه للخَلق، ولولاهُ لكان للخلقِ شأنٌ آخر".
ومَن كان قريبًا مِنَ اللهِ كانتْ رحمةُ اللهِ أولى به.
وهو سبحانه الملِكُ، المتصرِّفُ بخَلقه كما يشاء، لا يتحرَّكُ مُتحرِّكٌ ولا يسَكُنُ ساكِنٌ إلاّ بعلمه وإرادَته، يأمُر وينهى، يُعِزّ ويُذلّ بلا مُمانَعة ولا مُدَافعة، لا يُعجِزه فيهما شيءٌ، ففوِّضْ إلى الملكِ أمورَك؛ فبِيَده المقاليدُ، وتوكَّل عليه في جميعِ أحوالِك تجِده سميعاً قريبًا.
وهو القُدّوسُ، المنزَّهُ عن النقائِصِ الموصوفُ بصفاتِ الكمال، وهو السّلامُ، السالِمُ من جميعِ العُيوبِ وخَلَلِ الأوصافِ، جميعُ المخلوقاتِ تُنزِّه ربَّنا من ذلك، قال -عز وجل-: (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ) [الجمعة:1].
وهو -جلّ وعلا- المؤمِنُ، خَلقُه آمِنون مِن أنْ يَظلِمَهم أو يَبخَسهم حقَّهم، فتزوَّدْ منَ التّقوَى فالأعمالُ محفوظةٌ مُضَاعَفة.
وهو المهَيمِنُ على خلقِه، مطَّلِعٌ على خفاياهُم وخَبايا صُدورِهم، فلا تأمَنْ مكرَ اللهِ إنْ عَصَيتَه.
وهو الشّهيدُ على أقوالِ وأفعال عِباده: (وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [البقرة:74].
هو العزيزُ، لا يُغلَب، عزَّ كُلَّ شيءٍ فقَهَره، ذلَّت الصِّعابُ لعِزَّته، ولانتْ الشدائدُ لقوَّتِه، إذا قَضى الأمرَ في السماءِ ضَرَبتِ الملائكةُ بأجنِحَتها خُضعاناً لقولِه كأنّه سِلسِلةُ على صفوانٍ، مَن دنا منهُ بالطّاعةِ عزَّ، قال سبحانه: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا) [فاطر:10]، ومَن بارزهُ باِلمعصِيَةِ ذلَّ، فلا تنظُرْ إلى المعصيةِ وانظرْ إلى مَن عصيتَ.
وهو العليُّ الأعلَى: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) [فاطر:10].
هو الجبَّارُ، جبَرَ خلْقَه على ما يُريد، لا يمتَنِعُ مِنهم أحدٌ: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس:82]، وهو سبحانَه جابِرُ قلوبِ المنكَسِرين.
هو الكبيرُ، كُلُّ شيءٍ دونَه، ولا شيءَ أعظمُ ولا أكبرُ منه: (وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) [الزمر:67]، أخرج البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن مسعود: "أتى النبيَ -صلى اللهُ عليه وسلم- رجلٌ مِن أهلِ الكتابِ، فقال: يا أبا القاسم: أَبلغَكَ أنَّ اللهَ -عز وجل- يحمِلُ الخلائقَ على إصبع، والسماواتِ على إصبع، والأرضَ على إصبع، والشجرَ على إصبع، والثرى كذا على إصبع، قال: فضَحِكَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- حتى بدت نواجِذُهُ، فأنزل اللهُ تعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ).
هو المتكبِّرُ وحدَه، ولا يليقُ الكِبْرُ إلاّ به، ومَن تكبَّر مِن خَلْقهِ فمأواهُ سقَر، قال -جلّ وعلا-: (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ) [الزمر:60]. والعبدُ واجبٌ عليه التذلُّلُ والخضوعُ لربِّه والتواضعُ لعباده.
اللهم اجعلنا ممن يقدُرُك حقَّ قدْرِك يا ربَّ العالمين.
أقول قولي هذا...
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين...
أما بعدُ:
فيا أيها الناسُ: إن لنا ربًّا كريمًا غنيًّا، كُلُّ اسمٍ حسنٍ فهو له، وكُلُّ وصفٍ عليٍّ فهو متصفٌ به: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ).
فهو الخالِقُ، أوجدَ الكونَ وأبدعه، فأبهَر مَن تأمَّله، خلاَّقٌ أتقَنَ ما خلَق: (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) [المؤمنون:14].
هو البارِئُ، بَرَأَ الخلْقَ مِن عدَم؛ نجومٌ وشمسٌ وقمَرٌ وخَلْقٌ في الأفُق: (كلٌّ في فلَكٍ يَسبحون)، أَدهشَتْ من تفكَّر فيها وتذكَّر.
وهو المصوِّرُ، صوَّر خلْقَه على صفاتٍ مختَلفةٍ وهيئاتٍ متباينةٍ كيفَ شاءَ: (فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ) [النور:45]، وخلَق الإنسانَ في أحسنِ صورةٍ: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) [التين:4]. هو المصوِّرُ وحرَّم التصويرَ على خلْقه، وتوعَّد المصوِّرينَ مِن خلْقِه ولعَنَهم، ففي صحيح مسلم من حديث ابن عباس قال -عليه الصلاة والسلام-: "كلُّ مصوِّرٍ في النار".
وهو الغفورُ، يمحو ذنوبَ مَن أنابَ إليه من عبادِه وإن تناهَت خطاياه، غفَر لسحرَةِ فِرعونَ كُفْرَهم وسِحْرهم ومُبارَزَتهم لنبيِّهم بسجدةٍ واحِدةٍ لله مقرونةٍ بتَوبة: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) [طه:82].
وهو القهَّارُ، الخلْقُ تحت قَهرِهٍ وقَبضتِه، ينزِعُ روحَ من شاءَ متى شاءَ، لا يقعُ في الكونِ أمرٌ إلا بمشيئتِه ولو سعَى العبدُ إلى تحقيقهِ.
هو الفتَّاحُ، يَفتحُ أبوابَ الرِّزقِ والرَّحمةِ وأسبابِها لعبادِه، ويفتحُ عليهم المنغَلِقَ من أمورهم وأَحوالهم.
وهو الرزَّاقُ، يرزُقُ العبدَ من السماءِ والأرضِ: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا)، رزَقَ الأجنّةَ في بطونِ الأمّهاتِ، ورَزَقَ السِّباعَ في القِفارِ والطيورَ في أعالي الأوكارِ والحيتانَ في قعْرِ البِحار.
وهو الوهَّابُ، يُعطِي مَن أراد ما شاءَ، بِيده خزائنُ السّماواتِ والأرضِ، وهو العليمُ، يعلَمُ السرائرَ والخفيَّاتِ.
هو البصيرُ، يرَى خوافي الأمورِ وإن دقَّتْ: (لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ) وإنْ خفِيَتْ.
يَرى في ظُلَمِ الليلِ ما تحتْ الثّرَى *** ويُبصِرُ قَعرَ البحرِ في الدّهماءِ
هو الظاهرُ فليسَ فوقهُ شيءٌ، والباطنُ فليس دونه شيءٌ.
هو الحكيمُ، لا يدخُلُ في أحكامهِ ولا تشريعَاتهِ خللٌ ولا زَلَلٌ، وليس لأحدٍ أن يُراجعَ أحكامَ اللهِ أو ينتَقِصها أو يضَعها للجدلِ: (وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ) [الرعد:41]، بل الواجبُ التسليمُ والإذعانُ لها والانقيادُ إليها: (إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ) [المائدة:1]، ولا يصلُحُ لعبادهِ سِوى شرعِه المُطهَّر، ومَن سَخِر بدينهِ أو شرْعِه أذلَّه الله سبحانه.
وهو الحليمُ، لا يُعجِّلُ العقوبةَ على عبادِه بِذنوبهم، ولا يحبِسُ إنعامَه وأفضاله عنهم بخطيئاتهم، يَعصونه ويرزُقهم، يُذنِبون ويُمهِلهم، يُجاهِرون ويسترُ عليهم، فلا تغترَّ بحلمِ الله وكَرَمه عليك، فقد يبغَتُك العذاب: (يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) [الانفطار:6].
وهو سبحانه الشافي، يَشفي ويُعافي من الأمراضِ والأسقام: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) [الشعراء:80]، والأدويةُ أسبابٌ يجبُ أن لا يتعلَّقَ القلبُ بها.
وهو المنَّانُ، يبدأُ بِالعطاءِ قبلَ السؤالِ.
واللهُ سبحانه هو المحسِنُ، غمَرَ الخلقَ بإحسانهِ وفضلِه.
وهو الكريمُ، وهو الرقيبُ، وهو الودودُ، وهو ذو محبَّةٍ لعبادِه الصالحين، يُحِبُّ التوابينَ منهم والمتوكِّلينَ والصابِرينَ.
وهو المجيدُ، ذو مَجدٍ ومَدحٍ وثَناءٍ كريمٍ، لا مجدَ إلا مجدُه، وكُلُّ مجدٍ لغيره إنما هو عطاءٌ وتفضُّلٌ منه سبحانه.
وهو الحميدُ، مستَحِقٌّ للحمدِ والثناءِ بفعالِه، وهو سبحانه الحيُّ القيّومُ، وهو الأحدُ الصمدُ، السيدُ القديرُ البرُ الرحيمُ.
معاشر المسلمين: هذا بعضُ ما وردَ من أسماءِ اللهِ وصفاتهِ، واللهُ يُحبُّ مَن يدعُوه ويحَمدُه ويُثني عليه بها، وأسماؤُه تعالى لا حصرَ لها، منها تسعةٌ وتسعون اسمًا من أحصاها بالعلم بمعناها والعمَلِ بمقتضاها دخلَ الجنّة.
اللهم اجعلنا من أهل العلم بك، الذين يقدرونك حق قدرك...
التعليقات