معالم في التربية النبوية (8) العناية بتربية الصغار

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ضرورة العناية بتربية الصغار 2/اهتمام النبي -صلى الله عليه وسلم- بتربية النشء 3/أسس اتقان تربية الصغار 4/ثمار العناية بتربية الأطفال.

اقتباس

إِنَّ النَّبْتَةَ إِذَا تَعَهَّدْتَهَا فِي الصِّغَرِ اسْتَقَامَتْ وَأَتَتْ أُكُلَهَا وَصَحَّتْ ثِمَارُهَا، وَإِنْ أَهْمَلْتَهَا ذَبَلَتْ، وَرُبَّمَا مَاتَتْ فِي مَهْدِهَا... وَوَلَدُكَ -أَيُّهَا الْأَبُ الْكَرِيمُ- كَتِلْكَ النَّبْتَةِ؛ إِنْ أَحْسَنْتَ تَرْبِيَتَهُ وَتَأْدِيبَهُ فِي صِغَرِهِ سُرِرْتَ بِهِ عِنْدَ كِبَرِهِ...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ:70-71]. أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ أَوْلَادَنَا هُمْ فَلَذَاتُ أَكْبَادِنَا تَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ، حُزْنُهُمْ يُحْزِنُنَا، وَفَرَحُهُمْ يُفْرِحُنَا، وَنَجَاحُهُمْ نَجَاحُنَا، وَتَعَثُّرُهُمْ تَعَثُّرُنَا.

وَإِنَّمَا أَوْلَادُنَا بَيْنَنَا *** أَكْبَادُنَا تَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ

لَوْ هَبَّتِ الرِّيحُ عَلَى بَعْضِهِمْ *** لَامْتَنَعَتْ عَيْنِي مِنَ الْغَمْضِ

 

لَكِنْ رَغْمَ هَذِهِ الشَّفَقَةِ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْآبَاءِ يَعْتَنُونَ بِأَجْسَادِ أَوْلَادِهِمْ وَمَلَابِسِهِمْ وَمَآكِلِهِمْ وَيُهْمِلُونَ الْأَهَمَّ وَالْأَوْلَى؛ وَهُوَ تَأْدِيبُهُمْ وَتَوْجِيهُهُمْ وَحُسْنُ تَرْبِيَتِهِمْ!

 

أَيُّهَا الْمُرَبُّونَ: إِنَّ النَّبْتَةَ إِذَا تَعَهَّدْتَهَا فِي الصِّغَرِ اسْتَقَامَتْ وَأَتَتْ أُكُلَهَا وَصَحَّتْ ثِمَارُهَا، وَإِنْ أَهْمَلْتَهَا ذَبَلَتْ، وَرُبَّمَا مَاتَتْ فِي مَهْدِهَا... وَوَلَدُكَ -أَيُّهَا الْأَبُ الْكَرِيمُ- كَتِلْكَ النَّبْتَةِ؛ إِنْ أَحْسَنْتَ تَرْبِيَتَهُ وَتَأْدِيبَهُ فِي صِغَرِهِ سُرِرْتَ بِهِ عِنْدَ كِبَرِهِ، يَقُولُ الشَّاعِرُ:

وَإِنَّ مَنْ أَدَّبْتَهُ فِي الصِّبَا *** كَالْعُودِ يُسْقَى الْمَاءَ فِي غَرْسِهِ

حَتَّى تَرَاهُ مُورِقًا نَاضِرًا *** بَعْدَ الَّذِي أَبْصَرْتَ مِنْ يَبَسِهِ

 

وَالْمَسْؤُولُ الْأَوَّلُ عَنْ تَرْبِيَةِ الْوَلَدِ هُوَ وَالِدَاهُ، يَقُولُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَثَلِ الْبَهِيمَةِ تُنْتِجُ الْبَهِيمَةَ، هَلْ تَرَى فِيهَا جَدْعَاءَ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، فَصَغِيرُ السِّنِّ كَالْعَجِينَةِ قَابِلَةً لِلتَّشْكِيلِ فِي أَيِّ صُورَةٍ شَاءَهَا الْقَائِمُونَ عَلَيْهَا.

 

وَالتَّأْدِيبُ وَالتَّعْلِيمُ فِي الصِّغَرِ لَا يُنْسَى، وَقَدِيمًا قَالُوا: "التَّعْلِيمُ فِي الصِّغَرِ كَالنَّقْشِ عَلَى الْحَجَرِ، وَالتَّعْلِيمُ فِي الْكِبَرِ كَالرَّقْمِ عَلَى الْمَاءِ"، فَلْنَغْتَنِمْ أَطْفَالَنَا؛ تِلْكَ الْأَوْعِيَةَ الْفَارِغَةَ، فَنَمْلَؤُهَا بِالْمُفِيدِ، بَدَلًا مِنْ أَنْ يَشْغَلَهَا الشَّيْطَانُ بِالتَّافِهِ الْحَقِيرِ.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مَا اهْتَمَّ أَحَدٌ بِتَرْبِيَةِ النَّشْءِ وَتَأْدِيبِهِمْ مِثْلَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَدَلَائِلُ ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ، كَالَّذِي رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ: أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَيْتِنَا وَأَنَا صَبِيٌّ، قَالَ: فَذَهَبْتُ أَخْرَجُ لِأَلْعَبَ، فَقَالَتْ أُمِّي: يَا عَبْدَ اللَّهِ تَعَالَ أُعْطِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وَمَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيَهُ؟ " قَالَتْ: أُعْطِيهِ تَمْرًا، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تَفْعَلِي كُتِبَتْ عَلَيْكِ كِذْبَةٌ"(رَوَاهُ أَحْمَدُ)؛ فَخَافَ عَلَى الطِّفْلِ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْكَذِبَ مِنْ وَالِدَتِهِ.

 

وَيَقُصُّ عَلَيْنَا ابْنُ عَبَّاسٍ كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَرِيصًا عَلَى تَأْدِيبِهِ وَتَعْلِيمِهِ فَيَقُولُ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا، فَقَالَ: "يَا غُلَامُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ).

 

وَهَا هُوَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْمُرُ الْآبَاءَ بِتَعْلِيمِ أَوْلَادِهِمُ الْعِبَادَاتِ وَإِلْزَامِهِمْ بِهَا قَائِلًا: "مُرُوا الصِّبْيَانَ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا فِي عَشْرِ سِنِينَ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ"(رَوَاهُ الْحَاكِمُ).

 

وَلَيْسَ اهْتِمَامُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالنَّشْءِ مَقْصُورًا عَلَى عَقِيدَتِهِمْ وَعِبَادَتِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ فَقَطْ، بَلْ وَيُعَلِّمُهُمْ أَيْضًا إِتْقَانَ أَمْرِ دُنْيَاهُمْ، فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّ بِغُلَامٍ يَسْلَخُ شَاةً، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "تَنَحَّ، حَتَّى أُرِيَكَ"، فَأَدْخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَهُ بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ، فَدَحَسَ بِهَا، حَتَّى تَوَارَتْ إِلَى الْإِبِطِ وَقَالَ: "يَا غُلَامُ، هَكَذَا فَاسْلُخْ..."(رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ).

 

وَهَا هُوَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعَلِّمُ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ آدَابَ الْمَائِدَةِ فَيَقُولُ لَهُ: "يَا غُلَامُ، سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ"، يَقُولُ عُمَرُ: "فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طُعْمَتِي بَعْدُ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

عِبَادَ اللَّهِ: لَقَدْ وَعَيْنَا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ اللَّهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ"(رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ)، وَهَذَا الْإِتْقَانُ يَقُومُ عَلَى أُسُسٍ:

أَوَّلُهَا: إِخْلَاصُ النِّيَّةِ لِلَّهِ وَحْدَهُ فِي تَرْبِيَتِهِمْ: فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُرَبِّي أَوْلَادَهُ عَادَةً كَمَا تُرَبِّي جَمِيعَ الْمَخْلُوقَاتِ أَوْلَادَهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يُرَبِّيهِمْ مُعَاوَضَةً؛ فَيُحْسِنُ إِلَيْهِمْ صِغَارًا لِيَرُدُّوا لَهُ الْجَمِيلَ كِبَارًا... وَلَكِنَّ الصَّوَابَ أَنْ نُرَبِّيَهُمْ عِبَادَةً؛ بِإِخْلَاصِ النِّيَّةِ فِيهِمْ لِوَجْهِ اللَّهِ؛ لِيَرْفَعُوا رَايَةَ دِينِهِ وَيَحْمِلُوا شِعَارَ الْإِسْلَامِ وَيُوَحِّدُوا اللَّهَ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، كَمَا صَنَعَتْ أُمُّ مَرْيَمَ حِينَ قَالَتْ: (إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا)[آلِ عِمْرَانَ: 35]، أَيْ: خَالِصًا.

 

ثَانِيهَا: إِيفَاءُ حُقُوقِ الْأَوْلَادِ: وَمِنْ أَهَمِّهَا حُسْنُ اخْتِيَارِ وَالِدَيْهِ، فَقَدْ قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلرَّجُلِ: "تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، وَقَالَ لِوَلِيِّ الْمَرْأَةِ: "إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ"(رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ).

 

وَكَذَا الْمُحَافَظَةُ عَلَى التَّحَصُّنِ بِالْأَذْكَارِ الشَّرْعِيَّةِ؛ كَالذِّكْرِ الْوَارِدِ عِنْدَ دُخُولِ الرَّجُلِ بِالْمَرْأَةِ؛ لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" إِذَا أَفَادَ أَحَدُكُمُ امْرَأَةً أَوْ خَادِمًا أَوْ دَابَّةً فَلْيَأْخُذْ بِنَاصِيَتِهَا وَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِهَا وَخَيْرِ مَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ"(صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ)، وَقَوْلُهُ: "لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ، قَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَإِنَّهُ إِنْ يُقْدَرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

وَمِنْهَا: اخْتِيَارُ الِاسْمِ الْحَسَنُ، وَإِطْعَامُهُمْ مِنْ حَلَالٍ.

 

ثَالِثُهَا: تَعْلِيمُهُمْ أَحْكَامَ الدِّينِ وَآدَابَهُ: وِقَايَةً لَهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)[التَّحْرِيمِ: 6]، يَقُولُ الْبَيْهَقِيُّ: "وَهَذَا شِعَارُ الصَّالِحِينَ وَمَنْ سَلَفَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؛ يُعَوِّدُونَ صِبْيَانَهُمُ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ وَالْخَيْرَ، حَتَّى يَتَعَوَّدُوا ذَلِكَ، كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: "حَافِظُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ فِي الصَّلَاةِ، وَعَلِّمُوهُمُ الْخَيْرَ، فَإِنَّمَا الْخَيْرُ عَادَةٌ".

 

رَابِعُهَا: اكْتِشَافُ نَوَاحِي الْإِبْدَاعِ فِيهِمْ وَتَنْمِيَتُهَا: كَمَا كَانَ يَصْنَعُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ الصَّحَابَةِ فَهُوَ الْقَائِلُ: "أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي دِينِ اللَّهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ، وَأَقْضَاهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَأَعْلَمَهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا، وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ"(رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ).

 

خَامِسُهَا: أَنْ تَكُونَ لَهُمْ قُدْوَةً: فَهَذَا عَمْرُو بْنُ عُتْبَةَ يَقُولُ لِمُؤَدِّبِ أَوْلَادِهِ: "لِيَكُنْ أَوَّلُ إِصْلَاحِكَ بَنِيَّ: إِصْلَاحَكَ نَفْسَكَ؛ فَإِنَّ عُيُوبَهُمْ مَعْقُودَةٌ بِعَيْبِكَ، فَالْحَسَنُ عِنْدَهُمْ مَا فَعَلْتَ، وَالْقُبْحُ مَا تَرَكْتَ"، وَصَدَقَ الْقَائِلُ:

مَشَى الطَّاوُوسُ يَوْمًا بِاخْتِيَالٍ *** فَقَلَّدَ شَكْلَ مِشْيَتِهِ بَنُوهُ

فَقَالَ: عَلَامَ تَخْتَالُونَ؟ قَالُوا: *** بَدَأْتَ بِهِ وَنَحْنُ مُقَلِّدُوهُ

وَيَنْشَأُ نَاشِئُ الْفِتْيَانِ فِينَا *** عَلَى مَا كَانَ عَلَّمَهُ أَبُوهُ

وَمَا دَانَ الْفَتَى بِحِجًى وَلَكِنْ *** يُعَوِّدُهُ التَّدَيُّنَ أَقْرَبُوهُ

 

سَادِسُهَا: الرِّفْقُ فِي مَوْضِعِهِ وَالْحُزَمُ فِي مَوْضِعِهِ: فَلَا يُذَمُّ مَنْ حَقُّهُ أَنْ يُمْدَحَ، وَلَا يُمْدَحَ مَنْ حَقُّهُ أَنْ يُذَمَّ، وَقَدْ قَالُوا:

وَوَضْعُ النَّدَى فِي مَوْضِعِ السَّيْفِ بِالْعُلَا *** مُضِرٌّ كَوَضْعِ السَّيْفِ فِي مَوْضِعِ النَّدَى

 

بَلْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "عَلِّقُوا السَّوْطَ حَيْثُ يَرَاهُ أَهْلُ الْبَيْتِ، فَإِنَّهُ لَهُمْ أَدَبٌ"(رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ).

فَقَسَا لِيَزْدَجِرُوا وَمَنْ يَكُ حَازِمًا *** فَلْيَقْسُ أَحْيَانًا عَلَى مَنْ يَرْحَمُ

 

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، أَمَّا بَعْدُ:

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّنَا إِنْ أَحْسَنَّا تَرْبِيَةَ أَوْلَادِنَا عَادَ ذَلِكَ عَلَيْنَا وَعَلَيْهِمْ بِكُلِّ جَمِيلٍ، وَمِنْ ذَلِكَ:

بِنَاءُ جِيلٍ صَالِحٍ يَحْمِلُ رِسَالَةَ الْإِسْلَامِ؛ وَيَكُونُ نَمُوذَجًا لِغَيْرِهِ، يَنْفَعُ نَفْسَهُ وَوَالِدَيْهِ وَمُجْتَمَعَهُ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا ثَمَرَةً لِاحْتِسَابِهِ لِلَّهِ وَحُسْنِ رِعَايَتِهِ وَتَقْوِيمِهِ فِي صِغَرِهِ.

 

وَمِنْهَا: الْفَوْزُ بِالْجَنَّةِ: فَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ كُنَّ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ يُؤْوِيهِنَّ، وَيَرْحَمُهُنَّ، وَيَكْفُلُهُنَّ، وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ الْبَتَّةَ"، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنْ كَانَتِ اثْنَتَيْنِ؟ قَالَ: "وَإِنْ كَانَتِ اثْنَتَيْنِ"، قَالَ: فَرَأَى بَعْضُ الْقَوْمِ، أَنْ لَوْ قَالُوا لَهُ وَاحِدَةً، لَقَالَ: "وَاحِدَةً"(رَوَاهُ أَحْمَدُ).

 

وَمِنْهَا: أَنْ يَنْفَعَكَ اللَّهُ بِهِمْ بَعْدَ مَوْتِكَ: فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- لَيَرْفَعُ الدَّرَجَةَ لِلْعَبْدِ الصَّالِحِ فِي الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، أَنَّى لِي هَذِهِ؟ فَيَقُولُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ"(رَوَاهُ أَحْمَدُ)، وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، بِخِلَافِ الْوَلَدِ الطَّالِحِ، فَإِنَّهُ لَا يَذْكُرُ وَالِدَيْهِ بِدُعَاءٍ وَلَا بِاسْتِغْفَارٍ.

 

وَمِنْهَا: أَنْ يُصْبِحَ الْوَلَدُ عَوْنًا لِوَالِدَيْهِ وَسَنَدًا لَهُمَا: وَخَيْرُ الْعَوْنِ وَالسَّاعِدِ هُوَ وَلَدُ الْمَرْءِ إِذَا مَا أَحْسَنَ تَرْبِيَتَهُ:

مَنْ كَانَ ذَا عَضُدٍ يُدْرِكْ ظُلَامَتَهُ *** إِنَّ الذَّلِيلَ الَّذِي لَيْسَتْ لَهُ عَضُدُ

تَنْبُو يَدَاهُ إِذَا مَا قَلَّ نَاصِرُهُ *** وَتَأْنَفُ الضَّيْمَ إِنْ أَثْرَى لَهُ وَلَدُ

 

فَيَا عَبْدَ اللَّهِ: وَلَدُكَ وِعَاءٌ فَارِغٌ بَيْنَ يَدَيْكَ، قَدْ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَيْكَ، وَجَعَلَكَ عَنْهُ مَسْئُولًا، فَامْلَأْهُ بِمَا شِئْتَ، فَإِنْ مَلَأْتَهُ بِخَيْرٍ كَانَ فِي مِيزَانِ حَسَنَاتِكَ، وَسَعِدْتَ بِهِ فِي دُنْيَاكَ قَبْلَ آخِرَتِكَ، وَإِنْ مَلَأْتَهُ بِشَرٍّ كَانَ شَرًّا وَوَبَالًا عَلَيْكَ.

 

اللَّهُمَّ هَبْنَا الْعِنَايَةَ بِأَوْلَادِنَا وَتَنْشِئَتَهُمْ كَمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى.

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

المرفقات
T4jUaeVuyuldANfJUOkqUR2GPUnH4hixWwN3VN4Y.doc
tpQVi0XlfkvtAE6ebnewD0ppryLgQDlw2rHbNpU5.pdf
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life