عناصر الخطبة
1/شكر النعم 2/أهمية نعمة العقل 3/خطورة المخدرات وآثارها على الفرد والمجتمع 4/وجوب حماية المجتمعات من المخدرات 5/دور الأسرة والمحاضن التربوية.اقتباس
بوابةُ فسادِ العقولِ وتحطيمِ الأخلاقِ وتفكيك الأسرِ وهدم المجتمعِ آفةُ المخدرات، وما أدراك ما المخدرات؟ اسم مرعب، مخيف مزعج، وما أتت المخدرات وما وُجِدَت إلا ومعها قرائن من المعاصي والسيئات والمخالفات...
الخُطْبَة الأُولَى:
الحمد لله الذي لا يبلغُ مِدحَتَه القائلون، ولا يُحصِي نعماءَه العادُّون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه و من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين..
أما بعد: اللهم لك الحمد على إفضالك وإنعامك لا نحصي ثناء عليك.
الحمد لله كم فينا لخالقنا *** مواهبُ ليس يُحْصِي شُكرَها أحدُ
ومن تمام شُكرِ اللهِ وعبوديته: أن نستمتعَ من نعمهِ بالطيبات ونحذر المهلكات؛ فإِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)[المؤمنون: 51].
العقل جوهرةٌ ثمينة، يحوطها العقلاء بالرعاية والحماية؛ بالعقل يَشْرف العقلاء والله لا يخاطب إلا العقلاء (فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[المائدة: 100].
بالعقل تترقى الأمم وتتقدم الحياة، وينتظم المجتمع الإنساني العام، وإذا ما فقد الإنسان عقله لم يفرَّق بينه وبين سائر الحيوانات وأصبح كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ)[الأنفال: 22].
بوابةُ فسادِ العقولِ وتحطيمِ الأخلاقِ وتفكيك الأسرِ وهدم المجتمعِ آفةُ المخدرات، وما أدراك ما المخدرات؟ اسم مرعب، مخيف مزعج، وما أتت المخدرات وما وُجِدَت إلا ومعها قرائن من المعاصي والسيئات والمخالفات (ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ)[النور: 40].
تتسللُ هذه الآفةُ الخطيرةُ المهلكةُ حين يمتزج أصحابُ السوءِ وأربابِ الشهواتِ بضعافِ النفوسِ، في مواطنِ السفهِ والطيشِ في اجتماعِ تهريجِ وصخب، أو استعراضٍ وتفحيط، أو التسرب من المدارس والجامعات من بناتٍ وبنين واجتماعهم واختلاطهم في كافيهات أو مطاعمٍ على مأكولٍ أو مشروب..
ومن خلالها تُستدرج فلذات الأكباد، وتُغرَى بالمال والمظهرِ والمركب، فما يفيق المسكين والمسكينة إلا وهم في شباك اللصوص، ويصبحون سلعة يُبتزون بها ويتاجرون من خلالهم، وقد كانت البداية عبثًا وتهاونًا واختلاطًا، وعدم احتراز من قرناء السوء، حتى تتردَّى النفس في الظلمات وتنطمس معها الغيرة، ويخبو نور الشهامة والحياء والايمان (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ)[النور: 40]؛ فلا تفسد العقول إلا بعد فساد الأخلاق والسلوك، فيرى الباطل حقًّا والمنكر معروفًا.
وهذه المخدرات تدخل في مظلة الخمر، هي أختها، والدخان ابنة عمها، ومن سلالتها وفصيلتها.. تلك العصا من هذه العصية، ولا تلد الحية إلا حية، و"كل مفتر حرام"؛ فمن أصابه غباره شرق بإدمانه، فإذا دخل بوابته فرَّق أسرته، ويتم أطفاله، وأصبح السجن داره..
لقد حذَّرنا ربنا منها؛ لعلمه -سبحانه- بمغبة أضرارها ودركات مهلكاتها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)[المائدة: 90- 91].
عداوةُ تبدأ من جرد الأموال، مروراً بالابتزاز بهتك الأعراض، وانتهاءً بالقتل وإزهاق الأنفس والأرواح، هذا غير انتشار الفقر وزعزعة الأمن. أعاذنا الله ومجتمعنا من وبالاها ونكالها.
ومع هذا ففي كل يوم يدسُّ الأعداءُ على بلادِ الاسلامِ وعلى بلد التوحيد بالخصوص سماً زعافاً وحباً مهلكاً، لتقتل ما بقي من صحةِ وأخلاقِ الفتيان والفتيات على اختلاف مسمياتها وأشكالها.. وآخرُها ترويجا وأشدها ضررًا، ما ظهر مؤخراً بمخدر ساحر، ومطعوم باهر، بما يُسمَّى بالشَّبُّو والكريستالِ والآيسِ وغَيرِها مِن الأسماءِ ليُكملُ مَأساةَ الألَمِ، في أَعراضٍ غَريبةٍ، وسُرعةٍ عَجيبةٍ، يُرَكَّبُ اصطِناعياً، فَيُحَوِّلُ الإنسانَ كائناً بِدَائياً.
والخَطيرُ أنَّهُ يُصنَّعُ مَحلِّياً، وأَرخَصُ سِعراً، ولَكِنَّهُ أفتَكُ خَطَراً، يُصابُ مَعَها المُتَعاطي بفِقدَانِ الوَزنِ وعَدمِ النَّومِ لفَتراتٍ طَويلةٍ، وحُدوثِ حَركةٍ لا إراديةٍ بالوَجهِ، ونَوباتِ غَضبٍ حَادةٍ، وتَقلبٍ مَزاجيٍّ، وارتفاعٍ بِمعدلِ التَّنفسِ وضَرباتِ القَلبِ، وارتكابِ سُلوكياتٍ وأَخلاقياتٍ شَائنةٍ، واقترافِ جَرائمَ مُروعةٍ، حتى لأقربِ النَّاسِ، وانتهاءً بالانتحارِ أو الجُنونِ -والعِياذُ باللهِ تَعالى-.
وبوابةُ تقَبُّل الإنسان وخاصةً مقتبل الأعمار من الدخانِ المخدرُ الأصغر، والمؤثرُ الأكبر، وقد ظهر أخيرًا بأشكال مصنعةٌ لا رائحةَ لها، مما يُجرِّئ عليها، فتتكون خطواتُ يزينُها الشيطان (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ)[النور: 21]، وفي صحيح مسلم قَالَ -عليه الصلاة والسلام-: "كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، إِنَّ عَلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: "عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ" أَوْ "عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ"؛ أجارنا الله وإياكم منها.
من تعاطاها حُرم إجابة الدعاء .. "ذَكَرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟"(أخرجه مسلم).
كانت العرب في الجاهلية تسمي المسكرات بأنواعها أم الخبائث، فلا يشربها عقلائهم ولا يتعاطاها رؤسائهم، ولذا سميت بأم الخبائث.
ترويجها وعدم محاربتها معناه أن نعيش بين عصابات إرهابية لا نهدأ بنوم ولا راحة. عدم اهتمامنا له وتحصين البيوت والأجيال منها معناه أن نقدم عشرات من شبابنا للنار والدمار والعار.
عدم الحزم مع مروجيها أو التساهل بأماكن يصطاد فيها بفلذات الأكباد معناه هدم المجتمع من أوسع أبوابه، وهد اقتصاده، وزعزعة أمنه، وهتك عرضه.
(إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[المائدة: 33- 34].
الخمرُ شربةُ رجسٍ أم أرجاس *** الخمر صاعقة تهوي على الراسِ
الخمرُ محنةُ سوءٍ من أصيبَ بها *** أصيب في كل وعي منه حساسِ
الخمرُ فاس خراب هدمت أسرا *** مصونة عاث فيها صاحب الفاسِ
ما الخمرُ إلا ظلام للنفوس فلا *** يغررك منها شعاع لاح في الكاسِ
على الفؤاد بها النيران موقدة *** وفي الدماغ لها دقات أجراسِ
وكيف تطفئ نبراسًا حباك به *** رب البرايا وتبقى دون نبراسِ
فحطم الكاس واهجر كل رفقتها *** تعش وتأمن ألسن الناسِ
أستغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات فاستغفروه إن ربي رحيم ودود.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وصلى الله وسلم على عبده ورسوله وأله وأصحابه.
أما بعد: إذا علمنا وأيقنا بخطورة المخدرات ومقدماتها وأشكالها؛ كان لزامًا أن نعمل على تحصين بيوتنا من أن يتسوّرها لصوص العقول والأخلاق، فلا تغرنّكم بريق أماكن يكون فيها اختلاط وزينة.. قد تكون بوابة لهذا الوباء أو التلوث به.
إنَّ جَعْل الحبل على الغارب للابن والبنت يذهبون كيف شاءوا ومع من شاءوا تضييع للأمانة وضعف في القوامة.
والولي الحصيف من أبٍ أو زوجٍ أو أخٍ هو من يرعى أمانته بنفسه، ويحوطها برعايته، ولا يهملها اتكالاً على سائقٍ أو ذهابٍ مع أصحاب أو صاحباتٍ، أو ثقة عمياء مفرطة.
وإن على دُور التعليم والتحفيظ دورًا في التحصين والتوعية والتربية والتوجيه.. بيانًا في الحكم، وتوجيهًا في السلوك، وتحذيرًا من جلساء السوء، ولا يقل دور الجهات الأمنية في الضبط والتحري والقبض على هذه العصابات المهلكة.
والأمانة شاملة على المجتمع كل بدوره الإمام والخطيب والمعلّم والموجّه والأب والأم والأخ والأخت، وكذا رجال الأمن وأرباب المتاجر والأسواق والمطاعم والمقاهي لهم كفل من أمانة حفظ الجيل والمجتمع من أسباب فساد أخلاقه ودمار عقله فـ"مَا مِنْ وَالٍ يَلِي رَعِيَّةً مِنَ المُسْلِمِينَ، فَيَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لَهُمْ، إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ"(أخرجه البخاري).
فالله الله في لبنات المجتمع، فهم غراس بأيدينا، وبالمتابعة والملاحظة يطيب ثمر الغراس، ويتفيأ البيت والمجتمع من نفعهم وحسن عطائهم..
ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين.. اللهم احفظنا وذرياتنا من كل سوء ومكروه...
اللهم آمنا في دورنا....
التعليقات