عناصر الخطبة
1/لماذا نذكر الله تعالى 2/فضائل ذكر الله تعالى 3/علامة المحبة الصادقة 4/ثمرات ذكر الله تعالى.اقتباس
إذا ضاقت عليك الأرض بما رحبت، وضاقت عليك نفسك بما حملت فاهتف وقل: "يا الله"، إذا وقعت المصيبة وحلت النكبة وجثمت الكارثة، فنادِ وقل: "يا الله"، إذا ضاق صدرك، واستعسرت أمورك، فنادِ وقل: "يا الله"، إذا أُوصدت الأبواب أمامك، فنادِ وقل: "يا الله".
الخطبة الأولى:
أما بعد: فذِكر الله -تعالى أيها الأحباب- من أعظم الأعمال الصَّالحة، وهو يَسير على من وفَّقه الله -سبحانه-، وهو سَبيل التجارة الرَّابحة، وهو التجارة التي تَنفع صاحبَها، وتنجّيه في الدنيا والآخرة.
هلا سألت نفسك يومًا من الأيام: لماذا يجب عليَّ أن أذكر الله -تعالى-؟ وما هي الثمرات والفوائد التي ستعود عليَّ في الدنيا والآخرة؟ تعال أخي الحبيب لنتعرف على ثمرات ذِكْر الله -تعالى-.
أولاً: أذكر الله؛ لأن الله هو ربي الذي ربَّاني بنعمه، وهداني إلى طاعته.
إخوة الإسلام: أول سبب من أسباب وجوب ذكر الله: أنه -تعالى- هو الذي خلقنا وأوجدنا من العدم، ثم هو -سبحانه- هدانا إلى صراطه المستقيم، أخرجنا من ظلمات العدم إلى نور الوجود، ومن ظلمات الشرك والكفر إلى نور التوحيد والإيمان، ومن ظلمات المعاصي إلى نور الطاعة، والله -تعالى- أمرنا أن نذكر نِعَمه علينا في غير ما آية من الآيات.
وبذكر النعم يُذكر ويُشكر المنعم -سبحانه وتعالى-: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)[آل عمران: 103]، وقال -تعالى-: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)[المائدة: 7].
وقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا)[الأحزاب: 9]، وقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ)[فاطر: 3].
ثانيًا: نذكر الله -تعالى- لأننا نحبّه: ومن أحب شيئًا أكثر من ذِكْره واللهج بالثناء عليه؛ فمن أحب شيئًا أكثر من ذكره بقلبه ولسانه، ولهذا أمر الله -سبحانه- عباده بذكره على جميع الأحوال، وأمرهم بذكره أخوف ما يكونون، فقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[الأنفال: 45].
والمحبون يفتخرون بذكرهم أحبابهم وقت المخاوف وملاقاة الأعداء، كما قال قائلهم:
ذكرتك والخطى يخطر بيننا *** وقد نهلت منا المثقفة السمر
وقال آخر:
ولقد ذكرتك والرماح كأنها *** أشطان بئر في لبان الأدهم
فوددت تقبيل السيوف لأنها *** برقت كبارق ثغرك المتبسم
وفي بعض الآثار الإلهية: "إن عبدي كل عبدي الذي يذكرني وهو ملاقٍ قرنه". فعلامة المحبة الصادقة: ذكر المحبوب عند الرغب والرهب، وقال بعض المحبين في محبوبه:
يذكرني بك الخير والشر والذي *** أخاف وأرجو والذي أتوقع.
ومن الذكر الدال على صدق المحبة: سبق ذكر المحبوب إلى قلب المحب، ولسانه عند أول يقظة من منامه، وأن يكون ذكره آخر ما ينام عليه، كما قال قائلهم:
آخر شيء أنت في كل هجعة *** وأول شيء أنت وقت هبوبي
ثالثًا: نذكره -سبحانه- لأنه أمرنا بذكر وحثنا عليه في غير ما آية من كتابه: فقال الله -سبحانه وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا)[الأحزاب: 41]، وقال -تعالى-: (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ)[البقرة: 200].
رابعًا: نذكره لأن ذِكْره هو به حياة القلوب: واعلموا عباد الله أننا أموات متى غفلنا عن ذكره الله -تعالى-، فإذا ذكرناه دبَّت الحياة الى القلوب والأرواح، فعَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لاَ يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ"(أخرجه البخاري: 6407).
إِذَا مَرِضْنَا تدَاوَينا بِذِكْركُمُ *** فَنَتْرُكَ الذِّكْرَ أَحْيانًا فَنَنْتَكِسُ
خامسًا: نذكره حتى يذكرنا: وليست العبرة أن تَذْكُرَ، ولكن العِبْرَة أن تُذْكَر، قال -تعالى-: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ)[البقرة: 152].
اذكروني بالشوق والمحبة أذكركم بالوصل والقربة.
اذكروني بالحمد والثناء أذكركم بالمن والجزاء.
اذكروني بالدعاء أذكركم بالعطاء.
اذكروني بالقلوب أذكركم بكشف الكروب.
اذكروني بالإخلاص أذكركم بالخلاص.
اذكروني بالافتقار أذكركم بالاقتدار.
اذكروني بالإسلام أذكركم بالإكرام.
اذكروني بالاعتراف أذكركم بمحو الاقتراف.
اذكروني بصفاء السر أذكركم بخالص البر.
اذكروني بالتكبير أذكركم بالنجاة من السعير.
اذكروني بترك الجفاء أذكركم بحفظ الوفاء.
اذكروني بالجهد في الخدمة أذكركم بتمام النعمة.
اذكروني من حيث "أنتم"؛ أذكركم من حيث "أنا".
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "يَقُولُ اللهُ -عز وجلَ-: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُ، وَإِنِ اقْتَرَبَ إِلَيَّ شِبْرًا، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنِ اقْتَرَبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا، اقْتَرَبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً"(متفق عليه).
سادسًا: خير الأعمال وأزكاها وأرفعها: اذكر الله -تعالى- لأن ذِكْره خير الأعمال وأزكاها وأرفعها وأعظمها أجرًا، فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالوَرِقِ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: ذِكْرُ اللَّهِ -تعالى-"(مسند أحمد).
قال العز بن عبد السلام في قواعده: "هذا الحديث مما يدل على أن الثواب لا يترتب على قدر النصب في جميع العبادات، بل قد يأجر الله -تعالى- على قليل الأعمال أكثر مما يأجر على كثيرها، فإذًا الثواب يترتب على تفاوت الرتب في الشرف".
سابعًا: ذِكْر الله غراسُ الجنة: أتريد الجنان؟ أتريد غرس النخيل في جنة الجليل -جل جلاله-؟ ها هو النبي -صلى الله عليه وسلم- يوضح لك أن غراس الجنة ذِكْر الله؛ فعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَكْثِرُوا مِنْ غَرْسِ الْجَنَّةِ فَإِنَّهُ عَذْبٌ مَاؤُهَا طَيِّبٌ تُرَابُهَا، فَأَكْثِرُوا مِنْ غِرَاسِهَا، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ"(رواه الطبراني، وحسنه الألباني).
وعن جابر -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ العَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ، غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الجَنَّةِ"(أخرجه الترمذي 3464).
ثامنًا: ذِكْر الله طريق الفلاح: هل تريد أن تكون من المفلحين في الدنيا والأخرة ها هو الله يأمرك أن تُكْثِر من ذِكْره حتى تنال الفلاح والنجاح، قال -تعالى-: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[الجمعة:10].
تاسعًا: الذكر وراحة القلوب واطمئنان النفوس، قال -تعالى-: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)[الرعد:28].
عاشرًا: ذكر الله ومواجهة الصعاب والأعداء: إذا ضاقت عليك الأرض بما رحبت، وضاقت عليك نفسك بما حملت فاهتف وقل: "يا الله"، إذا وقعت المصيبة وحلت النكبة وجثمت الكارثة، فنادِ وقل: "يا الله"، إذا ضاق صدرك، واستعسرت أمورك، فنادِ وقل: "يا الله"، إذا أُوصدت الأبواب أمامك، فنادِ وقل: "يا الله".
عن ابن أبي ليلى قال مسدد: حدثنا علي قال: "شكت فاطمة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ما تلقى في يدها من الرحى، فأُتي بسبي، فأتته تسأله فلم تره، فأخبرت بذلك عائشة، فلما جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبرته، فأتانا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا لنقوم، فقال: "على مكانكما"، فجاء فقعد بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري، فقال: "ألا أدلكما على خير مما سألتما؛ إذا أخذتما مضاجعكما، فسبِّحا ثلاثًا وثلاثين، واحمَدا ثلاثًا وثلاثين، وكبِّرا أربعًا وثلاثين؛ فهو خير لكما من خادم"(أخرجه البخاري 3705).
الخطبة الثانية:
الحادي عشر: لأنه وصية نبيِّنا -صلى الله عليه وسلم-، لما عزَّ عليه معاذ، وأحس بحبِّه أوْصاه بكثرة الذكر لله -عز وجل-؛ فعن معاذ بن جبل، قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخذ بيدي يومًا، ثم قال: "يا معاذ، إني لأحبُّكَ"، فقال له معاذ: بأبي وأمي يا رسول الله، وأنا والله أحبك، فقال: "أوصيك يا معاذ، لا تدَعنَّ في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعنِّي على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك"(أخرجه أبو داود 1522).
الثاني عشر: ذكر الله أحب الأعمال: فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟، قَالَ: "أَنْ تَمُوتَ وَلِسَانُكَ رَطْبٌ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ"(صحيح الجامع: 165).
الثالث عشر: النجاة من عذاب الله: عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ عَمَلًا قَطُّ أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ اللهِ، مِنْ ذِكْرِ اللهِ"(صحيح الجامع 5644). وعَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "الْعَبْدُ آمِنٌ مِنْ عَذَابِ اللهِ، مَا اسْتَغْفَرَ اللهَ"(مسند أحمد).
الرابع عشر: التخلص من وساوس الشيطان؛ لأن الذكر حِصْنٌ حصينٌ من الشيطان عدوِّ أهل الإيمان، فمن عمله مع أهل الغفلة ما حكاه ربنا -عز وجل-؛ قال -تعالى-: (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ)[المجادلة: 19]، وقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ لَا يَنْجُو مِنَ الشَّيْطَانِ إِلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ"(صحيح ابن خزيمة 3/ 195).
وصلوا وسلموا....
التعليقات