عناصر الخطبة
1/شكر الله على نعمة إتمام الصيام 2/السجود أشرف أفعال الصلاة 3/من فضائل وأسرار السجود 4/التحذير من التهاون في الصلاة أو تركهااقتباس
وقدْ شُرِعَ للمصليْ ألا يكتفيَ بسجدةٍ واحدةٍ في الركعةِ كما اكتفَى بركوعٍ واحدٍ؛ وذلك لفضلِ السجودِ وشرفِهِ وقُربِ العبدِ من ربِّهِ وموقعِه من اللهِ -عزَّ وجلَ-؛ ولهذا -واللهُ أعلمُ- جُعِلَ الركوعُ قبلَ السجودِ تدريجاً وانتقالاً من الشيءِ إلى ما هوَ أعلى منه...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمدُ للهِ الذي بنعمتهِ تتمُ الصالحاتُ، واللهُ أكبرُ على إكمالِ عِدةِ أيامٍ معدوداتٍ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ مبدعُ الكائناتِ، وأشهدُ أن محمدًا عبدُهُ ورسولهُ المؤيدُ بالبيناتِ، صلى اللهُ وسلمَ عليهِ وعلى آلهِ وصحبهِ أهلِ المكرُماتِ.
أما بعدُ: فنحمدُ اللهَ ونشكرُه أن قضَينا عدةَ رمضانَ، ونسألُه القبولَ والغفرانَ، ولنكثرْ من شكرهِ كما علمَنا ربُنا فقال: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[البقرة: 185]، فاللهم أوزِعْنا شكرَ نعمِكَ الظاهرةِ والباطنةِ.
وبعدَ أن أكملْنا عدةَ رمضانَ فهاتانِ عِبرتانِ:
العِبرةُ الأولَى: نتقلبُ في حياتِنا بينَ تشريعاتِ ربِنا، وجوباً وتحريماً واستحباباً؛ (وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)[البقرة230]، فاليومَ الجمعةُ يُكرهُ إفرادُه بالصيامِ، وأمسِ يسنُ صيامُه، وقبلَ أمسِ يَحرمُ صيامُه، والذي قبلَه يجبُ صيامُه؛ (وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ)[الطلاق: 1].
العِبرةُ الأُخرى: أننا ذُقنا في قيامِ العشرِ الأواخرِ صلاةً مختلفةً؛ فإن السِمةَ الظاهرةَ فيها طولُ القيامِ وطولُ السجودِ، فليكنْ ذلك درساً لنا في الطمأنينةِ في صلاتِنا، وتدريباً لنا في تطويلِ وتكثيرِ سجودِنا؛ (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ)[الحجر: 98]، وأشرفُ أفعالِ الصلاةِ السجودُ، وأشرفُ أذكارِها القراءةُ، وقد شُرعَ للمصليْ أن يخرَّ ساجدًا، ويُعطيَ في سجودِه كلَ عُضوٍ من أعضائهِ حظَّهُ من العبوديةِ، راغماً أنفَه، خاضعاً له قلبَه وجوارحَه، قد صارت أعاليهِ مَلْوِيةً لأسافلهِ، يضعُ أشرفَ ما فيهِ وهو وجهُهُ بحذاءِ أسفلَ ما فيهِ وهو قدمُه".
ومِن أجلِ هذا النزولِ الذي فَعَلَهُ للهِ -تعالَى- صارَ أقربَ ما يكونُ الإنسانُ من رَبِّهِ وهو ساجدٌ؛ (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ)[العلق: 19]، فاللهَ قريبٌ من الساجدينَ، يسمعُ مُناجاتِهم، ويريدُ نجاتَهم، قالَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ"(رواه مسلم).
واللهَ -عزَ وجلَّ- يُحبُّ الساجدينَ ويرفعُهم، قالَ النبيُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ؛ فَإِنَّكَ لاَ تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً إِلاَّ رَفَعَكَ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً"(رواه مسلم)، "ولهذا ينبغيْ لنا أن تَسجدَ قلوبُنا قبلَ أن تسجُدَ جوارحُنا؛ بأن نَشعُرَ بالذُّلِّ والتواضعِ للهِ -عزَّ وجلَّ-، حتى ندركَ لذَّةَ السُّجودِ وحلاوتَه"(الشرح الممتع على زاد المستقنع).
والسُّنَّةُ أن يَقُولَ الساجدُ: "سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى"؛ "لأن الإنسانَ الآنَ أنزلُ ما يكونُ، فكانَ من المناسبِ أن يُثنيَ على اللهِ بالعلوِ"(الشرح الممتع على زاد المستقنع).
"وقدْ شُرِعَ للمصليْ ألا يكتفيَ بسجدةٍ واحدةٍ في الركعةِ كما اكتفَى بركوعٍ واحدٍ؛ وذلك لفضلِ السجودِ وشرفِهِ وقُربِ العبدِ من ربِّهِ وموقعِه من اللهِ -عزَّ وجلَ-؛ ولهذا -واللهُ أعلمُ- جُعِلَ الركوعُ قبلَ السجودِ تدريجاً وانتقالاً من الشيءِ إلى ما هوَ أعلى منه"(أسرار الصلاة).
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ الذي هدَانا، والصلاةُ والسلامُ على مَن للهُدى دعانا.
أما بعدُ: فاتقُوا اللهَ ربَكم، واشكروهُ على ما مَنَّ به علينا من نعمٍ رمضانيةٍ عديدةٍ لا نستطيعُ لها إحصاءً، ومن أعظمِ هذه النعمِ هذه الصلواتُ والركعاتُ.
فاللَّهُمَّ لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا *** وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا.
أتدريْ كم صلاةً مفروضةً مرّتْ عليكَ؟ مرَّ عليكَ مئةٌ وخمسونَ فريضةً!.
أتدريْ كم سجدةً في رمضانَ بين فريضةٍ ونافلة؟ قرابةُ ألفينِ وخمسِ مئةِ سجدةٍ، فاحمدِ اللهَ كثيرًا، وسلْهُ المزيدَ.
فالصلاةَ الصلاةَ -يا خارجاً من رمضانَ-، واحذرْ تفويتَ الركعةِ والركعتينِ، وأشدُ منه تفويتُ الصلاةِ والصلاتينِ، وإنِ اعتذرتَ بأن جدوَلكَ اختلفَ.
أما من ينامُ عن صلاتَيِ الظهرِ والعصرِ لهوَ على خطرٍ عظيمٍ إن لم يتُبْ، قالَ النبيُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ"(متفق عليه)، وَالْمُوتُورُ أَهْلَهُ وَمَالَهُ يعنيْ كأنَهم هلكُوا جميعًا في لحظةٍ واحدةٍ، ففاجِعَتُه مثلُ الفاجعةِ بتركِ صلاةِ العصرِ ولو لمرةٍ واحدةٍ، قالَ ابنُ تيميةَ -رحمهُ اللهُ-: "وتفويتُ العصرِ أعظمُ من تفويتِ غيرِها"(المستدرك على فتاوى ابن تيمية).
أيُها المسلمونُ: ومِنَ المواهبِ الربانيةِ الشواليةِ تلكَ الموهبةُ العظيمةُ، بمجازاةِ من صامَ ستةَ أيامٍ من شوالٍ أن يُحصّلَ أجرَ مَن صامَ سنةً كاملةً، ففي صحيحِ مسلمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- قَالَ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ؛ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ"، فهذه ستةٌ وثلاثونَ يومًا تُعادِلُ ثلاثمائةٍ وستينَ يومًا؛ لأن الحسنةَ بعشرِ أمثالِها، فلا نفرطْ بهذهِ العطيةِ الجزلةِ، مقابلَ المهمةِ السهلةِ، فالعمرُ قصيرٌ، والتقصيرُ كثيرٌ.
ومَن كانَ عليهِ قضاءٌ فليبدأْ بهِ قبلَ الستِ؛ لأن الفرضَ أهمُ، ومَن صامَها بنيةِ صيامِ ثلاثةِ أيامٍ من كلِ شهرٍ حصّلَ الفضلَينِ إذا نواهُما".
فاللهمَ يا واسعَ المغفرةِ، تفضلتَ علينا بشهرٍ مضاعَفٍ حسناتُه، اللهُمَّ فتسلمْهُ بجودِك مضاعَفًا، وما فيه من تقصير ٍفكن بفضلِكَ عافيًا، اللهم تقبلْ صيامَنا وقيامَنا، وزكواتِنا ومعايداتِنا ومصافحاتِنا، اللهم إنا نسألكَ عِيشةً تقيةً وميتةً سويةً ومَرَدًا غير مخزٍ ولا فاضحٍ، اللهمَ باركْ في أوقاتِنا وأقواتِنا، وحسِّنْ أخلاقَنا، وبارِكْ أرزاقَنا، اللهم آمِنّا في أوطانِنا، وأصلحْ أئمتَنا وولاةَ أمورِنا، وأيِّدْ بالحقِ إمامَنا ووليَ عهدِه، وأعزَّهم بطاعتِك، وأعزَّ بهمْ دينَك، وارزقهُم بطانةً صالحةً ناصحةً، دالّةً مُذكِّرةً، اللهم احفظْ مجاهدِينا وجنودَنا على حدودِنا.
اللهم صلِ وسلِمْ على محمدٍ.
التعليقات