عناصر الخطبة
1/شكوى الصحابة للنبي -صلى الله عليه وسلم- ما وقع نزل بهم من التعذيب في مكة 2/قم بواجبك ولا تستعجل النتائج 3/نصرة الله للنبي صلى الله عليه وسلم- ودخوله مكة فاتحااقتباس
بعدَ بِضعِ سنينَ من هذا الموقفِ الذي كانَ بينَ رسولِ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- وأصحابِه في الاستعجالِ، ها هو رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- يدخلُ مكةَ فاتحاً، ويطوفُ على الكعبةِ وحولُها ثَلاثمائةٍ وسُتُّونَ صَنماً، وهو يطعنُها بعُودٍ في يَدِه فيكسرُها، ويَقولُ: (وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا)[الإسراء: 81]. ثُمَّ يقفُ على بابِ الكعبةِ التي...
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ الذي أَرسلَ رسولَه بالهُدى ودِينِ الحقِّ ليُظهرَه على الدِّينِ كُلِّه ولو كَرهَ الكَافرونَ، أَحمدُه تَعالى وأَشكرُه حمدَ الشَّاكرينَ الذَّاكرينَ، وأَشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ لهُ وليُّ الصَّالحينَ، وأَشهدُ أنَّ محمداً عَبدُه ورسولُه إمامَ المتَّقينَ صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِه وصحبِه ومن اهتدى بهديه إلى يومِ الدِّينِ، وسَلمَ تسليماً كَثيراً.
أما بعدُ: فاتقوا اللهَ -أيُّها المسلمونَ- حَقَّ التقوى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)[الطلاق: 2-3].
ها هم يأتونَ من بعيدٍ في رمضاءِ مكَّةَ كالسَّرابِ، يمشونَ بخُطَّىً واهنةٍ قد أنهكتْهم الجروحُ والعذابُ، يبحثونَ عن رَجلٍ ليشتكوا إليهِ من هذه الظُّروفِ الصَّعبةِ، فدخلوا الحرمَ فوجدوه متوسِّداً بُردةً له في ظلِّ الكعبةِ، فمن هؤلاءِ؟ ومن هو هذا الرَّجلُ؟
يَقُولُ خَبَّابُ بْنُ الأَرَتِّ -رَضِيَّ اللَّهُ عَنْهُ-: "شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، فَقُلْنَا: أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا؟ أَلاَ تَدْعُو لَنَا؟
لسانُ حالِهم: ألا ترى ما نحنُ فيه من أصنافِ التَّعذيبِ؟ ألا ترى إلى ما نُقاسيه في هذا الزَّمنِ العصيبِ؟
ألا ترى إلى أُميَّةَ بنِ خَلفٍ وهو يُخرجُ بلالَ بنَ رباحٍ إذا حَميتْ الظَّهيرةُ، فيطرَحُه على ظَهرِه في بَطحاءِ مكةَ، ثُمَّ يَأمرُ بالصَّخرةِ العظيمةِ فتُوضعُ على صَدرِه، ثُمَّ يَقولُ له: "لا تَزالُ هكذا حتى تَموتَ، أو تَكفرَ بمحمدٍ وتعبدَ اللَّاتَ والعُزَّى"، فلا يزيدُ بلالٌ على كلمتِه المشهورةِ: "أَحدٌ أَحدٌ"؟
ألا ترى إلى بني مخزومٍ يخرجونَ بعمَّارِ بنِ ياسرٍ وأبيه وأمِّهِ سُميَّةَ إلى رمضاءِ مكةَ فيُلبسونَهم أَدرعَ الحديدِ ويَصهرونَهم في الشَّمسِ، حتى أَتى أبو جهلٍ إلى سميَّةَ أمامَ زوجِها وابنِها فطعنَها في قُبُلِها بحربةٍ فقتلَها؟
ألا ترى إلى أمِّ أنمارِ بنتِ سِباعٍ وهي توقدُ أسياخَ الحديدِ فما يُطفئها إلا وَدَكُ ظَهرِ خبَّابٍ؟
ألا ترى إلى الوَلِيدِ بْنِ الوَلِيدِ، وَإلى سَلَمَةَ بْنِ هِشَامٍ، وَإلى عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ وَالمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ؟
ألا ترى إلى المُهاجرينَ الذينَ تركوا أوطانَهم غَصباً، إلى أرضِ البُعداءِ البُغضاءِ في الحبشةِ؟
ألا ترى إلى حالِ المسلمينَ فهم بينَ مُعذَّبٍ مأسورٍ، وبينَ مُشرَّدٍ مَقهورٍ؟
ألا ترى يا رسولَ اللهِ كيفَ قد أحاطَ بالكعبةِ الشَّريفةِ المئاتُ من الأصنامِ؟ وكيفَ تُذبحُ على الأنصابِ لغيرِ اللهِ الأنعامُ؟
ألا ترى كيفَ يكونُ الدُّعاءُ والنَّذرُ والحَلفُ لغيرِ ذي الجلالِ والإكرامِ؟ ألا ترى كيفَ يتطيَّرونَ ويتشاءَمونَ ويستقسمونَ بالأزلامِ، وإذا نصحَهم المُصلحونَ وحذَّروهم عاقبةَ الشِّركِ العظيمِ: (قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ)[يــس: 18].
ألا ترى إلى مجالسِ الباطلِ واللَّغوِّ؟ ألا تسمعُ مجالسَ الغِناءِ واللَّهوِّ نوادي يُطعنُ فيها بالأنسابِ، ويُفخرُ فيها بالأحسابِ، قد أسكرتْهم شهواتُ الدُّنيا والهوى والشَّرابُ، فلا يُفيدُ معهم المواعظُ ولا التَّذكيرُ ولا الآياتُ، ولا ينفعُهم النَّظرُ في خلقِ الإنسانِ والأرضِ والسَّمواتِ: (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ)[الحجر: 72].
ألا ترى إلى المرأةِ وقد تركتْ بيتَها وتبرَّجتْ تبرُّجَ الجاهليَّةِ، وخالطتْ الرِّجالَ فحدثَ بذلكَ فسادٌ عريضٌ وبليَّةُ، حتى انتكَستْ الفِطرُ السَّويَّةُ، فأصبحتْ المرأةُ تطوفُ بالبيتِ عُريانةً ثُمَّ تغطي فرجَها، وتقولُ:
الْيَومَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ *** فَما بَدَا منه فلا أُحِلُّهُ
ألا ترى يا رسولَ اللهِ إلى هذا الاستهزاءِ بكَ وبدينِك وبالمسلمينَ؟ ألا تسمعُ الاستفزازَ والضَّحكَ وغمزَ العينِ: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ)[المطففين: 29-30]؟
ألا ترى إلى هذا التَّفرَّقِ والعداوةِ بينَ الخلائقِ، واستحلالِ الدِّماءِ وقطعِ الطَّرائقِ؟ ألا ترى كلَّ ذلكَ يحدثُ في حرمِ اللهِ -تعالى- وقد أنعمَ اللهُ -تعالى- عليهم بالأمنِ والرِّزقِ؟ فأينَ الإيمانُ والتَّوحيدُ والشُّكرُ؟ (أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)[القصص: 57]؟
فكأنَّ النَّبيَّ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- أحسَّ من كلامِهم الاستعجالَ، وشَعَرَ من موقفِهم اليأسَ من نصرِ الكبيرِ المُتعالِ، قَالَ: فَاحْمَرَّ لَوْنُهُ أَوْ تَغَيَّرَ، غَضبَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، وكأنَّه يقولُ لهم: إنِّي واللهِ لأعلمَكم باللهِ، وأخشاكم للهِ، وإنِّي لأجدُ من هذه المشاهدِ أضعافَ ما تجدونَ، ولكن إنما نحنُ عبيدُ اللهِ -تعالى-، لا تُحرِّكُنا المشاعرُ والعواطفُ، ولا تزلزِلُنا الأعاصيرُ والعواصفُ، وإنما نعملُ بشرعِ اللهِ، ونؤمنُ بقدرِ اللهِ، وننتظرُ وعدَ اللهِ، ولا تستَخفُّنا أعمالُ وأقوالُ الجاهلينَ: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ)[الروم: 60] فَقَالَ لهم النَّبيُّ الكريمُ الأمينُ بلسانِ الإيمانِ والثَّباتِ واليقينِ: "قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ، فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهَا، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ، فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، وَيُمَشَّطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ، مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللهَ، وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ".
رِسالةٌ من رسولٍ مُشفقٍّ ناصحٍ، لكلِّ من يبحثُ عن الطريقِ الواضحِ: "لا تَسْتَعْجِلْ".
"لا تستعجلْ" وقُم بدَورِكَ بواجبِ النُّصحِ والدَّعوةِ إلى اللهِ -تعالى-، أليسَ لكم في نوحٍ -عليه السَّلامُ- أُسوةً حسنةً، وهو يقومُ بواجبِه مع كثرةِ الشِّركِ والفسادِ؟: (قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)[الأعراف: 61-62].
وهكذا لا يكَّلُّ ولا يَمَلُّ، بل ينصحُ ويدعو سرَّاً وجِهاراً، ويُكرِّرُ ليلاً ونهاراً: (أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا)[العنكبوت: 14]، والحصيلةُ النِّهائيةُ لهذا الجُهدِ المُباركِ هو: (وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ)[هود: 40]، فليسَ عليكَ إلا القيامَ بواجبِك من النَّصحِ والدَّعوةِ، وليسَ لك النَّتيجةُ: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)[القصص: 56].
"لا تستعجلْ" وإياكَ واستمراءَ وتَقبُّلَ القلبِ للمنكرِ، ولو فشا وظهرَ وانتشرَ، بل لا بُدَّ من عدمِ الرِّضا به وإنكارِه ولو بالقلبِ، وفِرارِكَ من مجالسِه كفِرارِكَ من الأسدِ: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ)[النساء: 140]، فأولُ ما دخلتْ اللَّعنةُ على بني إسرائيلَ بسببِ أن أحدَهم كانُ يُنكرُ على أهلِّ المعصيةِ معصيتَهم، ثُمَّ إذا كانَ من الغدِ جلسَ معهم ورَضيَ بما هم عليه دونَ اعتراضٍ ولا إنكارٍ، فقالَ اللهُ -تعالى- فيهم: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ)[المائدة: 78].
"لا تستعجلْ" وإياكَ أن تغتَّرَّ بانتفاشةِ الباطلِ، وظُهورهِ على السَّطحِ، ألستَ تقرأُ القرآنَ: (كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ)[الرعد: 17]؟ فالحقُّ سيبقى، والباطلُ سيتلاشى، سُنَّةُ اللهِ التي لا تتبدَّلُ: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ)[الأنبياء: 18].
اللهمَّ إنَّا نَستغفرُكَ ونَتوبُ إليكَ، فاغفرْ لنا ذنوبَنا وارحمنا، إنَّك أنتَ الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، الرَّحمنِ الرَّحيمِ، مَالكِ يومِ الدِّينِ؛ والعَاقبةُ للمُتَّقينَ، وأَشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه وَليُّ الصَّالحينَ، وأَشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه سَيِّدَ الأنبياءِ والمُرسلينَ.
أما بعدُ: بعدَ بِضعِ سنينَ من هذا الموقفِ الذي كانَ بينَ رسولِ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- وأصحابِه في الاستعجالِ، ها هو رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- يدخلُ مكةَ فاتحاً، ويطوفُ على الكعبةِ وحولُها ثَلاثمائةٍ وسُتُّونَ صَنماً، وهو يطعنُها بعُودٍ في يَدِه فيكسرُها، ويَقولُ: (وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا)[الإسراء: 81].
ثُمَّ يقفُ على بابِ الكعبةِ التي كانَ مُستنداً في ظلِّها، فيقولُ: "لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له، صَدقَ وعدَه، ونَصرَ عبدَه، وهَزمَ الأحزابَ وحدَه"، ثُمَّ تَلا هذه الآيةَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)[الحجرات: 13]، ثُمَّ قَالَ: "يا مَعشرَ قُريشٍ ما تَرونَ أَنِّي فَاعلٌ بكم؟" قَالوا: خَيرًا، أَخٌ كَريمٌ، قَالَ: "فإنِّي أَقولُ لكم كَما قَالَ يُوسفُ لإخوتِه: لا تَثريبَ عليكم اليومَ، اذهبوا فَأنتم الطُّلقاءُ".
وها هو يأمرُ بلالَ بنَ رباحٍ الذي كانَ يُعذُّبُ في بَطحاءِ مكةَ، ليصعدَ فوقَ الكعبةِ ويُؤَذِّنَ عليها.
وها هو حرمُ اللهِ -تعالى- الذي كانَ يَعِجُّ بمناظرِ الشِّركِ والإلحادِ، ومشاهدِ العارِّ والفَسادِ، تتجلجلُ في آفاقِه كلماتُ التَّوحيدِ، وإخلاصُ العبادةِ لربِّ العبيدِ: اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، أشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، أشهدُ أنَّ محمداً رسولُ اللهِ، وصدقَ اللهُ -تعالى-: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ)[الصافات: 171- 173].
اللهمَّ أصلِح أحوالَ المسلمينَ في كلِّ مكانٍ، اللهم اجمعهم على كتابِك وسُنةِ نبيِّكَ محمدٍ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، اللهمَّ عليكَ بكلِّ عَدوٍّ لهذا الدينِ يا قويُ يا عزيزُ.
اللهمَّ لا تؤاخذنا بما فعلَ السفهاءُ مِنَّا، اللهمَّ أحسنْ عاقبتَنا في الأمورِ كلِّها، وأَجرنا من خِزيِ الدُّنيا وعَذابِ الآخرةِ، يا حيُّ يا قيومُ برحمتِك نستغيثُ أصلح لنا شأنَنا كلَّه.
اللهم أعذنا من شُرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، وأعذنا من شَرِّ كلِّ ذي شَرٍّ يا ربَّ العالمينَ.
اللهمَّ آتِنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرةِ حسنةً، وقِنا عذابَ النَّارِ.
اللهمَّ أصلحْ ولاةَ أمورِنا ووفِّقهم بتوفيقِكَ، وارزقهم البِطانةَ الصَّالحةَ الناصحةَ التي تدلُهم على الخيرِ وتعينُهم عليه يا ربَّ العالمينَ، وجنبهم بطانةَ السُّوءِ والشَّرِّ والفسادِ، وكن له معيناً على الخيرِ والهُدى والرَّشادِ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ.
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)[الحشر: 10].
التعليقات