عناصر الخطبة
1/أغلى ما يملك العبد في حياته إيمانه وتوحيده 2/انتشار الفتن من أهم أسباب ضياع الإيمان 3/أهمية الإيمان ومنزلته من الدين 4/الإيمان والتوحيد في القرآن والسنة وحياة النبي وأصحابه 5/عقيدة الولاء والبراء من أصول الإسلام العظيمةاقتباس
فهل رأيتموهم يا عباد الله! هل رأيتم من يبني للوثنين والكفار معابد بمئات الملايين، وينصب فيها التماثيل والأصنام لتُعبدُ من دون الله! وهل رأيتم من يجامل عباد البقر فيمارس معهم بعض طقوسهم وضلالاتهم، ألا ساء ما يزرون، وقبحاً لما يصنعون! ..
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ، الحمدُ للهِ الذي بنعمتهِ اهْتدى المهتدون، وبعدلهِ ضلَّ الضَّالون، ولحُكمِهِ خضعَ الخلقُ كلُّهم أجمعون، (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) ..
وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) ..
وأشهدُ أن محمداً عبدُ اللهِ وسولهُ، ومصطفاهُ وخليلهُ، نبيٌ شرحَ اللهُ لهُ صدرهُ، ورفعَ لهُ ذكرهُ، وجعلَ الذِلةَ والصْغارَ على من خالفَ أمرهُ، -ﷺ- وعلى آله وأصحابهِ البررةِ، والتابعين وتابعيهم بإحسانٍ، وسلَّمَ تسليماً ..
أمَّا بعدُ: فأُوصيكم أيُّها النَّاسُ ونفسي بتقوى اللهِ -عزَّ وجلَّ-، فاتقوا اللهَ رحمكم اللهُ؛ فكفى بالله ولياً، وكفى بالله وكيلاً، وكفى بالحقِّ سبيلاً، وكفى بالقرآن منهجاً ودليلاً، (فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ) ..
معاشر المؤمنين الكرام: أعزُّ ما على المؤمن سلامةُ دينِه، وصفاء عقيدته، وثباتهُ على التوحيد والإيمان، فهو أَعْظَمُ وأهم مَا يَمْلِكُهُ الإنسان .. ألا وإن التفريطُ فيه لهو أَشَدُّ وَأَعْظَمُ الْخُسْرَانِ؛ لأن عاقبته الخلود السرمدي فِي النِّيرَانِ، قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ) ..
وحين تكثرُ الفتن وتشتد، فما أسهل أن يضِلَّ الجاهل بدينه، وتلك من علامات الساعة وأماراتها، تلك الأمارات التي حذَّر منها المصطفى -صلّى اللهُ عليهِ وسلّم- أشدَّ التحذير .. فقد صح عنه -ﷺ-، أنه قال: "إنَّ بين يدَيِ السَّاعةِ فِتنًا كأنَّها قِطعُ اللَّيلِ المُظلِمِ، يُصبِحُ الرَّجُلُ فيها مؤمنًا، ثُمَّ يُمسي كافرًا، ويُمسي مؤمنًا، ثُمَّ يُصبِحُ كافرًا، يَبيعُ أقْوامٌ خَلاقَهم بعَرَضٍ مِن الدُّنْيا يَسيرٍ، أو بعَرَضِ الدُّنْيا" .. قال الإمام الحَسنُ البصري -رحمه الله-: واللهِ لقد رَأَيْناهم صُوَرًا ولا عُقولَ، أجْسامًا ولا أحلامَ، يَبيعُ أحدُهم دِينَهُ بثَمنِ العَنزِ!
فهل رأيتموهم يا عباد الله! هل رأيتم من يبني للوثنين والكفار معابد بمئات الملايين، وينصب فيها التماثيل والأصنام لتُعبدُ من دون الله! وهل رأيتم من يجامل عباد البقر فيمارس معهم بعض طقوسهم وضلالاتهم، ألا ساء ما يزرون، وقبحاً لما يصنعون! ..
فأظلم الظلم، وأكبر الكبائر، وأعظم الذنوب قاطبة، هو الشرك بالله، أن تجعل لله نداً وهو خلقك، تلك الورطة التي لا مخرج منها، والطامة التي لا نجاة معها، فــ(إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا)، (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا) ..
سلامة الدين والإيمان -يا عباد الله-، وصفاء التوحيد والعقيدة، هي أكبر أسباب الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة، فبها يفوزُ المؤمنُ بجنةٍ عَرْضها السموات والأرض، وبها يُزحزحُ عن نارٍ حرِّها شديد، وقعرها بعيد ..
التوحيد يا عباد الله: هو جوهر الدين وبنيانه، وأساسه ولبه وأركانه، وموضوعه وكتابه وعنوانه، ومختصره وشرحه وبيانه ..
التوحيد مبتدأ الإيمانِ ومنتهاه، ووسطه وطرفاه، ومركز قطبه ورحاه، وذروة سنامه وأعلاه .. قامت عليه البراهين والأدلة، وأوضحته الكتب المنزلة، ونصب عليه اتجاه القبلة، وبني عليه شرائع الملة .. وعُصمت به الأعراض والدماء، وتفاضل به الرجال والنساء، وقام عليه سوق الولاء والبراء، والثواب والجزاء، وانقسم به الناس إلى أولياء وأعداء، وسعداء وأشقياء ..
التوحيد هو أم العبادات، وأوجب الواجبات، وأهم الفرائض والطاعات، هو قضية القرآن العظمى، ومهمة الرسل الكبرى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِى كُلّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الْطَّـاغُوتَ)..
والقرآن والسنة والسيرة العطرة كلها، كلها حديثٌ عن التوحيد، وبيان حقيقته والدعوة إليه، وعن جزاء أهله وكرامتهم على الله، (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا) .. وعن حال المشركين وسوء مصيرهم، (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) ..
وتأملوا يا عباد الله: كيف يؤصل القرآن العظيم هذه القضية الخطيرة .. ليس مع الكفار والمنافقين، ولا مع العصاة والمذنبين، ولا مع ضعيف الإيمان من المؤمنين، بل مع أكمل الناس إيماناً وأقواهم توحيداً، قال تعالى: (وَلَقَدْ أُوْحِىَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَـاسِرِينَ) .. (قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَابِ) .. (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) .. قال بعض أهل العلم رحمهم الله تعليقاً على هذه الآيات وأمثالها: فإذا كان الله ينهَى عن الشرك من لا يمكن أن يباشره، فكيف بمن عداه ؟ وإذا كان إمام الحنفاء عليه السلام يخاف على نفسه الشرك، فيدعو ربه: (وَاجْنُبْنِى وَبَنِىَّ أَن نَّعْبُدَ الاْصْنَامَ)، فمن يأمن على نفسه بعد ذلك ..
أما المتأمل في الأحاديث الشريفة والسيرة العطرة، فسيجدها كلها توحيدٌ في توحيد .. فما ترك عليه الصلاة والسلام تقريرَ التوحيد ومحاربة الشرك، حتى وهو محصورٌ في الشعب، وحتى والعدو مُشتدُّ في طلبه أثناء الهجرة، وحتى في أثناء المعارك وحصار المدينة .. وما ذاك إلا لأن التوحيد هو أهم المهام، وآكد القضايا، وأوجب الواجبات، قال تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ).
ثم تأملوا هذا السياق القرآني المذهل: (لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) .. فهُو أخطر إنذارٍ وتحذير، من العلي الكبير .. إنه إنذارٌ وتحذيرٌ، لم يأتي في القرآن كلِّه، تحذيرٌ مثله ..
والعاقِل إذا حُذِّرَ ممن يَقدِرُ عليه حَذِر، وأخذَ بأسباب السلامةِ وانزجر .. وممَّا يحذرنا الله -تعالى-، إنه يُحذرنا من موالاة الكافرين، قال تعالى: (لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ)، تأمَّل أيضاً: (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ)، تأمَّل أكثر: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) .. تأمل أيضاً: (تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) ..
فخُذْ حِذركَ يا عبد الله: فالأمرُ خطيرٌ، والخطب عسير: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ) .. يحذركم الله نفسه فيقولُ جلَّ وعلا: (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) .. يحذركم الله نفسه فيقولُ: (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ) .. يحذركم الله نفسه فيقولُ: (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) .. يحذركم الله نفسه فيقولُ: (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) ..
أقول ما تسمعون ...
الخطبة الثانية:
الحمد لله كما ينبغي لجلاله وجماله وكماله وعظيم سلطانه ....
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله وكونوا مع الصادقين، وكونوا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ) ..
معاشر المؤمنين الكرام: الإسلام وحده هو الدين الحق، وما عداه فباطل، قال جلَّ وعلا: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) .. ومن أصول الإسلام العظيمة، عقيدة الولاء والبراء .. والولاء هو محبة المسلمين ومودتهم، وموالاتهم ونصرتهم .. والبراء هو بغض الكافرين والنفور منهم .. وقد فصَّل القرآنُ في هذه القضيةِ كثيراً، تأمَّل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا)، وقوله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ)، وقال تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ)، وقال تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) .. وغيرها من التوجيهات الواضحة، والآيات الصريحة ...
كما أن المصطفى -صلوات الله وسلامه عليه- نهى كثيراً عن كل ما يفضي إلى مشابهة الكفار والركون إليهم، كقوله -صلى الله عليه وسلم-: "خالِفُوا المُشْرِكِينَ"، "خالفوا اليهود والنصارى"، "خالفوا المجوس"، "خالفوا أهل الكتاب"، "ليس منا من تشبه بغيرنا" .. "مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ"، "لا تَشَبَّهوا باليهودِ"، "من تشبه بقومٍ حُشرَ معهم" .. "الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ"، والاحاديث في ذلك كثيرة مشتهرة، حتى أصبح ذلك منهجاً معلوماً، وسنة متبعة، وصار من المعلوم من الدين بالضرورة، بل إن اليهود أنفسهم قالوا عن ذلك: "ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه"، والخبر في مسلم ..
كل ذلك حماية لجناب التوحيد، وحرصاً على صفاء العقيدة من لوثات الكفر والضلال، ولكي يضل المسلمُ مُتميزَاً بشخصيتهِ، معتد بعقيدته، مستعلي بإيمانه ومنهجه .. لا يتشبه بغيره، ولا يجامل على حساب دينه .. وإذا كان مجرد تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية محرّمٌ بإجماع علماء المسلمين، بل إن من العلماء من أوصله إلى الكفر المخرج من الملة -عياذاً بالله- .. فكيف بدخول معابدهم، والمشاركة في طقوسهم وعباداتهم ..
ألا فمن كان حريصاً على سلامة دينه، راغبًا في الفوز والنجاة، فليتق الله وليلزم هَديَ دينه، وليحذر هذه المحافل الكفرية، وليعتز بدينه، وليستقل بشخصيته، وليتميز بمنهجه، وليتبع سبيل المؤمنين، وليحذر طريق المشركين والمغضوب عليهم والضالين .. قال تعالى: (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) ..
ويا ابن آدم: عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان ..
اللهم صل ..
التعليقات