كيف يتطهر المريض ويصلي

الشيخ محمد بن مبارك الشرافي

2022-10-05 - 1444/03/09
عناصر الخطبة
1/الإِيمَانَ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ 2/بعض فوائد المرض 3/بعض فضائل المرض 4/حكم التداوي 5/الجمع بَيْنَ الرُّقْيَةِ وَالْعِلاجِ الطِّبِيِّ 6/بعض ما يجب على المريض 7/كيفية طهارة المريض 8/كَيْفِيَّةُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ
اهداف الخطبة

اقتباس

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَإِنَّ مِمَّا يُؤَكَّدُ عَلَيْهِ جِدَّاً فِي حَالِ الصِّحَةِ، وَفِي حَالِ الْمَرَضِ: الالْتَزَامُ بِطَاعَةِ اللهِ -عز وجل- مِنْ أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ، وَتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ. وَإِنَّ مِنَ الْخُذْلَانِ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ إِذَا مَرِضَ تَرَكَ الطَّاعَةَ، وَخَاصَّةً الصَّلاةَ، وَرُبَّمَا سَوَّلَ لَهُ الشَّيْطَانُ ذَلِكَ، وَقَالَ: إِذَا تَعَافَيْتَ فَصَلِّ مَا مَضَى!. وَهَذَا غَلَطٌ عَظِيمٌ؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ قَدْ يَكُونُ عَلَى مَشَارِفِ الْمَوْتِ، فَكَيْفَ يَتَخَلَّى عَنِ الْعِبَادَةِ التِي مِنْ أَجْلِهَا خُلِقَ، وَيَتْرُكُ الطَّاعَةَ التِي هِيَ زَادُهُ إِلَى الآخِرَةِ؟ وَلِأَنَّ...

 

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الْحَمْدُ للهِ الذِي جَمَّلَ ضَمَائِرَنَا بِشَرَائِعِ الإِيمَانِ، وَزَيَّنَ ظَوَاهِرَنَا بِشَعَائِرِ الإِسْلامِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، شَرَعَ لَنَا طَهَارَةَ الْقُلُوبِ وَالأَبْدَان، فَبَيَّنَ الأَسْبَابَ وَالْوَسَائِلَ وَالطُّرُقَ أَتَمَّ بَيَان، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَان.

 

أَمَّا بَعْدُ:

 

فَإِنَّ مِنْ عَقِيدَةِ الْمُسْلِمِ: الإِيمَانَ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ، فَمَا شَاءَ اللهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، فَلا رَادَّ لِحُكْمِهِ، وَلا مُعَقِّبَ لِقَضَائهِ.

 

وَإِنَّ شَأْنَ الْمُؤْمِنِ حَقَّا أَنَّهُ إِذَا أَصَابَهُ خَيْرٌ شَكَرَ اللهَ وَحَمِدَهُ، وَإِذَا أَصَابَهُ مَكْرُوهٌ صَبَرَ وَلَجَأَ إِلَى رَبِّهِ فِي كَشْفِ ضُرِّهِ؛ فَعَنْ صُهَيْبِ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "عَجَباً لأمْرِ المُؤمنِ إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خيرٌ ولَيسَ ذلِكَ لأَحَدٍ إلاَّ للمُؤْمِن: إنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكانَ خَيراً لَهُ، وإنْ أصَابَتْهُ ضرَّاءُ صَبَرَ فَكانَ خَيْراً لَهُ"[رَوَاهُ مُسْلِمٌ].

 

وَإِنَّ الْمَرَضَ وَإِنْ كَانَ فِي ظَاهِرِهِ شَرٌّ وَأَلَمٌ، إِلَّا أَنَّهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ خَيْرٌ، فَفِيهِ: بَيَانٌ لِنِعْمَةِ الصِّحَّةِ التِي طَالَمَا غَفَلْنَا عَنْهَا، فَالصِّحَّةُ تَاجٌّ عَلَى رُؤُوسِ الأَصِحَّاءِ لا يَرَاهُ إِلَّا الْمَرْضَى.

 

وَفِي الْمَرَضِ يَلْجَأُ الْمَرِيضُ إِلَى رَبِّهِ، وَيُكْثِرُ مِنْ دُعَائهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ غَافِلاً وَمُنْكِبَّاً عَلَى دُنْيَاه.

 

وَفِي الْمَرَضِ كَفَّارَةٌ لِلذُّنُوبِ، فَاللهُ -عز وجل- لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ؛ فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَا يُصيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ، وَلاَ وَصَبٍ -أَيْ: مَرَضٍ-، وَلاَ هَمٍّ، وَلاَ حُزَنٍ، وَلاَ أذَىً، وَلاَ غَمٍّ، حَتَّى الشَّوكَةُ يُشَاكُهَا إلاَّ كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَاياهُ"[مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ اللهَ مَا أَنْزَلَ مَرَضَاً إِلَّا جَعَلَ لَهُ عِلَاجَاً، فَالتَّطَبُّبُ وَالتَّدَاوِي جَائِزٌ، وَلَيْسَ فِيهِ اعْتَرَاضٌ عَلَى قَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ؛ فَعَنْ أُسَامَةَ بَنِ شَرِيكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَتِ الأَعْرَابُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلَا نَتَدَاوَى؟ قَالَ: "نَعَمْ -يَا عِبَادَ اللهِ- تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللهَ -عز وجل- لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: "الْهَرَم"[رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ].

 

فَيَجُوزُ لِلإِنْسَانِ أَنْ يَطْلُبَ الْعِلاجَ عِنْدَ الأَطِبَّاءِ وَأَهْلِ الاخْتِصَاصِ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ الْعِلَاجَ بِالرُّقْيَةِ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالدُّعَاءِ.

 

وَالأَفْضَلُ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الرُّقْيَةِ وَالْعِلاجِ الطِّبِيِّ، وَلَوْ أَنَّهُ بَدَأَ بِالرُّقْيَةِ الشَّرْعِيَّةِ أَوَّلاً كَانَ أَفْضَل، فَكَمْ مِنَ الأَوْجَاعِ تَزُولُ مُبَاشَرَةً بِالرُّقْيَةِ، فَلا يَحْتَاجُ بَعْدَهَا الْمَرِيضُ لِعِيَادَةِ الطَّبِيب.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَإِنَّ مِمَّا يُؤَكَّدُ عَلَيْهِ جِدَّاً فِي حَالِ الصِّحَةِ، وَفِي حَالِ الْمَرَضِ: الالْتَزَامُ بِطَاعَةِ اللهِ -عز وجل- مِنْ أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ، وَتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ.

 

وَإِنَّ مِنَ الْخُذْلَانِ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ إِذَا مَرِضَ تَرَكَ الطَّاعَةَ، وَخَاصَّةً الصَّلاةَ، وَرُبَّمَا سَوَّلَ لَهُ الشَّيْطَانُ ذَلِكَ، وَقَالَ: إِذَا تَعَافَيْتَ فَصَلِّ مَا مَضَى!.

 

وَهَذَا غَلَطٌ عَظِيمٌ؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ قَدْ يَكُونُ عَلَى مَشَارِفِ الْمَوْتِ، فَكَيْفَ يَتَخَلَّى عَنِ الْعِبَادَةِ التِي مِنْ أَجْلِهَا خُلِقَ، وَيَتْرُكُ الطَّاعَةَ التِي هِيَ زَادُهُ إِلَى الآخِرَةِ؟

 

وَلِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ يَجْهَلُ كَيْفَ يَتَطَهَّرُ الْمَرِيضَ أَوْ كَيْفَ يُصَلِّي فَنُبَيِّنُ -بِإِذْنِ اللهِ- فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ بَعْضَ الأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِعِبَادَةِ الْمَرِيضِ مِنَ الطَهَارَةِ وَالصَّلَاة.

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: يَجِبُ عَلَى الْمَرِيضِ: أَنْ يَتَطَهَّرَ بِالْمَاءِ، فَيَتَوَضَّأَ مِنَ الْحَدَثِ الأَصْغَرِ، وَيَغْتَسِلَ مِنَ الْحَدَثِ الأَكْبَرِ، فَإِنْ كَانَ لا يَسْتَطِيعُ الطَّهَارَةَ بِالْمَاءِ لِعَجْزِهِ أَوْ خَوْفِ زِيَادَةِ الْمَرَضِ أَوْ تَأَخُّرِ بُرْئِهِ؛ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ.

 

وَكَيْفِيَّةُ التَّيَمُّمِ: أَنْ يَضْرِبَ الأَرْضَ الطَّاهِرَةَ بِيَدَيْهِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً يَمْسَحُ بِهِمَا جَمِيعَ وَجْهِهِ، ثُمَّ يَمْسَحُ كَفَّيْهِ بَعْضَهُمَا بِبَعْض.

 

فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَتَطَهَّرَ بِنَفْسِهِ، فَإِنَّهُ يُوَضِّئُهُ أَوْ يُيَمِّمُهُ شَخْصٌ آخَر، وَإِذَا كَانَ فِي بَعْضِ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ جُرْحٌ، فَإِنَّهُ يَغْسِلُهُ بِالْمَاءِ، فَإِنْ كَانَ الْغَسْلُ بِالْمَاءِ يُؤَثِّرُ عَلَيْهِ مَسَحَهُ مَسْحَاً، فَيَبَلُّ يَدَهُ بِالْمَاءِ وَيُمِرُّهَا عَلَيْهِ.

 

فَإِنْ كَانَ الْمَسْحُ يُؤَثِّرُ عَلَيْهِ أَيْضَاً فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ عَنْهُ، وَإِذَا كَانَ فِي بَعْضِ أَعْضَائِهِ كَسْرٌ مَشْدُودٌ عَلَيْهِ خِرْقَةٌ أَوْ جِبْسٌ، فَإِنَّهُ يَمْسَحُ عَلَيْهِ بِالْمَاءِ بَدَلاً عَنْ غَسْلِهِ، وَلا يَحْتَاجُ لِلتَيَمُّمِ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ بَدَلٌ عَنِ الْغَسْلِ.

 

وَيَجُوزُ أَنْ يَتَيَمَّمَ عَلَى الْجِدَارِ أَوْ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ طَاهِرٌ لَهُ غُبَارٌ، فَإِنْ كَانَ الْجِدَارُ مَمْسُوحاً بِشَيْءٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الأَرْضِ كَالْبُويَةِ، فَلا يَتَيَمَّمُ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ غُبَارٌ.

 

وَإِذَا لَمْ يَكُنْ التَيَمَّمُ عَلَى الأَرْضِ أَوِ الْجِدَارِ أَوْ شَيْءٍ آخَرَ لَهُ غُبَارٌ، فَلا بَأْسَ أَنْ يُوضَعَ تُرَابٌ فِي إِنَاءٍ أَوْ مِنْدِيلٍ، وَيُتَيَمَّمَ مِنْهُ.

 

وَجَرَتِ الْعَادَةُ أَنَّهُ يُوجَدُ فِي الْمُسْتَشْفَيَاتِ حَاوِيَاتٌ صَغِيرَةٌ يُوجَدُ فِيهَا تُرَابٌ، وَعَلَيْهِ اسْفِنْجٌ، فِإِذَا وُجِدَ الْغُبَارُ وَتَيَمَّمَ مِنْهَا أَجْزَأَ.

 

وَإِذَا تَيَمَّمَ لِصَلاةٍ وبَقِيَ عَلَى طَهَارَتِهِ إِلَى وَقْتِ الصَّلَاةِ الأُخْرَى، فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا بِالتَّيَمُّمِ الأَوَّلِ، وَلا يُعِيدُ التَيَّمُّمَ لِلصَّلاةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ عَلَى طَهَارَتِهِ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُبْطِلُهَا.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَيَجِبُ عَلَى الْمَرِيضِ: أَنْ يُطَهِّرَ بَدَنَهُ مِنَ النَّجَاسَاتِ، فَإِنْ كَانَ لا يَسْتَطِيعُ صَلَّى عَلَى حَالِهِ، وَصَلاتُهُ صَحِيحَةٌ وَلا إِعَادَةَ عَلَيْهِ.

 

وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ بِثِيَابٍ طَاهِرَةٍ، فَإِنْ تَنَجَّسَتْ ثِيَابُهُ، وَجَبَ غَسْلُهَا أَوْ إِبْدَالُهَا بِثِيَابٍ طَاهَرِةٍ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ صَلَّى عَلَى حَالِهِ، وَصَلاتُهُ صَحِيحَةٌ، وَلا إِعَادَةَ عَلَيْهِ.

 

وَيَجِبُ عَلَيْهِ كَذَلِكَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى شَيْءٍ طَاهِرٍ، فَإِنَّ تَنَجَّسَ مَكَانُهُ، وَجَبَ غَسْلُهُ أَوْ إِبْدَالُهُ بِشَيْءٍ طَاهِرٍ، أَوْ يَفْرِشَ عَلَيْهِ شَيْئاً طَاهِراً، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَلَّى عَلَى حَالِهِ، وَصَلاتُهُ صَحِيحَةٌ وَلا إِعَادَةَ عَلَيْهِ.

 

وَلا يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ أَنْ يُؤَخِّرَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا مِنْ أَجْلِ الْعَجْزِ عَنِ الطَّهَارَةِ، بَلْ يَتَطَهَّرُ بِقَدْرِ مَا يُمْكِنُهُ، ثُمَّ يُصَلِّي الصَّلاةَ فِي وَقْتِهَا، وَلَوْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ أَوْ مَكَانِهِ نَجَاسَةً يَعْجِزُ عَنْهَا.

 

أَسْأَلُ اللهَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ أَنْ يَشْفِيَ كُلَّ مَرِيضٍ، وَأَنَّ يُعَافِيَ كُلَّ مُبْتَلَى.

 

أَقُولُ قَولِي هَذَا، وأَسْتِغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي ولكُم فاستغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيْمُ.

 

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ للهِ الْبَرِّ الرَّحِيمِ، الْحَلِيمِ الْعَظِيم، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى النَّبِيِّ الْكَرِيم، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.

 

أَمَّا بَعْدُ:

 

فَيَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الصَّلَاةَ هِيَ الرُّكْنُ الثَّانِي مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلامِ، وَهِيَ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ عَنْهُ الْعَبْدُ مِنْ عَمَلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهِيَ صِلَةٌ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ، وَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ انْشِرَاحِ الصَّدْرِ، وَنُورِ الْقَلْبِ.

 

وَإِنَّ الْمَرِيضَ كَغَيْرِه مُطَالَبٌ بِأداء الصَّلَاةِ عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ السَّمْحَاءُ، وَالْمِلَّةُ الغَرَّاء.

 

وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ، فَهِيَ كَمَا يَلِي:

 

يَجِبُ عَلَى الْمَرِيضِ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرِيضَةَ قَائِمَاً، وَلَوْ مُنْحَنِيَاً، أَوْ مُعْتَمِدَاً عَلَى جِدَارٍ، أَوْ عَصَا؛ لِعُمُومِ قَوْلِ اللهِ -تعالى-: (وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ) [البقرة: 238].

 

فَإِنْ كَانَ لا يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ صَلَّى جَالِسَاً، وَالأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ مُتَرَبِّعَاً فِي مَوْضِعِ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ.

 

فَإِنْ كَانَ لا يَسْتَطِيعُ الصَّلاةَ جَالِسَاً صَلَّى عَلَى جَنْبِهِ مُتَوَجِّهَاً إِلَى الْقِبْلَةِ، وَالْجَنْبُ الأَيْمَنُ أَفْضَلُ.

 

فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ التَّوَجُّهِ إِلَى الْقِبْلَةِ صَلَّى حَيْثُ كَانَ اتِّجَاهُهُ، وَصَلاتُهُ صَحِيحَةٌ، وَلا إِعَادَةَ عَلَيْهِ.

 

فَإِنْ كَانَ لا يَسْتَطِيعُ الصَّلاةَ عَلَى جَنْبِهِ صَلَّى مُسْتَلْقِيَاً رِجْلَاهُ إِلَى الْقِبْلَةِ، وَالأَفْضَلُ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ قَلِيلاً لِيَتَّجِهَ إِلَى الْقِبْلَةِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ تَكُونَ رِجْلَاهُ إِلَى الْقِبْلَةِ صَلَّى حَيْثُ كَانَتْ، وَلا إِعَادَةَ عَلَيْهِ.

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: وَيَجِبُ عَلَى الْمَرِيضِ: أَنْ يَرْكَعَ وَيَسْجُدَ فِي صَلاتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَوْمَأَ بِهَمَا بِرَأْسِهِ، وَيَجْعَلُ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنَ الرُّكُوعِ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ الرُّكُوعَ دُونَ السُّجُودِ رَكَعَ حَالَ الرُّكُوعِ.

 

وَأَوْمَأَ بِالسُّجُودِ، وَإِنِ اسْتَطَاعَ السُّجُودَ دُونَ الرُّكُوعِ سَجَدَ حَالَ السُّجُودِ.

 

وَأَوْمَأَ بِالرُّكُوعِ، فَإِنْ كَانَ لا يَسْتَطِيعُ الإِيمَاءَ بِرَأْسِهِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَشَارَ فِي السُّجُودِ بِعَيْنِهِ، فَيُغْمِضُ قَلِيلاً لِلرُّكُوعِ، وَيُغْمِضُ تَغْمِيضَاً لِلسُّجُودِ.

 

وَأَمَّا الإِشَارَةُ بِالإِصْبِعِ، كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْمَرْضَى، فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَ لا أَصْلَ لَهَا مِنَ الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ، وَلا مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ.

 

فَإِنْ كَانَ لا يَسْتَطِيعُ الإِيمَاءَ بِالرَّأْسِ، وَلا الإِشَارَةَ بِالْعَيْنِ صَلَّى بِقَلْبِهِ، فَيُكَبِّرُ وَيَقْرَأُ وَيَنْوِي الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ وَالْقِيَامَ وَالْقُعُودَ بِقَلْبِهِ، وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى.

 

وَيَجِبُ عَلَى الْمَرِيضِ: أَنْ يُصَلِّيَ كُلَّ صَلاةٍ فِي وَقْتِهَا، وَيَفْعَلُ كُلَّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِمَّا يَجِبُ فِيهَا، فَإِنَّ شَقَّ عَلَيْهِ فِعْلُ كُلِّ صَلاةٍ فِي وَقْتِهَا، فَلَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ؛ إِمَّا جَمْعُ تَقْدِيمٍ، وَإِمَّا جَمْعُ تَأْخِيرٍ، حَسْبَمَا يَكُونُ أَيْسَرَ لَهُ.

 

أَمَّا الْفَجْرُ فَلا تُجْمَعُ لِمَا قَبْلَهَا، وَلا لِمَا بَعْدَهَا.

 

وَإِذَا كَانَ الْمَرِيضُ مُسَافِرَاً يُعَالَجُ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ، فَإِنَّهُ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ الرُّبَاعِيَّةَ، فَيُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْعِشَاءَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى بَلَدِهِ، سَوَاءٌ طَالَتْ مُدَّةُ سَفَرِهِ أَمْ قَصُرَتْ.

 

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكُ عِلْمَاً نَافِعَاً، وَعَمَلاً صَالِحَاً.

 

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ اسْتَمَعَ الْقَوْلَ فَاتَّبَعَ أَحْسَنَهُ.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي دُورِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلاةَ أُمُورِنَا، وَأَصْلِحْ لِوُلاةِ أُمُورِنَا بِطَانَتَهُمْ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ.

 

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ.

 

اللَّهُمَّ كُنْ لإِخْوَانِنَا الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي الشَّامِ وَفِي اليَمَنِ.

 

اللَّهُمَّ ارْحَمْهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْ عِنْدِكَ تُغْنِيهِمْ بِهَا عَمَّنْ سِوَاكَ.

 

اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِمَنْ آذَاهُمْ وَعَذَّبَهُمْ.

 

اللَّهُمَّ رُدَّ كَيْدَهُمْ فِي نُحُورِهِمْ يَا قَوِيُّ يَا مَتِينُ.

 

اللَّهُمَّ أَشْغِلْهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ، وَاجْعَلْ بَأَسَهَمْ بَيْنَهُمْ.

 

اللَّهُمَّ أَنْقِذْ إِخْوَانَنَا فِي مِصْرَ مِمَّنْ يُرِيدُ بِهِمْ سُوءاً، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ شَأْنَهُمْ، وَوَلِّ عَلَيْهِمْ خِيَارَهُمْ، وَاكْفِهِمْ شِرَارَهُمْ، يَا قَدِيرُ يَا حَكِيمُ.

 

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وِأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

 

والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

 

 

 

 

المرفقات
كيف يتطهر المريض ويصلي.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life