عناصر الخطبة
1/ الإصلاح مهمة الأنبياء الأساسية 2/اختطاف المنافقين لشعار الإصلاح 3/ الضابط الذي يميز بين المصلح حقيقة وبين مدَّعي الإصلاح بالباطل 4/ أعظم إصلاح جاء به القرآن العظيم 5/ نجاة المصلحين 6/ ثمرات الصلاح والإصلاح 7/ كيف تنصلح أحوال الأمة؟اهداف الخطبة
اقتباس
ما أروع هذا الدين! وما أعظم القرآن! حثَّ على الإصلاح، ومدح المصلحين، ورفع في الجنة درجاتهم، قبل أن تخرج علينا دعوات هدامة، فولَّت الأمة وجهها شرقاً وغرباً ونأى بها طلب التقدم والإصلاح، وكان الأمر سراباً لا حقيقة له، وشتان بين من يدعو إلى النار ومن يدعو إلى الجنة، وشتان بين الأعمى والبصير، وفارق بين الظلمات والنور، لا يستويان، فما أجدر الأمة أن تعود إلى منهج الإصلاح الأول كتاب ربها، ومصدر عزتها وتفوُّقها بين الأمم!..
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله..
أما بعد: أيها المسلمون: الصلاح هو الغاية المطلوبة من العباد في الاعتقاد والأقوال والأعمال، فبغير الصلاح لا يُقبَل أي عمل ولا تحصل أي قربى، ولا توضع البركة في الأموال والأنفس والثمرات. وإن من الأشياء العظيمة أن يكون الإنسان صالحاً في قوله وعمله، ولكن الأعظم من ذلك أن يكون مُصلحاً في قوله وعمله، فالصالح قد اكتفى بنفسه عن الخلق، وأما المصلح فقد حمل هموم الخلق، وتصدى لإصلاحهم، وإن الصلاح يُستجلَب به الخير والبركة والنماء، أما الإصلاح فيدفع الله به عن البشر الشرَّ والهلاكَ.
جاء الإصلاح في القرآن والسنة بصيغ متعددة تدل في مجملها على أن دين الله تبارك وتعالى يهدف إلى إصلاح الإنسان في الاعتقاد والسلوك والعبادات والمعاملات، واعتَبَر القرآنُ في عدة آيات منه أن الإصلاح مهمة الأنبياء -عليهم السلام- ووظيفتهم الأساسية. قال الله -تعالى- على لسان شعيب -عليه السلام-: (قَالَ يَاقَوْمِ أَرَءَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيب) [هود: 88].
ورغم ذلك لا يختلف الأمر قديماً عنه في العصر الحديث، فقد حاول المفسدون اختطاف هذا الشعار العظيم، ومنهم فرعون، حيث اتهم موسى عليه السلام وهو من المصلحين للناس في عقائدهم، ومرشدهم إلى ربهم اتهمه فرعون بإظهار الفساد، وكأن فرعون يشير إلى أنه يتبنى الإصلاح منهجاً ويخاف على الناس من الفساد، مع أنه من أكبر الطغاة والمفسدين، فقال: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الفَسَاد) [غافر: 26].
وكعادة المنافقين في كل زمان ومكان تشابهت قلوبهم فاتحدت مشاربهم، يظنون أنهم على خير، وأنهم حُمَاة الإصلاح وروَّاده، فقد ادَّعى المنافقون قديماً أنهم مصلحون، كما ادَّعاه إخوانهم في العصر الحديث. قال -تعالى-: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُون) [البقرة: 11].
والضابط الذي يميز بين المصلح حقيقة وبين مدَّعي الإصلاح بالباطل هو رب العالمين، فهو وحدَه من يحدد المصلِح والمفسِد. قال جل وعلا: (فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ اليَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيم) [البقرة: 220]، ويقول سبحانه: (وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ المُحْسِنِين) [الأعراف: 56].
أيها المسلمون: إن أعظم إصلاح جاء به القرآن العظيم هو شريعةُ الله المحكمة وفرائضه الشرعية العادلة التي جاء بها القرآن في الحدود والمواريث والأحكام، والتي تسعد المجتمعات وتهنأ إذا طبقتها، قال الله تبارك و-تعالى-: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى ءَامَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون) [الأعراف: 96].
وفي المقابل تشقى المجتمعات عند تغييب الشرع المحكم أو إقصائه عن دنيا الناس وهذا يُحدِث خللاً واضطرابًا كبيرًا يمحق البركة ويجلب الشقاء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤكدًا هذا المعنى: "يا معشر المهاجرين خصال خمس إن ابتليتم بهنّ ونزلن بكم، أعوذ بالله أن تدركوهنّ. وذكر منها: وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل بأسهم بينهم". (رواه ابن ماجة بسند صحيح). نسأل الله أن يهدي الأمة إلى تحكيم كتاب ربها لتعيش واقعاً مباركاً تحل فيه الأمن والبركات.
كثر ذكر الإصلاح والمصلحين في القرآن الكريم، في مقابل ذم الإفساد والمفسدين، لتكتمل الصورة الربانية التي يريدها الله رب العالمين للبشر والمجتمعات البشرية، ومن ذلك قوله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ المصْلِحِين) [الأعراف: 170].
تأمل في اللفظة (يمسّكون): التمسك بالكتاب في جِدٍّ وقوة وصرامة، وإقامة الصلاة، أي شعائر العبادة، هما طرفا المنهج الرباني لصلاح الحياة. والتمسك بالكتاب في هذه العبارة مقروناً إلى الشعائر يعني مدلولاً معيَّناً، إذ يعني تحكيم هذا الكتاب في حياة الناس لإصلاح هذه الحياة، مع إقامة شعائر العبادة لإصلاح قلوب الناس، فهما طرفان للمنهج الذي تصلح به الحياة والنفوس، ولا تصلح بسواه.
والإشارة إلى الإصلاح في الآية: (إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ المصْلِحِين) [الأعراف: 170] يشير إلى هذه الحقيقة، حقيقة أن الاستمساك الجاد بالكتاب عملاً، وإقامة الشعائرِ عبادةً هما أداة الإصلاح الذي لا يُضيّع الله أجره على المصلحين.
وقد علَّق الله رب العالمين عدمَ إهلاكه للناس بوجود المصلحين، الذين يصلحون في الأرض ولا يفسدون، فقال جل وعلا: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُون) [هود: 117].
والقرآن في حَثِّه على الإصلاح ومدحه للمصلحين، يقرر أن المصلحين لا يعيشون لأنفسهم ولا لأجيالهم فقط، بل ينظرون بعيداً في آفاق المستقبل في ما ينفع الأمة وما فيه عزها ومجدها، فلا ينظرون أسفل أقدامهم، بل غاية همهم إصلاح الشبيبة والشيَّب والصغار والكبار، واليوم وأمس وغداً.
وقد انتزع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- من قوله -تعالى-: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيم) [الحشر: 10]، دليلاً على إبقاء أرض سواد العراق غير مقسومة بين الجيش الذي فتح العراق، وجعلها خراجاً لأهلها، قصداً لدوام الرزق منها لمن سيجيء من المسلمين.
ويذكر القرآن أن الأمم السالفة لَمَّا فقدت الإصلاح ورفضت المصلحين، ونشرت الفساد وقربت المفسدين عندما وصلوا إلى استمراء الفساد، عاقبهم الله رب العالمين بأن سلط عليهم آلام الهلاك، وسوء العذاب بما كسبت أيديهم. قال أحكم الحاكمين: (فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ القُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ، وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُون) [هود: 116-117].
إن هذه الآية تكشف عن سنة من سنن الله في الأمم. فالأمة التي يقع فيها الفساد بتعبيد الناس لغير الله، في صورة من صوره، فيجد من ينهض لدفعه هي أمم ناجية لا يأخذها الله بالعذاب والتدمير، فأما الأمم التي يَظلِم فيها الظالمون ويُفسِد فيها المفسدون، فلا ينهض من يدفع الظلم والفساد، أو يكون فيها من يستنكر ولكنه لا يبلغ أن يؤثر في الواقع الفاسد، فإن سنة الله تَحِقُّ عليها إما بهلاك الاستئصال، وإما بهلاك الانحلال والاختلال.
فأصحاب الدعوة إلى ربوبية الله وحدَه وتطهير الأرض من الفساد الذي يصيبها بالدينونة لغيره، هم صمام الأمان للأمم والشعوب. وهذا يُبرز قيمة كفاح المكافحين لإقرار ربوبية الله وحدَه، الواقفين للظلم والفساد بكل صوره، إنهم لا يؤدون واجبهم لربهم ولدينهم فحسب، إنما هم يحولون بهذا دون أممهم وغضب الله واستحقاق النكال والضياع.
والوحي الذي يمدح الإصلاح ويحث عليه هو وحي الحكيم الخبير، الحكم العدل، ولذلك جاء على لسان رسول الله من لا ينطق عن الهوى -صلى الله عليه وسلم- حديث رائع في تصديق هذه الآية السابقة، فعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: قالت: "إِنَّ قُرَيْشاً أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمِ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلاَّ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-؟، فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ"، ثُمَّ قَامَ، فَاخْتَطَبَ، فَقَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَأَيْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا". (متفق عليه).
بارك الله..
الخطبة الثانية:
الحمد لله..
أما بعد: أخي المسلم: كن مصلحاً: فإنَّ المصلِحَ يكون في نجاةٍ وأَمْنٍ ونعمةٍ إذا حلَّ بالمفسدين العقابُ والخوفُ والنِّقْمَةُ، (فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ القُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ، وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُون) [هود: 116-117].
كن مصلحاً: ولا صَلاح ولا إصلاح يُعيد للأمَّة الإسلاميَّة اليومَ ما فَقَدَتْهُ من عزِّ الأخلاقِ وسُمُوِّ المنـزلةِ وشَرَفِ السُّؤْدَدِ إلاَّ بما صَلَحَ عليه الأوَّلون من رجالاتها وأبنائها، ونسائها وبناتها.
لقد ذكر القرآن للإصلاح والصلاح ثمراتٍ كثيرةً وفوائدَ غزيرةً، فكن مصلحاً لكي تفوز بهذه الثمرات:
فكن مصلحاً: لأن الصالحون مع أهل الدرجات العُلا في الجنة: قال الله -تعالى-: (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) [النساء: 69].
كن مصلحاً: لأن إصلاح العمل أمان من المخاوف والأحزان: قال الله -تعالى-: (فَمَنْ ءَامَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون) [الأنعام: 48].
كن مصلحاً: فالإصلاح سبب من أسباب رحمة الله ومغفرته: قال الله -تعالى-: (وَإِن تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيما) [النساء: 129]، وقال جل وعلا: (إِن تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورا) [الإسراء: 25].
كن مصلحاً: لأن الله لا يضيع أجر المصلحين، فأجرهم عند الله محفوظ: قال الله -تعالى-: (إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ المصْلِحِين) [الأعراف: 170].
كن مصلحاً: لأن الصالحون يستحقون ولاية الله: قال الله -تعالى-: (إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِين) [الأعراف: 196].
كن مصلحاً: فإن الله ينجي أهل البلاد إن كان غالب حال أهلها الصلاح، والعكس بالعكس: قال الله -تعالى-: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُون) [هود: 117]، وعَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعاً يَقُولُ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ، وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا. قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَث". (متفق عليه).
كن مصلحاً: لأن الصلاح يوجب وراثة الأرض والاستخلاف فيها: قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُون) [الأنبياء: 105].
أيها المسلمون: لقد حذر القرآن من ادِّعاء الصلاح والإصلاح دون عمل نافع، فقال -تعالى-: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُون) [البقرة: 11]، وإنما هو إيمان وإذعان: (وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِين) [العنكبوت: 9].
فما أروع هذا الدين! وما أعظم القرآن! حثَّ على الإصلاح، ومدح المصلحين، ورفع في الجنة درجاتهم، قبل أن تخرج علينا دعوات هدامة، فولَّت الأمة وجهها شرقاً وغرباً ونأى بها طلب التقدم والإصلاح، وكان الأمر سراباً لا حقيقة له، وشتان بين من يدعو إلى النار ومن يدعو إلى الجنة، وشتان بين الأعمى والبصير، وفارق بين الظلمات والنور، لا يستويان، فما أجدر الأمة أن تعود إلى منهج الإصلاح الأول كتاب ربها، ومصدر عزتها وتفوُّقها بين الأمم!
فقد ضمن الله السعادة في الدنيا والنجاة في الآخرة لمن خافه واتقاه واتبع رضوانه وتجنب مساخطه، كما هو موضَّح ومفصَّل في الوحيين، كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، واللهَ نسأل أن يصلحنا ويصلح بنا، وألا يجعلنا من المفسدين.
اللهم أصلحنا وأصلح بنا.. اللهم..
التعليقات