عناصر الخطبة
1/من بركة النبي في الطعام 2/إباحة الطيبات من الرزق 3/شكر الله على نعمة الطعام ومظاهره 4/أعمال صالحة تزكيكاقتباس
إنه لا يُزيل النعمَ, ولا يهلكُ الأممَ إلا البطرَ والأشر؛ (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا)[القصص: 58], فلنتقِ الله في ما أسبغ علينا فيه ربنا من النعم، وما حبانا به مولانا من الطيبات مما لم يعط أحداً من الأمم...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمد لله على فضله وإنعامه، وله الشكر على جزيل كرمه وامتنانه، يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له, إنه بعباده خبير بصير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا رب غيره ولا إله سواه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله, صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه ومن اتبع سنته إلى يوم الدينِ.
أما بعد: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)[البقرة: 172],
عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قال: "قَالَ أَبُو طَلْحَةَ لِأُمِّ سُلَيْمٍ: لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ضَعِيفًا؛ أَعْرِفُ فِيهِ الجُوعَ، فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ؟, فَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصًا مِنْ شَعِيرٍ، ثُمَّ أَخْرَجَتْ خِمَارًا لَهَا، فَلَفَّتِ الخُبْزَ بِبَعْضِهِ، ثُمَّ دَسَّتْهُ تَحْتَ ثَوْبِي، وَرَدَّتْنِي بِبَعْضِهِ، ثُمَّ أَرْسَلَتْنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: فَذَهَبْتُ بِهِ، فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي المَسْجِدِ وَمَعَهُ النَّاسُ، فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ؟", فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: "بِطَعَامٍ؟" قَالَ: فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِمَنْ مَعَهُ: "قُومُوا" فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، حَتَّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ! قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِالنَّاسِ، وَلَيْسَ عِنْدَنَا مِنَ الطَّعَامِ مَا نُطْعِمُهُمْ، فَقَالَتْ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتَّى لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-, فَأَقْبَلَ أَبُو طَلْحَةَ وَرَسُولُ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم- حَتَّى دَخَلاَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم- : "هَلُمِّي يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا عِنْدَكِ" فَأَتَتْ بِذَلِكَ الخُبْزِ، فَأَمَرَ بِهِ فَفُتَّ، وَعَصَرَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً لَهَا فَأَدَمَتْهُ، ثُمَّ قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ قَالَ: "ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ", فَأَذِنَ لَهُمْ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: "ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ", فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: "ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ", فَأَذِنَ لَهُمْ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ أَذِنَ لِعَشَرَةٍ فَأَكَلَ القَوْمُ كُلُّهُمْ وَشَبِعُوا، وَالقَوْمُ ثَمَانُونَ رَجُلًا"(ترجم الإمام البخاري على هذا الحديث فقال: بَابُ مَنْ أَكَلَ حَتَّى شَبِعَ).
لا حرج ولا ضير ولا عتب أن يملأ الإنسان بطنه مما أحل الله له؛ (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ)[الأعراف: 32].
كلوا طيّباً، فالطّيبُ فيما طعِمتمُ *** يُبينُ على أفواهِكم خالصَ الشّكرِ
هذا هو الضابط؛ أكل وشرب، ثم حمد وشكر, يتأكد هذا المعنى مع إقباليةِ شهر الصيام؛ حيث تضمر الأجسادُ وتظمأ الأكباد، فيُزاد في الموائدِ مما قد يرمى معه الزوائد, وكذا نشر الموائد في وسائل التواصل مباهاةً ومفاخرة, قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنه- فيما أخرجه البخاري: "كُلْ مَا شِئْتَ، وَالبَسْ مَا شِئْتَ, مَا أَخْطَأَتْكَ اثْنَتَانِ: سَرَفٌ، أَوْ مَخِيلَةٌ".
إنه لا يُزيل النعمَ, ولا يهلكُ الأممَ إلا البطرَ والأشر؛ (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا)[القصص: 58], فلنتقِ الله في ما أسبغ علينا فيه ربنا من النعم، وما حبانا به مولانا من الطيبات مما لم يعط أحداً من الأمم, (كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ)[سبأ: 15].
أخرج الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: (يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) [المؤمنون: 51]", فكل من الطيبات واعمل صالحاً تكن مفلحا.
العمل الصالح أن تتحسس البطون الجائعة والأكباد الظامئة, قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "كُلُوا وَاشْرَبُوا, وَالبَسُوا وَتَصَدَّقُوا"(أخرجه البخاري).
العمل الصالح أن تساهم بنفسك أو مالك أو علمك في الأعمال الخيرية والبرامج الدعوية والمؤسسات الإغاثية, أنفق رجل من ديناره، من بره، من صاع تمره، من علمه, من فكره, من حفظه، من توجيهه، من تسميعه، كل ينفق مما لديه؛ (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا)[الطلاق: 7].
العمل الصالح أن تدرك أهمية شهر الصيام, فتنافس فيه بالأعمال الصالحات, والانتهاء عن الآثام.
العمل الصالح أن تكف عينُك عن مناظر تُضعف إيمانك، وسماع لهوٍ يصدك عن كلام ربك، وكلام لغوٍ وزور يُفسدُ أجر صيامك.
أعمالٌ صالحات عظام، يجتمعن في شهر الصيام، مع رحمة ومغفرة وعتق من النيران, وتلك والله غاية المُنى؛ (وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[الزخرف: 32].
أقول هذا القول, وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين فاستغفروه؛ إن ربي رحيم ودود.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله وكفى، والصلاة والسلام على عبده المصطَفى، وعلى آله وصحبه ومَن اجتبى.
أما بعد: أخرج البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لاَ حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ القُرْآنَ، فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ، وَآنَاءَ النَّهَارِ، فَسَمِعَهُ جَارٌ لَهُ، فَقَالَ: لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلاَنٌ، فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُهْلِكُهُ فِي الحَقِّ، فَقَالَ رَجُلٌ: لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلاَنٌ، فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ".
هذه هي الأمنيات المثمرات لأعمال صالحات, ورمضان ميدان فسيح لأن يخطط الأنسان لأن تكون الأمنيات أعمالا يغرس بذرها في رمضان, ويجني ثمرها مع الأيام.
فما العمر إلا صفحة سوف تنطوي *** وما المرء إلا زهرة سوف تذبل
فخطط لشهرك، واغتنم وقتك, وخفف من برامج تواصلك, وحث أسرتك على استقباله، والتخطيط لاغتنامه, تلاوةً وحفظا، ودعاءً وزكاء، فهي لحظات في الأجور حاسمات، وغنائم وفوز بالجنات، فاعمل وبادر؛ "واسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةَ، وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ, الصَّلاَةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا".
هذه نوافذ الصالحات لمن أرادها, وبراهين الأمنيات لمن سعى لتحقيقها؛ "فمَنْ خَافَ أَدْلَجَ، وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ، أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللهِ غَالِيَةٌ، أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللهِ الجَنَّةُ".
بلَّغنا الله وإياكم منازل الأبرار, بجوار النبي المختار؛ (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ)[القمر: 54، 55].
اللهم زدنا من خيرك وبرك وإحسانك, وجعلنا لنعمك شاكرين ولأوامرك ونواهيك ممتثلين.
كما ينبه لما وردنا من توجيه بالتوعية بأخذ الأسباب الشرعية والاحترازات الوقائية, حتى يرفع الله هذا الوباء.
التعليقات