قضاء رمضان

صالح بن محمد باكرمان

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: رمضان الصوم
عناصر الخطبة
1/صوم شهر رمضان ركن من أركان الإسلام 2/شروط وجوب الصيام 3/مسائل في قضاء الصوم 4/الفورية والتراخي في القضاء 5/تبييت النية في صوم القضاء 6/ حكم من ترك القضاء حتى جاء رمضان الآخر 7/حكم من مات وعليه قضاء.

اقتباس

وأما من أفطر بغير عذر، أفطر متعمدًا، منتهكًا لحرمة الشهر، فاجرًا، فاسقًا، فالذي عليه جمهور العلماء، أنَّه يجب عليه القضاء؛ لأنَّه قد وجب عليه الصوم، ولم يُؤَدِّ الصوم، فلم تزل نفسه مشغولة بالصوم، ولم تبرأ نفسه، وذمته من الصوم؛ ولأنَّه أولى بالقضاء من المعذور، على هذا جمهور العلماء من...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه. وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه، وعلى آله، وأصحابه، وإخوانه.

 

أما بعد: أيها المسلمون -عباد الله- اتقوا الله حق تقواه. (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَموتُنَّ إِلّا وَأَنتُم مُسلِمونَ)[آل عمران: ١٠٢]

 

عباد الله: إنَّ صوم رمضان فرض على كل مسلم، عاقل بالغ، مُطيقٍ للصوم، فمن تمَّت فيه هذه الشروط الأربعة، وجب عليه صوم رمضان أداء، أو قضاء، حالًا أو مآلًا.

 

وثَمَّةَ شروط ثلاثة أخرى، إذا تمَّت وجب على المسلم الصوم أداء، وحالًا، وهذه الشروط الثلاثة هي:

• أن يكون صحيحًا غير مريض.

• وأن يكون حاضرًا غير مسافر.

• وأن تكون المرأة طاهرة ليست بحائض ولا نفساء.

ومن نقص عليه شرط من هذه الشروط الثلاثة، وجب عليه قضاء رمضان، وجب عليه قضاء ما عليه من الصوم.

 

وحديثنا اليوم عن قضاء الصوم، وعن مسائل في قضاء الصوم.

المسألة الأولى:  يجب على كل مسلم، لم يُؤَدِّ صوم رمضان، أو لم يُؤَدِّ بعض صوم رمضان بعذر، أو بغير عذر، يجب عليه أن يقضي رمضان، أو ما بقي عليه من أيام رمضان. قال الله -سبحانه وتعالى- في كتابه العزيز: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)[البقرة: ١٨٤]؛ والمعنى فمن كان منكم مريضًا، أو على سفر، فأفطر فواجبه أو عليه عدة من أيام أخر، وهذا هو القضاء.

 

فأوجب الله -عز وجل- القضاء على المريض، إذا أفطر في رمضان، وأوجب الله -عز وجل- القضاء على المسافر، إذا أفطر في رمضان.

 

وفي معنى المريض المغمى عليه، عند الشافعية وغيرهم.

وفي معنى المريض المرأة الحامل، إذا أفطرت خوفًا على نفسها.

وفي معنى المريض المرأة المرضع، إذا أفطرت خوفًا على رضيعها.

ومسائل أخرى تلحق بذلك.

 

وأما الحائض والنفساء، فقد جاء في الحديث أنَّ مُعَاذَةَ سألت عائشة -رضي الله عنها-، فقالت لها: "مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ، وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ؟ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ قُلْتُ: لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ، وَلَكِنِّي أَسْأَلُ. قَالَتْ: كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ، فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ.(رواه البخاري، ومسلم، واللفظ لمسلم).

 

فالمريض إذا أفطر، والمسافر إذا أفطر، والحائض والنفساء، ومن لحق بهم ممن أفطر بعذر، وجب عليهم القضاء. هذا في أصحاب الأعذار.

 

وأما من أفطر بغير عذر، أفطر متعمدًا، منتهكًا لحرمة الشهر، فاجرًا، فاسقًا، فالذي عليه جمهور العلماء، أنَّه يجب عليه القضاء؛ لأنَّه قد وجب عليه الصوم، ولم يُؤَدِّ الصوم، فلم تزل نفسه مشغولة بالصوم، ولم تبرأ نفسه، وذمته من الصوم؛ ولأنَّه أولى بالقضاء من المعذور، على هذا جمهور العلماء من السَّلف والخلف.

 

وذهب بعض العلماء إلى أنَّ الذي يفطر متعمدًا، لا يُقبل منه قضاء؛ لأنَّه أفجر، وأقبح، وأبعد عن الله -عز وجل- مِن أنْ يكفر عنه ذنبه، فذنبه أعظم من أن يكفر عنه بالقضاء ونحوه.

والراجح أنَّه يجب عليه القضاء، وإن كان آثمًا، فاجرًا، فاسقًا.

 

المسألة الثانية: الفورية والتراخي في القضاء.

القضاء:

• قد يكون واجبًا على الفور.

• وقد يكون واجبًا على التراخي والسعة.

 

فأما من أفطر بغير عذر، فإنَّه يجب عليه القضاء فورًا، ولا يجوز له أن يتأخر عن القضاء؛ لأنَّه ترك الصوم عمدًا، آثمًا بتركه، فيجب عليه أن يقضي ما أفطره بعد عيد الفطر مباشرة، عليه أنْ يعجِّل بالصوم، وأنْ يعجِّل بالقضاء، وأن يتابع القضاء.

 

وأما من ترك الصوم بعذر من الأعذار، فإنًّ القضاء في حقه على التراخي والسعة، وليس على الفور.

ووقت القضاء في حق من ترك الصوم بعذر، يبدأ من بعد عيد الفطر إلى آخر يوم من شعبان،  قبل رمضان الآخر. فهذا كله وقت للقضاء، يقضي بعد العيد مباشرة، أو في وسط السَّنة، أو في آخر  السَّنة قبل رمضان.

 

وقد جاء عن عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أنَّها قالت: "كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلَّا فِي شَعْبَانَ؛ الشُّغْلُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَوْ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ-"(رواه البخاري، ومسلم)؛ أي لانشغالها بحقوق النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وهذا هو ظاهر النص، فإنَّ الله -سبحانه وتعالى- قال: (فَعِدَّةٌ مِن أَيّامٍ أُخَرَ)؛ ولم يحدد هذه العدة، ولم يقيّدها بقيد.

 

المسألة الثالثة: لا يجب التتابع في قضاء الصوم، في حق من أفطر بعذر، فيجوز له أنْ يُجزِّئ القضاء، يجوز له أن يقضي:

• بعض الأيام بعد العيد مباشرة.

• وبعضها في وسط السَّنة.

• وبعضها في آخر السَّنة.

فلا حرج عليه في ذلك.

 

المسألة الرابعة: يجب تبييت النية في صوم القضاء، كما يجب تبييت النية في صوم رمضان.

كل صوم مفروض على المسلم، لا يجوز، ولا يُقبل، ولا يصح إلا بنية مبيَّتة من الليل قبل الفجر؛ لأنَّ النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "مَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ"(رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه).

 

من لم يُجْمِعِ النية من الليل فلا صوم له، من لم يُجْمِعِ أي لم يعزم على النية من الليل، وهذا في صوم الفرض، ومنه صوم القضاء. فإذا أراد المسلم أن يقضي شيئًا عليه، فعليه أن يبيِّت النية من الليل، ولا يصح منه القضاء بنية من الفجر -من بعد الفجر-، أو من وسط النهار، ولو لم يأكل، ولم يشرب، ولم يقترف شيئًا من المفطرات.

 

المسألة الخامسة: من ترك القضاء حتى جاء رمضان الآخر.

هو في سعة من أمره، ولكنَّه لم يقضِ في هذه السعة، بل ترك القضاء حتى جاء رمضان الآخر، ولم يقضِ بَعدُ، فإنَّه يجب عليه القضاء بعدَ رمضان، وبعدَ العيد.

 

وهل يجب عليه مع القضاء شيء آخر؟

فيه تفصيل: إن ترك المسلم أو المسلمة القضاء، ولم يستطع أن يقضي في سَنته بعذر،  حتى جاء رمضان الآخر،  فليس عليه شيء، ليس عليه حرج، ولا إثم، وليس عليه شيء بعد القضاء، بل يجب عليه أن يقضي ما عليه بعد رمضان، وبعد العيد الحاضر؛ لأنَّه معذور:

 

كالمرأة تكون مرضعة، أو المرأة تكون حاملاً، ولا تستطيع أن تقضي، وكالرجل يكون مريضًا ضعيفًا، أو المرأة تكون مريضة ضعيفة، فيكون عنده عذر من أعذار الفطر، ويستمر معه العذر إلى أن يأتي رمضان الآخر، فهذا ترك القضاء بعذر آخر، فليس عليه حرج، ولا إثم، وعليه أن يقضي بعد رمضان الحاضر وبعد العيد.

 

وأما إنْ ترك المسلم أو المسلمة القضاء خلال سَنته حتى جاء رمضان الآخر، وليس عنده عذر في هذا التأخير، فإنَّه يأثم بذلك، يأثم بهذا الفعل وبهذا الإهمال؛ لأنَّه ترك الفرض والقضاء حتى خرج وقته.

 

وهل يلزمه شيء مع القضاء، بعد أن يقضي بعد رمضان الحاضر؟

ذهب جمهور العلماء ومنهم الشافعية إلى أنَّه يجب عليه أن يقضي، ويجب عليه مع قضاء كل يوم، أنْ يُطعم مسكينًا مُدًّا من طعام، أو بُرّ، أو ذرة، أو رز، ونحو ذلك.

 

يجب عليه مع القضاء الفدية؛ لأنَّه أخر القضاء بغير عذر، وهذا هو قول جمهور العلماء؛ لأنَّ ذلك قد ورد عن ستة من الصحابة، عن ابن عباس -رضي الله عنه- وابن عمر، وأنس، وأبي هريرة وغيرهم، أنَّهم ألزموا من ترك القضاء بغير عذر بالقضاء والفدية، ولا مخالِف لهم من الصحابة، فلْننتبه لذلك عباد الله.

 

أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد: أيها المسلمون - عباد الله - اتقوا الله حق تقواه.

 

عباد الله: والمسألة السادسة من مسائل القضاء: أنَّ القضاء لا يجب إلا بشرط التمكُّن.

القضاء على المسلم أو المسلمة، لا يلزم إلا بشرط التمكن من القضاء؛ لأنَّ الله -سبحانه وتعالى- قال: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِن أَيّامٍ أُخَرَ)[البقرة: ١٨٤]؛ أي فمن كان منكم مريضًا، أو على سفر، فأفطر  فواجبه عدة من أيام أخر، (فَعِدَّةٌ مِن أَيّامٍ أُخَرَ)؛ وهذا شرط في القضاء، أن توجد عدة من أيام أخر، يستطيع فيها المسلم أن يقضي، وأما إذا لم تأتِ عدة من أيام أخر، يستطيع فيها المسلم أن يقضي، فإنَّه لا يلزم القضاء، بمعنى أنَّ المسلم إذا مَرِض، فترك الصوم في مرضه، واستمر معه المرض حتى مات، فإنَّه لا يلزمه قضاء؛ لأنَّها لم تأتِ عدة من أيام أخر، يتمكن فيها من القضاء.

 

وكذلك المسافر، إذا سافر فأفطر ترخصًا بالسفر، واستمرَّ في السفر، ولم يرجع كأن مات في سفره، أو مات بعد سفره مباشرة، ولم يجد عدة من أيام أخر، يتمكن من القضاء فيها، فإنَّه لا يلزمه الصوم.

 

وينبغي أن نعلم أنَّه إذا تمكن من بعض الأيام، وجبت عليه، فمن كان مريضًا فأفطر، كأن يكون أفطر عشرة أيام، واستمر معه المرض، ثم شفاه الله -سبحانه وتعالى-  شفاء تامًّا، ومكث خمسة أيام، ثم مات.

 

أفطر عشرة أيام، وتمكن من قضاء خمسة أيام، ولم يقضِ، لزمه خمسة أيام، ولم تلزمه الخمسة الأخرى، لأنَّه لم يتمكن.

 

فما تمكن من القضاء فيه لزمه، وما لم يتمكن من القضاء فيه لم يلزمه، وهذا يفيدنا في المسألة التي بعد هذه، وهي المسألة السابعة.

 

المسألة السابعة: من مات وعليه قضاء، صام عنه وليُّه.

كما جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أنَّه قال: "مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ"(رواه البخاري ومسلم).

 

فإذا مات المسلم وعليه صوم، لم يقدر على قضائه، فإنَّنا نُلزم الولي بأحد اثنين:

• إما أن يصوم عنه.

• وإما أن يخرج الفدية.

 

فالولي مخير بين اثنين -الأولياء الأقرباء من أب،  وابن،  وزوجة،  وأم، وبنت، وأخت، هؤلاء الأولياء يصومون عن أقربائهم، الذين ماتوا وعليهم صوم- الولي مخير بين اثنين:  أن يصوم عن قريبه الميت ما عليه من أيام، أو أن يفدي وأن يطعم عنه عن كل يوم مسكينا، مُدًا من طعام -ستمائة جرام-، وبالشرط الماضي.

 

إذا سأل الأولياء عن الصوم عن قريبهم الذي مات، نقول لهم:  قريبكم هذا الذي كان مريضًا، هل شفاه الله -عز وجل- بعد مرضه، وتمكن من أن يصوم ولم يصم؟

فإن قالوا: نعم، قلنا: عليكم أن تصوموا  عنه، أو تُفدوا.

 

وأما إن كان قريبكم مَرِض، واستمر به المرض إلى الموت، فإنَّه لم يتمكن من الصوم، وليس عليه صوم، فلا يلزمكم عليه شيء، لا صوم ولا فدية.

 

ويجوز للأولياء أن يقسموا الأيام بينهم، يجوز إذا كانت على قريبهم خمسة أيام، أن يوزعوها على خمسة، ويجوز لهم أن يصوموا هذه الخمسة في يوم واحد، كلُّ ذلك فيه سعة.

 

المسألة الثامنة: هل يجوز القضاء، والصوم بعد انتصاف شعبان؟

جاء في الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا"(رواه أبو داود، وغيره من أصحاب السنن).

 

"إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا"، وقد اختلف العلماء في هذا الحديث بين مصحِّح له، ومضعِّف؛ فصححه الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- وقال به، وقال: إنَّه إذا انتصف شعبان، فلا يحل للمسلم الصوم بشروط:

 

• إذا كان لم يصم في أول الشهر؛ لأنَّ النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- كان يصوم شعبان أو أكثره، فكان يصوم في آخره قطعًا، فيُحمل الحديث على من يريد الصوم بعد الانتصاف، وأما إذا صام قبلُ، ومضى في صومه، فله أن يصوم في النصف الآخر من شعبان.

 

وأما إذا أراد المسلم أن يصوم في شعبان، وانتظر حتى انتصافه، ثم بعد أن انتصف أراد أن يصوم، يقول الإمام الشافعي -عليه رحمة الله-: يحرم عليه الصوم.

وعللوا ذلك بأنَّ الصوم يُضعفه عن رمضان، ونحو ذلك من التعليلات.

 

• والشرط الثاني: ألا يكون الصوم من الصوم المستحب، المندوب بأحاديث أخرى، كصوم يوم الاثنين، والخميس، والبيض فهذه من كانت له عادة فيها، فإنَّه يصومها ولو بعد انتصاف شهر شعبان.

 

وذهب الإمام أحمد -عليه رحمة الله- إلى ضعف الحديث، والحكم عليه بالنكارة؛ لأنَّ النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال في حديث آخر في البخاري ومسلم: "لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ"؛ ومفهومه يجوز أن تقدموا رمضان بصوم ثلاثةٍ، وأربعة، وخمسة، فيدل مفهومه على جواز الصوم في النصف الثاني من شعبان.

وهذا الحديث المتفق على صحته، مقدَّم على ذاك، فيدل على نكارته.

 

وهذه المسائل فيها سعة للناس، ولكنَّ القضاء مما يُستثنى، حتى عند الإمام الشافعي -عليه رحمة الله-  "إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا"؛ أي تنفُّلاً، وتطوعًا. وأما من أراد أن يقضي في النصف الثاني من شعبان، فله ذلك، ولو في آخر يوم من شعبان، فالقضاء يستمر وقته إلى آخر يوم من شعبان.

 

والمسألة التاسعة والأخيرة: هل يجوز القضاء في يوم الشك؟

ويوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان، إذا تحدث الناس أنَّه من رمضان، ليس كل يوم ثلاثين من شعبان يوم شك، وإنَّما إذا وقعت فيه دلائل، وقرائن، ولم تقبل عند القضاة، فإنَّه يكون يوم شك.

 

وقد جاء في الحديث، عن عمار -رضي الله عنه- أنَّه قال: "مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-"(رواه أحمد، والنسائي). فهذا حديث صحيح صريح، في أنَّه يحرم على المسلم، أنْ يصوم في يوم الشك.

 

وأما القضاء في يوم الشك فأمره آخر، يجوز القضاء حتى في يوم الشك، إذا بقي على المسلم يوم من رمضان، ولم يجد أن يصومه،  أو يقضيه إلا في يوم الشك، أو نسيه وتذكره ليلة الشك، فعليه أن ينوي، وأن يصوم ولو في يوم الشك.

 

أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يمُنَّ علي وعليكم بالعلم، والعمل، والفقه في الدين، والاتباع للنبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، وأن يبلغنا رمضان.

 

اللهم إنا نسألك أن تبلغنا رمضان، وأن تجعلنا من أهل الصيام، والقيام، والدعاء فيه.

اللهم اغفر لنا، ولآبائنا، وأمهاتنا، وأزواجنا، وذرياتنا، ومشايخنا، ومعلمينا، ومن له حق علينا.

 

اللهم اغفر للمسلمين، والمسلمات، والمؤمنين، والمؤمنات الأحياء منهم، والأموات.

اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم رحماك بالمستضعفين من المسلمين في كل مكان.

 

اللهم آتِ نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها.

اللهم إنا نسألك الهدى، والتقى، والعفاف، والغنى. اللهم أصلح ذرياتنا يا أرحم الراحمين.

 

اللهم أصلح بلادنا، وسائر بلاد المسلمين. اللهم أبرم لهذه الأمة أمرًا رشدًا، يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر.

 

اللهم غزِّر أمطارنا، ورخِّص أسعارنا، ولِّ علينا خيارنا، اصرف عنا أشرارنا يا أرحم الراحمين.

اللهم أصلح أمرنا، اللهم أصلح شأننا يا أرحم الراحمين. اللهم خذ بأيدينا إلى كل خير.  اللهم خذ بأيدينا إلى كل خير يا أرحم الراحمين.

 

عباد الله: وصلوا وسلموا على من أمركم الله -عز وجل- بالصلاة والسلام عليه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا صَلّوا عَلَيهِ وَسَلِّموا تَسليمًا)[الأحزاب: ٥٦]؛ اللهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنَّك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنَّك حميد مجيد.

 

 عبادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإِحسانِ وَإيتاءِ ذِي القُربى وَيَنهى عَنِ الفَحشاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغيِ يَعِظُكُم لَعَلَّكُم تَذَكَّرونَ)[النحل: ٩٠]؛ فاذكروا الله؛ يذكركم واشكروه؛ يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله أعلم بما تصنعون.

المرفقات
3jCBAswhLZMVDncwO7SgxbruisojBhorNzLruHOI.pdf
fDnXHKWItD6hLcq6897Fq8dVZZwPsWVwmPD3iOKF.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life