عناصر الخطبة
1/ قصة عاشوراء .. أحداثها وعبرها 2/ تشويه الرافضة ليوم عاشوراء 3/ بعض الأعمال المستحبة في رمضان 4/ بعض الأحاديث والمرويات الضعيفة الخاصة بيوم عاشوراء
اهداف الخطبة

اقتباس

إن ليوم عاشوراء قصة وحكاية، فلنتجاوز حقب التاريخ وأسوار الزمان والمكان لنقف على قصته وحكايته، ونستلهم منها دروسا وعبرا تكون لنا زادا وذخرا. فلقد رأى فرعون رؤيا فسرت له، بأن هلاكه على يد غلام يولد من بني إسرائيل، فاستشاط غضبا، وازداد حمقا، وأمر...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

أما بعد:

 

في غمرة الشعور بالإحباط الذي أصاب بعض المسلمين اليوم من جراء تتابع النكبات والشدائد، يأتي يوم عاشوراء وهو اليوم العاشر من هذا الشهر، شهر الله المحرم يأتي ليذكرنا أنه لا تقف أمام قوة الله قوة: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا) [فاطر: 44].

 

إن ليوم عاشوراء قصة وحكاية، فلنتجاوز حقب التاريخ وأسوار الزمان والمكان لنقف على قصته وحكايته، ونستلهم منها دروسا وعبرا تكون لنا زادا وذخرا.

 

فلقد رأى فرعون رؤيا فسرت له، بأن هلاكه على يد غلام يولد من بني إسرائيل، فاستشاط غضبا، وازداد حمقا، وأمر بذبح كل مولود ذكر.

 

ولكن الله -تعالى- يريد غير ما يريد فرعون، ويقدر غير ما يقدر الطاغية، فيعلن الله إرادته، ويكشف عن تقديره، ويتحدى فرعون وهامان والجنود؛ لأنه سبحانه وتعالى القوي القاهر المعبود: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) [القصص: 5 - 6].

 

ويولد موسى -عليه الصلاة والسلام- في خضم هذه الأحداث والخطر محدق، والموت محقق، وتحتار أمه، ويرتجف فؤادها الضعيف خوفا على ابنها، فيوحي إليها الله -جل الله في علاه-: (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ) [طـه: 39] يا لله! إنه منتهى التحدي.

 

أعلنت الطوارئ، وصدرت الأوامر الأرضية، بذبح المواليد، وحينها تصدر الأوامر السماوية بأن يا فرعون لا تتعب نفسك بالبحث عن هذا الغلام الذي سيكون ذهاب ملكك على يديه، فها هو بين يديك، فإن كان لك كيد فاصنع ما تريد.

 

"لا اله إلا الله" (فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [يوسف: 64]، وإذا بفرعون نفسه يبحث لموسى عن المراضع، ويأتيه بهم حتى سلمه إلى أمه: (كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [القصص: 13].

 

ويتربى موسى في قصر فرعون، وتحت رعايته وإشرافه، وهو من يوفر له كل طلباته واحتياجاته، ويشب موسى -عليه الصلاة والسلام-.

 

وتتوالى فصول القصة العجيبة الغريبة، وينبؤ موسى ويُرسل إلى فرعون: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى) [طـه: 43].

 

وموسى -عليه السلام- من أكثر الناس معرفة بفرعون فقد عاش معه تحت سقف واحد، ولبث معه سنين، لذلك سأل الله العون: (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا * قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى) [طـه: 25 - 36].

 

فأجابه الله لذلك، وقال له ولهارون: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) [طـه: 43 - 44] يا الله! ما أرحمك سبحانك! ما أحلمك سبحانك! تريد من فرعون أن يتذكر أو يخشى! تريد له الرحمة والنجاة وهو من ادعى أنه إله! فسبحانك ربنا من إله رحيم!

 

إنها بشرى لكل مذنب أن له ربا رحيما يغفر الذنب، ويستر العيب، ولا يهتك الستر، ولا يؤاخذ بالجريرة، ويحب التوابين المستغفرين المنيبين.

 

حمل موسى رسالة ربه إلى فرعون وذهب مع هارون، ودار بينهم ما دار حتى قال فرعون بعدما رأى المعجزات: (إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ) [الشعراء: 34].

 

فأشارت عليه بطانة السوء أن يجمع السحرة لمقابلة موسى، فخيب الله سعيهم، ورد كيدهم: (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ) [الشعراء: 46 - 48].

 

فجن جنون فرعون، وأخذ يتوعد ويهدد، لكن بشاشة الإيمان إذا خالطت القلب لن يعبأ حينها بأي تهديد: (قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ * إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ) [الشعراء: 50 - 51].

 

لا ضير في التعذيب، لا ضير في الاستشهاد، لا ضير في تقطيع الأيدي والأرجل.

 

وتتوالى فصول القصة المعبرة المؤثرة، وهنالك وعلى ساحل البحر يشتدد الكرب، وتطير العقول، بعد أن أوحى الله إلى موسى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ) [الشعراء: 52].

 

فيتراءى الجمعان، وينكشف الفريقان، ويبتلى أهل الإيمان، فيقبل موسى -عليه السلام- بثبات على جبينه شمم اليقين.

 

وفي تلك الساعة الرهيبة تصل الجنود الغاشمة، والحشود الظالمة، بقيادة فرعون الطاغية الذي (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ) [هود: 98]، ويتبع في هذه الدنيا: (لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ) [هود: 99].

 

لقد كان قائدا لهم بالكفر والضلال، وهو قائد لهم في داء النكال والإغلال: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) [غافر: 46].

 

وعندما حانت ساعة الصفر، قال أصحاب موسى وقد زلزلهم الخوف: (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) [الشعراء: 61]، وحينئذ يطلق موسى -عليه السلام- كلمة التوحيد التي تقطع كل الأسباب، ولا تبقِ إلا سبب ربي -تبارك وتعالى-: (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الشعراء: 62].

 

وتقدم إلى المقدمة، ونظر إلى البحر وأمواجه المتلاطمة، فلما تفاقم الأمر، وانقطعت الحيل؛ جاء الفرج من الجليل، جاء الفرج من العظيم -سبحانه-: (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) [الشعراء: 63].

 

سبحانك ربنا ما أعظمك: (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) [المدثر: 31].

 

لقد أصبح ماء البحر قائما كالجبال، فجاز موسى ببني إسرائيل، وانحدروا مسرعين مستبشرين، قد ولدوا ميلادا جديدا، وقد شاهدوا ما يحير الناظرين، ويثبت قلوب المؤمنين.

 

ولما جاوز آخرهم، ولم يتخلف أحد منهم، أراد موسى أن يضرب البحر بعصاه، ليرجع كما كان, فأمره ربه أن يدعه على حاله: (وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ) [الدخان: 24] أي اتركه ساكنا، فلما تركه بأمر الله، وانتهى فرعون إليه، ودخل إليه، وتبعه قومه عن آخرهم، واستكمل في البحر، أمر الله كلميه موسى -عليه السلام- فضرب البحر بعصاه، فارتفع عليهم، وعاد بحرا هائجا، فسحقهم وابتلعهم، ولم ينج منهم أحد، هذا جزاء من تكبر وجحد وعاند الواحد الأحد: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) [الشعراء: 8 - 9].

 

إن هذه الملحمة تؤكد: أن نور الله غالب مهما حاول المجرمون طمس معالمه، فلا ينبغي أبدا أن يخالج قلوب المؤمنين أدنى شك بوعد الله، ولا يخدعنهم أو يغرنهم تقلب الكافرين في البلاد، فإن الصراع مهما امتد، والليل مهما اسود، فإن العاقبة للمتقين.

 

أن يوم عاشوراء يوم عز ونصر، وفرح وبشر، فلماذا يصر مجوس هذه الأمة على تلطيخه باللونين الأسود والأحمر؟

 

لماذا يلطم الرافضة فيه خدودهم، ويخدشون وجوههم ورؤوسهم، ويجتمعون فيه للبكاء والعويل والنياحة والصياح؟ وربما سالت منهم الدماء، واختلطت الرجال بالنساء، وكانت سببا في الفحشاء، قال ابن رجب -رحمه الله- عن يوم عاشوراء: "إن اتخاذه مأتما كما تفعله الرافضة لأجل مقتل الحسين بن علي -رضي الله عنهما-، فهو من عمل من ضل سعيه في الحياة الدنيا وهو يحسب أنه يحسن صنعا".

 

 

الخطبة الثانية:

 

أما بعد:

 

فإن المشروع في شهر الله المحرم: الإكثار من صيام النافلة، قال حبيبكم -صلى الله عليه وسلم-: "أفضل الصيام بعد رمضان: شهر الله المحرم" [رواه مسلم].

 

وكذلك: صيام يوم عاشوراء وهو من المستحبات، فقد قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "ما رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم" أي يوم عاشوراء.

 

وعن أبي قتادة: أن رجلا سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن صيام يوم عاشوراء، قال: "احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله".

 

وقد ذكر العلماء: أن ذلك للصغائر.

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وتكفير الطهارة والصلاة وصيام رمضان وعرفة وعاشوراء للصغائر".

 

وأما الحكمة من صيامه؛ فعن عباس -رضي الله عنهما- قال: قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: "ما هذا؟" قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى قال: "فأنا أحق بموسى منكم" فصامه، وأمر بصيامه [رواه الشيخان].

 

ولصيامه مراتب ذكره ابن القيم -رحمه الله- في زاد المعاد:

 

المرتبة الأولى: صوم التاسع والعاشر والحادي عشر، وهذا أكملها.

 

الثانية: صوم التاسع والعاشر مخالفة لأهل الكتاب.

 

الثالثة: صوم العاشر وحده.

 

ولقد كان الصحابة -رضي الله عنهم- يحرصون على صيامه أشد الحرص، فكانوا يُصومون صبيانهم يوم عاشوراء كما في حديث الربيع بنت معوذ عند مسلم، وكان بعض السلف يحرص على صيامه حتى في السفر.

 

وأخيرا -وليس آخرا-: هناك أحاديث تروى في يوم عاشوراء لا صحة ولا أصل لها، فمن تلك الأحاديث المكذوبة: ما ذكر أن في يوم عاشوراء كانت توبة آدم، واستواء سفينة نوح على الجودي، ورد يوسف على يعقوب، وفداء إسماعيل بالكبش، وكسوف الشمس بمقتل الحسين، وظهور لون الدم بالأشجار والأحجار، وحديث: "من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر السنة"، وحديث: "من اغتسل يوم عاشوراء لم يمرض ذلك العام".

 

كل تلك الأحاديث مكذوبة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا أصل لها، ولا يصح منها شيء، ونحن مأمورون بالإتباع لا بالابتداع.

 

صلى وسلم على رسول الله...

 

 

المرفقات
قصة عاشوراء.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life