عناصر الخطبة
1/ معترك فتن عظيمة وشبهات وشهوات 2/ استحكام غربة الإسلام وضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 3/ أهمية الثبات على دين الله والاستقامة على منهجه 4/ قصة ثبات بني عبد القيس على الإسلام 5/ وجوب التصدي لمحاولات الجرأة على الدين.
اهداف الخطبة

اقتباس

فالقابض على دينه عند توارد الفتن وتنوع الشهوات كالقابض على الجمر.. إن الثبات على دين الله أيها المسلمون والدوام على الاستقامة والمبدأ الصحيح مطلب أساسي بكل من يريد نجاة نفسه وخلاصها، وحاجة المسلم اليوم إلى الثبات على الحق فوق كل حاجة، بل إن الثبات على دين الله من أعظم صفات أهل الإيمان...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

(الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ) [الأنعام:1]، والحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد بيده الخير ومنه الخير وبيده وهو على كل شيء قدير.

 

وأشهد نبينا عبد الله ورسوله إمام المتقين وسيد الأولين والآخرين، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعد: فيا أيها المسلمون أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل- فاتقوا الله لعلكم ترحمون؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70- 71].

 

(رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) [آل عمران:8]، اللهم يا مقلِّب القلوب ثبِّت قلوبنا على دينك.

 

أيها المسلمون: إننا اليوم نعيش في معترك فتن عظيمة وشبهات وشهوات يريد أصحابها أن يميلوا بالناس عن سواء السبيل؛ كما قال الله -عز وجل-: (وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا) [النساء: 27].

 

نعم أيها المسلمون: استحكمت غربة الإسلام اليوم وضعف جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقلت الغيرة على الحرمات عند كثير من الناس، وفشَت المنكرات وانتشرت وسائل الإعلام المتنوعة من مسموع ومقروء ومرئي ففتك كثير منها بمجتمعات المسلمين؛ إلا من سلَّمه الله من شرها.

 

جاء الغزو الفضائي بقنواته ووسائله المتنوعة التي حاربت الفضيلة والعفة، فسعت ولا تزال تسعى إلى تغريب مجتمعات المسلمين ليوافقوا أمم الكفر، ومن صار في ركبهم ليجعلوا مجتمع المسلمين مجتمعًا غربيًّا ملحدًا بعيدًا عن دين الله وبعيدًا عن أخلاق الإسلام ليجعلوا منهم مجتمعًا بهيميًّا لا يعرف سوى إشباع الغرائز، وسبق ربنا جل ذكره حين قال عن هؤلاء (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء) [النساء: 89].

 

وعمل الأعداء من منافقي هذه الأمة على استهداف المرأة المسلمة لتهتك حياءها، وتلغي حجابها، ولتخرج إلى مجامع الرجال تعمل معهم جنبًا إلى جنب، والله حسيبهم.

 

وطفت الماديات على حياة كثير من الناس تعلقوا بمباهج الحياة الدنيا، وصار أعداد كثيرة منهم لا يميزون بين الكسب الطيب والخبيث، صرفوا تفكيرهم إلى جمع المال بأيّ طريق وإشباع الغرائز بأيّ سبيل وصارت أمور الآخرة في عالم النسيان عند الكثير الغالب، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

 

وفي خضم هذا الكمّ الهائل من الفتن والمغريات والوسائل والتقنيات والشبهات والشهوات، لابد للمسلم الجاد الذي يسعى إلى نجاة نفسه وخلاصها أن يسأل الله الثبات على الصراط المستقيم ليلقى الله، وقد سلم دينه وليكون من الغرباء الذين يصلحون عند فساد الناس ويصلحون ما أفسده الناس (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [الفاتحة:5].

 

فالقابض على دينه عند توارد الفتن وتنوع الشهوات كالقابض على الجمر كما جاء في الحديث، فيا بشراه بقول الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم-: "بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء".

 

إن الثبات على دين الله أيها المسلمون والدوام على الاستقامة والمبدأ الصحيح مطلب أساسي بكل من يريد نجاة نفسه وخلاصها، وحاجة المسلم اليوم إلى الثبات على الحق فوق كل حاجة، بل إن الثبات على دين الله من أعظم صفات أهل الإيمان.

 

ولذا سنقف اليوم مع طائفة أو فئة أو قبيلة من القبائل التي كانت لها مواقف عظيمة وخاصة أيام المحن؛ إنها قبيلة كانت نائية الديار بينها وبين المدينة النبوية في عهد النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- الفيافي والقفار والقبائل المتسلطة التي لم تستجب بعد لداعي الهدى، ولكن هذه القبيلة على بُعد الدار استجابت وانقادت وأسلمت ولم تنتظر القبائل الأخرى حتى تهتدي لتلحق بها.

 

أيها المسلمون: هذه القبيلة هم بنو عبد القيس الذين كانوا يسكنون الأحساء، وكانت قديمًا تسمى بالبحرين، هذه القبيلة أسلمت وتعلمت دين ربها، فلما هاجر الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة وصلى صلاة الجمعة فيها كان ثاني جمعة جمعت في الإسلام في مسجد جوثا عند وفد عبد القيس في البحرين الأحساء حاليًا.

 

وهذه القبيلة وفدت على النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- لكن تميزت وفادتها بميزتين؛ إحداهما أن الله -عز وجل- أخبر رسوله -صلى الله عليه وسلم- بقدومهم، فأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه -رضي الله عنهم- بذلك فانتظروا قدوم هذا الوفد الكريم حتى إن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ترقبهم على مشارف المدينة ثم جاء يسير معهم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

 

والميزة الأخرى حبهم للعلم وطلبه، فكانوا يسألون أنواعًا من الأسئلة عن الإيمان، وعن الأشربة وغيرها فهم وفد علم ووفد إيمان، ولكن الموقف العظيم لهم الذي سطره التاريخ بأحرف من نور كان يوم أن نكث الكثير على أدبارهم يوم ظهور المتنبئين الكذابين، ثم ارتداد الجزيرة العربية كلها إلا قليلاً، وخاصة بعد وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث لم يثبت إلا مكة والمدينة والطائف، وكان ممن ثبت بنو عبد القيس في البحرين.

 

أما بقية المدن والقبائل فقد ارتدت على أدبارها حتى إن بعض قبائل أهل البحرين مثل بني بكر بن وائل الذي لم يكتفوا بالرد بل ذهبوا إلى كسرى يطلبون أن يولي عليهم من يعيد لهم الأمجاد، فولى عليهم المنذر بن النعمان بن آخر ملوك الحيرة، فقالوا هو أحق بهذا الأمر من ابن أبي قحافة، فهجموا على بنو عبد القيس الذين ثبتوا على إسلامهم وأبو الارتداد عن دينهم واستقاموا وحاصروهم حصارًا شديدًا.

 

وفي أثناء هذه الفتنة العظيمة والهول الشديد، وبينهم وبين المدينة مساحات شاسعة والقبائل من حولهم ارتدت على أدبارها اشتد الأمر على هؤلاء المؤمنين الصادقين وتزلزلت الأرض من تحت أقدامهم.

 

وهنا يأتي مواقف الرجال قام فيهم الجارود العبدي، فقال لهم بعد أن صلَّى وسلم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحمد الله وأثنى عليه، قال: يا معشر عبد القيس أتعلمون أنه كان لله أنبياء قبل محمد -صلى الله عليه وسلم-؟ قالوا: نعم، قال تعلمونه أم ترونه؟ قالوا نعلمه، قال: فما فعلوا؟ قالوا: ماتوا، قال: فإن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- مات كما ماتوا، وإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فقالوا: ونحن أيضًا نشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وأنت أفضلنا وسيدنا".

 

أرأيتم مواقف الرجال في المحن وأي محن، ولما حصروا من المرتدين في حضن جواثا بلغت القلوب الحناجر وأرسل شاعرهم إلى أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- يقول:

ألا أبلغ أبا بكر رسولا *** وفتيان المدينة أجمعينا

فهل لكم إلى قوم كرام *** قعود في جواثا محصرينا

كأن دماءهم في كل فج *** شعاع الشمس يغشى الناظرينا

توكلنا على الرحمن إنا *** قد وجدنا الصبر للمتوكلينا

 

فأرسل أبوبكر الصديق -رضي الله عنه- جيشًا بقيادة العلاء بن الحضرمي -رضي الله عنهم- لنصرة هؤلاء الثابتين القابضين على دينهم، وهكذا هي حال أهل الإيمان الذين يعرفون نعمة الثبات يعرفون نعمة الدين يدركون نعمة الإيمان إذا خالط القلوب ويعلمون فضل الصبر على دين الله وطاعته وفي سبيله (يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء) [إبراهيم:27].

ولا ثبات للمؤمن إلا بالله فهو ولي المؤمنين وهو ناصرهم ومؤيدهم.

 

اللهم ثبِّتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) [آل عمران:8]، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعد: فأوصيكم ونفسي بالثبات على الإسلام والسنة والمحافظة على الصلوات الخمس مع جماعة المسلمين، والحذر من كيد المفسدين وتلبيس المنحرفين والمنافقين.

 

أيها المسلمون: وفي هذا الزمن رفعت شياطين الإنس رؤوسها على الناس، ونطقت الرويبضة، وظهر المتخرصون في دين الله، وكثر المتعالمون، ويا لشديد الحزن صار الناس يقرؤون كل شيء، ويستمعون لكل قائل من هؤلاء الشياطين.

 

كلمات وتغريدات كما يسمونها وكتابات تطعن في دين الله، وتتجرأ على محارم الله وتضلل الناس عن الحق، أقوام يزعمون أنهم عرفوا الحق وأنهم يتبعون الدليل وهم أهل الانحراف والزيغ (فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ) [آل عمران: 7].

 

فاحذروهم ولا تأخذوا دينكم عن مجاهيل سفهاء اتخذوا إلههم هواهم اغتروا بإمهال الله لهم يجادلون بالباطل ويزعزعون ثقة الناس بالحق الذي هم عليه يميلون ويميلون جعلوا دينهم لعبًا ولهوًا (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) [الأنعام: 70].

 

فالله الله في الثبات على الحق يا أيها المسلمون تمسكوا بكتاب الله واقرءوه، واعرفوا السنة النبوية وعظموها وادعوا ربكم أن يثبتكم على الإسلام والسنة فهما عماد ذلك (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) [آل عمران:8].

 

اللهم يا مقلِّب القلوب ثبِّت قلوبنا على دينك.

 

 

المرفقات
قصة بني عبد القيس والثبات.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life