عناصر الخطبة
1/وجوب العمل بسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- 2/فضل العمل بخصال الفطرة 3/المقصود بالاستحداد وفوائده 4/المقصود بالختان وثمراته 5/فوائد قص الشارب أو إحفائه وبعض مخالفات الناس في ذلك 6/فوائد نتف الإبط وتقليم الأظافر 7/فضل السواك وفوائده 8/تفقد خصال الفطرة وتعاهدهااقتباس
ذكر العلماءُ من فوائد أخذِ الشارب: عدمَ التشبه باليهود والمجوس، وحصولَ النظافة عند الأكل والشرب؛ لأنَّ الشاربَ الطويل يعلَقُ به شيءٌ من الطعام والشراب، فيتسخُ بذلك، وربما ينغمسُ في الشراب، فيكرهه غيره، وأيضاً قد يتسرَّبُ شيءٌ من الأنفِ، فيتلبَّدُ على...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، خَلَقَ الإِنسانَ في أحسن تقويم، وخصَّه بالإِنعام والتكريم، وأشهَدُ أنَّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له: (يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [الحشر:24].
وأشهَدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله، أثنَى الله عليه بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم:4].
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين جاهَدُوا تحتَ رايته، وتمسَّكوا بسنته، وكانوا على صراطٍ مستقيم، وسلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعدُ:
أيُّها الناس: اتقوا الله -تعالى-، واعمِلُوا بسنة نبيكم، كما أمرَكُم الله بذلك، فقال: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الحشر:7].
ألا وإنَّ من سنتِه صلى الله عليه وسلم: العملَ بخصالٍ هي من خِصالِ الفطرة، وفي العملِ بها جمالُ الإِنسانِ ونظافته، وحسن مظهره، ومخالفةُ أهل النقائص والمعائب من الكَفَرة والفَسَقة، وعدمُ التشبُّهِ بالدوابِّ من السباعِ والبهائمِ والحيوانات.
قالَ صلى الله عليه وسلم: "خمسٌ من الفطرةِ: الاستحدادُ، والختانُ، وقصُّ الشاربِ ونتفُ الإِبطِ، وتقليمُ الأظافر"(متفق عليه).
ومعنى الحديث: أنَّ مَنْ فَعَلَ هذه الخصال الخمس، فقد اتَّصَفَ بالفطرةِ التي فَطَرَ الله العبادَ عليها، وحثَّهم على فِعْلِها، لِما فيها من جمالِ المظهر، وحسن الهيئة، ونظافة الجسم.
والفطرةُ: هي السنة القديمة التي اختارها الأنبياء، واتفقت عليها الشرائعُ.
وأولُ هذه الخصال: الاستحدادُ: وهو حَلْقُ العانةِ أو إزالتُها بأيِّ مادةٍ مزيلة، لِما في بقائها من التشويهِ، وتراكُمِ الأوساخ.
والثانية من خصال الفطرة: الختان: هي قطعُ جميع الجلدة التي تُغطي حشفةَ الذكر وإزالتها.
والمقصودُ من الخِتانِ: تطهيرُ الإِنسان من النجاسة التي تتجمع تحت القلفةِ لو بَقِيتَ.
ويُسْتَحَبُّ المبادرةُ بختانِ الصبي؛ لأنَّه أسرعُ في البُرْءِ، ولينشأَ الطفلُ على أكملِ الأحوال.
والثالثة من خصال الفطرة: قصُّ الشاربِ أو إحفاؤُه، وهو المبالغة في أخذه.
وفي الحديث: "مَنْ لم يأخُذْ من شاربهِ، فليس مِنَّا"(رواه أحمد والنسائي والترمذي، وقال: "حديث صحيح").
ومنه: السبالان، وهما طَرَفا الشاربِ، فلا تجوزُ إطالتُهما كما يفعلُ بعضُ الجهال، فقد روى الإِمام أحمدُ وغيره: "قُصُّوا سبالاتِكم، ولا تَشَبَّهُوا باليهودِ".
وقد ذكر العلماءُ من فوائد أخذِ الشارب: عدمَ التشبه باليهود والمجوس، وحصولَ النظافة عند الأكل والشرب؛ لأنَّ الشاربَ الطويل يعلَقُ به شيءٌ من الطعام والشراب، فيتسخُ بذلك، وربما ينغمسُ في الشراب، فيكرهه غيره، وأيضاً قد يتسرَّبُ شيءٌ من الأنفِ، فيتلبَّدُ على الشاربِ، ولا يَخْفَى ما في ذلك من الكراهةِ والتشويه.
وجاء في الأحاديثِ الصحيحة: أنَّ من خصالِ الفطرة: إعفاءَ اللحية، وهو توفيرُها، ففي الصحيحين: "خالفوا المشركين، وَفِّروا اللِّحَى، وأحْفُوا الشواربَ".
وفي رواية: "أوفُوا اللحى" أي: اتركوها وافيةً.
وبعضُ الناس اليومَ ابتُلوا بمخالفةِ أحاديثِ الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ومخالفةِ سنته في اللِّحَى والشوارب، فبعضُهم يُوَفِّرُ الشاربَ، ويحلقُ اللحية، وهذا الفعل فيه معاكسةٌ لأمرِ الرسول -صلى الله عليه وسلم-، حيث وَفَّرَ ما أمرَ الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- بأخذِه وإزالته، وأزال ما أمرَ الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- بإبقائه وتوفيرهِ، فَحَلَقَ لحيته، وأبقى شاربه، تقليداً للمشركين، ومخالفةً لسنةِ سيد المرسلين، وذلك؛ لأنَّ الشيطان زيَّنَ له سوءَ عمله فرآه حَسَناً.
بل لقد بلغ الأمرُ أنَّ بعض الأنظمة في بعض الدول الإِسلامية تفرضُ على منسوبيها حلقَ لحاهم، ومُعاقبةَ مَنْ يُوفِّرون لِحاهم، بطردِهم من الخدمةِ الوظيفية.
ومن الناس من يقص لحيته، ولا يُبقي منها إلاَ شيئاً يسيراً، وهذا يُخالف ما أمرَ به الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ توفيرها وإعفائِها، فإنَّ معنى ذلك إبقاؤُها كاملةً من غير تعرُّضٍ لها بقصٍّ أو نتف، ولكنَّ الشيطانَ لما لم يدرِكْ منه إزالتَها بالكلية اكتفَى منه بإزالةِ بعضِها؛ لأنه يريدُ منه مخالفة السنة على أي وجه.
ومن الناس مَنِ ابتُليَ بصبغ لحيته بالسوادِ، وهذا محرَّمٌ، وعليه وعيدٌ شديد؛ لأنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- نَهَى عن الصبغ بالسواد في أحاديث صحيحة، وقد رَوَىَ أبو داود، والنسائي، وصحَّحه ابنُ حِبَّان، والحاكم، عن ابن عباس: قالَ: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "يكون قومٌ يخضِبُون لحاهُم في آخرِ الزمان بالسوادِ، كحواصلِ الحمام لا يَريحونَ رائحةَ الجنةِ".
وهذا وعيدٌ شديد يدُلُّ على شدةِ تحريم هذا العمل.
أمَّا تغييرُ لونِ الشيب بغير السواد، فإنَّه مشروعٌ، كصبغه بالحناء، أو الكتمِ، أو غيرهما، ممَّا ليسَ لونُه من الأسودِ الخالصِ.
ومما يُنْهَى عنه: نتفُ الشيب، فقد قالَ النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تنتفوا الشيبَ، فإنه نورُ المسلم" (رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وحسَّنه).
وبعضُ الناس قد يفعَلُ السيئتين بحيثُ يقُصُّ لحيتَه، ويُبقي منها شيئاً قليلاً يصبغُه بالسوادِ، وكلا الفعلين محرم ومعصيةٌ.
إنَّ اللحيةَ جمالُ الرجل وهيبتُه، وهي الفارقةُ بينَ وجه الرجل ووجه المرأة.
فما بالُ بعضِ الناس يعادُونها، ويعبثون بها، لكنَّه التقليدُ الأعمى، واتباعُ الهوى والشيطان.
فالواجبُ على مَنِ ابتُليَ بفعلِ شيءٍ من ذلك أن يتوبَ إلى الله، ويُطيعَ رسولَ الله، فإنه: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) [النساء:80].
واهتدى بهدى الله، كما قال تعال: (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) [النور:54].
الخصلةُ الرابعة من خصال الفطرة: نتفُ الإبط، أي: نزعُ ما ينبُتُ فيه من شعرٍ أو إزالته بأيِ وسيلة، كالحلق، وأنواعِ المزيلاتِ، لِما في إزالته من قطعِ الرائحة الكريهة، وإزالة الوسخ المجتمع عليه، وغير ذلك من الفوائد.
ولِما في بقائِه من التشويه.
الخصلة الخامسة من خصال الفطرة: تقليمُ أظافر اليدين والرجلين، أي: قصُّها لِما في تركها طويلةً من تشويهِ الخلقة، والتشبُّه بالسباعِ، ولِما يتراكَمُ تحتَها من الأوساخ المنافية للنظافة المطلوبة شرعاً؛ ولأنَّها تمنَعُ وصولَ الماء إلى ما تحتها في الطهارة للصلاة.
وبعضُ النساء وبعض الشباب، قد ابتُلُوا بتطويلِ الأظافر، وعدم قَصِّها تشبُّهاً بالكفار، ومخالفةً للسنة الثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وبعض النساء قد تَضَعُ على الأظافر صبغاً سميكاً، يسمى بالمناكير، يتجمَّدُ على الظفرِ، ويمنَعُ وصولَ ماء الطهارة إليه.
وهذه لا تَصِحُّ طهارتُها؛ لأنه قد بقيَ جزءٌ من جسمِها لم يصلْه الماءُ، وهذا خطرٌ عظيم يجبُ التنبُّه له، والتنبيه عليه.
ومن خصالِ الفطرة الثابتة بالأحاديثِ الكثيرة الصحيحة: السواكُ، فقد وَرَدَ في فضله، والحثِّ عليه، أكثرُ من مئةِ حديث، واتفقَ العلماءُ على أنه سنةٌ مؤكدة، وهو استعمالُ عود، ونحوه في الأسنان، ليُذهبَ الصفرة، ونحوها، والرائحة الكريهة.
عن عائشة -رضي الله عنها- أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "السواكُ مَطْهَرةٌ للفَمِ، مَرْضاةٌ للربِّ" [رواه أحمدُ والنسائي والبخاري تعليقاً].
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لولا أَنْ أَشُقَّ على أمتي لأمرتُهم بالسواكِ عند كل صلاة" (رواه الجماعة).
وفي رواية لأحمد: "لأمرتُهم بالسواك معَ كلِّ وضوء".
ويستحَبُّ السواكُ كلَّ وقتٍ، ويتأكَّدُ عندَ الوضوء قبل المضمضة، وعندَ الصلاةِ وقراءة القرآن والانتباه من النوم، وعندَ تغيُّرِ رائحة الفم؛ لأنَّ المسلمَ ينبغي له أن يكونَ نظيفَ الفمِ طيب الرائحة دائماً، ولا سيَّما عند عبادة ربِّه ومخاطبته، والدخول في بيتٍ من بيوته، فهو نوعٌ من التطهير المشروع من أجلِ الربِّ -سبحانه-؛ لأنَّ مخاطبةَ العظماء مع طهارةِ الأفواه تعظيمٌ لهم، ولذلك قالَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "السواكُ مطهرةٌ للفم، مرضاةٌ للرب".
ويستحَبُّ: أن يستاكَ بعودِ الأراك، فهو أحسنُ أنواعِ المسواك أبو بمشراخِ عذقِ النخيلِ، أو بأيِّ شيءٍ يُزيلُ رائحةَ الفم، ويُنظفُ الأسنان، وفي السواك فوائدُ كثيرة.
فلا ينبغي للمسلم تركهُ.
والله الموفق.
أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [الروم:30].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ...
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي خَلَقَ الإِنسان، وسخَّر له كل شيءٍ في هذه الأكوان.
وأشهَدُ أنْ لا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له ذو العَظَمة والسلطان، وأشهَدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله إلى كافةِ الثقلين الإِنس والجان، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه كل وقت وأوان، وسلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعدُ:
أيُّها الناس: اتقوا الله -تعالى- بفعلِ ما أمركم به، وتركِ ما نهاكم، واقتدوا برسوله، واعمَلُوا بسنتِه، لعلَّكم ترحمون.
عبادَ الله: ينبغي تعاهُدُ الأشياءِ التي يُشْرَعُ أخذُها، كالشارب والأظفار، وشعر الإِبط والعانة، بحيثُ لا تُتْرَكُ تطولُ طولاً مشوِّهاً، ويحصُلُ منها أضرارٌ، ولِما في طول بقائها من مخالفةِ السنة.
عن أنس بن مالك قال: "وُقِّتَ لنا في قَصِّ الشارب، وتقليمِ الأظافر، ونتفِ الإِبط، وحلقِ العانة أَنْ لا نترُكَ أكثرَ من أربعين ليلة"[رواه مسلم وابن ماجة].
وفيه دليلٌ على أنه لا يجوزُ تركُها أكثرَ من ذلك، والأفضلُ أن يتعاهَدَها كلَّ أسبوعٍ.
وهكذا ينبغي أن يكونَ المسلم نظيفاً جميلَ الهيئة عاملاً بالسنة، ولا يتجارى مع العوائد المخالفة للسنة.
فإنَّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هَدْيُ محمد -صلى الله عليه وسلم-... الخ.
التعليقات