عناصر الخطبة
1/ عزة المسلمين في تمسكهم بالإسلام 2/ نهج العلمانيين منافقي العصر في محاربة الإسلام 3/ بعض مكايد المنافقين ضد الإسلام منذ مُبْتدئه 4/ اصطباغ المنافقين باسم العلمانية وانجرار السفهاء وراءهم 5/ المسؤولية الفردية والجماعية في نشر الإسلام.اهداف الخطبة
اقتباس
إن الساحة الإسلامية اليوم تعيش مآسي كيديَّة، يفتعلها أعداءٌ من الداخل والخارج، فأعداء الداخل اليوم المتمثلين في العلمانيين المنحرفين؛ الذين لا يألون جهداً في الفساد والإفساد، وفي تحطيم البنية الإسلامية للمجتمع الإٍسلامي، ويحاولون بشتى الوسائل جرَّ المجتمع إلى الهاويةِ، والسقوطِ والخنوع والتبعية للغرب.
الحمد لله الذي جعل أمة الإسلام من خير الأمم، وخصها بأعظم الشرائع والقيم، وجعل أمرها مبني على اليسير في الأحكام والحكم، أحمده – سبحانه – أسبغ علينا وافر النعم، وأشكره على ما أعطى وقسم.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خالق كلِّ شيء وموجد الأشياء من العدم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أبان الحق ووضع الصليب وحطم الصنم، صلى الله عليه وآله وأصحابه أُولي الفضائل والشيم، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان على النهج والقيم، وسلم تسليماً.
أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله -تعالى- حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
عباد الله: إن أمة الإسلام تكون عزيزة بقيمها وأخلاقها ومناهجها، فإذا هي التزمت بذلك كانت على الوضع الذي أرادها الله عزيزة الجانب، قوية السلطان، مهابة الأركان، ثابتة البنيان، تسير على الأسس المرسومة، والثوابت المعلومة، والأُطر المفهومة؛ من كتاب الله، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، على محجة بيضاء ليلها كنهارها، يقول -سبحانه وتعالى-: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ...) [آل عمران:110]، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "تركتُكُم على محجة بيضاء؛ ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك".
لقد حظيت أمة الإسلام بهذه الثوابت، ونالت بها الخيرية على الأمم، فأصبحت تفوق الأمم بكثير من الخصال والخلال، ومنذ ذلك التاريخ الذي انبعث فيه نور الإسلام يحمله خاتم الأنبياء محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهذه الأمة تحظى بالعزة والمهانة من لدن أعدائها، ويحاولون بجدية أن تسقط راياتها، وتتخلى عن ثوابتها بكل الوسائل الممكنة، فيفلحون تارة، ويخفقون تارات، يواجهون قوة الإسلام بالمواجهات العسكرية، والمؤامرات العدوانية، ويمكرون بالمكر الخبيث، ويسعون السعي الحثيث لطمس معالم الإسلام، ويفتعلون الافتراءات، ويلقون الشبهات؛ ليشوهوا مبادئه وأحكامه، ويصرفوا عنه أتباعه، يقول -سبحانه-: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ...) [البقرة:109].
ولكن محاولات هؤلاء باءت بالفشل، وانقلبوا على أعقابهم خاسرين، يوم أن كانت الأمة ملتزمة بقيمها وأخلاقها، مطبقة لأحكامها وشرائعها، فكانت أبوابها مؤصدة، وقلاعها محصنة، فلا تستطيع أن تفترسها الذئاب، ولا تقتنصها الوحوش والكلاب، لقد قاتل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، مبيناً أن الأمة بالإسلام تعلو، وتصل إلى المكانة اللائقة: "نحن أمة أعزنا الله بالإسلام، ومهما نبتغي العزة بغيره أذلنا الله".
إنها لكلمة عظيمة، نابعة من قوةِ يقين، مُدرك ما للإسلام من دور في إعزاز الأمة وإذلالها، وأن مدار عزة هذه الأمة هو التمسك بالإسلام، والعض عليه بالنواجد.
عباد الله: لقد أدركنا ما لأمة الإسلام من مهابة ومكانة، وما لها من مزايا وفضائل، وعلمنا كيف كان المسلمون في كنفها، وما كانوا عليه من قوة وإباء، ومهابة من لدن الأعداء، وكان الأمر على هذا حقيقة لا هراء، ثم لننتقل -عباد الله- إلى أوضاع حصلت، وأمور حدثت، وسماتٍ تغيرت، فغرقت الأمة في الطوفان والأوحال، وانغمست في الضلال والوبال، فزهدت في مبادئها وقيمها، وتعلقت بذيل غيرها وانتكست، فشد أعداء الأمة أَزْرَهم عليها، وامتطوا ركابهم إليها، فدخلوهم من كل جانب، فألقوا بثقلهم عليهم، وغشوهم بطوفان جارف، وغزوهم بسيل صارف.
وما زال ذلك الضعف في الأمة يتزايد حتى وصل الحال إلى ما نحن فيه من ذلة، ومهانة وضعف وإهانة، وتبديل في الأفكار، وتخلل في الأطوار، وتبعثر في الآراء والأفكار.
عباد الله: إن الساحة الإسلامية اليوم تعيش مآسي كيديَّة، يفتعلها أعداءٌ من الداخل والخارج، فأعداء الداخل اليوم المتمثلين في العلمانيين المنحرفين؛ الذين لا يألون جهداً في الفساد والإفساد، وفي تحطيم البنية الإسلامية للمجتمع الإٍسلامي، ويحاولون بشتى الوسائل جرَّ المجتمع إلى الهاويةِ، والسقوطِ والخنوع والتبعية للغرب.
إن العلمانية -عباد الله- داءٌ فكري منحرف، يهدف إلى هدم الدين والأخلاق والفضائل، وينشر الإباحية والتحرر والتبعية، فهو فكرٌ اتخذه الغرب هدفاً؛ لإقصاء الأديان عن المجتمعات؛ لأنهم يزعمون أن الأديان تقف حجر عثرة عن تقدم الأمم، ويزعم هؤلاء الأبالسة: أن الأديان كبت للحريات، وتخلف ورجعية، وجهل وأمية.
ثم إن هذا الفكر نقله هؤلاء إلى العالم الإسلامي، فامتطاه تلامذتهم في أوساط العالم الإسلامي، وأبلوا بلاءً حسناً في نشره، وصوروا هذا الفكر بمظاهر رقي الأمم، والحضارة، والوصول إلى وسائل التقنية والمعلومات، وبناء الحضارات، وقطع الجانب الديني، وإقصائه عن شؤون الحياة، وإبقاؤه في أماكن العبادة، والمواسم والمناسبات، فلا دخل له في شؤون الحياة، ولا تنظيم الحكم والسياسات، ولا تقنين المبادئ والتشريعات.
ثم تحاملوا على تشريعات الإسلام ومبادئه السامية، وألقوا الشبهات حوله، وبأن فيه الظلم والهضم للحقوق، وكبت الحرية، والتخلف والصد عن التقدم، ثم لهم باعٌ طويلٌ في نشر الشر، وإثارة الفتن، وزرع بذور العداوات بين الأفراد والمجتمعات، والمحكومين والحكام، ولقد قال الله سبحانه في سلفهم: (وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآَتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا) [الأحزاب:14].
فتلكم -عباد الله- نهج العلمانيين منافقي هذا العصر، الذين لهم الدور الأساسي في تحطيم الأمة، وإبقاء المجتمعات الإسلامية تحت الذل والهوان، والضعف والتبعية، إن هذا الفكر العلماني المعاصر يتقلد اليوم مهام سلفه السابق؛ أصحاب الزندقة والنفاق التي انطوت سرائرهم على الحقد وإثارة الشقاق، فقد كانوا -منذ بزوغ الإسلام- يتآمرون على الإسلام، ويكيدون لأتباعه، وهم أعوان وخدم للملاحدة، واليهود، والنصارى، فقد جرُّوا الويلات، وأثاروا النعرات، وأوقعوا النكبات.
ففي عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- تمالؤوا مع اليهود والمشركين، وأثاروا الضجة والفرقة، وأشاعوا الكذب والفرية، تزعموا الكذب في الصحابة، وقالوا: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسناً، ولا أجبن عن اللقاء!.
واتهموا الصديقة الصادقة عائشة؛ أم المؤمنين -رضي الله عنها- بالإفك، وتحرشوا في عرضها، يقول سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [النور:11].
وتآمروا في قتل الخلفاء والصحابة مع أعداء الله، وما فتنة عبد الله بن سبأ اليهودي المنافق؛ الذي فرق الأمة، وتسبب في قتل الخليفة عثمان -رضي الله عنه- إلا واحدة من المؤامرات والطعنات التي وجهت إلى أمة الإسلام.
ثم على مرِّ تاريخ أمة الإسلام نجد أن للمنافقين اليد الطولى في إثارة الفتن والقلاقل والنزعات، وفي عصرنا الذي اصطبغ فيه العلمانيون بهذا الاسم المزيَّف، واتخذوه ذريعة لفكرهم المنحرف، وجدوا من يتلقى منهم هذه الأفكار، ووجدوا على الساحة الإسلامية رعاعاً هملة، وسذَّاجاً جهلة، فتلقوا هذا الفكر بدون روية ولا افتكار، ولا تعقل ولا امتعار، فنمي هذا الفكر في الأوساط، فأخذه العامة والهمع والشذاذ، وسرى إلى القادة والأفذاذ، فأصبحت الحياة الإسلامية تشوبها العلمنة، وتنتهجها بعض قياداتها سياسة ومعلمةً.
واليوم -عباد الله- يبقى على الساحة الإسلامية مواجهة هذا الفكر العلماني المنحرف، وكشف مخططاته، وإظهاره على حقيقته للملأ، ثم إظهار الإسلام بصورته الحقيقية، وكشف الملابسات حوله.
وعلى كل فردٍ منا على المستوى الرسمي والشعبي مسؤولية إظهار ونشر معالم هذا الدين، وبيان فضائله، فإنه المنقذ الوحيد لما أصاب الأمة من بلاء وفتن، ومحن وويلات، فقد قال سبحانه: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [النور:55].
وفقني الله وإياكم إلى هدي كتابه، وسلك بنا طريق أحبابه، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولكافة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
التعليقات