عناصر الخطبة
1/تكريم الله تعالى وتفضيله لبني آدم على كثير من مخلوقاته 2/قيمة الحياة في الشريعة وحفظ الشريعة للنفس الإنسانية من الهلاك 3/بعض صور إحياء النفس البشرية 4/إحياء النفوس حسيا ومعنويااقتباس
إن شريعة الإسلام تغرس في النفوس قيمة الحياة الطيبة التي وعد الله بها عباده دنيا وآخرة، تلك الحياة التي تعمر بالعبادة والقيم والأخلاق بعيداً عن أصحاب النفوس الضيقة، والتصورات الخاطئة التي تقتل صاحبها بالجهل والأوهام قبل أن تجعل منه أداة لقتل نفسه وقتل غيره دون قيمة أو معنى للحياة، ومن هنا جاءت...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الولي الحميد، الفعال لما يريد، أحمده سبحانه وأشكره على فضله المزيد، وإنعامه المديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو العرش المجيد، والطَّول الشديد، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أولي الهدي السديد، والعمل الرشيد، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله -تعالى-، فهي أعظمُ وصية، وأفخرُ لباس وحِلية: (وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ)[الأعراف: 26].
عباد الله: لقد كرم الله -تعالى- بني آدم، وفضلهم على كثير ممن خلق تفضيلاً، وشرع لهم من الشرائع والأحكام ما يكفل لهم حياة طيبة وسعادة دائمة في الدنيا والآخرة: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)[النحل: 97].
وشريعة الإسلام تغرس في النفوس قيمة الحياة الطيبة التي وعد الله بها عباده دنيا وآخرة، تلك الحياة التي تعمر بالعبادة والقيم والأخلاق بعيداً عن أصحاب النفوس الضيقة، والتصورات الخاطئة التي تقتل صاحبها بالجهل والأوهام قبل أن تجعل منه أداة لقتل نفسه وقتل غيره دون قيمة أو معنى للحياة.
ومن هنا جاءت شريعة الإسلام بما يحقق الأمن والاطمئنان، فحفظت الضرورات الخمس؛ التي جاءت الشرائع السماوية برعايتها، وفي طليعتها حفظَ النفس الإنسانية، وصونها عن كل بغي وعدوان وحمايتها مما يودي بها إلى التلف والهلاك، قال تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)[النساء: 29]، وقال سبحانه: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)[المائدة: 32].
وهذه الآية الكريمة تؤكد قضيّة مهمة، ألا وهي: تعظيم النفوس وحفظها، وأن من تسبب ببقاء نفس واحدة بنهي قاتلها أو استنقاذها من أسباب الهلاك؛ فكأنما أحيا الناس جميعاً، بل ينال أجر كل عمل صالح تعمله تلك النفس من صلاة وصوم وطاعة وذكر وخير، فإحياء النفس كإحياء الناس جميعاً.
وهذه الآية الكريمة تحمل بين طياتها معانٍ جليلة: أعظمها الكف عن قتل النفس المحرم قتلها، فمن لم يقتل نفساً بغير حق استراح الناس منه وأمِنوه، فيرحمه الله ويعظم شأنه؛ فكأنه أحيا الناس جميعاً، فعن ابن عباس ومجاهد في قوله: (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً)[المائدة: 32] قالا: من كف عن قتلها فقد أحياها.
ومن كان سببا في رفع قتل الظلم عن مظلوم كان كمن أحيا الناس جميعاً، ومن قتلها بغير حق فكأنما قتل الناس جميعا وهذا ما كتبه الله على بني إسرائيل.
ومن معاني إحياء النفس بالعفو عن القتل الخطأ في حكم القصاص: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ)[البقرة: 178]، فالعفو نور المؤاخاة بين الناس، فكأن من عفى عن القاتل أحيا الناس جميعاً.
ومن صور إحياء النفس البشرية: استنقاذ نفسٍ معصومة من هلكة؛ كمن أنجاها من حرقٍ، أو غرقٍ، أو هدمٍ، أو علة يعاني منها، أو من أي وجه كان، فعن مجاهد: (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً)[المائدة: 32]، قال: "من أنجاها من غرق أو حرق فقد أحياها".
ويدخل في هذا الباب الجليل إسعافُ المرضى والمصابين، وقد ساهمت أمهات المؤمنين ونساء الصحابة -رضي الله عنهن- في غزوات الرسول -ﷺ- في إسعاف ومداواة الجرحى ورعايتهم وفي طليعتهن رُفَيْدَةُ بنت سعد الأنصارية -رضي الله عنها-.
ودورنا المجتمعي يحتم نشر الوعي والتثقيف حول الإسعافات الأولية، للإسهام في إنقاذ الأنفس، وكذلك تعلم مبادئها بالتعاون مع الهلال الأحمر السعودي، وسائر الجهات المعنية.
وبعد: عباد الله: فإن العمل على إنقاذ نفس واحدة من الموت يأتي معادلا لإنقاذ حياة الناس جميعا؛ لأنه بذلك العمل الانساني يُعظم شأن الحياة، ويدعو الآخرين إلى تعظيمها، والمحافظة عليها، وبذل أقصى الجهد لإنقاذ حياة الآخرين؛ لأن الحياة لا يأخذها إلا واهبها، وقلب المؤمن رحيم يغيث مستغيثاً، ويلبي حاجة مضطر؛ ويدفع الموت عن النفس البشرية في حالة إسعافها وإنقاذها، وهكذا شأن كل صاحب رسالة وحامل مسؤولية في التداعي لحفظ حياة أفراد المجتمع حتى يأتي أمر الله المقدور على كل أحد.
بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من البينات والحكمة.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وسمع الله لمن دعا، وبعد: فاتقوا الله -عباد الله-، وابذلوا جهدكم في إحياء النفوس حساً ومعنى؛ وإنقاذ الروح من جمرة الهوى بسلوك طريق الهداية، وتفريج الكرب، وإغاثة الملهوف: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[الحـج: 77].
وأعظمُ الفضائل ما تكون ببذل الخير، والعفو، والإحسان إلى الخلق، فأجر ذلك عند مَنْ يجازي على مثقال الذرة من الخير والشر: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)[الزلزلة: 7-8].
واعلموا -عباد الله-: أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللهم صَلِّ وسَلِّم على النبي المصطفى المختار، وعلى المهاجرين والأنصار وعلى جميع الآل والصحب الأخيار.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين يا رب العالمين.
اللهم وَفِّق ولي أمرنا وولي عهده لما تحب وترضى، وخذ بناصيتهما للبر والتقوى.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون؛ فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
التعليقات