عناصر الخطبة
1/شرف العبودية ومكانتها 2/ضعف العبد وفقره ألصق صفة بارزة فيه ولضعفه فتح له باب الدعاء 3/آية الله في المطر 5/هديه صلى الله عليه وسلم في الاستسقاءاقتباس
عِبَادَ اللهِ: وَلِعِلْمِ اللهِ -عزَّ وجلَّ- بِضَعْفِ عِبَادِهِ، فَتَحَ لهمْ أبْوَابًا وأسْبَابًا يُصْلِحُونَ بها ما أفسدَتْهُ الشياطينُ، وما وقعَ منهم بجهلٍ أو تقصيرٍ، فشرعَ لهم التوبةَ والاستغفارَ...
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ فَاطرِ الأرضِ والسَّمَاءِ، المتفَضِّلِ على عِبَادِهِ بالنِّعَمِ والآلاءِ، سُبْحَانَهُ مُجِيبُ الدُّعَاءِ، واسعُ العطاءِ، خَزَائِنُهُ بالخيرِ مَلأى، ويَدُهُ بالنفقةِ سحَّاء، يعلمُ ما نخفي وما نعلن وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِن شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، وَأَشْهَدُ ألّا إِلَهَ إِلّا اللهُ، وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنّ محمدًا عبدهُ ورسولُه، صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وصحبِهِ وسلّمَ تسليمًا كثيرًا أمّا بعدُ: فاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَأَطِيعُوهُ، وتُوبُوا إليهِ واسْتَغْفِرُوهُ واطْلُبُوا رِضَاهُ بِطَاعَتِهِ، وفِرُّوا مِنْ ضِيقِ الدُّنْيَا إلى سِعَةِ رَحْمَتِهِ؛ (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ) الذاريات: [50-51].
أيُّهَا المؤْمِنُونَ: إِنَّ أَسْمَى مَا يَرْفَعُ بِهِ المسلمُ قَامَتَهُ في هذه الدُّنْيَا، هو شَرَفُ العُبُودِيَّةِ للهِ -عزَّ وجلَّ-، فهيَ أصْلُ كُلّ رِفْعَةٍ وَسَنَاء، وَمَصْدَرُ كُلّ فَخْرٍ وَعَلاء، ومُوجِبُ كُلّ عِزٍّ وَإِبَاء. عِبَادَ اللهِ: وَمَقَامُ الْعُبُودِيَّةِ أَشْرَفُ المقَامَاتِ وَأَعْلاهَا وَأَرْفَعُ المَنَازِلَ وَأَسْمَاهَا ولذَا شَرَّفَ اللهُ نَبِيَّهُ بِهَذَا الْوَصْفِ بِقَوْلِهِ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ولم يجعل له عوجا) الكهف:[1].
وقَدْ أَنْطَقَ اللهُ -سُبْحَانَهُ- عِيسَى -عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- في مَهْدِهِ بِتِلْكَ الْحَقِيقَة، وَقَدَّمَ شَرَفَ الْعُبُودِيَّةِ للهِ -عزَّ وجلَّ- على شَرَفِ النُّبُوَّةِ والرِّسَالَةِ بِقَوْلِهِ: (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا)[مريم: 30]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لَا تُطْرُونِي كما أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ؛ فإنَّما أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولوا: عبدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ"(أخرجه البخاري (3445).
أيُّهَا المؤْمِنُونَ: وأَلْصَقُ صِفَةٍ بِالْعَبْدِ هِيَ الضَّعْفُ والْفَقْرُ، فَالْعَبْدُ في جَمِيعِ شُؤُونِهِ وشَتَّى أُمُورِهِ، لا يَسْتَغْنِى عَنْ مَوْلاهُ، قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)[فاطر: 15]، واللهُ يَعْلَمُ ضَعْفَ عِبَادِهِ، وَحَاجَتِهِمْ إِلَيْهِ وَفَقْرِهِمْ إِلَى رَحْمَتِهِ، قالَ سُبْحَانَهُ: (الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا) الأنفال: [69].
عِبَادَ اللهِ: وَلِعِلْمِ اللهِ -عزَّ وجلَّ- بِضَعْفِ عِبَادِهِ، فَتَحَ لهمْ أبْوَابًا وأسْبَابًا يُصْلِحُونَ بها ما أفسدَتْهُ الشياطينُ، وما وقعَ منهم بجهلٍ أو تقصيرٍ، فشرعَ لهم التوبةَ والاستغفارَ؛ قال تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[النور: 31]، وقال تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا)[نوح: 10-11].
أيُّهَا المؤْمِنُونَ: وَلِعِلْمِ اللهِ -عزَّ وجلَّ- بِضَعْفِ عِبَادِهِ، فَتَحَ لَهُمْ بَابَ الدُّعَاءِ والمَسْأَلَةِ، وَهُوَ أَجَلُّ الأبوابِ وأعظمها، والدعاءُ سلاحُ المؤمنينَ ومطيةُ الصالحينَ، وغوثُ المضطرينَ وملاذُ الخائفينَ، قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) [البقرة:186] وقال -صلى الله عليه وسلم-: (الدُّعاءُ هوَ العبادةُ) رواه أبو داود (1479) وصححه الألباني (3407).
عِبَادَ اللهِ: والمَطَرُ آيةٌ مِنْ آَيَاتِ اللهِ -عزّ وجلّ-، تنطق بوحدانيتِهِ وحكمتِهِ، يصيب ُبهِ مَنْ يشاءُ، ويصْرِفُهُ عنْ مَنْ يَشَاءُ، يَنْزِلُ بِأَمْرِهِ، وَيَتَحَرَّكُ بِإِذْنِهِ، قالَ تَعَالَى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ)[النور: 43]؛ قال ابنُ عباسٍ -رضي اللهُ عنهما-: "ليسَ عامٌ بأكثرَ مطراً من عام ولكنَّ الله يُصرِّفُه كيفَ يشاءُ، ثم قرأَ قولَ اللهِ تعالى: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا)[الفرقان:50].
أيُّهَا المؤْمِنُونَ: وكانَ من هديِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- إذَا خَرجَ لصلاةِ الاستسقاءِ خَرَجَ متذللاً متواضِعًا؛ فعنِ ابنِ عباسٍ -رضي الله عنهمَا- قالَ: "خَرَجَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- للاستسقَاءِ مُتَذَلِلاً مُتَواضِعاً مُتَخَشِعاً مُتَضَرِعاً"(أخرجه أبو داود (1165) حسنه الألباني في إرواء الغليل (669).
عِبَادَ الله: وقدْ وَجّهَ وليُّ أمرِنَا خادمُ الحرمينِ الشَّرِيفَيْنِ -حَفِظَهُ اللهُ وَأَيَّدَهُ- بِإِقَامَةِ صلاةِ الاستسقاءِ في هذا اليومِ، اقتداءً بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وتطبيقًا لسنتِهِ، وهذا التوجيهُ يعكسُ منهجَ بلادنا في تطبيقِ السُّنَّن، وذَمِّ البِدَعِ، وإخمادِ الفتنِ، فجزاهُمُ الله خيرَ الجزاء وأجرَى على أيديهم الخيرَ للبلادِ والعبادِ وحفظهُمْ من كلِّ سوءٍ ومَكْرُوهٍ.
وكانَ من هَدْيْ النبي -صلى الله عليه وسلم- في الاستسقاء أنْ يَقْلِبَ رِدَاءَه تفاؤلاً بتغييرِ الحالِ، وإذا اسْتَسْقَى اسْتَقبَل القبلةَ، ودعا ربَّه، وأطالَ الدعاءَ.
أيُّهَا المؤمنونَ: توجّهوا إلى اللهِ بقلوبِكُمْ، وأَظْهِرُوا فَقْرَكُمْ إِلَيْهِ، وَضَعْفَكُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ، انْكَسِرُوا عَلَى بَابِهِ، وانْطَرِحُوا بَيْنَ يَدَيْهِ، وارْفَعُوا أَكُفَّكُمْ إِلَيْهِ، واسْأَلُوهُ مِنْ فَضْلِهِ، وأَكْثِرُوا مِنْ اسْتِغْفَارِهِ وشُكْرِهِ، وأَبْشِرُوا بِالْخَيرِ والبَرَكَةِ، فَرَبُّكُمْ حَيِيٌّ كريمٌ يَسْتَحِيي مِنْ عبدِه إذَا رَفَعَ يَديه إليه أَنْ يردَّهما صِفرًا، أستَغفِرُ اللهَ الَّذي لا إلَهَ إلّا هو الحيَّ القَيُّومَ وأَتوبُ إليه، أستَغفِرُ اللهَ الَّذي لا إلَهَ إلّا هو الحيَّ القَيُّومَ وأَتوبُ إليه، أستَغفِرُ اللهَ الَّذي لا إلَهَ إلّا هو الحيَّ القَيُّومَ وأَتوبُ إليه، الَّلهم أنتَ اللهُ لا إلَه إلا أنتَ، أنتَ الغنيُّ ونحنُ الفقراءُ، أَنْزِل علينَا الغيثَ ولا تجعلنَا من القانطينَ، الَّلهم أَغثْنا، الَّلهم أغثْنا، الَّلهم أغثْنا، الَّلهم أَسْقنا غيثًا مغيثًا هنيئًا مريئًا، طبقًا مجللًا، سحًّا عامًّا، نافعًا غيرَ ضارٍّ، عاجلًا غيرَ آجلٍ، الَّلهم تُحيْيِ به البلادَ، وتغيثُ به العبادَ، وتجعلُه بلاغًا للحاضرِ والبادِ، الَّلهم سُقيا رحمةٍ، لا سُقيَا عذابٍ ولا هدمٍ ولا غرقٍ، الَّلهم أسْقِ عبادكَ وبلادَك وبهائَمكَ وانْشرْ رحمتَك، وأَحْي بلدَك الميِّتْ، الَّلهم أَنْبِتْ لنَا الزرعَ، وأدرَّ لنا الضرعَ، وأَنْزلْ علينَا من بركاتِك، واجعلْ ما أَنْزلتَه علينَا قوةً لنا على طاعتِك، وبلاغًا إلى حينٍ، الُّلهم إنَّا خلقٌ من خَلقِك فلا تمنعْ عنَّا بذنوبِنَا فضلكَ، الَّلهم يا مَنْ وسعتْ رحمتُه كلَّ شيءٍ، ارحمْ الشيوخَ الركَّعَ والأطفالَ الرضَّعَ والبهائمَ الرُّتَّعَ وارحمْ الخلائقَ أجمعْ، برحمتِك يا أرحمَ الراحمينَ.
وصلَّى اللهُ وسلَّم على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين.
التعليقات