عناصر الخطبة
1/يوم عرفة وما فيه من الفضائل والمكارم 2/فضل يوم النحر والقر والتشريق.اقتباس
ولا يخفى على الجميع أن الدعاء يوم الجمعة في آخر النهار ترجى إجابته، فإن ساعة ما بعد العصر إلى غروب الشمس ساعة ترجى فيها إجابة الدعاء، وقد وافق يوم عرفة فهذا فضل عظيم علينا اغتنامه وعدم التفريط في هذه الأوقات الفاضلة العظيمة.
الخطبة الأولى:
الحمد لله خلق السموات والأرض وأقام سوق الجنة والنار من أجل لا إله إلا الله، وأرسل رسله وبعث أنبياءه عليهم صلوات الله وسلامه لتقرير لا إله إلا الله، لتكون منهج حياة ودستور أخلاق، وشعائر عبادة، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله القائل تحقيقا للتوحيد "أفضل الدعاء دعاءُ يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له". صلى الله عليه وعلى رسل الله وأنبيائه جميعاً ورضي الله عمن اهتدى بهداهم واستن بسنّتهم إلى يوم الدين.
أما بعد -فيا أيها المؤمنون- أوصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلن.
عباد الله: إن هذا اليوم الذي نحن فيه يوم عرفة يوم عظيم القدر كثير الأجر؛ فهو أحد أيام الأشهر الحرم قال الله -عز وجل-: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ)، والأشهر الحرم هي: ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، ورجب ويوم عرفه من أيام ذي الحجة.
ويوم عرفة أحد أيام أشهر الحج قال الله -عز وجل-: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ) وأشهر الحج هي: شوال، ذو القعدة، ذو الحجة.
عباد الله: ويوم عرفة أحد الأيام المعلومات التي أثنى الله عليها في كتابه قال الله -عز وجل-: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: الأيام المعلومات: عشر ذي الحجة.
ويوم عرفة أحد الأيام العشر التي أقسم الله بها منبها على عظم فضلها وعلو قدرها قال الله -عز وجل-: (وَلَيَالٍ عَشْرٍ) قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: إنها عشر ذي الحجة قال ابن كثير: وهو الصحيح.
أيها المؤمنون ويوم عرفة أحد الأيام العشرة المفضلة في أعمالها على غيرها من أيام السنة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما من عمل أزكى عند الله -عز وجل- ولا أعظم أجرا من خير يعمله في عشر الأضحى قيل: ولا الجهاد في سبيل الله -عز وجل- ؟ قال ولا الجهاد في سبيل الله -عز وجل- إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء"(رواه الدارمي وحسن إسناده الشيخ محمد الألباني في كتابه إرواء الغليل).
عباد الله ويوم عرفة أكمل الله فيه الملة، وأتم به النعمة، قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: إن رجلا من اليهود قال: يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا. قال: أي آية؟ قال: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا)؛ قال عمر -رضي الله عنه-: قد عرفنا ذلك اليوم الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم بعرفة يوم الجمعة.
عباد الله: فقد جاء الفضل في صيام هذا اليوم على أنه أحد أيام تسع ذي الحجة التي حث النبي -صلى الله عليه وسلم- على صيامها فعن هنيدة بن خالد -رضي الله عنه- عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر"(صححه الألباني في كتابه صحيح أبي داود).
كما جاء فضل خاص لصيام يوم عرفة دون هذه التسع قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- عندما سئل عن صيام يوم عرفة: "يكفر السنة الماضية والسنة القابلة"(رواه مسلم في الصحيح)، وهذا لغير الحاج وأما الحاج فلا يسن له صيام يوم عرفة لأنه يوم عيد لأهل الموقف.
عباد الله: واعلموا أن الدعاء في يوم عرفة له وفضل ومزية قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "خير الدعاء دعاء يوم عرفة"(صححه الألباني في كتابه السلسة الصحيحة). قال ابن عبد البر -رحمه الله-: وفي ذلك دليل على فضل يوم عرفة على غيره.
ولا يخفى على الجميع أن الدعاء يوم الجمعة في آخر النهار ترجى إجابته، فإن ساعة ما بعد العصر إلى غروب الشمس ساعة ترجى فيها إجابة الدعاء، وقد وافق يوم عرفة فهذا فضل عظيم علينا اغتنامه وعدم التفريط في هذه الأوقات الفاضلة العظيمة.
وفي يوم عرفة كثرة العتق من النار قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة"(رواه مسلم في الصحيح).
اعلموا -عباد الله- أن شعيرة التكبير في العشر تنقسم إلى قسمين: التكبير المقيد الذي يكون عقب الصلوات المفروضة ويبدأ من فجر يوم عرفة.
وأما التكبير المطلق فهو الذي يكون في عموم الأوقات ويبدأ من أول ذي الحجة إلى آخر أيام التشريق وهو اليوم الثالث عشر.
عباد الله: في يوم عرفة ركن الحج العظيم قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الحج عرفة"(متفق عليه).
بارك الله لي ولكم ...
الخطبة الثانية:
الحمد لله يمنّ على من يشاء من عباده بالقبول والتوفيق، أحمده تبارك وتعالى وأشكره على أن منّ علينا بإدراك يوم عرفة وقُرب عيد الأضحى وأيام التشريق، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له هدانا لأكمل شريعة وأقوم طريق، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله ذو النسب العريق، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أولي الفضل والتصديق، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما توافد الحجيج من كل فج عميق.
أما بعد -فيا عباد الله- وها هي عشر ذي الحجة قد أوشكت وشارفت على الرحيل وختامها مسك بيوم العاشر وهو يوم النحر أعظم الأيام عند الله؛ قال صلى الله عليه وسلم: "أَعظمُ الأيَّامِ عِنْدَ اللَهِ يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ القَرِّ "(رواه أبو داود وصححه الألباني).
ويوم القر: هو اليوم الذي يلي النحر وهو يوم الحادي عشر.
ويوم النحر: هو اليوم الأول من أيام العيد وهو يوم الحج الأكبر .
وسمي كذلك لما يجتمع فيه من أعمال جليلة كالوقوف بالمزدلفة ورمي جمرة العقبة والنحر والحلق وطواف الإفاضة وصلاة العيد.
عباد الله: ومن الأعمال الجليلة في يوم العيد نحر الأضحية بعد الصلاة، قال صلى الله عليه وسلم – وهو يخطب- إن أول ما نبدأ من يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر فمن فعل فقد أصاب سنتنا"(صحيح البخاري)،
كذلك يستحب إظهار البشر والسرور وصلة الأرحام ونبذ الشحناء والخلاف ومسامحة الخلق والعفو عنهم، والتوسعة على العيال وإدخال السرور عليهم .
عباد الله: واعلموا أن أيام التشريق أيام ذكر الله -تعالى- وشكره ويحرم صيامها قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله"(أخرجه مسلم).
وهي الأيام المعدودات التي قال الله -عز وجل- فيها؛ (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ).
وأيام التشريق يجتمع فيها للمؤمنين نعيم أبدانهم بالأكل والشرب, ونعيم قلوبهم بالذكر والشكر, وبذلك تتم النعمة. ومن تمام شكر النعمة أن يستعان بها على الطاعات, وقد أمر الله -تعالى- في كتابه بالأكل من الطيبات والشكر له؛ فالواجب على المسلمين تقوى الله تعالى, وعمارة أوقاتهم بذكره تعالى وشكره وطاعته.
عباد الله صلوا وسلموا على رسول الله ......
التعليقات