عناصر الخطبة
1/ فضائل عشر ذي الحجة 2/ أفضل أيام الدنيا 3/ عظم ثواب الأعمال الصالحة في عشر ذي الحجة 4/ حال السلف الصالح مواسم الطاعات 5/ صور من أهم الأعمال الفاضلة في هذه الأيام 6/ إحياء سُنة التكبير في العشر كلهااهداف الخطبة
اقتباس
إذا تبين فضل العمل في عشر ذي الحجة على غيره من الأيام، وأن هذه المواسمَ نعمةٌ، وفضل من الله على عباده، وفرصة عظيمة يجب اغتنامها، فحري بنا أن نخصّ هذه العشر بمزيد عناية واهتمام، وأن نحرص على مجاهدة النفس بالطاعة فيها، وأن نكثر من أوجه الخير وأنواع الطاعات، فقد كان هذا حال السلف الصالح في مثل هذه المواسم.
الخطبة الأولى:
أما بعد، فيا أيها المؤمنون: لقد خلق الله الخلق، وفاضَل بينهم، حتى في الأيام والشهور، ولله الحكمة في ذلك، ومن ذلك أن الله فضل عشر ذي الحجة، وجعل فيها من الخيرات الشيء العظيم، ولقد نوّه الله بذلك في كتابه، ونبيه -صلى الله عليه وسلم- في سنته، وأن عشر ذي الحجة هي أفضل أيام السنة على الإطلاق.
وهذا من فضل الله -تعالى- على عباده أن جعل لهم مواسم للطاعات، يستكثرون فيها من الأعمال الصالحات، ويتنافسون فيها، فيما يقربهم إلى ربهم، والسعيد من اغتنم تلك المواسم، وألا تمر عليه مروراً عابراً.
عباد الله: إن من دلائل فضل عشر ذي الحجة أن الله أقسم بهن في كتابه، وإذا أقسم الله بشيء دل هذا على عظم مكانته وفضله؛ إذ العظيم لا يقسم إلا بعظيم، قال تعالى (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ) [الفجر: 1- 2]. والليالي العشر هي عشر ذي الحجة، وهذا ما عليه جمهور المفسرين، ورجحه ابن كثير.
ومنها، أنها الأيام المعلومات التي شرع فيها ذكره: قال تعالى: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) [الحج:28]، وجمهور العلماء على أن الأيام المعلومات هي عشر ذي الحجة، منهم ابن عمر وابن عباس، رضي الله عنهم.
ومنها، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شهد لها بأنها أفضل أيام الدنيا: فقد أخرج البزار وابن حبان من حديث جابر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أفضل أيام الدنيا أيام العشر" يعني: عشر ذي الحجة ـ قيل: ولا مثلهن في سبيل الله؟ قال: "ولا مثلهن في سبيل الله إلا رجل عفر وجهه بالتراب".
ومنها، أن فيها يومَ عرفة، ويوم عرفة يوم الحج الأكبر، ويوم مغفرة الذنوب، ويوم العتق من النيران، ولو لم يكن في عشر ذي الحجة إلا يوم عرفة لكفاها ذلك فضلاً.
ومنها، أن فيها يومَ النحر: وهو أفضل أيام السنة، أخرج أبو داود والنسائي في سننه من حديث عبدالله بن قرط قال -صلى الله عليه وسلم-: "أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القر".
ومنها اجتماع أمهات العبادة فيها: قال الحافظ ابن حجر في الفتح: "والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيرها".اهـ.
معاشر المؤمنين: إذا كانت هذه العشر بهذا الفضل فلا شك أن العمل فيها، فاضل والأجر فيها مضاعف.
وقد ورد ما يدل على فضل العمل في عشر ذي الحجة، فقد أخرج البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام ـ يعني أيام العشر ـ قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء".
وأخرج أحمد في مسنده من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: كنت عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: فذكرت له الأعمال، فقال: "ما من أيام العمل فيهن أفضل من هذه العشر"ـ قالوا: يا رسول الله، الجهاد في سبيل الله؟ فأكبره. فقال: "ولا الجهاد إلا أن يخرج رجل بنفسه وماله في سبيل الله، ثم تكون مهجة نفسه فيه".
فدل هذان الحديثان وغيرهما على أن كل عمل صالح يقع في أيام عشر ذي الحجة أحب إلى الله -تعالى- من نفسه إذا وقع في غيرها، وإذا كان العمل فيهن أحب إلى الله فهو أفضل عنده. ودل الحديثان أيضاً على أن العامل في هذه العشر أفضل من المجاهد في سبيل الله الذي رجع بنفسه وماله، وأن الأعمال الصالحة في عشر ذي الحجة تضاعف من غير استثناء شيء منها.
معاشر المسلمين: إذا تبين للعبد هذه الفضيلة العظيمة في هذه الأيام، كان لزاما على كل عبد أراد النجاة لنفسه، أن يجتهد فيها، ضاربًا فيها بكل سهم من الطاعات، مستفرغًا وسعه في الاجتهاد في عَمْر أوقاتها بالقربات، فستمضي كما مضت ميادين كثيرة، كانت فرصة لمن استثمرها، وحسرة على من فرط فيها.
اللهم وفقنا لعمل الطاعات واجتناب المنكرات، أقول قولي هذا وأستغفر الله ....
الخطبة الثانية
أما بعد فيا أيها الناس: إذا تبين فضل العمل في عشر ذي الحجة على غيره من الأيام، وأن هذه المواسمَ نعمةٌ، وفضل من الله على عباده، وفرصة عظيمة يجب اغتنامها، إذ تبين كل هذا، فحري بنا أن نخصّ هذه العشر بمزيد عناية واهتمام، وأن نحرص على مجاهدة النفس بالطاعة فيها، وأن نكثر من أوجه الخير وأنواع الطاعات، فقد كان هذا حال السلف الصالح في مثل هذه المواسم..
يقول أبو عثمان النهدي: "كانوا –أي: السلف- يعظمون ثلاث عشرات: العشر الأخير من رمضان، والعشر الأول من ذي الحجة، والعشر الأول من محرم"، ويقصد بتعظيمها اغتنام الفضائل التي وردت فيها..
ولعلنا -في عجالة- نمرّ ببعض الأعمال الفاضلة التي يستحب للمسلم أن يحرص عليها ويكثر منها في هذه الأيام فمنها:
أداء الحج والعمرة:
وهما من أفضل ما يُعمل في عشر ذي الحجة، حج بيت الله الحرام، ومن يسر الله له حج بيته وقام بأداء نسكه أو أداء العمرة على الوجه المطلوب فجزاؤه الجنة.
والحج المبرور هو الحج الموافق لهدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، الذي لم يخالطه إثم من رياء أو سمعة أو رفث أو فسوق، المحفوف بالصالحات والخيرات.
ومنها الصيام:
فيسن للمسلم أن يصوم تسع ذي الحجة وهو يدخل في جنس الأعمال الصالحة، بل هو من أفضلها، وقد أضافه الله إلى نفسه؛ لعِظم شأنه وعلو قدره، فقال سبحانه في الحديث القدسي المتفق عليه: "كل عمل ابن آدم له، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به".
وقد خص النبي -صلى الله عليه وسلم- صيام يوم عرفة من بين أيام عشر ذي الحجة بمزيد عناية، وبيّن فضل صيامه فيما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي قتادة قال -صلى الله عليه وسلم-: "صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفّر السنة التي قبله والتي بعده".
ومن الأعمال الصالحة في هذه العشر: الصلاة:
وهي من أجل الأعمال وأعظمها وأكثرها فضلاً، ولهذا يجب على المسلم المحافظة عليها في أوقاتها مع الجماعة، وعليه أن يكثر من النوافل في هذه الأيام، فإنها من أفضل القربات.
ومنها -وهو من أفضلها وخُص بالحديث-: التكبير والتحميد والتهليل والذكر:
فقد حث النبي -صلى الله عليه وسلم- على الإكثار من الذكر في هذه العشر، أخرج أحمد في مسنده من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد".
وقال البخاري: "كان ابن عمر وأبو هريرة -رضي الله عنهما- يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرها". وقال: "وكان عمر يكبّر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون، ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيراً. وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيام وخلف الصلوات وعلى فراشه، وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعاً".
ويستحب للمسلم أن يجهر بالتكبير في هذه الأيام ويرفع صوته به، وعليه أن يحذر من التكبير الجماعي؛ حيث لم يُنقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن أحد من السلف، والسنة أن يكبّر كل واحد بمفرده.
فيُسن التكبير والتحميد والتهليل والتسبيح أيام العشر والتشريق. والجهر بذلك في المساجد والمنازل والطرقات، وكل موضع يجوز فيه ذكر الله إظهارًا للعبادة، وإعلانًا بتعظيم الله -تعالى- .
ويجهر به الرجال وتخفيه المرأة، قال الله تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) [الحج: 28].
وصفة التكبير: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، ولله الحمد، وهناك صفات أخرى.
والتكبير في هذا الزمان صار من السنن المهجورة، ولا سيما في أول العشر، فلا تكاد تسمعه إلا من القليل، فينبغي الجهر به إحياء للسنة وتذكيرًا للغافلين.
ومن الأعمال الصالحة: الصدقة:
فيستحب للمسلم الإكثار منها في هذه الأيام، وقد حثّ الله عليها فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [البقرة:254].
وعلى العبد الإكثار من الأعمال الصالحة عمومًا؛ لأن العمل الصالح محبوب إلى الله -تعالى-، وهذا يستلزم عِظَم ثوابه عند الله -تعالى- . فمن لم يمكنه الحج فعليه أن يعمر هذه الأوقات الفاضلة بطاعة الله -تعالى- من الصلاة وقراءة القرآن، والذكر والدعاء، والصدقة، وبر الوالدين وصلة الأرحام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغير ذلك من طرق الخير وسبل الطاعة.
اللهم منّ علينا باغتنام الأوقات الفاضلات يا رب العالمين.
التعليقات