فضائل اليقين وثمراته

بندر بليلة

2022-10-28 - 1444/04/03
التصنيفات: أحوال القلوب
عناصر الخطبة
1/اليقين من أفضل ما يحرزه المسلم ويناله 2/معنى اليقين وفضائله العظمى 3/بعض ما يناقض اليقين ووجوب الحذر منه

اقتباس

مَنْ حَقَّقَ اليقينَ حازَ التوكُّلَ، ووَرِثَ الصبرَ، ووَثِقَ بالله في أمورِه كلّها، ورضيَ بقضائه وقدَرِه، واستحالت البلايا في حقِّه إلى عطايا، والنِّقَمُ إلى نِعَمٍ، وكان مِن أغنى الناس، وإن لم يكن له حظٌّ من الدنيا...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله، الحمد لله جلَّت عظمتُه وتقدَّسَتْ، وبرزت قدرتُه وتجلَّتْ، وظهرَتْ حكمتُه وبهرَتْ، أشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، ذلت له الرقاب والأصوات خشعت، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، تمَّت ببعثته النعمةُ والمنةُ، وبه النبوةُ خُتمَتْ، صلَّى اللهُ وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان ما بزغت شمس وغربت.

 

أما بعدُ: فأوصيكم -أيها الناسُ- ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله -رحمكم الله-، فمن استحكم صدى قلبِه صَعُبَ تلافيه، وأعرَض عنه مَنْ هو أعلمُ بما فيه، اجعلوا أبلغَ الهمِّ الاستعدادَ للمعاد، والتأهبَ لجواب الملك الجواد، فهو القائل -سبحانه-: (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[الْحِجْرِ: 92-93].

 

أيها المسلمون: من خير ما يُحرِز العبدُ وينال، يقينٌ يرقى به رُتَبَ الكمال، يقينٌ يكون للنفس صبحًا ونُجحًا، وغُنمًا ورِبحًا، اليقين سكون الفَهْم، واستقرار العلم، واطمئنان القلب لِمَا جاء عن الله ورسوله، هو لبابُ الإيمانِ ومخبَرُه، وحقيقتُه وجوهرُه، تنافَس فيه المتنافسون، وشمَّر إليه المجدون، وتَفاضَل به العارفون، قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[الْبَقَرَةِ: 4-5].

 

إنَّه سببٌ لدخول الجنة، قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- لأبي هريرةَ -رضي الله عنه-: "اذْهَبْ بنَعليَّ هاتينِ، فمَنْ لَقِيتَ مِن وراءِ هذا الحائطِ يشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ مُستيقنًا به قلبُه فبشِّرْه بالجنة"(أخرجه مسلم).

 

وقال أبو بكر -رضي اللهُ عنه-: "قام فينا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- على المنبر، ثم بكى فقال: اسألوا اللهَ العفوَ والعافيةَ؛ فإنَّ أحدًا لم يُعْطَ بعدَ اليقينِ خيرًا مِنَ العافيةِ"(أخرجه الترمذيُّ وحسَّنه)، وقال ابنُ مسعودٍ -رضي اللهُ عنه-: "اليقينُ الإيمانُ كلُّه"، وقال أبو بكرٍ الورَّاقُ: "اليقينُ مِلاكُ القلب"، وقال الحسنُ البصريُّ -رحمه الله-: "باليقين طُلِبت الجنة، وباليقين هُرِب من النار، وباليقين أُدِّيَت الفرائضُ، وباليقين صُبِر على الحق".

 

عبادَ اللهِ: اليقينُ لا يُنالُ إلا بيقين! عِلمًا بالله -عز وجل-، وعملًا بطاعته، وتَلَمُّسًا لمَراضيه، ومُجاهَدةً للنفس، والشيطان، والهوى.

 

ألَا إنَّ له لَأطيَبَ الفوائدِ، وأزكى العوائدِ: فبه الهَناءُ في الدارين، قال ابنُ القيمِ -رحمه الله-: "لا يَتمُّ صلاحُ العبدُ في الدارين إلا باليقين والعافية، فاليقينُ يدفعُ عنه عقوباتِ الآخرةِ، والعافيةُ تدفعُ عنه أمراضَ الدنيا من قلبه وبدنه".

 

وباليقينِ الانتفاعُ بآياتِ اللهِ، والاهتداءُ بأنوارها، قال الله -تعالى-: (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ)[الرَّعْدِ: 2]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ)[الذَّارِيَاتِ: 20]، وقال جلَّ شأنُه: (هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)[الْجَاثِيَةِ: 20].

 

ومَنْ حَقَّقَ اليقينَ حازَ التوكُّلَ، ووَرِثَ الصبرَ، ووَثِقَ بالله في أمورِه كلّها، ورضيَ بقضائه وقدره، واستحالت البلايا في حقِّه إلى عطايا، والنِّقَمُ إلى نِعَمٍ، وكان مِن أغنى الناس، وإن لم يكن له حظٌّ من الدنيا.

 

بارَك اللهُ لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذِّكْر الحكيم، أقول قُولِي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفِروه، إنَّه كان للأوابين غفورًا.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد للهِ عظيمِ الشأنِ، قديمِ الإحسانِ، عميمِ الامتنانِ، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان، ما توالَى الجديدانِ وتتابَع النيِّرانِ.

 

أما بعدُ: فاتقوا الله -عباد الله-؛ (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[الْبَقَرَةِ: 281].

 

أيها المؤمنون: إنَّ ممَّا يُضادُّ اليقينَ ويُناقِضُه: تعلُّقَ المخلوقِ بغيرِ خالِقِه، والتفاتَ قلبِه إليه، وتطلُّعَه إلى ما في يديه، قال سهلُ بنُ عبدِ اللهِ -رحمه الله-: "حرامٌ على قلبٍ أن يَشْتَمَّ رائحةَ اليقينِ وفيه سُكونٌ إلى غير الله".

 

ومَنْ أرخى سمعَه وقلبَه إلى الأباطيل والشُّكوكِ والشُّبُهات، وقَع في الرَّدى والهَلَكات! فشرُّ الأمورِ أكثرُها شَكًّا ورَيْبًا، وخيرُها ما أَسْفَر عَنِ اليقينِ، وفي التنزيل الحكيم: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ)[الرُّومِ: 60].

 

هذا وصلُّوا وسلِّموا على خيرة الله من خلقه، محمد بن عبد الله، النبي القرشي الهاشمي، فاللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى الآل والأصحاب، التابعين لهم بإحسان إلى يوم المآب، وعنا معهم بمنك وكرمك يا كريم يا وهاب.

 

اللهم أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ،، واحمِ حوزةَ الدين، وانصر عبادك المؤمنين، اللهم فَرِّجْ همَّ المهمومينَ من المسلمين، ونَفِّسْ كربَ المكروبين، واقضِ الدَّينَ عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِحْ أئمتنا وولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق والتوفيق والتسديد إمامنا وولي أمرنا، اللهم وفِّقْه ووليَّ عهده لما فيه صلاح البلاد والعباد يا ربَّ العالمينَ، اللهم سَدِّدْ جندَنا المرابطينَ على الحدود والثغور، كن لهم معينًا وظهيرًا، ومؤيِّدًا ونصيرًا.

 

اللهم إنا نسألك علمًا نافعًا، ورزقًا واسعًا، وعملًا صالحًا متقبَّلًا، اللهم أَحْسِنْ عاقبتَنا في الأمور كلها، وأَجِرْنا من خزيِ الدنيا وعذابِ الآخرةِ، (رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 53]، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201].

 

عبادَ اللهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)[النَّحْلِ: 90-91].

 

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life