عناصر الخطبة
1/تفضيل الله لما يشأ من خلقه 2/أوائل وسوابق أهل اليمن في الخير على غيرهم من الناس 3/فضائل أهل اليمن ومناقبهم 4/بعض المفاهيم الخاطئة المتعلقة بالفضائل 5/الفضائل لا تعني التعالي إنما تعني التمسك بالإسلام والثبات عليهاقتباس
من فضائل أهل اليمن: أنهم جيش الإسلام وجنده البواسل في كل زمان، فقد كانت لهم أيادٍ بيضاء في الفتوحات الإسلامية في حياة رسول الله وبعد موته في فتوح العراق والشام وبلاد الترك وأفريقية والأندلس وأوروبا، حتى...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء: 1].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي رسوله محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الناس: إن الله -تعالى- هو العليم الحكيم، ومن مظاهر علمه وحكمته: أن يختار من خلقه ما يشاء ويفضله على غيره؛ لما يعلمه سبحانه فيه من أسباب التفضيل، سواء كان ذلك في البشر أم الملائكة أم الأماكن أم الأزمنة.
إن من أولئك الذين فضلهم الله -تعالى- من أمة محمد -عليه الصلاة والسلام-: أهل البلدة الطيبة أهل اليمن. فإن لهم من الفضائل والمناقب والمحامد والمكارم ما شهدت به الأخبار عن النبي المختار -صلى الله عليه وسلم-، وشهد بذلك أيضاً حسن الفعال عبر التاريخ الإسلامي الطويل.
عباد الله: إن لأهل اليمن أوائل وسوابق في الخير على غيرهم من الناس؛ فمن ذلك: أن أهل اليمن هم أول من أجاب إبراهيم -عليه السلام- حين أذن بالحج، كما قال ابن عباس -رضي الله عنهما-، قال تعالى: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)[الحج: 27].
وكذلك كان تبّع اليماني هو أول من كسا الكعبة، وأول أهل اليمن إيماناً بالنبي محمد -عليه الصلاة والسلام- قبل مبعثه؛ فقد روى عبد الرزاق عن ابن جريج قال: "بلغنا أن تبعاً أول من كسا الكعبة الوصائل فسترت بها". ثم كساها الناس من بعده إلى يومنا هذا.
وأخرج ابن عساكر في تاريخه قال: أقبل تبع يفتتح المدائن حتى نزل المدينة وأهلها يومئذ يهود فظهر على أهلها، وجمع أحبار اليهود فأخبروه أنه سيخرج بمكة نبي يكون قراره بهذا البلد اسمه أحمد، وأخبروه أنه لا يدركه، فقال تبع للأوس والخزرج: أقيموا بهذا البلد، فإن خرج فيكم فآزروه وصدقوه، وإن لم يخرج فأوصوا بذلك أولادكم، وقال في شعره:
حُدِّثتُ أن رسول المليـ ** ك يخرج حقاً بأرض الحرمْ
ولو مُدّ دهري إلى دهره *** لكنت وزيراً له وابن عمّْ
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تسبوا تبعاً؛ فإنه كان قد أسلم"(قال الألباني: "و بكار بن عبد الله -هو اليمامي- قال الذهبي: "ما علمت به بأسا". قلت (أي: الألباني): فهو شاهد مرسل جيد. أي: لحديث عائشة).
وعن عروة عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: "كان تبع رجلاً صالحاً، ألا ترى أن الله -عز وجل- ذم قومه ولم يذمه"(رواه الحاكم، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي).
وأخرج ابن عساكر عن بكار بن عبد الله قال: سمعت وهب بن منبه يقول: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الناس عن سب أسعد وهو تبع، قلنا: يا أبا عبد الله وما كان أسعد؟ قال: كان على دين إبراهيم"(رواه أحمد والطبراني، وهو حسن).
عباد الله: ومن سوابق أهل اليمن أيضاً: أنهم أول من سأل رسول الله -عليه الصلاة والسلام- عن أول هذا العالم، فعن عمران بن حصين -رضي الله عنهما- قال: "إني عند النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ جاءه قوم من بني تميم فقال: "اقبلوا البشرى يا بني تميم" قالوا: بشرتنا فأعطنا، فدخل ناس من أهل اليمن فقال: "اقبلوا البشرى يا أهل اليمن؛ إذ لم يقبلها بنو تميم" قالوا: قبلنا، جئناك لنتفقه في الدين، ولنسألك عن أول هذا الأمر ما كان؟ قال: "كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، ثم خلق السماوات والأرض وكتب في الذكر كل شيء"(رواه البخاري).
وجاء عن أبي هريرة الدوسي اليماني -رضي الله عنه- أنه قال: "يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك؛ لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصة من قبل نفسه"(رواه البخاري).
ومن سوابق أهل اليمن: أنهم أول من جاء بالمصافحة، فعن أنس بن مالك قال: "لما جاء أهل اليمن قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قد جاءكم أهل اليمن، وهم أول من جاء بالمصافحة"(رواه أحمد وأبو داود والبخاري في الأدب المفرد، وهو صحيح).
أيها المسلمون: إن لأهل اليمن فضائل كثيرة أخرى جاءت على لسان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فمن ذلك: أن أهل اليمن هم أهل الإيمان، وهو درجة أعلى من الإسلام، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "جاء أهل اليمن هم أرق أفئدة، الإيمان يمان، والفقه يمان، والحكمة يمانية"(متفق عليه).
وعن أبي مسعود قال -وأشار النبي -صلى الله عليه وسلم- بيده نحو اليمن: "الإيمان هاهنا" مرتين "ألا وإن القسوة وغلظ القلوب في الفدادين" -حيث يطلع قرنا الشيطان-: "ربيعة ومضر"(رواه البخاري).
وقد بوب الإمام النووي في صحيح مسلم: "باب تفاضل أهل الإيمان فيه ورجحان أهل اليمن فيه"، وساق الحديثين السابقين.
قال بعض العلماء في معنى الحديث الأول: "أي: يتأخر الإيمان بها بعد فقده من جميع الأرض، وقال بعضهم: لإذعانهم إلى الإيمان بغير كلفة".
ومن الفضائل: أن أهل اليمن هم أهل الفقه والعلم، كما في الحديث السابق: "والفقه يمان"، والمقصود بالفقه: الفهم الشمولي للإسلام وليس المصطلح الفني عند المتأخرين.
قال ابن رجب -رحمه الله-: "وهذا إشارة منه إلى أبي موسى -رضي الله عنه- ومن كان على طريقه من علماء أهل اليمن كأبي مسلم الخولاني وأويس القرني ووهب بن منبه وغيرهم من علماء أهل اليمن، وكل هؤلاء من العلماء الربانيين... ولم يكن تميزهم عن الناس بكثرة قيل وقال ولا بحث ولا جدال".
ومن الفضائل: أن أهل اليمن هم أهل الحكمة والإصابة في القول والفعل، كما في الحديث السابق: "والحكمة يمانية" والحكمة معناها: ما منع من الجهل والجفاء، والحكيم من منعه عقله وحلمه من الطيش.
وقال بعض العلماء: "الحكمة الإصابة لما يرضي الله وما يحبه، وترك ما يسخطه ويكرهه، ولا ينال ذلك إلا برقة القلب وصفائه، فمن كان أصفا قلباً فإنه أحسن إدراكاً وأشد إصابة".
قال ابن رجب -رحمه الله-: "وقال ابن مسعود: "إنكم في زمان كثير علماؤه قليل خطباؤه، وسيأتي بعدكم زمان قليل علماؤه، كثير خطباؤه"، فمن كثر علمه وقل قوله فهو الممدوح، ومن كان بالعكس فهو مذموم. وقد شهد النبي -صلى الله عليه وسلم- لأهل اليمن بالإيمان والفقه. وأهل اليمن أقل الناس كلاماً وتوسعاً في العلوم، لكن علمهم علم نافع في قلوبهم ويعبرون بألسنتهم عن القدر المحتاج إليه من ذلك. وهذا هو الفقه والعلم النافع".
وكفى بهذه منقبة بعد الإيمان بالله؛ لأن الله -تعالى- يقول: (يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ)[البقرة: 269].
ومن فضائل أهل اليمن: أنهم من أهل الخشوع ورقة القلوب والشفقة على المخلوق، والطاعة والانقياد في الحق كما في الحديث السابق: "جاء أهل اليمن هم أرق قلوباً، وأضعف أفئدة"، وعند أحمد: "وأنجع طاعة"، وعند الطبراني: "وأسمع طاعة"(حسن إسناده الهيثمي).
وقد قدم ناس من أهل اليمن على أبي بكر -رضي الله عنه- أيام خلافته فسمعوا القرآن فجعلوا يبكون، فقال أبو بكر: "هكذا كنا ثم قست القلوب".
أيها الأحبة الكرام: ومن فضائل أهل اليمن: أنهم يحبون الله ويحبهم الله، وأنهم أشداء على الكفار أرقاء على المؤمنين، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[المائدة: 54]. فعن عياض الأشعري قال: "لما نزلت هذه الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)[المائدة: 54] أومأ رسول الله إلى أبي موسى بشيء كان معه فقال: "هم قوم هذا"(رواه الطبراني والحاكم، وهو صحيح).
وروى الطبري في تفسيره عن محمد بن كعب القرظي: "أن عمر بن عبد العزيز أرسل إليه يومًا، وهو أمير المدينة، يسأله عن ذلك: فقال: محمد: يأتي الله بقوم، وهم أهل اليمن، قال عمر: يا ليتني منهم!".
وأخرج البخاري في تاريخه عن القاسم قال: "أتيت ابن عمير فرحب بي ثم تلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)[المائدة: 54]، ثم ضرب على منكبي وقال: أحلف بالله لمنكم أهل اليمن، ثلاثاً".
ومن الفضائل: أنهم من أكثر الناس تشبهاً بصحابة رسول الله في اتباع السنة، فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه رأى رفقة من أهل اليمن في الحج رحالهم الأدم، فقال: "من أحب أن ينظر إلى أشبه رفقة كانوا بأصحاب رسول الله فلينظر إلى هؤلاء".
ومن فضائل أهل اليمن: أنهم من أسرع الناس استجابة للحق وبعداً عن الاستكبار عنه؛ فقد استجابوا لدعوة رسول الله -عليه الصلاة والسلام- برسالة، ولم يلق منهم رسول الله محاربة وصداً. وجاءت وفودهم أفواجاً مسلمين منقادين من غير إكراه ولا رهبة، عن ابن عباس قال: "بينما النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة إذ قال: "الله أكبر، الله أكبر، جاء نصر الله وجاء الفتح، وجاء أهل اليمن قوم نقية قلوبهم، لينة طاعتهم، الإيمان يمان والفقه يمان والحكمة يمانية"(رواه ابن حبان، وهو صحيح).
وعن أبي هريرة قال: "لما نزلت: (إذا جاء نصر الله والفتح) قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أتاكم أهل اليمن هم أرق قلوباً، الإيمان يمان، الفقه يمان، الحكمة يمانية"(رواه أحمد والطبراني، وهو صحيح).
ومن فضائل أهل اليمن: أن رجالهم خير الرجال، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "خير الرجال رجال أهل اليمن"(رواه أحمد، وهو صحيح).
أيها الإخوة الأكارم: ومن فضائل أهل اليمن: أن أعمالهم الصالحة أعظم من أعمال غيرهم، فعن أبي سعيد -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنه سياتي قوم تحقرون أعمالكم إلى أعمالهم" قلنا: يا رسول الله أقريش؟ قال: "لا، ولكن أهل اليمن"(رواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني والطحاوي في مشكل الآثار).
ومن فضائل أهل اليمن: أنهم جيش الإسلام وجنده البواسل في كل زمان، فقد كانت لهم أيادٍ بيضاء في الفتوحات الإسلامية في حياة رسول الله وبعد موته في فتوح العراق والشام وبلاد الترك وأفريقية والأندلس وأوروبا حتى وصلوا إلى أبواب فرنسا، وما زالت معالمهم في إسبانيا شاهدة على آثارهم؛ فمن ذلك: أن غالب أهل معركة القادسية التي انتصر فيها المسلمون على الفرس وكانت بوابة فتح فارس كان غالب جندها من اليمن، بل كانت قبيلة بجيلة اليمنية وحدها ربع الناس فضلاً عن غيرهم.
وفي معركة نهاوند أيضاً أبلوا بلاء حسناً، وفي معركة بلاط الشهداء كذلك، وغيرها، فعن أبي أمامة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله -عز وجل- استقبل بي الشام وولى ظهري لليمن، وقال لي: يا محمد، جعلت ما تجاهك غنيمة ورزقاً، وما خلف ظهرك مدادا"(رواه الطبراني، وهو صحيح).
وفي آخر الزمان لأهل اليمن بشرى، ففي حديث عبد الله بن حوالة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "سيصير الأمر إلى أن تكونوا جنوداً مجندة: جند بالشام، وجند باليمن، وجند بالعراق" قال ابن حوالة: خر لي يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ فقال: "عليك بالشام؛ فإنها خيرة الله من أرضه، يجتبى إليها خيرته من عباده، فإن أبيتم فعليكم بيمنكم، واسقوا من غدركم، فإن الله توكل لي بالشام وأهله"(رواه أبو داود، وهو صحيح).
ومن الفضائل أيضاً: أن أهل اليمن هم أهل الأمانة والشريعة، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الملك في قريش، والقضاء في الأنصار، والأذان في الحبشة، والأمانة في الأزد" يعني: اليمن"(رواه الترمذي، وهو صحيح)، وعند أحمد: "والشرعة في اليمن".
عباد الله: ومن الفضائل: أن هذه البلدة حظيت بدعوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كما في البخاري: "اللهم بارك لنا في شأمنا، اللهم بارك لنا في يمننا" قالوا: يا رسول الله وفي نجدنا؟ قال: "اللهم بارك لنا في شأمنا، اللهم بارك لنا في يمننا" قالوا: يا رسول الله وفي نجدنا؟ فأظنه قال في الثالثة: "هناك الزلازل والفتن، وبها يطلع قرن الشيطان".
قال بعض العلماء: "وقد استجيبت دعوة رسول الله وحصل من البركات بسبب هذ الدعوة في الشام واليمن ما هو معروف مشهور، وهل دونت الدواوين وجندت الأجناد، وارتفعت الرايات والبنود إلا بعد إسلام أهل اليمن والشام وصرفت أموالهما في سبيل الله".
إن أهل اليمن مقربون من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فعن عتبة بن عبد: "أن رجلاً قال: يا رسول الله، العن أهل اليمن؛ فإنهم شديد بأسهم، كثير عددهم، حصينة حصونهم قال: "لا"، ولعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الأعجمين: فارس والروم، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا مر بكم أهل اليمن يسوقون نساءهم ويحملون أبناءهم على عواتقهم فإنهم مني وأنا منهم"(رواه أحمد والطبراني، وهو حسن).
أيها المسلمون: ومن فضائل أهل اليمن: أنهم من خيار أهل الأرض، فجبير بن مطعم -رضي الله عنه- قال: "كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بطريق مكة قال: "أتاكم أهل اليمن مثل السحاب خيار من في الأرض" فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله إلا نحن؟ فسكت ثم أعادها فسكت، ثم أعادها، فقال كلمة خفية: "إلا أنتم"(رواه الطبراني).
ومن الفضائل: أنهم أول الناس شرباً من حوض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم القيامة، فعن ثوبان أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إني لبعقر حوضي أذود الناس لأهل اليمن أضرب بعصاي حتى يرفض عليهم"(رواه مسلم).
قال النووي -رحمه الله-: "معناه: أطرد الناس عنه غير أهل اليمن؛ ليرفض على أهل اليمن -أي: يسيل عليهم- وهذه كرامة لأهل اليمن في تقديمهم في الشرب منه؛ مجازاة لهم بحسن صنيعهم وتقدمهم في الإسلام والأنصار من اليمن، فيدفع غيرهم حتى يشربوا كما دفعوا في الدنيا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أعداءه والمكروهات".
أيها الأفاضل: ولا ننسى -ونحن نذكر فضائل أهل اليمن- ذكر تلك الملكة الصالحة ملكة سبأ بلقيس -رحمها الله- التي استجابت لنبي الله سليمان -عليه السلام-، وأسلمت معه لله رب العالمين، وسخرت ملكها في خدمة الدين الحق الذي دعاها إليه سليمان -عليه السلام-.
ولا ننسى أيضاً أن أهل اليمن هم أصل العرب ومنهم تحدرت قبائلها، ومنهم قبيلة جرهم التي نزلت بمكة وتزوج منهم إسماعيل -عليه السلام- فجاءت من ذريته قريش، وخرج من قريش محمد -عليه الصلاة والسلام-.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، وصلى وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد: أيها المسلمون: لقد جانب الصوابَ من قصر فضائل أهل اليمن كلها على زمان دون زمان، وفئة دون فئة من أهل اليمن؛ فإن حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام لكل زمان، ولكل أهل اليمن.
نعم، هناك بعض الفضائل السابقة سيقت سياقاً خاصاً ببعض أهل اليمن كالأشعريين ومن كان في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لكن بقية النصوص الأخرى تبقى على إطلاقها.
ولذلك فلا يزال أهل اليمن بمرور الأيام لهم قدم صدق في الحفاظ على الإسلام ونشره في ربوع المعمورة، ولئن كتبت عليهم الهجرة عن بلدتهم الطيبة إلى أصقاع الأرض المختلفة فقد صارت هجرة بعضهم نشراً للإسلام والخير والأخلاق الحسنة في الجهات التي وصلوا إليها.
ثم إنه لازلت بعض البلدان الإسلامية في عصرنا الحاضر تنطمس فيها معالم الإسلام يوماً بعد يوم، غير هذه البلاد المباركة التي ما تزال معالم الإسلام هي المعلم المميز لها.
إلا أن هناك خطى حثيثة وأيادي خبيثة من داخل البلاد وخارجها تحاول طمس تلك المعالم الوضاءة تحت مسميات شتى.
وبعون الله، ثم بتكاتف أهل الفضيلة والغيرة على الإسلام يحول الله بينهم وبين ما يشتهون من الشر للبلاد والعباد.
عباد الله: وقد جانب الصواب أيضاً من رأى تقصير بعض أهل اليمن في المحامد وارتكابهم ما لا يليق من المذام خلقاً وديناً أن ذلك سمة عامة لكل أهل هذه البلاد.
نعم، هناك مفسدون ومجرمون لكنهم أعضاء مشوهة في جسم كبير طيب لا يعبرون إلا عن أنفسهم الدنيئة التي لم تحظ بشرف العمل الصالح والخلق الحسن فيشملهم فضل هذه البلدة المباركة.
فأهل اليمن كغيرهم من الناس فيهم الصالح والطالح، فلا ينظر إلى فعل الطالح فيعمم على جميع الناس.
يا أهل اليمن السعيد: رويداً رويداً، لا تدعونكم هذه الفضائل إلى الزهو والتعالي والفخر على غيركم؛ فإن الفضل في الدين لا يزيد صاحبه إلا تقى وتواضعاً كالشجرة المثمرة التي تدنو أغصانها ولا تشمخ كالشجرة العاطلة من الثمر.
فالإنسان لا يرفعه إلا عمله الصالح وتقواه لرب العالمين، لا انتسابه لقبيلة أو وطن، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِي)[الحجرات: 13].
والأوطان لا تقدس أحداً، إنما يقدس الإنسانَ عملُه، كما قال سلمان رضي الله عنه.
وعليكم أن تعلموا كذلك أن هذه الفضائل ليست لكل أهل اليمن؛ فأهل اليمن فيهم المسلم واليهودي، وفيهم المتبع والمبتدع، وفيهم الطائع والعاصي؛ إنما هذه الفضائل لمن رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً ورسولا، فلا افتخار ليمني بهذه الفضائل إذا لم يكن من أهل الإيمان والاتباع.
يا أهل اليمن: إن هذه الفضائل تدعوكم إلى التمسك بالإسلام أكثر من غيركم، وتدعوكم إلى الدفاع عنه ونشره بأقوالكم وأفعالكم الحسنة بين الناس، فأروا العالم من أنفسكم خيراً أنكم أهل لها باستقامتكم وحملكم همَّ الإسلام.
وهذه الفضائل كذلك تدعوكم لقراءة سير أسلافكم الأماجد الذين رفعوا راية هذا الدين فارتفعوا بها، اقرأوا أمجادهم الخالية حتى تصنعوا مثلها في أيامنا الحالية، وسيروا على منهاجهم ودربهم، حتى يقال: إنهم خلفوا وراءهم رجالاً يواصلون مسيرتهم المشرقة.
(وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ)[محمد: 38].
هذا، وصلوا وسلموا على خير البرية...
التعليقات
زائر
21-12-2020شكرن
زائر
16-11-2022ما شاء الله تبارك الله بحث طيب جداً جزاك الله خيرا يا استاذ عبد الله العوفي وفي ميزان حسناتكم جمعت كل إللي بالنفس من الفضائل ومن التنبيه إلى عدم الزهوا ومن التنبيه إلى شكر الله على هذه الفضائل ونشكر الموقع
زائر
29-07-2023جزك الله خير