عناصر الخطبة
1/ التفرُّقُ جوهر مشاكلنا 2/ منشأ تفرق المسلمين 3/ وحدة المسلمين مقصد شرعي 4/ تفريق المؤمنين من أهداف المنافقين 5/ اتخاذ الطغاة أبدًا مبدأ: فرِّق تسُدْ 6/ التمسك بالإسلام سبيل وحيد لوحدة المسلمين 7/ وجوب تعميق عقيدة الولاء والبراء في النفوس 8/ بعض الوسائل المثارة لتفريق الأمة
اهداف الخطبة

اقتباس

النزاع بين الأولياء مَطْلَبٌ للأعداء، وبَثُّ الفرقة وسيلةٌ قديمة جدًّا من وسائل سيطرة الجبابرة والظالمين على الأمم وعلى الناس على مر العصور، فإنهم يعملون على نشر ما يحدث الشقاق والكراهية من العادات والمناسبات، ويروِّجون لما يثير النعرات والعصبيات، ويزرعون الحسد بين طوائف البشر بإغداق الخير على طائفة دون أخرى، وبمدح طائفة دون أخرى، بلا حق سوى توافه الأمور، وحمِيَّات الجاهلية، والعصبية الحمقاء؛ حتى ..

 

 

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومِن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضْلِلْ فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

إن الحاصل في فلسطين وفي غزة وفي سوريا وفي الصومال وفي السودان وفي ميانمار وفي بلاد مسلمة أخرى قديمًا وحديثًا من اضطهاد للمسلمين، وانتهاك لحرماتهم، واسترخاص لدمائهم، وسرقة لخيراتهم ومقدراتهم، ومن قتلٍ وتشريد وظلم فاحش لم تعرفه الدنيا في تاريخها منذ زمن طويل، هذا كله يحتم علينا إعادة النظر في حقيقة المسببات كي نتعرف لا على ظواهر المشكلة وأعراضها وتفريعاتها، بل على جوهر المشكلة التي تعاني منها الأمة، والتي هي مبعث لكثير من أمراضنا.

وبعد هذا التعرف يمكن لأيِّ واحد منا أن يسهم في معالجة تلك المشكلة بدءًا بالوعي بها، والتعرف عليها وعلى صورها وعلى آثارها الوخيمة، واستشعارها في واقع الأمة، ثم العمل على مقاومتها، وجهاد النفس على سلوك ما يخالفها.

معاشر المسلمين: قد يتذكر بعضنا قصة الشيخ الذي لما أحسّ بدنو أجله جمع أبناءه حوله وأعطاهم عودًا من الخشب وطلب منهم كَسْرَه فكسروه بسهولة، ثم جمع عددًا كبيرًا من الأعواد وطلب من أبنائه كسرها دفعة واحدة فلم يقدروا. وفيه أنشد الشاعر:

تأبى الرِّماحُ إذا اجْتَمَعْنَ تَكَسُّرًا *** وَإِذَا افْتَرَقْنَ تَكَسَّرَتْ آحادًا‎

كان يريد أن يقول لهم: إن تفرقكم ضعف، واجتماعكم قوة، وهذا هو شأن أمتنا.

أيها الإخوة: إن تفرق الأمة هو سبب رئيس ومزمن من أسباب ضعفها وتطاول الأعداء عليها، ولا يكفي أن نقر بهذا ثم نتأسف ونحيل الأسباب إلى الاستعمار أو الأعداء أو الحكومات وننسى أنفسنا، ينبغي أن نتحمل مسؤولية ما يجري، وأن نعترف بأن هذا التفرق يبدأ أولاً في أول مهده من الأفراد منا، ثم مرورًا بالجماعات، وانتهاءً بالأنظمة والمؤسسات.

إنه لا خلاف لدى أي عاقل بأن وحدة الصف مقصد شرعي عظيم وبالغ الأهمية؛ فالأمة ذات الصف الواحد لا يمكن لعدو اختراقها أو احتلالها، لا جسديًّا ولا فكريًّا ولا حتى أخلاقيًّا.

وقد تعددت نصوص القرآن والسنة في الحث على الحفاظ على هذا المقصد، فقد قال -سبحانه-: (وَأَطِيعُواْ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال: 46]، وقال -جل وعلا-: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ) [آل عمران:103]، وقال -سبحانه-: (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ) [آل عمران:105]، وقال -جل وعلا-: (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) [الروم:31-32]، وغيرها من الآيات.

أما الأحاديث فكثيرة، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا؛ ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانًا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال". جاء ذلك من حديث أنس في صحيح البخاري.

وفيه أيضًا من حديث أبي هريرة بلفظ: "ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم".

وفي صحيح مسلم أيضًا من حديث أبي هريرة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يكذبه، ولا يحقره، التقوى هاهنا -ويشير إلى صدره ثلاث مرات-، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه".

وجاء التحذير الشديد من النزاع والفرقة عندما قال -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع وهو يوصي أمته: "فإن دماءكم وأعراضكم عليكم حرامٌ كحرمةِ يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا"، فأعادها مرارًا مرارًا، ثم رفع رأسه -عليه الصلاة والسلام- وقال: "اللهم هل بلغت! اللهم هل بلغت!".

قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "والذي نفسي بيده! إنها لَوصيته إلى أمته: فليبلغ الشاهد الغائب، لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض".

وضرب النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- مثلاً جميلاً معبرًا للوحدة الإيمانية العملية بقوله: "مثَل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى". أخرجه مسلم.

ولأن الفرقة بين الأولياء ضعف وهوان ومكسب للأعداء، كان التفريق بين المؤمنين هدفًا من أهداف المنافقين أيضًا، يقول -جل وعلا- في أجواء غزوة تبوك كاشفًا عن نوايا المنافقين ودسائسهم: (لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) [التوبة: 47]. قال: (ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ)، أي: ولأَسرعوا في الإفساد بينكم.

وقال أيضًا -جل وعلا- في المنافقين: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ) [التوبة:107].

النزاع بين الأولياء مَطْلَبٌ للأعداء، وبَثُّ الفرقة وسيلةٌ قديمة جدًّا من وسائل سيطرة الجبابرة والظالمين على الأمم وعلى الناس على مر العصور، فإنهم يعملون على نشر ما يُحدث الشقاق والكراهية من العادات والمناسبات، ويروِّجون لما يثير النعرات والعصبيات، ويزرعون الحسد بين طوائف البشر بإغداق الخير على طائفة دون أخرى، وبمدح طائفة دون أخرى، بلا حق سوى توافه الأمور، وحمِيَّات الجاهلية، والعصبية الحمقاء؛ حتى يعيش أقوامهم أو مستعمراتهم في جو من الفرقة والاختلاف، بعيدين عن الائتلاف والوئام، لا تتفق كلمتهم، ولا يوحدهم هدف، ولا يجمعهم عقل رشيد؛ كلٌّ يرقب مصلحته الشخصية ولو على حساب أخيه أو قريبه أو حتى جاره المرافق.

هذا الجو البئيس يهيئه الجبابرة والظلمة بكل مكر ودهاء حتى يضمنوا ضعف الناس وصعوبة اجتماعاتهم، كل ذلك من أجل الحفاظ على ملكهم وبقاء سيطرتهم، فهم لا يريدون السيادة بالعدل والإنصاف؛ لأن العدل لا قيمة له في ميزانهم، فالقيم النبيلة أحلام العصافير، لا مكان لها في غابة الوحوش، فهذا هو أسلوب كبير الطغاة فرعون منذ آلاف السنين يجلّيه لنا ربنا -جل وعلا- في كتابه العزيز: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) [القصص:4].

(جَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا): جعلهم طوائف بعضهم عدو لبعض، وهذا هو المبدأ السياسي الذي تعرَّف الزمان على تسميته بـ"فَرِّقْ تَسُدْ"، ولا يمكن أن تسود ولا تقهر إلا بالتفريق بين أعدائك وخصومك.

وسارت الحكومات الغاشمة هذه السيرة، فإذا استولت على غيرها من الأمم قسمتها إلى بلاد وحكومات صغيرة على أسس قبلية أو عرقية أو عصبية، أو أسس جغرافية، وأوقعت التنافس بينهم ليشتغلوا ببعضهم، ثم إذا حصل النزاع الشديد رجعوا إلى الطاغية ليحكم بينهم.

قبل ستة وتسعين عامًا، وبعد انهيار الدولة العثمانية إثر تبعات الحرب الأوروبية الأولى التي يسمونها بهتانًا بالحرب العالمية الأولى، اتفق طرفان من الجانب المنتصر، وبالتحديد فرنسا وحكومة بريطانيا، على توزيع تلك التركة العظيمة بينهم: الإمبراطورية الإسلامية العثمانية، فاجتمع ممثل فرنسا ومندوب بريطانيا في مصر اللورد مارك، ووقعا ما يعرف باتفاقية "سايكس بيكو"، واتفقا سريًّا على توزيع مناطق النفوذ بينهما لضمها إلى الإمبراطوريتين الفرنسية والبريطانية، واقتسام الهلال الخصيب بينهما.

وقسم الجسد الجريح على المستعمرين: الموصل ولبنان وسوريا تقر في بطن فرنسا؛ والتهمت بريطانيا الخليج العربي مرورًا بالبصرة وبغداد، أما فلسطين فأصبحت تحت إدارة دولية يتم الاتفاق عليها بين بريطانيا وفرنسا، وكذلك روسيا التي دخلت في القسمة فيما بعد... وتفاصيل أخرى لا مجال لذكرها في هذا المقام.

لكن هؤلاء المستعمرين لم يكتفوا بتقسيم الأمة شذر مذر إلى ما أصبح اليوم واقعًا يصعب على الجيل الجديد تصور واقع غيره، بل إنهم عندما قسموا بلاد الإسلام جعلوا الحدود بين كل دولتين متجاورتين منطقة حائرة لتكون بؤرة للخلاف وسببًا للحرب في كل وقت، فما من بلدين إسلاميين إلا وبينهما منطقة محايدة يمكن أن يثار فيها الخلاف في أية لحظة.

الحاصل أن البلاد العربية استقلت مع الزمن، ولكن؛ بدلاً من أن يعملوا على الاتحاد تحت مظلة الإسلام، وأن يتشرفوا بأن يكونوا في الدين أمة موحدة بوحدتهم أو ربما مع إخوانهم في الدين من غير العرب، آثروا العزة بقوميتهم، وانتهى الأمر إلى ما هو عليه الآن: اثنتين وعشرين دولة عربية، وخمس وثلاثين دولة أعجمية إسلامية، أي: إلى سبع وخمسين دولة كلهم مسلمون؛ ولكنهم في الواقع غير متحدين.

معاشر الإخوة: ذكر كثير من مؤرخي القومية العربية، ومنهم مؤلف الموسوعة العربية، أن من أوائل من دعا إلى القومية العربية في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي هو حشد متنوع من نصارى العرب وغيرهم من القوميين، وأن الغرب أيدهم وأعانهم من خلال بعثات التبشير في سوريا، وكان هدفهم فصل تركيا عن العرب والتفريق بين المسلمين، واشتهرت وانتشرت أبيات فخر البارودي حتى أصبحت مكررة في مناهج التعليم سنوات عديدة:

بلادُ العُربِ أوطاني *** مِنَ الشّامِ لبغدانِ
ومـن نجدٍ إلى يَمَنٍ *** إلى مِصرٍ فتطوانِ
فـلا حـدٌّ يباعدُنا *** ولا ديـنٌ يفرّقنا
لسانُ الضَّادِ يجمعُنا *** بغسَّانٍ وعـدنانِ

العروبة دون الدين هي وحدها التي تجمع، وهذا ما آل إليه الحال.

أسأل الله -تعالى- أن يصلح شأننا، وأن ينصرنا على أهوائنا، وأستغفر الله فاستغفروه؛ إنه غفور رحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى من سار على نهجه واهتدى بهداه إلى يوم الدين.

وبعد:

فإن لسان الضاد لم يجمعنا، ولم يقوِّنا، وإنما الذي يقوينا هو: "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، والله -تعالى- امتن علينا بنعمة الدين، ومن أعظم نعم الدين نعمة الأخوّة؛ يقول -سبحانه-: (وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) [آل عمران:103]، كانوا عربًا؛ لكن لسان الضاد لم يجمعهم، (فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ)، أي: بالدين الذي أنزله عليكم (إِخْوَانًا).

وفي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن زيد -رضي الله عنه- أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ: أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلالاً فَهَدَاكُمُ الهُ: بِي؟! وَكُنْتُمْ مُتَفَرّقِينَ فَأَلّفَكُمُ اللَّهُ بِي؟! وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ بِي؟!".

فليس اجتماع أحسن من اجتماع على دين الله -تعالى-، ولذلك فمن أول ما ينبغي أن نفعله لكشف الغمّة أن نربي أنفسنا على صفاء الولاء والبراء؛ لأن يكون ولاؤنا وبراؤنا لله -تعالى- وفي الله -تعالى-، وأن نربي أبناءنا على ذلك، وأن نحذر من كل ما يثير النعرات والعصبيات القبلية منها والعرقية وما شابهها من التصنيفات، سواء كانت على هيئة مناسبات شعرية أو دعوة إلى "مزاين إبل"، أو غيرها من المناسبات التي تدعو إلى العصبية والتفاخر بالأنساب والأحساب والرجوع إلى الجاهلية؛ فإنها تفرق ولا تجمع، وتوهن الأمة وتشتتها، وتجلب الشقاق، وتربي الناس صغارًا وكبارًا على حمية الجاهلية، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "ليس منا من دعا إلى عصبية"، صح ذلك في السنن من حديث جبير بن مطعم.

وكذلك الرياضة في صورتها الحالية تفرّق ولا تجمع، ولاءات للألوان، وحب وبغض مبنيان على كرة وأندية، وقس على ذلك أي صورة من صور التعصب والسخرية، كالطرائف المربوطة بالبلد أو بالقبيلة أو بالعرق، ينبغي أن نأخذ هذا الموضوع على محمل الجد، وأن نسهم في تغيير هذه الثقافة الكريهة التي قال عنها -صلى الله عليه وسلم-: "دعوها فإنها منتنة".

والنتن هو الرائحة الكريهة، فمَن منا يعود إلى تلك العصبية الحمقاء وقد وصفها النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا الوصف: "منتنة"، فلنجتنب كل هذه الأجواء، ولنعد إلى صفاء التفكير وصفاء الإيمان وصفاء الولاء والبراء، ولنجاهد أنفسنا على ذلك مهما اعترض علينا ضعفاء الهمة، فكما ذكرت في بداية الكلام نحن نتحمل جزءًا كبيرًا من المسؤولية، فالتفرق يبدأ في أول مهده من الأفراد، منا نحن، فإذا تفاعلنا معه زدناه، وإذا وقفنا ضده قطعناه وأوقفناه.

أسأل الله تعالى أن ينصر دينه، وأن يعلي راية الإسلام في غزة والشام وفي كل مكان، وأن يصلح حال الأمة، وأن يرينا الحق حقًّا ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.

اللهم...
 

 

 

 

المرفقات
فرِّق تسُدْ.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life