غربة الدين في آخر الزمن

خالد بن عبدالله الشايع

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/حفظ الله لدينه ومعنى تجديده 2/تزايد الشر وقلة الخير بمرور الأعوام 3/من أسباب انتشار الشر في المجتمع 4/من وسائل الثبات أمام الفتن 5/فضل التمسك بالدين عند اشتداد الفتن

اقتباس

أما في آخر الزمان فالعكس؛ كثرة الأعداء، وكثرة دُعاة الضَّلالة، وقلَّة الأنصار، وقلة المعين على الحقِّ، مع كثرة الشُّبَه، فهذا صراعٌ بين الحقِّ والباطل في آخر الزمان شديد، فالصابر العامل يحصل له عظيم الأجور، وكثرة الحسنات...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

أما بعد:

 

فيا أيها الناس: كلما أظلمت الدنيا بالكفر والشرك؛ أرسل الله للناس من ينور لهم حياتهم بالإيمان والتوحيد الصحيح, ولما ختمت النبوة بنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-, جعل الله للناس من يجدد لهم دينهم على رأس كل مائة عام, أخرج أبوداود في سننه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ؛ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا".

 

قالت اللجنة الدائمة برئاسة الشيخ ابن باز -غفر الله له-: "معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: "يجدد لها دينها": أنه كلما انحرف الكثير من الناس عن جادة الدين الذي أكمله الله لعباده, وأتم عليهم نعمته, ورضيه لهم دينًا؛ بعث إليهم علماء أو عالمًا بصيرًا بالإسلام, وداعيةً رشيدًا, يبصر الناس بكتاب الله وسنة رسوله الثابتة, ويجنبهم البدع, ويحذرهم محدثات الأمور, ويردهم عن انحرافهم إلى الصراط المستقيم, كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-, فسمى ذلك تجديدًا بالنسبة للأمة, لا بالنسبة للدين الذي شرعه الله وأكمله؛ فإن التغير والضعف والانحراف إنما يطرأ مرة بعد مرة على الأمة, أما الإسلام نفسه فمحفوظ بحفظ كتاب الله -تعالى- وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- المبينة له, قال -تعالى-: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[الحجر: 9]" انتهى.

 

ولهذا لا يزال الحق والباطل في سجال, حتى يرث الله الأرض ومن عليها, وقد قالها هرقل لما أرسل الرسول -صلى الله عليه وسلم- له يدعوه للإسلام, فبحث عن العرب في بلده فصادف سفرة لأبي سفيان للشام في تجارة, فأخذوه, وكان مما سأله: "كيف حربكم معه؟", فقال أبو سفيان: "الحرب بيننا سجال", فقال له: "وهكذا الرسل تبتلى, ثم تكون العاقبة لهم", والحديث مخرج في البخاري من حديث ابن عباس.

 

وقد أخبر المصطفى -صلى الله عليه وسلم- أن الشر يزداد ولا ينقص, وأن الخير يضعف في قلوب الناس, أخرج البخاري في صحيحه من حديث الزُّبيرِ بنِ عَدِيٍّ, قال: أتَيْنا أنسَ بنَ مالكٍ -رضي اللهُ عنه- فشَكوْنا إليه ما نَلْقَى مِنَ الحجَّاجِ, فقَالَ: "اصْبروا؛ فإنَّه لا يأتي عليْكم زَمَانٌ إلَّا والَّذي بعدَه شَرٌّ مِنْه, حتَّى تلْقَوا ربَّكُم"، سَمعْتُه مِنْ نبِيِّكُمْ -صلى الله عليه وسلم-.

 

وهذا وصف أغلبي وليس كلي؛ فيكون شرا في منطقة, وخيرا في منطقة, ولكن جملة العام شر مما قبله؛ وذلك لكثرة الجهل وقلة العلم, ونقصان العلماء العاملين, وكثرة الفتن, حتى ينسى العلم؛ كما أخرج ابن ماجه في سننه من حديث حذيفة قال -صلى الله عليه وسلم-: "درس الإسلام كما يدرس وشي الثوب, حتى لا يدرى ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة، وليسرى على كتاب الله -عز وجل- في ليلة, فلا يبقى في الأرض منه آية، وتبقى طوائف من الناس؛ الشيخ الكبير والعجوز يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة: لا إله إلا الله؛ فنحن نقولها", وهذا في آخر الزمان, قبل قيام الساعة بقليل.

 

اللهم اعصمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن, أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

 

 

الخطبة الثانية:

 

أما بعد:

 

فيا أيها الناس: مما لا يخفى على كل عاقل أننا نعيش أياما كثرت فيها الفتن, وضعف فيها الدين, وكثر الجهل وقل العلم, ومرجت عهود الناس, وخفت أماناتهم, وأصبح القابض على دينه كالقابض على الجمر, والذي يوصي به العبد نفسه وإخوانه الصبر والثبات؛ فهن أيام سماها النبي -صلى الله عليه وسلم- أيام الصبر, ولقد بين الله في كتابه أن الصبر هو طريق الفلاح, فقال: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[آل عمران: 200].

 

وإن غربة الدين نسبية, تكثر في مكان دون مكان, وبين قوم دون قوم, فعلى المسلم أن يعيش على الكتاب والسنة  ومنهج النبوة صابرا متصبرا, حتى يلقى الله -تعالى-.

 

وإياكم والضعف والخور عند رؤية الباطل وقد علا صوته, وقوي أهله؛ فالأيام دول, والعاقبة للمتقين.

 

وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بفضل التمسك بالدين عند اشتداد الفتن في آخر الزمان, ومضاعفة الأجور لأهله المتمسكين به, أخرج الترمذي في سننه من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-, قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يأتي على الناس زمان, الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر", وفي رواية: "فإن من ورائكم أيام, الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم", قال عبد الله بن المبارك: وزادني غير عتبة: قيل: يا رسول الله! أجر خمسين منا أو منهم؟, قال: "بل أجر خمسين منكم", وأسباب ذلك قلَّة الأنصار والأعوان، وكثرة المهالك والشُّبَه، وكثرة طرق الضَّلالة والدُّعاة إليها.

 

فلهذا الصابر في آخر الزمان على العلم والعمل له مثل أجر خمسين من الصحابة؛ لأنهم يجدون أعوانًا، وفي أول مجيء الإسلام، وفي نشاط الإسلام، ونشاط المسلمين، وقوة الإسلام، وقوة المسلمين، وكثرة الأعوان، واندحار الأعداء, أما في آخر الزمان فالعكس؛ كثرة الأعداء، وكثرة دُعاة الضَّلالة، وقلَّة الأنصار، وقلة المعين على الحقِّ، مع كثرة الشُّبَه، فهذا صراعٌ بين الحقِّ والباطل في آخر الزمان شديد، فالصابر العامل يحصل له عظيم الأجور، وكثرة الحسنات، لمن صبر واحتسب، ويُبصره أيضًا بالعلم؛ يزيده علمًا، فإنَّ وجود المتناقضات مما يُعين على التوسع في العلم، والتَّبصر، ومعرفة الشُّبَه لإزالتها والقضاء عليها، ومعرفة السُّبل التي تُعين على الحقِّ وتهدي إليه، حتى ينشرها بين الناس، ويدعو إليها.

 

اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين.

 

 

المرفقات
3lxw8R9ArF0jr7mKG2Nv1qPvwOxW21ehIZyrryNl.doc
uYMItPPdS2Rl7mFWDVJ7MQ5GDi6QUrJi6cqIqA9v.pdf
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life