عناصر الخطبة
1/الحكمة من العيد بعد إكمال رمضان 2/من علامة قبول الحسنةاقتباس
فأعيادُ المسلمين دينٌ وعبادة، وذكرٌ وتكبير، وصلاةٌ وصلة، ومحبةٌ وتواصل؛ فليستْ أعيادُ المسلمين مِثْلَ أعيادِ الكافرين؛ موسماً لانتهاك المحرَّمات، ومِعْوَلاً لهدم الحسنات! وقَدْ قَدِمَ رَسُولُ اللهِ المدينةَ، وَلَهُم يومانِ يلعبونَ فيهما في الجاهلِية...
الخُطْبَةُ الأُوْلَى
أمَّا بعد: الحمدُ للهِ الذي هدانا لهذا، وما كُنَّا لنهتدي لولا أنْ هدانا الله، والحمدُ للهِ الذي مَنَّ عليكم بإتمامِ شهرِكم، وتيسيرِ أمرِكم (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[البقرة:185].
أيها المسلمون: لقد جاءَ عيدُ الفطرِ بعدَ إكمالِ رمضان؛ لِتَعْلَمُوا أَنَّ الإسلامَ كامل، وأَنَّ الدينَ منصور: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا)[المائدة:3]. وأيُّ نعمةٍ أعظمَ مِنْ أَنْ هدانا اللهُ للإسلام، واصطفانا مِنْ بَيْنِ الأنام! (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ)[الحج:78].
عباد الله: العيدُ في الشرع؛ ليستْ عادةً اجتماعية، بل شعيرةً دينية، يتميَّزُ بها المسلمُ عن شعاراتِ الجاهلية: قال تعالى: (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ)[الحج: 67]، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ لِكُلَّ قومٍ عِيداً، وهذا عِيدُنَا"( أخرجه البخاري ومسلم)؛ فأعيادُ المسلمين دينٌ وعبادة، وذكرٌ وتكبير، وصلاةٌ وصلة، ومحبةٌ وتواصل؛ فليستْ أعيادُ المسلمين مِثْلَ أعيادِ الكافرين؛ موسماً لانتهاك المحرَّمات، ومِعْوَلاً لهدم الحسنات!
وقَدْ قَدِمَ رَسُولُ اللهِ المدينةَ، وَلَهُم يومانِ يلعبونَ فيهما في الجاهلِية، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ النَّحْرِ"(أخرجه أبو داود، وأحمد).
لقد جاءَ عيدُ الفطر؛ لِتَعْلَمُوا أَنَّ في الإسلام فُسْحَة، وأنَّ الحنيفيةَ سَمْحَة؛ فالعيدُ فُسْحَةٌ للمسلمِ بعد الصيام والقيام، قال ابنُ حجر: "إِظْهَارُ السُّرُورِ فِي الْأَعْيَادِ؛ مِنْ شِعَارِ الدِّينِ"، فعيدُ الفطر يفرحُ فيه المسلمُ بإتمامِ رمضان، واستكثارهِ مِنْ غنائمِ الحسنات، فهذه هي الفرحةُ الباقية، والتجارةُ الرابحة ! (قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[يونس:58].
فحريٌ بالمسلم أنْ يفرحَ بإكمالِ شهرِ رمضان، في وقتٍ انقطعتْ أعمارٌ عن بلوغه وإتمامه!
أيها الأحبة: العيدُ فرصةٌ لـتطهير القلب من الحسدِ والبغضاء، ونشرِ المحبةِ والصفاء! قال -صلى الله عليه وسلم-: "دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ: الْحَسَدُ، وَالْبَغْضَاءُ، وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ، حَالِقَةُ الدِّينِ لَا حَالِقَةُ الشَّعَرِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلا أُنَبِّئُكُمْ بِشَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ، أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ"(أخرجه الترمذي وأحمد).
أيها الكرام: العيدُ شُكْرٌ للهِ على إتمامِ الصيام، وليسَ لارتكابِ الآثام!
قال ابنُ رجب: "فَأَمَّا مقابلةُ نعمة التوفيق لصيام شهر رمضان بارتكاب المعاصي بعدَه، فهو مِنْ فِعْلِ مَنْ بَدَّلَ نعمةَ اللهِ كفراً!".
وليس للطاعة زمنٌ محدود؛ فعبادةُ اللهِ ليستْ مقصورةً على رمضان، قال الحسنُ: "إنَّ اللَّهَ لم يَجْعَلْ لعملِ المؤمنِ أجلاً دونَ الموتِ".
الخُطبة الثانية:
أما بعد: مِنْ علامةِ قبولِ الحسنة: فعلُ الحسنةِ بعدَها ومِنَ الحسنات التي تُفْعَلُ بعد رمضان؛ صيامُ سِتٍّ من شوال؛ يقول -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صام رمضان، ثم أَتْبَعَه ستًّا مِنْ شوال؛ كان كصيامِ الدهر"(أخرجه مسلم).
وصيامُ السِتِّ بعد رمضان؛ كصلاةِ النافلةِ بعدَ الفريضة، تَجْبُرُ ما حَصَلَ في صيام رمضان مِنْ خَلَلٍ ونقص؛ فإنَّ الفرائضَ تُكَمَّلُ بالنوافلِ يومَ القيامة.
فاثْبُتُوا على الطاعة، وواظبوا على العبادة، "وَاعْلَمُوا أَنَّ أَحَبَّ الْعَمَلِ إِلَى اللهِ؛ أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ"(أخرجه البخاري ومسلم).
واحذروا التفريطَ في الواجبات، والوقوعَ في المحرَّمات، فربُّ رمضان، هو ربُّ بقيةِ الشهور والأيام! (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير)[هود:112].
عباد الله: لا تُوَدِّعُوا رمضان، بل اصْطَحِبُوه معكم إلى باقي عامِكُم؛ فالصومُ لا ينتهي، والقرآنُ لا يُهجر، والمسجدُ لا يُتْرَك، (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)[الحجر:99].
اللهم كما أَكْمَلْتَ لنا شهرَ رمضان، وأَعَنْتَنَا على الصيام والقيام والقرآن، فأكْمِلْ نعمتَك بالقبول والغفران.
التعليقات