عناصر الخطبة
1/تكبير الله وحمده والثاء عليه 2/الحث على التوحيد والتحذير من الشرك 3/الحث على العمل لنصرة الدين 4/حكم صلاة العيد والأضحية 5/آداب العيد 6/آداب الأضحية وأحكامهااهداف الخطبة
اقتباس
لله الحمد بهذا اليوم المبارك الأبهى، يوم عيد الأضحى، واحد من أعيادنا الإسلامية النقية الزكية، أعياد فرح وسعادة، وطاعة وعبادة، وأخوة وتواصل، وتعاون وتكافل. زينتها التكبير، والذكر والشكر الكثير. فانظروا -رحمكم الله- إلى هذا الجمع المبارك المهيب، وتأملوا فيه حكمة هذا الدين الذي يجمع ويؤلف، ويصل ويؤاخي، وينظم ويهذب، ويطهر ويزكي، ويرفع و....
الحمد لله، حمدا كثيرا طيبا مباركا، دائما بدوام عزته، كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه ومجده.
إنه أهل الحمد والثناء، لا نحصي نعمه ولا نحصي ثناءً عليه، هو سبحانه كما أثنى على نفسه.
نشهد أنه الله لا إله إلا هو وحده لا شريك له، بديع السموات والأرض.
إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون، بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله الرحمن الرحيم رحمة للعالمين، ومحجة للسالكين، وحجة على العباد أجمعين، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح للأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين.
فاللهم صل عليه وعلى آل بيته الطيبين، وارض عن صحابته الكرام والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وأحينا اللهم على سنته، وأمتنا على ملته، واحشرنا يوم القيامة في زمرته، مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.
(وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا) [الإسراء: 111].
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر...."7 مرات"، ولله الحمد.
الله أكبر في ذاته وأسمائه وصفاته: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) [الشورى: 11].
والله أكبر في سلطان ربوبيته وألوهيته، إليه المصير وهو على كل شيء قدير.
والله أكبر في جلال قدره ومطلق قدرته وإرادته وواسع حكمته، وهو العليم الخبير.
فالله أكبر، زينة مواسم الطاعات والأعياد.
والله أكبر، لرفع رايات الجهاد والاستشهاد.
والله أكبر، في الأذان والإقامة والركوع والسجود.
والله أكبر، على الجنائز وعند ذبح الذبائح وفي أذن كل مولود.
فإن تهافت الناس على الدنيا ومتاعها الأوفر؛ فالله أكبر.
وإن تعلقت النفوس بمحبوبات الأنداد؛ فالله أكبر.
وإن تفاضلت الحقوق في كل شيء؛ فحق الله أكبر.
وإن طغى كل جبار وعلا واستكبر؛ فالله أكبر.
سبحانه وتعالى هو الواحد القهار، الباقي بعد كل الأنام: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) [الرحمن: 26- 27].
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، لله الحمد بهذا اليوم المبارك الأبهى، يوم عيد الأضحى، واحد من أعيادنا الإسلامية النقية الزكية، أعياد فرح وسعادة، وطاعة وعبادة، وأخوة وتواصل، وتعاون وتكافل.
زينتها التكبير، والذكر والشكر الكثير.
فانظروا -رحمكم الله- إلى هذا الجمع المبارك المهيب، وتأملوا فيه حكمة هذا الدين الذي يجمع ويؤلف، ويصل ويؤاخي، وينظم ويهذب، ويطهر ويزكي، ويرفع ويرقي.
فاللهم لك الحمد بالخلق والوجود والحياة، ولك الحمد بالكرم والفضل والإحسان، ولك الحمد بالإسلام والإيمان.
هل كنا سنكون شيئا مذكورا لولا حكمة خلقك وتدبيرك؟
وماذا كنا سنصير بغير هدايتك وتوفيقك؟
وهل كنا نملك شيئا بغير فضلك وإحسانك؟
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
لله الحمد بهذا اليوم الأغر السعيد، يوم فرحة العيد، وبكل أعياد الإسلام الربانية الفريدة، شعارها التكبير، وقوامها الذكر والصلاة والبر والإحسان، ورابطتها أخوة الإسلام والإيمان.
ها أنتم -معشر المسلمين- في هذا المشهد الطيب المهيب، وقد خرجتم من دياركم، فرحين مستبشرين، مقبلين على رب العالمين مبتهلين، راجين أن ينجزكم وعده بجائزة الصيام والذكر، وحاشى لله، وهو الحليم الكريم، أن يحرم هذه القلوب المستجيبة، والوجوه المستبشرة نوال فضله العظيم.
فهنيئا لكم البشرى من رب رحيم، ما دمتم على الإيمان والاستقامة ثابتين: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ) [فصلت: 31- 30].
وما دمنا في غمرة الفرح بالعيد، وقد أتم الله -تعالى- علينا نعمة صيام شهر رمضان، إيمانا واحتسابا، لا ننس أنه العيد الدنيوي الصغير، وإنما العيد الأكبر الأكيد، هو الفوز يوم الوعيد برضوان الله وجنات النعيم: (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)[الشعراء: 88-89].
فلنحمد الله وقد هدانا ووفقنا للصيام والذكر والإحسان، ونشكر له ما أعطى وأسدى، ونكبره تكبيرا.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيها المسلمون: اذكروا عظيم نعمة الله علينا بالإسلام والإيمان.
وتذكروا أننا مسلمون بمقتضى عهد وثيق وميثاق غليظ بيننا وبين المولى - تعالى -، توقيعه ومضمونه في شهادة: لا اله إلا الله محمد رسول الله.
عهد الإيمان به وتوحيده في ربوبيته وألوهيته، وفي أسمائه وصفاته، وحسن عبادته على منهج العمل بكتابه وسنة رسوله، تصديقا وانقيادا بالرضا والسمع والطاعة: (وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) [المائدة: 7].
واعلموا أن الله -تعالى- تعبدنا بمقتضى هذا العهد والميثاق، في كل مظاهر وجودنا إيمانا وعبادة وأخلاقا ومعاملات، شعورا وتفكيرا، وأقوالا وأفعالا وأحوالا، ورتب سبحانه على ذلك وعوده لهذه الأمة، ينجزها بقدر التزامها ووفائها، والله لا يخلف وعده، فمن أحسن فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد: (وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) [البقرة: 40].
وأوجب الواجبات في عهد الله -تعالى-، أداء حقوقه على العباد في ربوبيته وألوهيته.
فلله علينا حق في ذاته وأسمائه وصفاته، فلا يؤدى إلا بالتوحيد الخالص الذي لا يشوبه شرك.
فوحدوا ربكم، واتقوا الشرك اعتقادا وعملا: (إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ) [المائدة: 72].
فإن الشرك أكبر الكبائر، وأعظم ظلم في حقه تعالى، لا يستقيم معه إيمان ولا عمل: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء) [النساء : 48].
ولله علينا حق نعمه وآلائه وهو المنعم الكريم: (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا) [النحل: 18].
فلا يؤدى حقه فيها إلا بالاعتراف والحمد والشكر: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7].
فكونوا -عباد الله- من الشاكرين، ولا تنسوا فضل الله عليكم، وهو ذو الفضل العظيم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) [فاطر: 3].
ولله علينا حق قضائه وقدره، وهو الفعال لما يريد، يقضي بمشيئته وحكمته في خلقه بما يشاء: (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) [الأنبياء: 23].
ويؤدى حقه في ذلك بالرضا والصبر: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ)[البقرة: 155- 156].
وله سبحانه علينا حق أوامره ونواهيه، وقد ارتضى لنا فيها شريعة الدين القيم، ملة إبراهيم حنيفا: (إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [البقرة: 132].
فلا يؤدى حقه فيها إلا بالاستجابة له سمعا وطاعة وعملا، وتلك صفة المؤمنين الصادقين: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [النــور: 51].
فاتقوا الله -تعالى- في أمانة دينكم، ولا تنقضوا الميثاق، واعلموا أن نقض عهد الله وميثاقه غدر وخيانة، وأن الوعيد في ذلك شديد: (وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) [الرعد: 25].
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.. ولله الحمد.
أيها الإخوة في الله: إن دين الله في أعناقكم أمانة عظيمة، ومسؤولية جسيمة، وقد آثركم الله به وارتضاه لكم: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) [المائدة: 3].
واختاركم لتكونوا به خير أمة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله.
فأحيوا غيرة الإسلام في قلوبكم، وعظموا شعائر الله واحفظوا حدوده ولا تعتدوها بالمعاصي والمنكرات: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحـج: 32].
واعملوا بوصية النبي الكريم -عليه الصلاة والتسليم-: "إن الله -تعالى- فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودا فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تسألوا عنها"[الشيخان].
وإن الطريق القويم الوحيد للعمل بدين الله، إنما هو اتباع رسوله طاعة واقتداء؛ لأن طاعته من طاعة الله: (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ) [النساء: 80].
وهو الأسوة الحسنة للعمل بالدين، ولنيل رضا الله ورضوانه؛ كما يخبر عليه الصلاة والسلام: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى" قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟! قال: "من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى"[رواه البخاري].
فاحذروا مخالفته بالأهواء والبدع، فإن ذلك مسلك الضلالة والفتن: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النــور: 63].
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
عباد الله: هاهي ذي أيام العشر الأوائل الفاضلة تختتم وتتوج بأحب الأعمال إلى الله -تعالى- صلاة العيد ونحر الأضحية، منسكان تعبديان عظيمان، يقترنان في الفضل والثواب، كما يقترنان في قوله تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) [الكوثر: 2].
فهنيئا لمن أقاموا الصلاة مخلصين، وهي عمود الدين، وتقربوا إلى الله بالأضحية صادقين محتسبين، وهي سنة خاتم الأنبياء والمرسلين، ودخلوا رحاب العبودية التامة لرب العالمين: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الأنعام: 162].
ذلك برهان الإيمان والطاعة والانقياد، وشاهد الاستجابة والتسليم لرب العباد، تأسياً بسيرة أبي الأنبياء إبراهيم الخليل وابنه إسماعيل -عليهما الصلاة والسلام-، يوم جاءهما الابتلاء الشديد بما لا تطيقه نفس إنسان، حيث أمر الأب الشيخ الكريم، بوحي في المنام، أن يذبح وليده البر الحليم.
وكانت الاستجابة منهما معاً بمطلق الطاعة والتسليم لرب العالمين.
وحين لم يبق بعد العزم الأكيد إلا أن يراق الدم الزكي، جاء الجزاء والفداء من رب حليم كريم بذبح عظيم.
فاستمعوا وتدبروا الوصف القرآني المبين لهذا المشهد المثير، في قمة البيان والإقناع والتأثير: (وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) [الصافات: 99-107].
فقربوا -معشر المؤمنين- أضحياتكم لله -تعالى- بهذه المعاني من التضحية والفداء، وعظموا فيها شعائر الله -جل وعلا-، فإنها منسك توحيد وطاعة، وشكر وعبادة، وما هي تقليد ولا فعل عادة.
واعلموا أن الله -تعالى- جميل يحب الجمال، طيب لا يقبل إلا طيبا، فانظروا ماذا تقربون إلى ربكم، وهو صاحب الفضل العظيم عليكم، واصدقوه مخلصين: "فإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى".
وكونوا من أهل الإحسان، فإن الله يحب المحسنين، والإسلام دين الإحسان والإتقان في كل شيء كما قال الله -تعالى-: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً.. ) [النساء: 125].
وكما أخبر رسوله الصادق الأمين: "إن الله -تعالى- كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته".
كذلك فاذبحوا أضحياتكم لربكم راضين مطمئنين، وكلوا منها حامدين شاكرين، وتصدقوا محتسبين، فإنما هي من الله -تعالى- نعمة وفضل واختبار، وهي إلى الله شاهد تقوى وشكر واعتذار: (... فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ* لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) [الحـج: 36-37].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية
الحمد لله مدبّرِ الأحوال، أحمده سبحانه وأشكره في الحال والمآل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تفرّد بالعظمة والجلال، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله أكرمه الله بأفضل الخصال، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما دامت الأيام والليال.
أما بعد:
فالأضحية -عباد الله- مشروعة بكتاب الله وسنة رسوله –صلى الله عليه وسلم- وإجماع علماء المسلمين، وبها يشارك أهلُ البلدان حجاجَ البيت في بعض شعائر الحجّ، فالحجاج يتقرّبون إلى الله بذبح الهدايا، وأهلُ البلدان يتقرّبون إليه بذبح الضحايا، وهذا من رحمة الله بعباده، فضحُّوا -أيها المسلمون- عن أنفسكم وعن أهليكم تعبّداً لله -تعالى- وتقرّبا إليه، واتباعاً لسنة رسوله –صلى الله عليه وسلم-.
والواحدةُ من الغنم تجزئ عن الرجل وأهلِ بيتِه الأحياءِ والأموات، والسُّبع من البعير أو البقرة يجزئ عما تجزِئ عنه الواحدة من الغنم، فيجزئ عن الرجل وأهلِ بيتِه الأحياءِ والأموات.
ومن الخطأ: أن يضحِّيَ الإنسان عن أمواتِه من عند نفسه، ويترك نفسَه وأهلَه الأحياء.
ولا تجزئ الأضحيةُ إلا من بهيمة الأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم، ضأنُها ومعزها؛ لقوله - تعالى -: (وَلِكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ الأنْعَمِ) [الحج: 34].
ولا تجزئ الأضحيةُ إلا بما بلغ السنَّ المعتبرَ شرعاً، وهي ستةُ أشهر في الضأن، وسنة في المعز، وسنتان في البقر، وخمسُ سنوات في الإبل، فلا يضحَّى بما دون ذلك لقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: "لا تذبحوا إلا مسنّة، إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعةً من الضأن" [أخرجه مسلم].
ولا تجزئ الأضحيةُ إلا بما كان سليماً من العيوب التي تمنَع من الإجزاء، فلا يُضحَّى بالعوراء البيّنِ عورها، وهي التي نتأت عينُها العوراء أو انخسفت، ولا بالعرجاء البيِّنِ ظلعها، وهي التي لا تستطيع المشيَ مع السليمة، ولا بالمريضة البيّنِ مرضُها، وهي التي ظهرت آثارُ المرض عليها، بحيث يَعرف من رآها أنها مريضة من جرب أو حمّى أو جروح أو غيرها، ولا بالهزيلة التي لا مخّ فيها؛ لأنّ النبي –صلى الله عليه وسلم- سئل: ماذا يُجتنب من الأضاحي؟ فأشار بيده، وقال: "العوراءُ البيّن عورُها، والمريضةُ البيّن مرضُها، والعرجاءُ البيّن ظلعها، والكسيرة التي لا تنقي" [أخرجه الترمذي والنسائي وأحمد].
ولا تذبَحوا ضحاياكم إلا بعد انتهاءِ صلاة العيد وخطبتِها، واذبحوا ضحاياكم بأنفسكم إن أحسنتم الذبح، وقولوا: "بسم الله، والله أكبر"، وسمّوا من هي له عند ذلك اقتداءً بالنبي –صلى الله عليه وسلم- ، فإن لم تحسِنوا الذبحَ فاحضروه فإنه أفضلُ لكم وأبلغ في تعظيم الله والعناية بشعائره، قال الله -تعالى-: (وَلِكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ الأنْعَمِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشّرِ الْمُخْبِتِينَ) [الحج: 34].
ألا وصلوا -عباد الله- على رسول الهدى، فقد أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين.
التعليقات