عظم الأمانة وثقل المسؤولية

سعد بن تركي الخثلان

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ أحوال المخلوقات في تحمل أمانة التكليف 2/ أقسام الناس بعد تحملهم الأمانة 3/ ضوابط مفهوم الأمانة 4/ الأمانة مع الله ومع النفس ومع الناس 5/ خيانة الأمانة من علامات المنافقين 6/ خطورة خيانة الناس في أموالهم وأولادهم 7/ ذم المماطلة في أداء الحقوق 8/ خطورة تضييع أمانة الأسرة والأولاد 9/ رفع الأمانة من الناس من أشراط الساعة.
اهداف الخطبة

اقتباس

الأمانة شاملة لكل ما استُحفظ عليه العبد من حقوق، سواء أكانت لله -تعالى- أم لخلقه، فالأمانة التي تكون في الحقوق التي تكون بين العبد وربه تعني أن يقوم بطاعة الله مخلصًا لله متبعًا لرسوله -صلى الله عليه وسلم- ممتثلاً أوامره مجتنبًا نواهيه يخشى الله في السر والعلن، فالصلاة أمانة، والزكاة أمانة، والصيام أمانة، والحج أمانة، وكل واجبات الدين أمانة يجب الوفاء بها. وأما الأمانة في المعاملة التي تكون بين العبد وبين الناس فتعني أن تعامل الناس بمثل ما تحب أن يعاملوك به من النصح والبيان، وأن تكون حافظًا لحقوقهم المالية..

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي فرض على عباده أداء الأمانة، وحرم عليهم المكر السيئ والخيانة، أحمده تعالى وأشكره كما ينبغي لجلاله وجهه وعظيم سلطانه أحمده وأشكره وهو المستحق للحمد وأهله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فإنها أعظم وصية للأولين والآخرين (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ) [النساء: 131]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق: 2- 3]، (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) [الطلاق:4]، (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا) [الطلاق:5].

 

عباد الله: أمر من الأمور أمر عظيم عرضه الله -تعالى- على بعض مخلوقاته فمنها من أبى ومنها من قبل، عرض الله -تعالى- هذا الأمر على أن من قبل فأطاع أثيب، ومن قبل فعصى عُوقب.

 

فعرض الله -تعالى- هذا الأمر على السماوات فأبت؛ خوفًا من عدم القيام به وعرضه على الأرض فأبت وعرضه على الجبال فأبت وعرضه على الإنسان فقبل.

 

يقول الله -عز وجل- في بيان هذا الأمر يقول: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) [الأحزاب:72].

 

فبيَّن الله -عز وجل- أنه عرض الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها خوفًا، ولهذا قال: (وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا) أي: خفنا من عواقب حملها.

 

واتفقت أقوال المفسرين على أن المراد بالأمانة في الآية جميع التكاليف الشرعية فمن قام بها أثيب ومن تركها عوقب.

 

وإنما أشفقت السماوات والأرض والجبال من حمل هذه الأمانة لما ينشأ عن التساهل بها من عذاب الله -عز وجل- وسخطه وعقابه وإيثارًا للعافية والسلامة وبعدًا عن التبعة.

 

وعرضها الله -تعالى- على الإنسان فحملها الإنسان على ضعفه وظلمه وجهله وبما فيها من مسئولية عظيمة وخطورة بالغة.

 

فانقسم الناس من بعد هذا التحمل إلى ثلاثة أقسام ذكرهم الله -تعالى- في الآية التي بعدها بقوله: (لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) [الأحزاب:73].

 

فالقسم الأول: المنافقون والمنافقات الذين التزموا بها ظاهرًا وضيعوها باطنًا، يُظهرون الإيمان خوفًا من أهله، ويبطلون الكفر متابعة لأهله.

 

والقسم الثاني: المشركون والمشركات الذين ضيَّعوا هذه الأمانة ظاهرًا وباطنًا فظاهره وباطنهم الكفر بالله ومخالفة رسله.

 

والقسم الثالث: المؤمنون والمؤمنات الذي حفظوا هذه الأمانة ظاهرًا وباطنًا، فالقسمان الأولان معذبان، والقسم الثالث مرحوم، ولذا قال -تعالى-: (لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) [الأحزاب:73].

 

عباد الله: إن الأمانة مسؤولية عظيمة وعبء ثقيل إلا على من خفَّفه الله -عز وجل- عليه، وقد تحملنا هذه الأمانة وحملناها على عواتقنا والتزمنا بمسئوليتها، وسنُسأل عنها يوم القيامة.

 

الأمانة شاملة لكل ما استُحفظ عليه العبد من حقوق، سواء أكانت لله -تعالى- أم لخلقه، فالأمانة التي تكون في الحقوق التي تكون بين العبد وربه تعني أن يقوم بطاعة الله مخلصًا لله متبعًا لرسوله -صلى الله عليه وسلم- ممتثلاً أوامره مجتنبًا نواهيه يخشى الله في السر والعلن، فالصلاة أمانة، والزكاة أمانة، والصيام أمانة، والحج أمانة، وكل واجبات الدين أمانة يجب الوفاء بها.

 

وأما الأمانة في المعاملة التي تكون بين العبد وبين الناس فتعني أن تعامل الناس بمثل ما تحب أن يعاملوك به من النصح والبيان، وأن تكون حافظًا لحقوقهم المالية وغير المالية من كل ما استأمنت عليه لفظًا أو عرفًا.

 

فتكون الأمانة بين الرجل وصاحبه يحدثه بحديث سر يعلم أنه لا يحب أن يطلع عليه أحد، فإذا أفضى سره وحدث به الناس، فقد خان الأمانة، وقد عد النبي -صلى الله عليه وسلم- خيانة الأمانة من علامات المنافقين، وقال: "آية المنافق ثلاث"، وذكر منها "إذا اؤتمن خان"، وقال: "أربع من كنَّ فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها.." وذكر "إذا اؤتمن خان".

 

وتكون الأمانة بين الرجل وزوجته فيجب على كل واحد منهما أن يحفظ للآخر ماله وسره فلا يحدث بذلك أحداً.

 

أخرج مسلم في صحيحه عن أبي سعيد -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنَّ مِن أشرِّ الناس عند الله منزلة يوم القيامة، الرجل يُفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سرها".

 

وتكون الأمانة في البيع والشراء، والإيجار والاستئجار، فلا يجوز للبائع أن يخون المشتري بنقص في الكيل أو الوزن أو زيادة الثمن أو كتمان العيب، أو تدليس الصفة ونحو ذلك.

 

ولا يجوز للمشتري أن يخون البائع بنقص في الثمن وإنكار أو مماطلة مع قدرة على الوفاء.

 

ولا يجوز للمؤجر أن يخون المستأجر بنقص شيء من مواصفات المستأجر ونحو ذلك، ولا يجوز للمستأجر أن يخون المؤجر بنقص الأجرة أو إنكارها أو التصرف بما يضر المستأجر سواء أكان ذلك المستأجر دارًا أم دكانًا أو آلة أو مركوبًا أم غير ذلك.

 

وتكون الأمانة في الإدانة والاستدانة فليس للدائن أن يستغل حاجة أخيه فيزيد عليه في الربح زيادة فاحشة، ولا يجوز للمستدين أو المستقرض أن يتأخر عن السداد أو الوفاء مع قدرته على ذلك، فإن ذلك مع كونه خيانة للأمانة سببٌ لمحق البركة.

 

أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ".

 

فانظر إلى النية لا تجد إنسانًا يؤخر أموال الناس إما بقرض أو باستدانة أو بغير ذلك، وهو حريص على السداد، حريص على الوفاء إلا ويعينه الله -عز وجل- ويفتح له أبواب من الرزق من حيث لا يحتسب حتى يسدد هذا الدين في فترة قصيرة.

 

وأما من أخذ أموال الناس بنية المماطلة وعدم الوفاء والتأخير، وكل يوم يأتي له بأعذار، فإن هذا موعود بأن يتلفه الله.

 

وتأمل قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أتلفه الله"، ولم يقل أتلف الله ماله، ليكون الإتلاف عامًّا، قد يكون الإتلاف لماله وقد يكون الإتلاف لصحته، وقد يكون الإتلاف بمحق البركة في أولاده أو باستقراره الأسري أو في غير ذلك جزاءًا وفاقًا على إتلافه أموال الناس.

 

إن من الناس من أصبح ديدنه المماطلة في أداء الحقوق عندما يقترض من أحد قرضًا أو يستدين دينًا أو يستأجر دارًا فإنه يماطل في أداء الحقوق التي عليه مع قدرته على الوفاء، صاحب الحق إما أن يترك حقه أو بعض حقه له، أو أن يرفع أمره للجهات الخاصة مع ما يتبع ذلك من عناء المشقة ونقول لهذا الصنف من الناس: اتقوا الله -تعالى- واعلموا أنكم بذلك تضرون أنفسكم.

 

المماطلة في أداء الحقوق خيانة للأمانة ومحق للبركة وقلة التوفيق، وتذكروا قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لَتُؤَدُّنَّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجَلحاء –أي التي لا قرن لها- من الشاة القَرناء" (رواه مسلم).

 

وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرض أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أُخذ منه قدر مظلمته، وإن لم يكن حسنات أُخذ من سيئات صاحبه فحُمل عليه" (أخرجه البخاري في صحيحه).

 

إن المماطلة في أداء الحقوق سواء أكانت ديونًا أو قروضًا أو أجرة عقار وغير ذلك إنما تنشأ بسبب ضعف الأمانة، وعدم الخوف من الله -سبحانه وتعالى-، وإلا فمن عنده خوف من الله سبحانه تجد أنه يعامل الناس بمثل أن يحب أن يعاملوه به، فكما أنه لا يرضى أن يماطلوه في أداء الحقوق المستحقة عليهم فكذلك ينبغي أن يؤدي الحقوق الواجبة عليه طيبة بها نفسه، فإن ذلك مع كونه واجبًا شرعيًّا فإن ذلك من أسباب حلول البركة ومن أسباب حصول التوفيق.

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

 

عباد الله: ولئن كانت الأمانة شاملة لكل ما احتفظ عليه العبد من حقوق سواء أكانت حقوق لله -تعالى- أم لخلقه فإنها أيضًا شاملة للقيام بمسئولية بجميع وجوها وفي شتى مجالات الحياة.

 

يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ؛ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ".

 

فرب الأسرة عليه مسئولية عظيمة وأمانة كبيرة تجاه أسرته، عليه أمانة ومسئولية في تنشئة أفراد أسرته على الخير والصلاح، في أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، فالذي أهمل أسرته يراهم يرتكبون المنكرات، ومع ذلك لا ينكر عليهم يكون بذلك قد خان الأمانة يرى أولادهم على فرشهم نائمين لا يأمرهم بالصلاة بحجة أنهم لا يستجيبون، وهذا غير صحيح ولا يعفيه من المسئولية، بل يجب عليه أن يأمرهم بهذه العبادة، وبهذا الركن الذي هو عمود دين الإسلام، والذي يرى أفراد أسرته ينظرون إلى قنوات تبث السم الزعاف يرى فيها التحرش الجنسي، ويرى فيها الرجل يقبِّل امرأة أجنبية، ويرى أفراد أسرته ينظرون إلى هذه المنكرات ومع ذلك لا ينكر عليهم ولا يحرص على حذف هذه القنوات ومنعها من بيته يكون بهذا قد خان الأمانة، خان أمانة الله -عز وجل- في أفراد أسرته.

 

إن أفراد الأسرة من بنين وبنات وزوجة أمانة في عنق والدهم، وسيُسأل يوم القيامة أمام رب العالمين عن هذه الأمانة في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ليستحضر رب الأسرة قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الرجل راعٍ في أهل بيته ومسئول عن رعيته"، فليستحضر عظيم هذه الأمانة وهذه المسئولية.

 

إن من الناس من لا يقيم لهذه المعاني وزنًا تجد أن همه الأكبر تحصيل الأموال والاشتغال بالمصالح الدنيوية، وربما تحصيل المصالح المادية البحتة لأفراد أسرته، ولكن أمور استقامتهم على طاعة الله -عز وجل- لا يهتم بها ولا يلقي لها بالاً.

 

والله -عز وجل- يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) لم يقل قوا أنفسكم نارا فقط وإنما عطف (أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6].

وقاية الأهل من النار إنما تكون بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر بإرشادهم وتوجيههم.

 

وإن من الناس لا يفعل ذلك ولا يقوم بواجب المسئولية إما أنه غير مهتم أنه أصيب بإحراج، ويقول: إنهم لا يستجيبون وهذا لا يعفيه من المسئولية، يجب على الأب أن  يأمر أولاده بأداء الصلاة مع الجماعة في المسجد حتى يقوموا بأداء هذه المسئولية والأمانة، سواء استجابوا أو لم يستجيبوا، فإنه إذا فعل ذلك قد أبرأ ذمته أمام الله -عز وجل-.

 

أما انه يذهب إلى المسجد ويترك أولاده نائمين في فرشهم وهو يراهم لا يصلون ولا يؤدون الصلاة مع الجماعة في المسجد، فإن ذمته لا تبرأ أمام الله -عز وجل- حتى إن كان عاجزًا عنهم يجب عليه أن ينقذهم، وأن يأمرهم بأداء الصلاة حتى يبرأ ذمته أمام الله -عز وجل- ويكون قد اتقى الله -عز وجل- في أداء هذه الأمانة.

 

وقد أثنى الله -تعالى- على نبيه إسماعيل -عليه الصلاة والسلام- قال: (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا) [مريم:55]، وقال عن لقمان: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ) ودعا إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- قال: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي..) [إبراهيم:40].

 

فالمطلوب من المسلم أن يحرص على أن يقيم أهل بيته الصلاة؛ فإنهم إذا أقاموا الصلاة صلحت بقيت أمور دينهم؛ لأن الصلاة هي الميزان إذا صلحت صلح دين الإنسان، وإذا فسدت فسد دينه.

 

الصلاة هي عمود دين الإسلام، والصلة بين العبد وربه (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) [طه: 132].

 

عباد الله: وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن الأمانة تُرفع في آخر الزمان كما جاء ذلك في الصحيحين من حديث حذيفة -رضي الله عنه- حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ رَفْعِ الأَمَانَةِ , قَالَ: "حَتَّى يُقَالَ: إِنَّ فِي بَنِي فُلانٍ رَجُلاً أَمِينًا, وَحَتَّى يُقَالَ لِلرَّجُلِ: مَا أَجْلَدَهُ , وَمَا أَظْرَفَهُ , وَمَا فِي قَلْبِهِ حَبَّةٌ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ".

 

أي أن الأمين في آخر الزمان يكون غريبًا في الناس حتى يُمدح من لا خير فيه ولا إيمان، وهذا إنما يكون من أشراط الساعة التي أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنها تقع بين يدي الساعة.

ومن أشراط الساعة رفع الأمانة من الناس حتى يبقى الناس لا أمين فيهم.

 

ألا وأكثروا من الصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير، فقد أمركم الله بذلك فقال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].

 

 

 

المرفقات
عظم الأمانة وثقل المسؤولية.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life