عشر ذي الحجة: فضائل وأحكام

الشيخ د علي بن عبدالعزيز بن علي الشبل

2024-06-05 - 1445/11/28
التصنيفات: عشر ذي الحجة
عناصر الخطبة
1/ خير أيام العام 2/فضائل عشر ذي الحجة 3/الأعمال الصالحة في عشر ذي الحجة 4/صيام يوم عرفة 5/ أفضل صيام النوافل على الإطلاق 6/ذبح الأضاحي 6/التكبير المطلق والتكبير المقيد.

اقتباس

إنها أيامٌ فما أسرع ما تنقضي، وسويعاتٌ فما أسرع ما تمضي، وعندئذٍ يندم النادم على أنه لم يزدد فيها عملاً صالحًا أو يستكثر فيها من ذلك، ويندم النادم على تفريطها؛ فإن الغبن كل الغبن ذلك الذي مرَّ عليهِ الزمان الفاضِل ثم مضى عليهِ ولم يستثمره في عملٍ صالحٍ...

الخطبةُ الأولَى:

 

إنَّ الحَمْد لِله؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمْنْ يُضْلِل فلا هادي له، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدُهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نبينا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُه صلى الله عليهِ وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعدُ عباد الله: فاتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من دينكم الإسلام بالعروة الوثقى، فإن أجسادنا على النار لا تقوى، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

عباد الله: لقد أظلتكم أيامٌ شريفة هي خير أيام العام على الإطلاق، نوَّه الله -عَزَّ وَجَلَّ- بشأنها، وأقسم بها في قوله -سبحانه-: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ)[الفجر: 1-2]، فقد جاء عن جمعٍ من السلف من الصحابة والتابعين -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- أن هذه الليالي العشر هي أيام العشر الأولى من ذي الحجة.

 

فكما أن ليالي العشر الأخير من رمضان هي خير ليالي العام على الإطلاق لاشتمالها على ليلة القدر؛ فإن أيام العشر الأولى من ذي الحجة هي خير أيام العامِ على الإطلاق؛ لأنها تشتمل على يوم العيد عيد الأضحى يوم الحج الأكبر.

 

 في الصحيحين من حديث ابن عباس -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قال: قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "ما من أيامٍ العمل الصالح فيهن أحبُّ إلى الله"، وفي رواية: "ما من أيامٍ العمل الصالح فيهن أفضل من هذه العشر"، قالوا: ولا الجهادُ في سبيل الله يا رسول الله؟ قال: "ولا الجهادُ في سبيل الله إلا من خرج بنفسهِ وماله ولم يرجع من ذلك بشيء"(أخرجاه في الصحيحين).

 

ودلَّ الحديثُ على أن من خرج بنفسهِ وماله في سبيل الله مُجاهدًا فضحَّى بنفسه ورجع ماله؛ أن العمل في هذه العشر أفضل، ومن خرج بنفسهِ وماله فأنفق ماله كله في سبيل الله ورجع بنفسه فجنسُ العملِ الصالح في العشر أفضل من جنس العمل هذا؛ لقوله -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "إلا من خرج بنفسهِ وماله ولم يرجع من ذلك بشيء".

 

وجنس العمل الصالح بالعشر -يا عباد الله- ينقسم إلى أنواعٍ ثلاثة:

فأولها وأعظمها: هو أداء فرائض الله علينا، فإن جنس أداء الفرائض في العشر أفضل من أداءِ جنسها في غيره، وفي صحيح البُخاري من حديث أبي هريرة -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْه- قال: قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "قال الله -عَزَّ وَجَلَّ-: من عادى لي وليًّا فقد بارزني بالمحاربة، وما تقرَّب إلي عبدي بشيءٍ أحبُّ إلي مما افترضته عليه".

 

النوع الثاني -يا عباد الله- من الأعمال الصالحةِ في العشر: جنسُ المُستحبات والفاضلات وأولاها ما كان من جنس الفرائض كالصلوات والزكوات والصدقات والصيام وأداء الحج والعمرةِ فرضًا ونفلاً، وما كان من جنسِ ذلك.

 

النوع الثالث من جنس العمل الصالح في العشر: هو ترك المحرمات، والانتهاء عمَّا حرَّمه الله -عَزَّ وَجَلَّ- وكرهه وحرَّمه رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- وكرهه، فجنسُ العملِ هاهنا أفضل من غيرها.

 

 فالله الله يا عباد الله، أروا الله من أنفسكم في هذه المواسِم الخَيّرةِ خيرًا، واعلموا أنها أيامٌ فما أسرع ما تنقضي وسويعاتٌ فما أسرع ما تمضي، وعندئذٍ يندم النادم على أنه لم يزدد فيها عملاً صالحًا أو يستكثر فيها من ذلك، ويندم النادم على تفريطها؛ فإن الغبن كل الغبن ذلك الذي مرَّ عليهِ الزمان الفاضِل ثم مضى عليهِ ولم يستثمره في عملٍ صالحٍ يودعه حتى يبيض بهِ وجهه يوم يلقى ربه.

 

 نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه كان غفارًا.

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله، الحمد لله الذي أعاد مواسِم الخيرات على عباده، فلا ينقضي موسمٌ إلا ويعقبه آخرُ مرةً بعد أُخرى، وأُصلّي وأسلَّم على عبدهِ ورسولهِ النبي المُصطفى والرسولِ المُجتبى، صلى الله عليه وعلى آلهِ وأصحابه أولي الفخر والنهى، ما طلع ليلٌ وأقبل عليهِ نهارٌ وضُحى.

 

أما بعد عباد الله: إن من العمل الصالح في هذه العشر صِيامها، وآكد ما يكون الصيام في يومِ عرفة يوم التاسع، وهو أفضل صيام النوافل على الإطلاق؛ لما جاء في صحيح مُسلم من حديث أبي قتادة الأنصاري -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْه-، أن رجلاً سأل النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- عن صيامِ يوم التاسع؟ قال: "أحتسب على الله أن يُكفِّر السنة الماضية والسنة الباقية"؛ أي من الصغائر دون الكبائر.

 

أما يوم النحر يوم الأضحى يوم الحج الأكبر فإنه لا يصحُّ صومه بإجماع العلماء؛ لنهي النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- عن صيام يومي العيد.

 

 واعلموا -عباد الله- أن من الأعمال الصالحة في يوم النحر ذبح الهدايا والأضاحي، فالهدايا للحُجَّاجِ المتمتعين والقارنين من غير أهل مكة، والأضاحي لعموم المُسلمين في الآفاق، وما تُقرِّب إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ- في يوم النحر أفضل من شيءٍ بإهراقِ دم وإن الدم ليبلغ عند الله -عَزَّ وَجَلَّ- بمكان قبل أن تبلغ قطرته الأرض.

 

واعلم أيها المُضحِّي أن لك حكمًا يستقل بك لا يتعدَّى إلى غيرك لا إلى أهلك المُضحَّى عنهم ولا إلى وكيلك الذي يقوم بأداءِ الأُضحية عنك، وهو أن تلتزم من دخول العشر بترك أخذ شعرك، وترك أخذ أظفارك، وترك أخذ بشرتك؛ لما جاء في صحيح مُسلم  من حديث أم سلمة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قالت: قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يُضحِّي فلا يأخذ من شعرهِ ولا من ظفره ولا من بشرتهِ شيئًا"؛ تعبدًا لله -عَزَّ وَجَلَّ- حتى يذبح أُضحيته، وهذا -يا عباد الله- حُكمٌ خاصٌ بالمُضحِّي بنفسه سواءً باشر بنفسهِ ذبح الأُضحية أو وكَّل غيره ليقوم بذبحها.

 

واعلموا -عباد الله- أن هذا الإمساك عن هذه الثلاثة يبدأ من دخولِ ذي الحجة إما برؤية هلالهِ في هذه الليلة أو بإتمام ذي القعدة ثلاثين يومًا؛ أي بغروبِ شمسِ آخر أيامِ ذي القعدة.

 

 واعلموا -عباد الله- أنه بغروب شمس آخر أيامِ ذي القعدة يبدأ التكبيرُ المُطلق، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، وينتهي التكبير المُطلق بغروب شمس آخر أيامِ التشريق يوم الثالث عشر من ذي الحجة.

 

 وأما التكبير المُقيَّد فيبدأ لغير الحُجاج من صلاةِ فجر يوم عرفة إلى صلاة العصر آخر أيامِ التشريق، وأما الحُجَّاج فيبدأ تكبيرهم بعد انتهائهم من الوقوف وبعد دفعهم إلى منى، وبمباشرتهم رمي الجمار تنتهي عبادة التلبية ويبدأ عبادة التكبير.

 

ثم اعلموا -عباد الله- أن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وشر الأمورِ محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وعليكم عباد الله بالجماعة فإن يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار، ولا يأكل الذئب إلا من الغنم القاصية.

 

اللهم صلِّ على محمد وعلى آلِ محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد، اللهم وارضَ عن الأربعةِ الخلفاء، وعن العشرةِ وأصحابِ الشجرة، وعن المُهاجرين والأنصار، وعن التابعِ لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم عزًّا تُعز به أولياءك، وذلاً تذل به أعداءك، اللهم أبرم لهذه الأمةِ أمرًا رشدًا يُعز به أهل طاعتك، ويُهدى بهِ أهل معصيتك، ويؤمر فيهِ بالمعروف، ويُنهى فيهِ عن المنكر يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم آمنا والمُسلمين في أوطاننا، اللهم أصلح أئمتنا وولاةَ أمورنا، اللهم اجعل ولايتنا والمُسلمين فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

 

اللهم من ضرنا وضر المؤمنين فضره، ومن مكر بنا فامكر به، ومن كاد علينا فكِد عليهِ يا خير الماكرين، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم من أراد بلادنا أو أراد أمننا أو أراد ولاتنا وعلماءنا وأراد شعبنا بسوء اللهم فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، اللهم اجعل تدبيرهُ تدميرًا عليه.

 

اللهم احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وعن شمائِلنا، ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نُغتال وأنت ولينا، اللهم تقبَّل صيامنا وزكاتنا وصلاتنا وركوعنا وسجودنا، اللهم تقبَّل منا الصيام يا رب العالمين.

 

اللهم كن للمُستضعفين من المُسلمين في كل مكان، كن لنا ولهم وليًا ونصيرًا وظهيرًا يا ذا الجلالِ والإكرام، اللهم ارحم المُسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.

 

اللهم اجعل خير أعمالنا أواخرها، وخير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم لقاك يا ذا الجلالِ والإكرام، اللهم إنا نسألك الهدى والتُقى، والعفاف والغنى، ونسألك عزًّا للإسلام وأهله وذلا للكفر وأهلهِ يا ذا الجلال والإكرام.

 

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المُرسلين، والحمد لله رب العالمين.

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life